تأليف: سيزر دومينغيز، هارون سوسي، داريو فيلانويفا ترجمة: أ. د. فؤاد عبد المطلب.
قراءة : صبحي فحماوي
تقول مقدمة المترجم الأستاذ الدكتور فؤاد عبد المطلب، عميد كلية الآداب – في جامعة جرش؛ أن هذا الكتاب يمكن أن يعد دليلاً حديثاً شاملاً في حقل الدراسات الأدبية المقارنة، إذ يزودنا بمعلومات واضحة ودقيقة ومفيدة بالإضافة إلى تحليلات وأمثلة جديدة.
وحسب الباحثة سوزان بسنت، أن هذا الكتاب يقدم دليلاً بديلاً لنظريات الأدب المقارن الأنكلو أمريكية التقليدية.
المقارنة الأدبية
المقارنة الأدبية عملية إدراكية، وهي قراءة عمل من خلال أعمال أخرى، وبلغات مختلفة.
والأدب المقارن يشمل دراسة العلاقة بين آداب مختلفة، مثل تأثير الآداب الألمانية في الأدب الفرنسي، وهي دراسة الأعمال الأدبية للآداب المختلفة عبر علاقاتها المتبادلة، مثل مناقشة ويليك بين دراسة كيف يؤثر كاتب في كاتب آخر ضمن أدب واحد.
وحسب الباحث الألماني هنري ريماك، الأدب المقارن هو مقارنة أدب معين بآخر أو بآداب أخرى ومقارنة الأدب بمجالات أخرى من التعبير الإنساني.
وحيث أن هناك سبع آلاف لغة محكية حول العالم، وليس هناك أدب من دون لغة فإنه أيضاً ليس هناك لغة من دون أدب، والمطلوب هو الاتصال، بحيث تتطور اللغات بفضل الاتصال مع لغات أخرى، خصوصاً الدراسات الشرقية الغربية التي لطفت إلى حدٍ ما التمركز الأوروبي .
إن الأدب المقارن هو الفرع المعرفي الوحيد ضمن الدراسات الأدبية الذي يعترف بالأدب من دون حدود.
المقارنة هي عملية عقلية تشمل ترسيخ ترابط فكري أدنى للتناظر بين عنصرين.
وبينما تُقرأ الأعمال الأدبية في أحسن أحوالها، بلغاتها الأصلية، فإنه من الأفضل قراءتها عبر الترجمة، من غياب القراءة مطلقاً.
1- الأدب المقارن ومستقبل الدراسات الأدبية:
إن مؤسسي الأدب المقارن هم ممثلو روح عقلية التنوير، التي ألهمت- ضمن انجازات أخرى- الاعتراف بحقوق الإنسان العالمية.
وإذا كانت القاعدة الأساسية لجميع الفنون هي “التقليد” – كما حدس أرسطو- فإن البشر هم بشكل أساسي مخلوقات مقلِّدة، وإن جميع الفنون تتسم بالمحاكاة .
في عام 1827 صاغ الكاتب الألماني غوته أفكاره حول الأدب القومي الذي لم يعد بالنسبة إليه امتيازاً ذا صلة، مفسحاً المجال أمام (الأدب العالمي الكوني)، وهو يقصد بذلك (الأدب الأوروبي)
إن الروح التي حركت ولادة “المقارنة” هي نفسها التي يصفها اليوت في عمله المشهور 1920 (التقليد والموهبة الفردية).
إن كلاسيكيات الثقافة اليونانية- والرومانية، والصينية، والعربية،والفارسية، وغيرها، كلها تسهم في خلق كل نتاج أدبي فردي.
2- دراسة الأدب:
تتشكل الدراسة الأدبية باندماج أربعة فروع معرفية متميزة وتشاركها هي: فن الشعر أو النظرية الأدبية، والنقد الأدبي، والتاريخ الأدبي، والأدب المقارن.
ويظهر “الأدب المقارن” حين يبدأ التاريخ الأدبي لأمم بالظهور؛ محدداً، أو ناقصاً، فهو يَعُد التاريخ الأدبي القومي عنصراً ضمن تاريخ أدبي جمعي.
وأكد كوشيريو أن اللغوي الجيد، يجب أن يكون في آن واحد عالم نبات، وبستاني، مُنَظِّراً وممارساً، وباحثاً ومصمماً عن بيانات متماسكة، لكنه منتبه أيضاً إلى الثوابت التي تؤسس لها.
قال هنري ريماك أن “الأدب المقارن” هو دراسة الأدب خارج حدود بلد معين، ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة، ومجالات أخرى من المعرفة، والاعتقاد، مثل؛ الفنون الجميلة، والفلسفة، والتاريخ، والعلوم الاجتماعية، والعلوم، والدين، وغير ذلك.
وهو باختصار؛ مقارنة أدب معين، بأدب آخر، أو آداب أخرى، ومقارنة الأدب بمجالات أخرى من التعبير الإنساني.
