أمل الكردفاني/ عشان ما تضربش على قفاك..

✍ في اواسط الألفينات، كنت عضواً في منتدى قانوني رائع جداً، اسمه قوانين عربية، وكان صاحبه سعودي، وقد تطور المنتدى بشكل مذهل، ولكن استيقظت في صباح أحد الأيام ووجدته وقد اختفى تماماً ( هو ومالكه). كنت قد تعرفت على العديد من الأصدقاء الرائعين عبر هذا المنتدى، وأتذكر أن أحدهم أنزل كتابا لعقيد متقاعد مصري اسمه عمر عفيفي، وقد جذبني عنوان كتابه الساخر: عشان ما تضربش على قفاك. قمت بتحميل نسخة الكتاب واطلعت عليه لأفجأ بأنه كتاب عظيم جداً؛ إذ أنه كتاب مكتوب باللهجة المصرية الدارجة، يشرح فيه العقيد عفيفي حقوق المواطن من خلال قانون الإجراءات الجنائية، حتى لا يتم تخويفه من قبل الشرطة والأمن.
وكان عفيفي نفسه أول من تلقى الضرب على القفا، إذ تم مصادرة كتابه وتشويه سمعته عبر وسائل الإعلام.
فالكتاب خطير جداً..
لماذا؟
لأنه كتاب تنويري، شعبوي، حقوقي، يقرأه الجاهل بالقانون فيعرف أن ما تمارسه عليه سلطات الدولة من قهر هو ضد القانون وليس عملا مشروعاً.
من هنا تبدأ الثورات الحقيقية... من الإستنارة وليس من العاطفة.
إن ما نساهم به كمحررين قانونيين، من خلال المقالات المكتوبة بلغة بسيطة، أعظم من إنتاج فلاسفة كبار يعيشون في أبراج عاجية، وسطر واحد من كتاب عفيفي أفضل بآلاف المرات من جميع مؤلفات ألتوسير وفوكو وباشلار في دولنا المشربة بالفقر والجهل والمرض.
عندما نكتب من أجل الحياة الواقعية، ومن أجل الإنسان، ومن أجل التوعية، حتى لا تُضرب هذه الشعوب البائسة على قفاها، نتحمل نحن الضرب على قفانا، فيخرج لك سفهاء العقول، ومرتزقة الأنظمة، ليعملوا على إخماد رصاص كلماتك في بندقية قلمك.. فنحن من نؤذَى من أجل أنفسنا، لأننا حين نعمل على نشر تنوير الشعوب، نشعر بالرضى الذاتي. عندما نتعمد الكتابة بالعامية وغير مكترثين لقواعد البلاغة والنحو، فنحن نبحث عن إبلاغ من لا يجيدون اللغة الفصحى ولا يعرفون قواعد اللغة، ولا يكترثون بها، لأن من أجل هؤلاء نكتب لا من أجل الشعراء والزعماء السياسيين.
أو كما قال المسيح فإن الطبيب لا يذهب للأصحاء.
لقد حررت الآلاف من المقالات طوال حياتي، ليس رغبة في الشهرة التي لم أنالها حتى اليوم، وإنما من أجل إيصال رسائل أعتقد -دون وصاية نرجسية- بأنها تضيف للمواطن البسيط بقعة ضوء أمام قدميه إذ يسير في ظلمته الحالكة والتي تغذيها الأنظمة القمعية ووكالاتها المنتشرة كالنار في الهشيم، كمنظمات حقوق الإنسان العوراء التي ترى فقط ما يناسب سياسة الدول التي أسستها، وكالجوائز العالمية التي تمنح لأبطال من ورق، وكعالم القنوات الفضائية التي لا تفتح أبوابها إلا للمتملقين لمؤسسيها، وكالديموقراطيات المزيفة، التي تعمل على الإقصاء والتهميش بذراع القانون تارة والسلاح تارة وإثارة النزعات العنصرية تارات أُخَر، والإعلام الموجه (باستمرار).
العالم الموبوء بالقتل المجاني العدواني والمتعمد، والذي تبرره القوى الكبرى تحت ذريعة نزع الأسلحة الكيماوية، والحرية، والديموقراطية، وهي تلقي بثقل أسلحتها المتنوعة في الفرادة وإدهاش صور الفتك، كالقنبلة النووية في هيروشيما ونجازاكي والقنابل العنقودية والفسفورية، والحرب النفسية، والاغتيال الأدبي عبر الإعلام، وانتهاء بالحرب البايولوجية..
عمر عفيفي كتب من أجل التوعية والتنوير، فانضرب على قفاه، ولكنه انتصر بعد ذلك، وسنكتب نحن مستلهمين تجربته، ومجهزين قفانا للضرب مثله، وأيضاً سننتصر مثله، ونعرف أننا نخوض ضد أمواج عاتية، ملؤها جهالة الشعوب، وغوغائيتهم وعاطفتهم العمياء، وعنصرياتهم، ورواسبهم التاريخية، وكل ذلك تحت قيادة تحالف (السلطة والمال)...ومع ذلك لن نتوقف...
ستجد شقيقك مندهشاً، وصديقك غاضباً، وجارك معاتباً، وزميل عملك حانقاً، ولكنك مع ذلك ستكتب من أجل كل هؤلاء... ويوماً ما ستكتشف الشعوب المُستغفلة أن هناك ( مِن حولِهم) تجاراً لكل شيء كانوا يستغلون جهلهم؛ تجار دين، وتجار إلحاد، وتجار سياسة، وتجار ثورات، وتجار آيدولوجيات، وتجار أزمات، وتجار حروب يضربونهم على القفا، وأنك كنت حين تحاول أن تخبرهم بوسائل تجنب الضرب على القفا، كانوا هم أكف أسيادهم التي تضربنا على القفا...
ولكننا نقول:
ومن يجعل الكلب العقور ببابه = فبلاء كل الناس من صاحب الكلب
ثم نستمر...
التفاعلات: ياسين الخراساني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...