هذا هو دون شك أحد الأسئلة الكثيرة التي كثيرًا ما توجّه إلى الروائي. ولدى المرء دوماً إجابة مرضية، تناسبُ من يوجه السؤال. لكن الأمر أبعد من ذلك: فمن المجدي محاولة الإجابة عنها لا لمتعة التنويع وحسب، كما يقال، وإنما لأنه يمكن الوصول من خلاله الى الحقيقة.
ولأن هناك أمراً مؤكداً على ما أظن، وهو أن أكثر من يسألون أنفسهم كيف تكتب الرواية، هم الروائيون بالذات. ونحن نقدم لأنفسنا أيضًا إجابة مختلفة في كل مرة. وأنا أعني بالطبع الكتاب الذين يظنون أن الأدب هو فن موجّه لتحسين العالم. أما الأخرون، ممن يرون أنه فنٌ مكرّسٌ لتحسين حساباتهم المصرفية، فلديهم معادلات للكتابة ليست صائبة وحسب، بل ويمكن حلها بدقة متناهية وكأنها معادلات رياضية. والناشرون يعرفون ذلك. فقد كان أحدهم يتسلى منذ وقت قريب موضحًا لي سهولة الطريقة التي تكسب بها داره للنشر الجائزة الوطنية للآداب: قبل كل شيء لابد من دراسة أعضاء لجنة التحكيم – من خلال تاريخهم الشخصي – وأعمالهم وذوقهم الأدبي. ويرى الناشر أن محصلة جميع هذه العناصر توصله إلى حد وسطي لذوق لجنة التحكيم الأدبي. ويقول:” لهذا وجدت الحاسبات الالكترونية”. وبعد الوصول إلى نوع الكتاب الذي يتمتع بأكبر الاحتمالات للفوز بالجائزة، يتوجب التصرف بطريقة معاكسة لما يجري في الحياة: فبدلاً من البحث أين هو هذا الكتاب، يجري البحث عمن هو هذا الكتاب – سواء أكان جيداً أم رديئاً – المؤهل أكثر من سواه لفبركته. وما سوى ذلك ليس إلا التوقيع على عقدٍ معه ليجلس ويكتب المواصفات المحددة، الكتاب الذي سيفوز في السنة التالية بالجائزة الوطنية للآداب. والمخيف في الأمر هو أن الناشر قد أخضع هذه اللعبة لمطحنة الحاسبات الالكترونية، وأعطته الحاسبات أن احتمال النجاح سبعة وثمانون بالمئة.
المسألة ليست إذا في كتابة رواية – أو قصة قصيرة - وإنما في كتابتها بجدية، حتى ولو لم تبع فيما بعد ولم تنال أية جائزة. هذه هي الاجابة التي لا وجود لها، واذا كان هناك من يملك الأسباب لمعرفة ذلك في هذه الايام، فهو من يكتب الآن هذه السطور محاولا من أعماقه إيجاد حلّه الخاص لهذه الأحجية.
فقد عدتُ مؤخرًا إلى مكتبي الخاص في مكسيكو، حيث تركت منذ سنة كاملة عددًا من القصص القصيرة غير المكتملة ورواية كنتُ قد بدأت بكتبتها وأحسست أني لم أجد طرف الخيط كي تكر اللفافة.
بالنسبة للقصص القصيرة، لم أجد أية مشكلة: لقد صارت إلى سلة المهملات. فبعد قراءتها إثر سنة من الغياب الصحي، أتجرأ على أن أقسم – وربما كنت محقاً – بأنني لست كاتبها. إنها تشكل جزءًا من مشروع قديم يتألف من ستين قصة قصيرة أو أكثر تتناول حياة الأميركيين اللاتينيين في أوروبا، وكان عيب هذه القصص الأساسي والسبب في تمزيقها هو أني أنا نفسي لم اقتنع بها.
ليس لديّ من التبجّح ما يجعلني أقول أن يدي لم ترتعش حين مزقتها، ثم حيث بعثرت القصصات لأحول دون جمعها إلى بعضها بعضاً من جديد. لقد ارتعشت، ولم تكن يداي وحدهما هما اللتان ارتعشتا، لأني أحتفظ لعملية تمزيق الأوراق هذه بذكرى قد تكون مشجعة، لكنها تبدو لي مربكة.