وتظل متطلبات “الأدب المقارن” مثالية، بعيدة المنال دائماً، حتى بالنسبة إلى أكثر المقارنين موهبة، إذ تتضمن في الحقيقة إتقان جميع الآداب، واللغات التاريخية، والمعاصرة. خاصة وأن “الأدب المقارن” كان دائماً يميل نحو التاريخ.
وحين سئل وليام فوكنر – على سبيل المثال- حول تأثير جيمس جويس في كتاباته كان رده الاعتراف بالتشابهات بين الأعمال، ولكن مع الاحتجاج، لأنه حقق أسلوبه هذا قبل أن يقرأ جويس. وقال:
“لابد من وجود نوع من غبار اللقاح للأفكار، يعوم في الهواء، فيُخصِّبُ العقول التي لم تقم باتصال مباشر، بشكل مشابه هنا وهناك .
كان القرن العشرين هو الزمن الأهم لترسيخ الأدب المقارن، إذ لم يعد يُدرس في الجامعات فقط، ولكنه يبرز على نحو مؤسساتي .
وظهرت تفاهمات بين الثقافات من خلال أعمال بعض المقارنين – بين الحربين- مثل رومان رولان، و توماس مان،و هاينرش مان، والكثير من الكتاب الموالين للمعسكر السوفييتي. ولم يصبح “الأدب المقارن” متماسكاً على نحو مؤسساتي، إلا بعد الحرب العالمية الثانية. حتى أن الأدب المقارن أصبح موضع تشجيع على نحو واضح حتى من قبل اليونسكو.
ومن الواضح أن فترات السلام تشجع التبادلات الأدبية، والرغبة في اكتشاف التشابهات بين آداب مختلف اللغات، ومختلف الثقافات .
ويمكن احتساب ظهور “الأدب العالمي” ضمن سياق العولمة الاقتصادية، وهو ما حدده ماركس وانجلز في العام 1848 ، حين أعلن ظهور “أدب عالمي” من الآداب القومية والمحلية العديدة، كأثر جانبي للسوق العالمية الصاعدة .
وينظر إلى “الثقافة الغربية” هنا باعتبارها أداة للقوة المستبدة للإمبريالية والاستعمار، وإلى “الأدب المقارن” باعتباره حواراً ذا توجه أوروبي بشكل أساسي، يفرض القيم الأدبية التي تستند في آن واحد إلى النخبوية، والنظام الطبقي، رغم أن الأدب كان يزدهر عبر قرون، قبل وجود الصينينة، واليابانية، والعربية ، والسنسكريتية، والفارسية، وغيرها.
كانت المعرفة باللغات الأوروبية كافية، مع الجهل بالروسية، واليابانية ومن دون ذكر الصينية والعربية.
في هذا الاتجاه تحرك التفكيكيون، إذ وضع دريدا نصوصاً تتعلق بالأدب المقارن مثل “من، أو ما الذي تتم مقارنته” وقد ميز ادوارد سعيد هذا، ملاحظاً أن الفروع المعرفية الجديدة كانت تحرف العلوم الإنسانية، وتحولها إلى مصنع لنسج الكلمة، والاختصاصات الفاترة ، والتي تخاطب الناس المتشابهين في التفكير .
ويوضح تقرير بيرين هاينر أن كل أدب يصبح بالتأكيد مكافئاً لأي أدب آخر، ولذلك فإن كل عمل يكون أساسياً.
ويعرف “النظام الأدبي” بأنه مجموع الكُتاب والأعمال والقراء، المرتبطين عبر سلسلة المعايير، والنماذج المشتركة، التي لا تتطابق بالضبط مع تلك التي تخص الأنظمة الأخرى، ويسمح هذا التعريف بتجاوز مظاهر القومية الصارمة .
إن النزعة الكونية الأساسية للأدب المقارن، سمحت له بتجاوز قيود الدراسات الثقافية، وبتصحيح انحيازه لأوروبا، وفي علاقته مع الأدب العالمي، يبدو كأننا عدنا تقريباً إلى لحظة لقاء غوته وأمبير. من حيث “عالمية التجربة الإنسانية”
إن “دراسة الأدب” هي أن تقرأ نصوصاً، وتمارس “قراءة قريبة” بحيث تكتشفُ وحدةً جمالية، ضمن النظام اللغوي .
وهذا يتطلب كسب معرفة معمقة للظاهرة الأدبية منظوراً مقارناً، يمكن تحقيقه فقط مع استشراف وموقف ومنهجية فرع معرفي جامعي، ظل مستمراً طوال قرنين، تحت اسم؛ “الأدب المقارن”.
الأدب المقارن بوصفه نظرية أدبية بينية:
“النظرية” هي حل لمشكلة، وليست فقط وصفاً لطبيعة الأدب، أو طرق دراسته، لكنها مجموعة من التفكير والكتابة، يصعب تعريف حدودها.
“النظرية الأدبية البينية” أو “نظرية العملية الأدبية البينية” تشير إلى التطور والتقدم، وطرق الازدهار الأدبي، ونمو الأدب. وهي تفسير مُعقّد تخميني غير واضح للعملية الأدبية البينية بين أقطاب الأدب القومي والأدب العالمي.
