عبدالله البقالي - نهر السين و المفتش جافير

كلما التقطت مسامعي اسم نهر "السين" إلا و تقفز لذهني رائعة فيكتور هيغو " البؤساء" إذ في جسر قائم على هذا النهر أنهى رجل القانون الصارم المفتش" جافير " حياته بعد أن عجز عن بناء توازن نفسي يبيح له من خلاله على إصلاح الأعطاب الفادحة التي كانت نتاج سلوكه المستمد من فهمه لما يجري حوله، و المختصرة في فكرة ان احترام القانون هو الذي من شأنه إن يصلح المجتمع. فكرة بدت له منطقية و صارت مبدئية لا تقبل أي نقاش. لكن الذي حدث، هو أن "جاف فالجان" الذي هدم حياته و شردأسرته لكونه ذات يوم كسر الواجهة الزجاجية لمخبزة من أجل الحصول على قطعة خبز كي يقدمها لصبية كانوا يتضورون جوعا.
المفتش جافير واجه القضية بكل حزم. و حتى حين فر جان فالجان من سجن الأشغال الشاقة، كان يطارده أينما حل و ارتحل كاشفا خدعه و تنكره مهما فعل.
لقد تصرف المفتش جافير على اساس بناء الاعتبار للقانون، و إضاف لذلك قناعته الشخصية بكون جان فالجان رجل أفاق و خطير. ووجوده طليقا من شأنه أن يهدم بنيان المجتمع. و كن ثم كان لا بد له من إيداعه السجن.
و لكن، الصدف أحيانا تدفع بالإنسان كي يعيد النظر في كل ما بناه من اعتقادات و ما ترتب عن فهمه من خلال ما يعتبره خبرة العمر. فجان فالجان كان بالنسبة لجافير إنسان شرير. لكنه لم يصدق أن الرجل الذي دفع به كي يقضي ثمامية عشر سنة في سجن الأشغال الشاقة و دمر حياته لم يكن يحمل له إي ضغينة. بل و لم يتردد لحظة في من أن يسخر كل قواه من أجل تحريره من فتية كانوا بصدد إنهاء حياته على اعتبار أنه كان أداة لا ترحم بيد نخبة اجتماعية فاسدة. و حين خلصه جان فالجان من ورطته و اطلق سراحه. لم يجد المفتش جافير أي جهة مفتوحة في وجهه. فقد كان تحت تأثير صعقة هائلة و عجز عن فهم مبررات تصرف جان فالجان. غقد كان بالنسبة له إنسان شرير لا خير يىجى من ورائه. لكنه هل كان فعلا كذلك؟ و أي تفسير يمكن أن يعطيه لما قام به آزاءه؟
لقد كان في الأمر خطأ. لكن خطأ من كان؟ لديه إم لدى غريمه؟
في إدراكه المتأخر جدا و هو يشق طريقه بعد ورطته، كان يبحث عن مكان الخلل. هو كان ىجلا مخلصا لعمله، و لم يحدث أن تهاون هو تواطأ في قضية ما. لكنه في ذلك الصحو المتأخر، أدرك خطأه. فهو كان مخلصا للقانون. لكن أي قانون؟ و هل كل القوانين تخدم العدالة؟
لقد كان الخطأ خطؤه. فهو كان يلقي القبض على المخالفين و اللصوص. لكنه الذي لم ينتبه إليه أبدا هو أنه لم يسإل نفسه يوما لماذا يسرق اللص؟ فليس كل سرقة هدفا السطو من أجل تحقيق الكمال و إنما هناك من يسرق لكن لا يموت. وهنا يكون تحقيق العدالة قد غابت عن التشريع و المشرع. و هذا ما لم ينتبه له طوال عمره المهني. فكم ترتب من ظلم عن تصرفاته التي اعتقد أنها تخدم العدالة؟
سؤال متأخر، لكنه كان كاف كي يهشم عظم جمجمته. و امام ادراكه لحجم اخطائه الغير القابلة للإصلاح، دفعت به أزمة ضميره كي يلقي بنفسه من أحد جسور هذا النهر العظيم كي ينهي حياته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...