إنها ذكرى ترجع إلى ليلة حزيرانية من عام 1955، عشية سفري إلى أوروبا كموفد خاص من صحيفة الاسبيكتادور، حين جاء الشاعر خورخي غيتان دوران إلى غرفتي في بوغتا ليطلب مني أن أترك له شيئاً ينشره في مجلة ميتو.
كنت قد انتهيت من مراجعة أوراقي، فوضعت في مكان أمين ما رأيت أنه جدير بالحفظ، ومزقت ما هو ميؤوس منه.
بدأ غيتان دوران بالبحث في سلة المهملات عن الأوراق الممزقة، بنهمه الذي لا يرتوي نحو الأدب، وخصوصًا نحو اكتشاف قيم مغمورة. وفجأة وجد شيئاً لفت انتباهه، فقال لي: “لكن هذا صالح جداً للنشر”، فأوضحت له لماذا مزقته: إنه فصل كامل انتزعته من روايتي الأولى عاصفة الأوراق – وكانت الرواية قد نشرت في ذلك الحين – ولا يمكن له أن يلقى مصيراً مشرفاً إلا في سلة المهملات.
لم يتنفق غيتان دوران مع وجهة نظري، ورأى أن النص قد يكون فائضاً عن الحاجة في مسار الرواية ولكن له قيمة مختلفة بذاته. فخوّلته – ليس لقناعتي بوجهة نظره بقدر ما كان ذلك لإرضائه – صلاحية ترقيع الأوراق الممزقة بشريط لاصق، ونشر الفصل على أنه قصة قصيرة.
“وأي عنوان نضع له؟”، سألني مستخدماً صيغة جمع قلما كانت دقيقة كما هي في تلك الحالة. فقلت له: “لست أدري، فهاذا لم يكن سوى مونولوج لإيزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو”، وكتب غيتان دوران في الهامش العلوي للورقة الأولى، وفي الوقت نفسه الذي كنت اقول فيه: “مونولوج ايزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو”. وهكذا استعيدت من القمامة احدى قصصي القصيرة التي قوبلت بأفضل إطراء من جانب النقد، ومن جانب القرّاء على وجه الخصوص.
ومع ذلك، لم تفدني هذه التجربة في عدم مواصلة تمزيق أصول المخطوطات التي تبدو لي غير صالحة للنشر، بل انها علمتني ضرورة تمزيقها بطريقة لا يمكن معها اعادة ترقيعها ثانية.
إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرًا أشبه بصبّ الإسمنت المسلح.
إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرًا أشبه بصبّ الإسمنت المسلح.
إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرًا أشبه بصبّ الإسمنت المسلح. أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر. وهذا يعني أنه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الاولى فالأفضل عدم الاصرار على كتابتها. بينما الأمر في الرواية أسهل من ذلك: إذ من الممكن العودة للبدء فيها من جديد. وهذا ماحدث معي الان. فلا الإيقاع، ولا الأسلوب، ولا تصوير الشخصيات كانت مناسبة للرواية التي تركتها نصف مكتملة. وتفسير هذه الحالة هو واحد ايضاً: فحتى أنا نفسي لم أقتنع بها.
وفي محاولة للبحث عن حل عدت إلى قراءة كتابين اعتقدت أنهما مفيدان. أولهما هو التربية العاطفية لفلوبير، ولم أكن قد قرأته منذ أرق الجامعة البعيد، فلم يفدني إلا في تفادي التشابهات التي كانت ستبدو مريبة، لكنه لم يحل لي المشكلة. أما الكتاب الآخر الذي عدت إلى قراءته فهو بيت الجميلات النائمات لياسوناري كواباتا، الذي صفع روحي قبل ثلاث سنوات، ومازال كتاباً جميلاً. لكنه لم ينفعني هذه المرة في شيء، لأنني كنت أبحث عن أساليب التصرف الجنسي لدى المسنين، وما وجدته في الكتاب هو سلوك المسنين اليابانيين، الذي يبدو شاذاً مثل كل ماهو ياباني، وليس له أدنى علاقة دون ريب بالسلوك الجنسي لمسنّي منطقة الكاريبي.