المبدأ الرئيس للأدب المقارن – الفرنسي الطراز- هو دراسة التأثيرات بين الأعمال الأدبية. وقال فيسيلوفسكي إن بعض الصيغ اللفظية التخطيطية تستعمل عموماً لتمثيل الحقيقة. ولذلك يوجد تشابه في الموضوعات الأدبية حول العالم.
وهكذا جرى تقديم تفسير مقارن مشابه في أوروبا من قبل أندريه يولس على أساس ما دعاه (الأشكال البسيطة) بما فيها تسعة أشكال منوعة؛ (القصة الخيالية، أسطورة القديس، الحكاية الرمزية، الخرافة، اللغز، القول المأثور، الحادثة، التقرير، النكتة) التي عدها تأسيسية للأدب العالمي.
وتهدف “نظرية العملية الأدبية البينية” إلى تتبع النمو الأدبي؛ من الأدب الوطني، إلى الأدب العالمي. ولكن ماذا عن التشابهات بين الأعمال، حين لا يعرف كاتب العمل شيئاً عن العمل الآخر؟
وهناك ستة أنواع للتلقي التكاملي: “التلميح”، ويتراوح بين الاقتباس المباشر، والشعارات شبه النصية، إلى إعادة الصياغة.
“الاقتراض”، وهو تضمين موضوع، أو صورة، أو أداة فنية، أو غير ذلك.
“التقليد”، مثل تقليد قصيدة غوت فريد بيرغر “لينور”، المتكرر كثيراً عبر أوروبا.
ويشير التبني إلى الاقتراض أو التقليد
ويشير “الانتحال” ضمناً إلى أن الاهتمام يكمن في الظاهرة المستقبلة التي تكتسب دوراً مهيمناً في عملية التلقي .
ويغطي “التكيف” الترجمة اللغوية البينية والتبادلية التوسطية .
أما بالنسبة إلى “تمييز التلقي” فإن درويشين يفرق بين ثلاثة أنواع:
الخلاف الأدبي والمحاكاة التهكمية والتقليد الساخر.
ولقد تجلى حلّ ريماك في مجرد توسيع مجال “الأدب المقارن” من المحور الأدبي البيني التقليدي “مقارنة أدب معين بآخر، أو بآداب آخرى” إلى المحاور الفنية التبادلية؛ مقارنة الأدب (الأدب والفنون الأخرى ) والاستطرادية البينية (مقارنة الأدب ومجالات المعرفة الأخرى مثل؛ التاريخ، الفلسفة، العلوم الاجتماعية، العلوم، الدين، وغيرها)
ولقد حذر ايتامبل، في ستينات القرن العشرين، للتغلب على التوجه المركزي الأوروبي، بإعلان أن الأدب من الآن فصاعداً يمكن أن يعني مجموع الآداب كلها، سواء الحية، أو الميتة، أو حتى الشفاهية، من دون تمييز للُّغة، أو السياسة، أو الدين، لتظهر الدراسات “الشرقية/الغربية” بوصفها محوراً أفقياً لبحث الصلات المشتركة مع الآداب الشرقية والغربية.
ويعلن كلاويو غيين أن أولئك اللذين رعوا الدراسات “الشرقية/ الغربية” طوال سنوات، ربما يكونون أجرأ الباحثين في مجال “الأدب المقارن”.
نحو الأدب العالمي:
وكما رأينا أن الهدف النهائي للنظرية الأدبية البينية، هو تقديم تفسير للأدب العالمي. ويقول درويشين: “إن الأدب العالمي هو الدرجة النهائية للبحث الأدبي”
الأدب المقارن وانهاء الاستعمار:
تبين مراجعة الكتب الدراسية الصادرة حول “الأدب المقارن” أن إدراج قضايا “ما بعد الاستعمار” حديث جداً في تاريخ هذا الفرع المعرفي، وذلك بعد نشر كتاب ادوارد سعيد “الاستشراق” في عام 1978 وكتاب سوزان باسنيت 1993 “الأدب المقارن مقدمة نقدية” كأول كتاب دراسي يبحث فيه (عالم ما بعد الاستعمار) والمقصود به أن كتاب كل منهما يهتم بأؤلئك الناس الذين استعمرتهم بريطانيا سابقاً، فظلت دراسات ما بعد الاستعمار أحادية اللغة (بالإنكليزية).
ونحن نتساءل لماذا سمي هذا الفصل؛ “الأدب المقارن وانهاء الاستعمار” وليس “الأدب المقارن ودراسات ما بعد الاستعمار”
وجد “الأدب المقارن” بيئة تعليمية بدقة، عن طريق استثناء “الأدب الشفاهي” من مجموعته، لأنه ينضوي تحت التسمية العامة “الأدب ما قبل الحديث” لأن “الشفاهية” على خلاف مع “الحداثة”. ولا يزال توزيع البحث بين الآداب المكتوبة الحديثة.
