علجية عيش - رسالة إلى المتعصبين: الرسول درب الصحابة على حرية الرأي و التعبير

غياب الحوار وراء ضعف الأمة الإسلامية و انهيارها

إن احتلال شمال افريقية كان أزمة ثقافية لا دينية، حيث فرض الرومان ثقافتهم على المجتمع الأمازيغي، و ظهر ما سمي بالصراع "الدوناتي"، كان الصراع دمويا، إذ كانت مسيحية الأمازيغي مثلا الأقرب إلى التوحيد، ما جعل القديس أوغسطين يقف ضد الثقافة الأمازيغية وظلت الأوضاع على تلك الحال إلى أن جاء الفتح الإسلامي الذي قرّب بين المجتمعات، و كانت هذه الأخيرة لها قابلية للتأقلم مع الوضع الجديد، بحيث لم تكن هناك صراعات بين الأمازيغ و الإسلام


تلعب الطبقة المثقفة دورا مُهِمًّا في تحويل الخلافات الدائرة بين الشعوب و حتى المسؤولين في دولة ما إلى نوع من التعاون و القضاء على كل أشكال الاستعمار الذي كان و ما يزال بمثابة السوط الذي يلهب ظهور الدول و الدعوة كذلك إلى التخلي عن الأفكار السلبية و العقيمة من أجل البناء الفكري الخلقي و الاجتماعي و الاقتصادي أيضا، و هي رسالة بل صرخة لكل مثقف الذي هو مطالب اليوم بتحليل الأسباب التاريخية و بعث الشعوب على الدفاع عن حقوقها و تقرير مصيرها بنفسها و تنظيم حياتها و نشاطها، كما هو مطالب (أي المثقف) بالوقوف على الآثار التي خلفتها الثورات الشعبية و ما هي الأمثلة التي يمكن الاحتذاء بها في تحرير باقي الشعوب من تعنت الحكام ونظامهم الفاسد، الذي وقف ضد التطور، في ظل الشعارات التي تطلقها الأطراف المعارضة لتغذية عقل المواطن العربي و النهوض بالمشاريع البناءة التي ما تزال على الورق، لاسيما و هذه المشاريع تعد جزء من المشاكل التي تعاني منها دول العالم الثالث التي عجزت عن توفير لقمة العيش و لم تضع أي خطوة محكمة و مدروسة لتنفيذ مشاريعها الحيوية و مسيرتها في الحياة و اتجاهها فيها، فإذا اهتزت هذه الصورة لن يكون للأمة شخصية تميزها او سمات تنفرد بها بل تصبح تبعا لغيرها، فالثقافة و المثقف مرتبطان بالمجتمع كونهما عنصران مهمان في المجتمع، و الشعوب بلا ثقافة لا مستقبل لها و لا حضارة، كون هذه الثقافة التي تعبر عن "هُوِيَّة" مجتمع ما، ذات صلة بعقيدته و السلوكات الفردية لهذا المجتمع، و المثقف هو ذلك الإنسان الذي يتكون تفكيره من تلك الأفكار تضاف إليها خبرته الناتجة من احتكاك مباشر لواقع ملموس، و لذا عليه أن يكون ملتزما بقضايا أمته، و هو مطالب بأن يتعرف على إمكانياتها و الطاقة المدخرة فيها، و أن يوازن بين الإمكانيات و الاحتياجات حتى لا تستهلك طاقة الجماهير.
فالاستعمار عندما غزا العالم الإسلامي استعمل أسلوب الهدم و تغييب الدين في المجتمعات الإسلامية، و الإسلام اليوم بقدر ما هو في حاجة إلى أفكار فهو في حاجة الى قائد، أفلا يمكن للمثقف أن يكون هو قائد هذه الأمة؟ فما هو دور المثقف تجاه أمته؟ هو السؤال الذي يلح على الطرح، يقول بعض المفكرين إن مهمة المثقف هي تبصير الأمّة و أن يكون له دور فعال في إدارة الأزمات و الوقوف إلى جانب الحق و مقاومة الظلم و الباطل و يعالج مشكلات المجتمع، غير أن الواقع يعكس ذلك، لأن الكثير من المثقفين يثيرون الإشكاليات و لا يطرحون الحلول لتلك الإشكاليات، بل يتعصبون لأفكارهم و يرفضون الحوار مع الآخر ( المخالف)، و يستعملون معه أساليب الترهيب و التهديد، وقد يذهبون إلى أبعد من ذلك، قد تصل الأمور حد التكفير أو التهديد بالقتل، إنهم ألئك المتشددين للرأي و الذين يمارسون سياسية القمع، و لم ينتهجوا نهج الرسول الذي درّب الصحابة على حرية الرأي و التعبير و حث الناس بحقهم في الدفاع عن وجهات نظرهم، و لهذا يمكن القول أن ممارسة تضليل الناس و توريطهم فيما يضرهم ليس من حرية التعبير في شيء بل هي إفساد و تغرير، و من يسمع لهؤلاء سوى الضعيف و الجاهل و السفيه و المريض ممن لا يستطيعون تمييز الخبيث من الطيب، لقد عالج مالك بن نبي المشكلة الثقافية و المسخ الثقافي عندما رسم صورة للطفل المتوحش الذي افتقدته أمه و ترعرع مع حيوان بري (غزالة)، و هو يعني بذلك انسلاخ المثقف عن ثقافته في محاولة منه خلق مجتمعا "افتراضيا"، و يمكن الوقوف على ما يحدث من سب و شتم للمسلمين فيما بينهم و ما غذته الطائفية، وصل بهم الأمر إلى حد تكفير الآخر، فيما اكتفى البعض بدور المتفرج إزاء ما يحدث و كأنه غير معني لما يجري، في حين لبست فئة أخرى ثوب التشاؤم و أشاعت ثقافة اليأس.
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...