أحمد اسماعيل - قراءة انطباعية في نص " الدائرة والمستقيم" للشاعر علي نوير

نص الشاعر علي نوير/ العراق
الدائرة والمستقيم
~~~~~~~~~~
.
يا لكَ من جسرٍ عَصيٍّ على الوصف
مع أنّكَ حقيقيّ ٌ مثل جرح
حملتَ الجميع على كِتفيك
دون أن تُميطَ عنهم نِقاباً ،
أو قِناعاً ،
أو تسألهم الى أين .
ذِراعاكَ مَهبط ٌ للرَغَبات ،
وجِذعكَ يمتدّ ُ مثلَ مِديَةٍ في أحشاء الريح .
حملتَني ستّينَ حولاً ،
وأحملكَ الآن وشماً عميقاً .
.
أيّها المُقيم ُ في سَفَري ، والمُسافر ُ في إقامتي
سأمحو ظِلَّكَ الثقيل ذات يوم
كما لو أنّه ُ فارزة ٌ لا معنى لها
تتكرّر ُ في قصيدتي هذهِ .
سأقول ُ لأهل القُرى على الضفتَين :
لا بأسَ ،
إنّها خيانة ُ الحجرِ للماء ،
والدائرةِ للمستقيم .
.
.
علي نوير / العراق
القراءة الانطباعية بقلمي أحمد اسماعيل / سورية
يا سلاااام
حقيقة نثرية باذخة بجمالها وعمقها و دلالاتها
بمجاز وتكثيف مذهل و سلاسة تصنع إيقاعا خارج الوزن من نبض الصور
فالشاعر المبدع هو من يعرف كيف يجذبك لتنفس العطر الذي يقدمه إليك وأنت في كامل حماستك
لذلك أراد شاعرنا أن يكون العنوان بطاقة بحث تفتح ذهن القارئ
وهنا يتساءل القارئ ماعلاقة الرياضيات بالشعر حتى يضع الشاعر عنوانا هو نابض بالفلسفة قبل الرياضيات
الجواب ببساطة تركه الشاعر حتى تكمل الرحلة معه حتى نهاية النص
فالعناوين السطحية التي تكشف مضمون النص من البداية تضعف من جاذبية النص
وهذه حنكة تحسب لشاعرنا فالتأمل هو بداية للولوج في الأبعاد
فالشاعر بدأ النص بالتعجب حتى نتقن التأمل أكثر قائلا
يالك من جسر عصي على الوصف
هنا نسأل أنفسنا ماهو الجسر
و ماهو الجسر العصي على الوصف
الجسر هو مايصل بين الضفاف وهو طريق للعبور
لكن لماذا اختار الشاعر أن يصفه بقوله عصي على الوصف
هنا يستفز الشاعر الحواس بكليتها من مطلع النص
ليشير أنه معشوقة كل القلوب هو جسر يعبر من خلاله التاريخ و الأجيال
إنه الوطن
لذلك وصفه الشاعر بأنه حقيقي كجرح يحس به من هو داخل الوطن أو خارجه فأثره كأثر الفراشة لا يمكن أن يمحى
طبعا الشاعر تابع الوصف في المقطع الأول بصيغة التعجب
حين قال
حملت الجميع على كتفيك دون أن تميط عنهم نقابا أو قناعا
هنا يسمو الشاعر بوصف الوطن الذي يصفه كالأب الذي يحب أولاده جميعا الصالح منهم و الطالح يحملهم وهو ينظر فقط لبراءتهم ويحملهم على كتفيه يمنحهم الدفء والفرح بالتساوي
أو تسألهم إلى أين
هو فقط يعرف معنى العطاء و لايسأل لم تغادر هو متيقن أن الدفء الذي يهبه كفيل بأن يجعلهم كالسنونو تهاجر لكن مهما ابتعدت تعود لحضن أعشاشها
وبما أن اليد هي بطاقة لمنح الأشياء وصف الشاعر بأن ذراعي الوطن مهبط للرغبات
وهنا إشارة إلى مدى غنى الوطن وثرواته
لذلك شبه الشاعر الشاعر جذع الوطن بمدية في خصر الريح
الجذع هنا تشير إلى الثبات والرسوخ
فالأشجار الباسقة حين تعصف الريح تصدها وتغير اتجاهها وتبعدها
وهنا إشارة إلى أن ثبات الوطن من قوة تضحية أبنائه
لذلك جعل الشاعر من هذه العلاقة التشاركية وصفا مذهلا بقوله حملتني ستين حولا
واحملك الآن وشما عميقا
وهنا يشير مبدعنا إلى عمق حب الوطن من خلال المشاركة في حمل المسؤوليات
في المقطع الثاني
ينتقل الشاعر من صيغة التعجب التي كانت ميدانا للمفارقة
كيف ينظر الوطن لأبنائه كأب لايفرق بين أحد
بينما أبناؤه يختلفون في نظراتهم تجاهه
لذلك أراد الشاعر في هذا المقطع أن يسلط الضوء على القسم الثاني من الأبناء
فالقسم الأول كان المتعجب الذي جعل حب الوطن وشما على جدار قلبه يتدفق مع نبضه
أما القسم الثاني و هو المليء بالجشع والذي يتلذذ بألم إخوته ولا يكترث بأحد في رحلة بلوغه اهدافه
فهو يبدأ قبل كل شيء أن يزيل معاني الحب من قلبه حتى لايزعجه ضمير وضعه في زنزانة
لذلك ابتدأ بالنداء للوطن
أيها المقيم في سفري والمسافر في إقامتي
سأمحو ظلك الثقيل ذات يوم
فهو لن يستطيع بلوغ غايته إن لم يمحو هذا الظل المتدفق من داخله
حتى يجعل هذا الحب بلا معنى
كأي شيء يتكرر أمامه ويستقطب جاذبيته
وحتى يشعل معنى اللامبالاة
وضع جوابا لكل من يسأله من إخوته
لم فعلت هذا
الجواب ببساطة
خيانة
لكن الشاعر جعل الدهشة عنصرا للجمال في الخاتمة
حين جعل الجواب من شقين
خيانة الحجر للماء
والدائرة للمستقيم
فالصلصال الذي يتكون من الإنسان هو مزيج الرمل المتفتت مع الماء
والدائرة هي خط منحن مغلق تشكلت من نقطة في المركز انطلقت منه360 خطا مستقيما يبعدون مسافة متساوية عن المركز
وكأن المركز هو الوطن والدائرة هي تلك المنحية التي تبرأت من الخطوط التي شكلتها حتى باتت لا تعترف بالمركز وتصر أن كل مايحيط هو ملك لها
حقيقة نص مليء بفلسفة الواقع منسوج بحرير اللغة كقماشة سندسية لايمل الواقف النظر إليها


https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=561399654761802&id=100026753162187

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...