إن الدراسات الشفاهية شكلت نفسها بوصفها مكافئاً معرفياً للأدب المقارن ، من أجل الأدب الشفاهي. والأدب المكتوب يعد أيضاً تحدياً للدراسات الشفاهية مع أن الأدب الشفاهي يحجم الأدب المكتوب من حيث كميته.
ونظراً لفترة الربط الطويلة التي تعايش الوسيلتين كلتيهِما، فقد يتوقع المرء إعادة تكامل مثمرة للأدب الشفاهي ضمن الأدب المقارن ليكونان “أدب مقارن حقيقي”.
وهناك ثمة أدب الزامي مقارن يعتمد على دراسات إنهاء الاستعمار، يجب أن يكون متأملا ذاتياً حول بعض مبادئ هذه الدراسات، مثل قيود الاستعمار، بتسمية بعضها فقط، الجغرافية “الأمريكتين” والزمنية (آواخر القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر) وآحادية لغتها وإنكار الدراسات الأدبية المقارنة في أمريكيا اللاتينية .
الأدب العالمي بوصفه ممارسة مقارنة
ذات يوم في يناير 1827 أخبر الشاعر المسن غوته صديقه أيكرمان بأنه كان يقرأ رواية صينية. فقال أيكرمان: “لابد أن ذلك غريب جداً.” فقال غوته:
“ليس غريباً كما قد يظن الناس فالشخصيات تفكر وتتصرف وتشعر كما نفعل نحن، ويشعر المرء بأنه أحدهم تقريباً، ما عدا أن كل شيء فيما بينهم أوضح وأكثر حشمة، وأكثر أخلاقاً. إنني أرى دائماً بشكل واضح أن الأدب ملكية عامة للبشرية كلها، وأن الأدب القومي لم يعد له شأن كبير وأن عصر الأدب العالمي قريب منا. وعلى كل شخص أن يعمل لتعجيل وصوله”.
ويميز غوته أن في تلك الرواية مجتَمعاً يشبه كثيراً مجتمعه، أو مجتمعاً أنقى، ويفكر في أن الصينيين لديهم آلاف كثيرة من مثل هذه الروايات، وأنها كانت موجودة لديهم، بينما كان أسلافنا يعيشون في الغابة. لذلك لابد أن عمل المترجمين كان ناجحاً في نقل طرق التفكير والتصرف والشعور المشترك بين الروائيين الصينيين وقارئهم الألماني.
و”الأدب القومي” ما هو إلا تقييد للإدراك وللدعوة إلى (عصر الأدب العالمي)
ويتضمن الأدب العالمي وصفه مقابلاً للأدب القومي.
وقال ماركس وإنكلز في كتابهما:
“منحت البرجوازية عبر استغلالها السوق العالمية شخصية عالمية للإنتاج والاستهلاك في كل دولة، أن أصبحت الإبداعات الفكرية للأمم الفردية، ملكية عامة، وأصبح التحييز، وضيق أفق التفكير القوميان، لا يطاقان أكثر فأكثر.
وكان غوته قد دفعته رواية صينية إلى الاعتراف بالملكية العامة للإنسانية.
وبينما يتوقع غوته تجمعاً للاختلافات يرى ماركس وإنكلز أن جميع الخلافات (القومية والمحلية) قد أصبحت باطلة. وكانت فائدة توسيع الأدب إلى مقياس العالم بالنسبة إلى غوته هي؛ زيادة تنوع السلع الأدبية المعروضة. وكان الشعر الرسمي الصيني ورومانسية الغزل، أيضاً له ميزة التوافق مع نوع مألوف في الجانب الأوروبي.
ترفع العولمة بضعة كُتّاب إلى درجات غير متوقعة، ومع ذلك فإن المكتبة تُتخم ثانية بكتب غير مقروءة. ونحن الذين نزعم أننا ندرس “الرواية” معظمنا غير مطلع بعمق على أكثر من بضع روايات في أسهل اللغات وصولاً .
المثاقفة، التبادل الثقافي، العولمة:
اختلفت الإمبراطوريات المنبثقة من أوروبا في الفترة الحديثة عن الإمبراطوريات السابقة في جهودها لتقديم استعمارها بأنه مهمة حضارية تتحقق بالتعليم.
محتوى الأدب العالمي،
هل يمكن تأطير “النظام العالمي الأدبي في شروط غير التي عرضها غوته وماركس ومقلدوهم؟” إن لم تكن الرواية، وإن لم يكن التوسع الأوروبي، فما الذي يمكن أن يكونه محتوى الأدب العالمي؟
لنأخذ الحكاية الرمزية التي تحتوي على حيوانات متكلمة، بفضل انتشارها الثقافي المتعدد، وتأثيرها الرمزي، لها على الأقل حق، مثل الرواية، بأن تُختار أساساً للأدب العالمي.
إن جغرافية أدب حكاية الحيوان قد تتركز على الهند والأدب العربي القديم، وتنتشر إلى ايسلاند، متضمنة أوروبا، بوصفها فكرة متأخرة، فإن حكايات أيسوب هي تعديلات من كليلة ودمنة، كما هي النصوص الرئيسة في الآداب الفارسية والعربية. وقد أدت إعادة الترجمات وإعادة التعديلات خلال القرون إلى كتلة متشابكة من التاريخ الأدبي، ولكن مع نسق أساسي سهل التمييز .