حين تحدثت عما يقلقني على المائدة، قال لي أحد ابنيّ – وهو صاحب التوجه العملي -: “انتظر بضع سنوات أخرى وستتعرف على الأمر من خلال تجربتك الشخصية”. أما الآخر وهو فنان فقد كان أكثر دقة وتحديداً: “عد إلى آلام فارتر”، قال لي ذلك دون أي أثر للسخرية في صوته. فحاولتُ قراءته فعلاً، ليس لأني أبٌ مطيع جداً وحسب، وإنما لأني فكرت كذلك بأن رواية غوته الشهيرة قد تفيدني. لكنني لم أنته هذه المرة إلى البكاء في جنازة الشاب فارتر، كما جرى لي في المرة السابقة، وإنما لم أستطع تجاوز الرسالة الثامنة، وهي تلك التي يروي فيها الشاب المنكوب لصديقه غيليرم كيف أنه بدأ يشعر بالسعادة في كوخه المتوحد. ووجدتُ نفسي ما أزال في مكاني، حتى أنني لم أجد غرابة في اضطراري لعضّ لساني كي لا أسأل كل من التقي به: ” قل لي يا اخي، اللعنة كيف يمكن كتابة رواية؟”.
طلب مساعدة:
لقد قرأتُ يومًا، أو شاهدتُ فيلماً، أو أن أحدًا روى لي حادثة واقعية ملخصها كما يلي: أدخل ضابط في البحرية عشيقته إلى قمرة سفينته الحربية خفية، وعاشا حبًا صاخبًا في تلك الحجرة الضيقة، دون أن يكشف أمرهم أحد لعدة سنوات.
فأرجو ممن يعرف من هو مؤلف هذه القصة الجميلة أن يعرّفني به بأسرع ما يمكن. فقد سألت كثيرين وكثيرين وكانوا جميعهم لا يعرفونه، حتى بدأت أشك بأنها قد خطرت لي أنا بالذات في أحد الأيام ونسيتها. شكراً
ولأن هناك أمراً مؤكداً على ما أظن، وهو أن أكثر من يسألون أنفسهم كيف تكتب الرواية، هم الروائيون بالذات. ونحن نقدم لأنفسنا أيضًا إجابة مختلفة في كل مرة. وأنا أعني بالطبع الكتاب الذين يظنون أن الأدب هو فن موجّه لتحسين العالم. أما الأخرون، ممن يرون أنه فنٌ مكرّسٌ لتحسين حساباتهم المصرفية، فلديهم معادلات للكتابة ليست صائبة وحسب، بل ويمكن حلها بدقة متناهية وكأنها معادلات رياضية. والناشرون يعرفون ذلك. فقد كان أحدهم يتسلى منذ وقت قريب موضحًا لي سهولة الطريقة التي تكسب بها داره للنشر الجائزة الوطنية للآداب: قبل كل شيء لابد من دراسة أعضاء لجنة التحكيم – من خلال تاريخهم الشخصي – وأعمالهم وذوقهم الأدبي. ويرى الناشر أن محصلة جميع هذه العناصر توصله إلى حد وسطي لذوق لجنة التحكيم الأدبي. ويقول:” لهذا وجدت الحاسبات الالكترونية”. وبعد الوصول إلى نوع الكتاب الذي يتمتع بأكبر الاحتمالات للفوز بالجائزة، يتوجب التصرف بطريقة معاكسة لما يجري في الحياة: فبدلاً من البحث أين هو هذا الكتاب، يجري البحث عمن هو هذا الكتاب – سواء أكان جيداً أم رديئاً – المؤهل أكثر من سواه لفبركته. وما سوى ذلك ليس إلا التوقيع على عقدٍ معه ليجلس ويكتب المواصفات المحددة، الكتاب الذي سيفوز في السنة التالية بالجائزة الوطنية للآداب. والمخيف في الأمر هو أن الناشر قد أخضع هذه اللعبة لمطحنة الحاسبات الالكترونية، وأعطته الحاسبات أن احتمال النجاح سبعة وثمانون بالمئة.