يقول بورك : إن عملاً مثل مدام بوفاري هو التسمية الاستراتيجية لحالة معينة. فهو يفرد نموذجاً لتجربة تمثل بشكل وافي هيكلنا الاجتماعي الذي يتكرر في أغلب الأحيان بشكل وافٍ بعد إجراء التغييرات الضرورية لأناس كي يتخذو موقفاً نحوه. وكل عمل فني هو إضافة كلمة إلى قاموس عام.
تتطلب رؤية هذه الكلمات وحالاتها وهي تهاجر إلى ومن أبعد حدود انتشارها في المكان والزمان شحذاً خاصاً لبصر المقارن. ويجب أن يكون تاريخ الأدب تاريخاً ليس للمؤلفين والأعمال والحركات فحسب ولكن للاكتشاف والاستعمال المكيف لدى القراء.
إن متابعة التشابه لاكتشاف ما هو مختلف، من شأنها أن توجه مشروعاً مقارناً نحو قراءة دقيقة، وتتضمن مع ذلك عن طريق التشابه، التحرك الضروري بعيداً عن الوصف المجرد نحو التفسير.
إذا اكتشفت تشابهاً فسيكون لدي الآن مهمة توضيح؛
لماذا هذا التشابه مهم؟ وما الذي يسببه؟ وما هي تأثيراته؟
وماذا يمكن أن نتعلم منه للملاحظات المستقبلية؟
كما يحدث إذا كان سؤالنا النهائي هو؛ (هل هذا مثل ذاك تماماً؟)
الأدب المقارن والترجمة:
إذا كان الأدب المقارن يصف “تجارة الآداب الخارجية” حسب رأي “ويلك” بأنها “أزمة الأدب المقارن”، فإن الترجمة هي شيء لا يمكن للمرء العمل من دونه، لأننا بعبارة التجارة الخارجية، نعني الواردات والصادرات؛ من، وإلى لغات أخرى .
ومع نمو الأدب المترجم قد يكتب كويتزي رواية عن ديستويفسكي وقد يكرس أوكتافيو باز قصائد إلى وانغ وي. ويمكن أن تفترض روايات هاروكي موراكامي معرفة تفصيلية لأوبرا موتزارت (الناي السحري) ورواية كيرو واك (على الطريق) .
هذه هي الكونية العادية للأدب، سواء انتقلت بالترجمة أو من خلال المعرفة باللغات الأصلية .
اظهار/اخفاء الترجمة:
إن كثيراً من الاعمال الأكثر تأثيراً في أي تقليد أدبي، هي ترجمات، وليست مؤلفات محلية. فلا يمكن تخيل الأدب الإنكليزي من دون الكتاب المقدس للملك جيمس، أو “ألف ليلة وليلة”، أو “دونكي شوت” أو “قصص الجنيات” للأخوة غريم، أو “رباعيات عمر الخيام”. إن الترجمات تغني وتوسع كل ثقافة .
إن عادة اختفاء المترجم توجد لنا وهماً بأننا على اتصال مباشر مع المؤلف.
فمن لا يحبذ رفقة تولستوي على المترجم كونستانس غارنيت؟
التاريخ الأدبي المقارن:
يميز آمبير منهجيته بطريقتين؛ المقارنة والارتباط.
المقارنة هي”طريقة لإبراز السمات الأساسية للأعمال الأدبية بمساعدة متوازيات وتباينات”. والارتباط هو ترابط أوثق. حيث الأعمال الأدبية “يتصل أحدها بالآخر، بسبب حقيقة انتاجها، حيث تنتج الأعمال أعمالاً أخرى على مر القرون.
وبهاتين الطريقتين يتوقف التاريخ الأدبي عن كونه في آن واحد “قائمة منشورات ومجموعة حكايات” وتصنيفاً للكتاب والأعمال، وفقاً لموقعها الزماني، ليتحول إلى تاريخ مقارن. بشكل عام يستطيع المرء القول إن وصف آمبير للتاريخ الأدبي، يغطي ما ندعوه اليوم الأدب المقارن، بينما “التاريخ الأدبي المقارن” هو مجال متميز ضمن الأول.
وفي كتابه “الأدب المقارن” صرح بول تيغيم بأن السمة المميزة للتاريخ الأدبي المقارن الذي يدعوه “التاريخ الأدبي العالمي” يكمن في محتواه وتنظيمه بالنسبة إلى المحتوى، حيث يتحدى التاريخ الأدبي العالمي المعايير القومية. لأن الكُتّاب الذين نحسبهم ثانويين في تقاليدهم القومية، قد يؤدون دوراً أساسياً ضمن المشهد العالمي .
أما بالنسبة إلى التنظيم، فإن التاريخ الأدبي العالمي يجب أن يتبنى نظاماً عقلانياً.
وحسب كلاودو غيين فإن دراسة المعرفة التاريخية هي مجال بحث مناسب للأدب المقارن.
ماذا يمكن أن نتعلم من التاريخ المقارن؟
تتضمن كتب حديثة عدة “التاريخ المقارن” مثل كتاب ليرد وبرغارت 2007 “التاريخ المقارن للعبودية في البرازيل وكوبا والولايات المتحدة وكتاب “ويم كلوستر” 2009 “الثورات في العالم الأطلسي. تاريخ مقارن”
وكان البحث المقارن الذي نفذه بلوك – خصوصاً كتابه في العام 1924 “اللمسات الملكية” وهو دراسة مقارنة لأفكار حول السلطات الخارقة للملوك في انكلترا وفرنسا في العصور الوسطى – مؤثراً جداً، وأدى إلى اهتمام متجدد ب التاريخ المقارن بعد الخمسينات.
تعريف التاريخ المقارن:
* التوجه نحو دراسة الماضي يستند إلى استعمال تناظرات بين مجتمعين أو فترتين أو أكثر .
* فرع معرفي ثانوي لعلم التاريخ تميز بالمقارنة المنهجية للأفكار أو المؤسسات المعرفة بعناية في المجتمعات المختلفة.
* طريقة محددة للتفسير التاريخي تكون فيها تطورات حالة اجتماعية واحدة موضحة بمقارنتها مع تطورات حالات اجتماعية أخرى.
التجريب مع التاريخ الأدبي المقارن :
إن كتابة التواريخ الأدبية المقتصرة على أمم أو شعوب أو لغات معينة يجب استكمالها لكتابة التاريخ الأدبي الذي يماثل الظواهر ذات العلاقة أو القابلة للمقارنة من وجهة دولية.
إن التاريخ الأدبي المقارن بالنسبة إلى فالديز هو “دراسة تعاونية معرفية بينية لانتاج الآداب وتلقيها في سياقات اجتماعية وثقافية معينة. وهو يتفحص الأدب بوصفه عملية تواصل ثقافي ضمن منطقة لغة واحدة، أو بين عدد منها، من دون محاولة التقليل من شأن التنوع الثقافي”.
كانت غاية مشروع هاليل “تاريخ الأدب باللغات الأوروبية” أن يتعامل مع كتابة إبداعية، باللغات الأوروبية المنتجة في جنوب الصحراء .
إن إفريقيا في هذا السياق متحولة إلى مشهد محتمل من صراع الحضارات “لم يبدُ محتملاً في المرحلة الحالية دمج إفريقيا البحر المتوسط في الحسبان، الذي يعتمد على إزالة المكون الجغرافي الثقافي للبحر المتوسط، لأنه يبدو من الأفضل في الوقت الحاضر اعتبارها جزءاً من العالم الإسلامي.
لايزال أمام التاريخ الأدبي المقارن الكثير من التحديات التي سيواجهها بعد، وأحدها المهم جداً هو التخلي عن السيادة المطلقة المفترضة للآداب في اللغات الأوروبية.
قراءة : صبحي فحماوي
تقول مقدمة المترجم الأستاذ الدكتور فؤاد عبد المطلب، عميد كلية الآداب – في جامعة جرش؛ أن هذا الكتاب يمكن أن يعد دليلاً حديثاً شاملاً في حقل الدراسات الأدبية المقارنة، إذ يزودنا بمعلومات واضحة ودقيقة ومفيدة بالإضافة إلى تحليلات وأمثلة جديدة.
وحسب الباحثة سوزان بسنت، أن هذا الكتاب يقدم دليلاً بديلاً لنظريات الأدب المقارن الأنكلو أمريكية التقليدية.
المقارنة الأدبية
المقارنة الأدبية عملية إدراكية، وهي قراءة عمل من خلال أعمال أخرى، وبلغات مختلفة.
والأدب المقارن يشمل دراسة العلاقة بين آداب مختلفة، مثل تأثير الآداب الألمانية في الأدب الفرنسي، وهي دراسة الأعمال الأدبية للآداب المختلفة عبر علاقاتها المتبادلة، مثل مناقشة ويليك بين دراسة كيف يؤثر كاتب في كاتب آخر ضمن أدب واحد.
وحسب الباحث الألماني هنري ريماك، الأدب المقارن هو مقارنة أدب معين بآخر أو بآداب أخرى ومقارنة الأدب بمجالات أخرى من التعبير الإنساني.
وحيث أن هناك سبع آلاف لغة محكية حول العالم، وليس هناك أدب من دون لغة فإنه أيضاً ليس هناك لغة من دون أدب، والمطلوب هو الاتصال، بحيث تتطور اللغات بفضل الاتصال مع لغات أخرى، خصوصاً الدراسات الشرقية الغربية التي لطفت إلى حدٍ ما التمركز الأوروبي .
إن الأدب المقارن هو الفرع المعرفي الوحيد ضمن الدراسات الأدبية الذي يعترف بالأدب من دون حدود.