المسألة ليست إذا في كتابة رواية – أو قصة قصيرة - وإنما في كتابتها بجدية، حتى ولو لم تبع فيما بعد ولم تنال أية جائزة. هذه هي الاجابة التي لا وجود لها، واذا كان هناك من يملك الأسباب لمعرفة ذلك في هذه الايام، فهو من يكتب الآن هذه السطور محاولا من أعماقه إيجاد حلّه الخاص لهذه الأحجية.
فقد عدتُ مؤخرًا إلى مكتبي الخاص في مكسيكو، حيث تركت منذ سنة كاملة عددًا من القصص القصيرة غير المكتملة ورواية كنتُ قد بدأت بكتبتها وأحسست أني لم أجد طرف الخيط كي تكر اللفافة.
بالنسبة للقصص القصيرة، لم أجد أية مشكلة: لقد صارت إلى سلة المهملات. فبعد قراءتها إثر سنة من الغياب الصحي، أتجرأ على أن أقسم – وربما كنت محقاً – بأنني لست كاتبها. إنها تشكل جزءًا من مشروع قديم يتألف من ستين قصة قصيرة أو أكثر تتناول حياة الأميركيين اللاتينيين في أوروبا، وكان عيب هذه القصص الأساسي والسبب في تمزيقها هو أني أنا نفسي لم اقتنع بها.
ليس لديّ من التبجّح ما يجعلني أقول أن يدي لم ترتعش حين مزقتها، ثم حيث بعثرت القصصات لأحول دون جمعها إلى بعضها بعضاً من جديد. لقد ارتعشت، ولم تكن يداي وحدهما هما اللتان ارتعشتا، لأني أحتفظ لعملية تمزيق الأوراق هذه بذكرى قد تكون مشجعة، لكنها تبدو لي مربكة.
إنها ذكرى ترجع إلى ليلة حزيرانية من عام 1955، عشية سفري إلى أوروبا كموفد خاص من صحيفة الاسبيكتادور، حين جاء الشاعر خورخي غيتان دوران إلى غرفتي في بوغتا ليطلب مني أن أترك له شيئاً ينشره في مجلة ميتو.
كنت قد انتهيت من مراجعة أوراقي، فوضعت في مكان أمين ما رأيت أنه جدير بالحفظ، ومزقت ما هو ميؤوس منه.
بدأ غيتان دوران بالبحث في سلة المهملات عن الأوراق الممزقة، بنهمه الذي لا يرتوي نحو الأدب، وخصوصًا نحو اكتشاف قيم مغمورة. وفجأة وجد شيئاً لفت انتباهه، فقال لي: “لكن هذا صالح جداً للنشر”، فأوضحت له لماذا مزقته: إنه فصل كامل انتزعته من روايتي الأولى عاصفة الأوراق – وكانت الرواية قد نشرت في ذلك الحين – ولا يمكن له أن يلقى مصيراً مشرفاً إلا في سلة المهملات.
لم يتنفق غيتان دوران مع وجهة نظري، ورأى أن النص قد يكون فائضاً عن الحاجة في مسار الرواية ولكن له قيمة مختلفة بذاته. فخوّلته – ليس لقناعتي بوجهة نظره بقدر ما كان ذلك لإرضائه – صلاحية ترقيع الأوراق الممزقة بشريط لاصق، ونشر الفصل على أنه قصة قصيرة.
“وأي عنوان نضع له؟”، سألني مستخدماً صيغة جمع قلما كانت دقيقة كما هي في تلك الحالة. فقلت له: “لست أدري، فهاذا لم يكن سوى مونولوج لإيزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو”، وكتب غيتان دوران في الهامش العلوي للورقة الأولى، وفي الوقت نفسه الذي كنت اقول فيه: “مونولوج ايزابيل وهي ترى هطول المطر في ماكوندو”. وهكذا استعيدت من القمامة احدى قصصي القصيرة التي قوبلت بأفضل إطراء من جانب النقد، ومن جانب القرّاء على وجه الخصوص.