المقارنة هي عملية عقلية تشمل ترسيخ ترابط فكري أدنى للتناظر بين عنصرين.
وبينما تُقرأ الأعمال الأدبية في أحسن أحوالها، بلغاتها الأصلية، فإنه من الأفضل قراءتها عبر الترجمة، من غياب القراءة مطلقاً.
1- الأدب المقارن ومستقبل الدراسات الأدبية:
إن مؤسسي الأدب المقارن هم ممثلو روح عقلية التنوير، التي ألهمت- ضمن انجازات أخرى- الاعتراف بحقوق الإنسان العالمية.
وإذا كانت القاعدة الأساسية لجميع الفنون هي “التقليد” – كما حدس أرسطو- فإن البشر هم بشكل أساسي مخلوقات مقلِّدة، وإن جميع الفنون تتسم بالمحاكاة .
في عام 1827 صاغ الكاتب الألماني غوته أفكاره حول الأدب القومي الذي لم يعد بالنسبة إليه امتيازاً ذا صلة، مفسحاً المجال أمام (الأدب العالمي الكوني)، وهو يقصد بذلك (الأدب الأوروبي)
إن الروح التي حركت ولادة “المقارنة” هي نفسها التي يصفها اليوت في عمله المشهور 1920 (التقليد والموهبة الفردية).
إن كلاسيكيات الثقافة اليونانية- والرومانية، والصينية، والعربية،والفارسية، وغيرها، كلها تسهم في خلق كل نتاج أدبي فردي.
2- دراسة الأدب:
تتشكل الدراسة الأدبية باندماج أربعة فروع معرفية متميزة وتشاركها هي: فن الشعر أو النظرية الأدبية، والنقد الأدبي، والتاريخ الأدبي، والأدب المقارن.
ويظهر “الأدب المقارن” حين يبدأ التاريخ الأدبي لأمم بالظهور؛ محدداً، أو ناقصاً، فهو يَعُد التاريخ الأدبي القومي عنصراً ضمن تاريخ أدبي جمعي.
وأكد كوشيريو أن اللغوي الجيد، يجب أن يكون في آن واحد عالم نبات، وبستاني، مُنَظِّراً وممارساً، وباحثاً ومصمماً عن بيانات متماسكة، لكنه منتبه أيضاً إلى الثوابت التي تؤسس لها.
قال هنري ريماك أن “الأدب المقارن” هو دراسة الأدب خارج حدود بلد معين، ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة، ومجالات أخرى من المعرفة، والاعتقاد، مثل؛ الفنون الجميلة، والفلسفة، والتاريخ، والعلوم الاجتماعية، والعلوم، والدين، وغير ذلك.
وهو باختصار؛ مقارنة أدب معين، بأدب آخر، أو آداب أخرى، ومقارنة الأدب بمجالات أخرى من التعبير الإنساني.
وتظل متطلبات “الأدب المقارن” مثالية، بعيدة المنال دائماً، حتى بالنسبة إلى أكثر المقارنين موهبة، إذ تتضمن في الحقيقة إتقان جميع الآداب، واللغات التاريخية، والمعاصرة. خاصة وأن “الأدب المقارن” كان دائماً يميل نحو التاريخ.
وحين سئل وليام فوكنر – على سبيل المثال- حول تأثير جيمس جويس في كتاباته كان رده الاعتراف بالتشابهات بين الأعمال، ولكن مع الاحتجاج، لأنه حقق أسلوبه هذا قبل أن يقرأ جويس. وقال:
“لابد من وجود نوع من غبار اللقاح للأفكار، يعوم في الهواء، فيُخصِّبُ العقول التي لم تقم باتصال مباشر، بشكل مشابه هنا وهناك .
كان القرن العشرين هو الزمن الأهم لترسيخ الأدب المقارن، إذ لم يعد يُدرس في الجامعات فقط، ولكنه يبرز على نحو مؤسساتي .
وظهرت تفاهمات بين الثقافات من خلال أعمال بعض المقارنين – بين الحربين- مثل رومان رولان، و توماس مان،و هاينرش مان، والكثير من الكتاب الموالين للمعسكر السوفييتي. ولم يصبح “الأدب المقارن” متماسكاً على نحو مؤسساتي، إلا بعد الحرب العالمية الثانية. حتى أن الأدب المقارن أصبح موضع تشجيع على نحو واضح حتى من قبل اليونسكو.
ومن الواضح أن فترات السلام تشجع التبادلات الأدبية، والرغبة في اكتشاف التشابهات بين آداب مختلف اللغات، ومختلف الثقافات .
ويمكن احتساب ظهور “الأدب العالمي” ضمن سياق العولمة الاقتصادية، وهو ما حدده ماركس وانجلز في العام 1848 ، حين أعلن ظهور “أدب عالمي” من الآداب القومية والمحلية العديدة، كأثر جانبي للسوق العالمية الصاعدة .