ومع ذلك، لم تفدني هذه التجربة في عدم مواصلة تمزيق أصول المخطوطات التي تبدو لي غير صالحة للنشر، بل انها علمتني ضرورة تمزيقها بطريقة لا يمكن معها اعادة ترقيعها ثانية.
إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرًا أشبه بصبّ الإسمنت المسلح.
إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرًا أشبه بصبّ الإسمنت المسلح.
إن تمزيق القصص القصيرة أمرٌ لا مناص منه، لأن كتابتها أمرًا أشبه بصبّ الإسمنت المسلح. أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر. وهذا يعني أنه إذا لم تنجح القصة القصيرة من المحاولة الاولى فالأفضل عدم الاصرار على كتابتها. بينما الأمر في الرواية أسهل من ذلك: إذ من الممكن العودة للبدء فيها من جديد. وهذا ماحدث معي الان. فلا الإيقاع، ولا الأسلوب، ولا تصوير الشخصيات كانت مناسبة للرواية التي تركتها نصف مكتملة. وتفسير هذه الحالة هو واحد ايضاً: فحتى أنا نفسي لم أقتنع بها.
وفي محاولة للبحث عن حل عدت إلى قراءة كتابين اعتقدت أنهما مفيدان. أولهما هو التربية العاطفية لفلوبير، ولم أكن قد قرأته منذ أرق الجامعة البعيد، فلم يفدني إلا في تفادي التشابهات التي كانت ستبدو مريبة، لكنه لم يحل لي المشكلة. أما الكتاب الآخر الذي عدت إلى قراءته فهو بيت الجميلات النائمات لياسوناري كواباتا، الذي صفع روحي قبل ثلاث سنوات، ومازال كتاباً جميلاً. لكنه لم ينفعني هذه المرة في شيء، لأنني كنت أبحث عن أساليب التصرف الجنسي لدى المسنين، وما وجدته في الكتاب هو سلوك المسنين اليابانيين، الذي يبدو شاذاً مثل كل ماهو ياباني، وليس له أدنى علاقة دون ريب بالسلوك الجنسي لمسنّي منطقة الكاريبي.
حين تحدثت عما يقلقني على المائدة، قال لي أحد ابنيّ – وهو صاحب التوجه العملي -: “انتظر بضع سنوات أخرى وستتعرف على الأمر من خلال تجربتك الشخصية”. أما الآخر وهو فنان فقد كان أكثر دقة وتحديداً: “عد إلى آلام فارتر”، قال لي ذلك دون أي أثر للسخرية في صوته. فحاولتُ قراءته فعلاً، ليس لأني أبٌ مطيع جداً وحسب، وإنما لأني فكرت كذلك بأن رواية غوته الشهيرة قد تفيدني. لكنني لم أنته هذه المرة إلى البكاء في جنازة الشاب فارتر، كما جرى لي في المرة السابقة، وإنما لم أستطع تجاوز الرسالة الثامنة، وهي تلك التي يروي فيها الشاب المنكوب لصديقه غيليرم كيف أنه بدأ يشعر بالسعادة في كوخه المتوحد. ووجدتُ نفسي ما أزال في مكاني، حتى أنني لم أجد غرابة في اضطراري لعضّ لساني كي لا أسأل كل من التقي به: ” قل لي يا اخي، اللعنة كيف يمكن كتابة رواية؟”.
طلب مساعدة:
لقد قرأتُ يومًا، أو شاهدتُ فيلماً، أو أن أحدًا روى لي حادثة واقعية ملخصها كما يلي: أدخل ضابط في البحرية عشيقته إلى قمرة سفينته الحربية خفية، وعاشا حبًا صاخبًا في تلك الحجرة الضيقة، دون أن يكشف أمرهم أحد لعدة سنوات.
فأرجو ممن يعرف من هو مؤلف هذه القصة الجميلة أن يعرّفني به بأسرع ما يمكن. فقد سألت كثيرين وكثيرين وكانوا جميعهم لا يعرفونه، حتى بدأت أشك بأنها قد خطرت لي أنا بالذات في أحد الأيام ونسيتها. شكراً