وينظر إلى “الثقافة الغربية” هنا باعتبارها أداة للقوة المستبدة للإمبريالية والاستعمار، وإلى “الأدب المقارن” باعتباره حواراً ذا توجه أوروبي بشكل أساسي، يفرض القيم الأدبية التي تستند في آن واحد إلى النخبوية، والنظام الطبقي، رغم أن الأدب كان يزدهر عبر قرون، قبل وجود الصينينة، واليابانية، والعربية ، والسنسكريتية، والفارسية، وغيرها.
كانت المعرفة باللغات الأوروبية كافية، مع الجهل بالروسية، واليابانية ومن دون ذكر الصينية والعربية.
في هذا الاتجاه تحرك التفكيكيون، إذ وضع دريدا نصوصاً تتعلق بالأدب المقارن مثل “من، أو ما الذي تتم مقارنته” وقد ميز ادوارد سعيد هذا، ملاحظاً أن الفروع المعرفية الجديدة كانت تحرف العلوم الإنسانية، وتحولها إلى مصنع لنسج الكلمة، والاختصاصات الفاترة ، والتي تخاطب الناس المتشابهين في التفكير .
ويوضح تقرير بيرين هاينر أن كل أدب يصبح بالتأكيد مكافئاً لأي أدب آخر، ولذلك فإن كل عمل يكون أساسياً.
ويعرف “النظام الأدبي” بأنه مجموع الكُتاب والأعمال والقراء، المرتبطين عبر سلسلة المعايير، والنماذج المشتركة، التي لا تتطابق بالضبط مع تلك التي تخص الأنظمة الأخرى، ويسمح هذا التعريف بتجاوز مظاهر القومية الصارمة .
إن النزعة الكونية الأساسية للأدب المقارن، سمحت له بتجاوز قيود الدراسات الثقافية، وبتصحيح انحيازه لأوروبا، وفي علاقته مع الأدب العالمي، يبدو كأننا عدنا تقريباً إلى لحظة لقاء غوته وأمبير. من حيث “عالمية التجربة الإنسانية”
إن “دراسة الأدب” هي أن تقرأ نصوصاً، وتمارس “قراءة قريبة” بحيث تكتشفُ وحدةً جمالية، ضمن النظام اللغوي .
وهذا يتطلب كسب معرفة معمقة للظاهرة الأدبية منظوراً مقارناً، يمكن تحقيقه فقط مع استشراف وموقف ومنهجية فرع معرفي جامعي، ظل مستمراً طوال قرنين، تحت اسم؛ “الأدب المقارن”.
الأدب المقارن بوصفه نظرية أدبية بينية:
“النظرية” هي حل لمشكلة، وليست فقط وصفاً لطبيعة الأدب، أو طرق دراسته، لكنها مجموعة من التفكير والكتابة، يصعب تعريف حدودها.
“النظرية الأدبية البينية” أو “نظرية العملية الأدبية البينية” تشير إلى التطور والتقدم، وطرق الازدهار الأدبي، ونمو الأدب. وهي تفسير مُعقّد تخميني غير واضح للعملية الأدبية البينية بين أقطاب الأدب القومي والأدب العالمي.
المبدأ الرئيس للأدب المقارن – الفرنسي الطراز- هو دراسة التأثيرات بين الأعمال الأدبية. وقال فيسيلوفسكي إن بعض الصيغ اللفظية التخطيطية تستعمل عموماً لتمثيل الحقيقة. ولذلك يوجد تشابه في الموضوعات الأدبية حول العالم.
وهكذا جرى تقديم تفسير مقارن مشابه في أوروبا من قبل أندريه يولس على أساس ما دعاه (الأشكال البسيطة) بما فيها تسعة أشكال منوعة؛ (القصة الخيالية، أسطورة القديس، الحكاية الرمزية، الخرافة، اللغز، القول المأثور، الحادثة، التقرير، النكتة) التي عدها تأسيسية للأدب العالمي.
وتهدف “نظرية العملية الأدبية البينية” إلى تتبع النمو الأدبي؛ من الأدب الوطني، إلى الأدب العالمي. ولكن ماذا عن التشابهات بين الأعمال، حين لا يعرف كاتب العمل شيئاً عن العمل الآخر؟
وهناك ستة أنواع للتلقي التكاملي: “التلميح”، ويتراوح بين الاقتباس المباشر، والشعارات شبه النصية، إلى إعادة الصياغة.
“الاقتراض”، وهو تضمين موضوع، أو صورة، أو أداة فنية، أو غير ذلك.
“التقليد”، مثل تقليد قصيدة غوت فريد بيرغر “لينور”، المتكرر كثيراً عبر أوروبا.
ويشير التبني إلى الاقتراض أو التقليد
ويشير “الانتحال” ضمناً إلى أن الاهتمام يكمن في الظاهرة المستقبلة التي تكتسب دوراً مهيمناً في عملية التلقي .
ويغطي “التكيف” الترجمة اللغوية البينية والتبادلية التوسطية .
أما بالنسبة إلى “تمييز التلقي” فإن درويشين يفرق بين ثلاثة أنواع:
الخلاف الأدبي والمحاكاة التهكمية والتقليد الساخر.
ولقد تجلى حلّ ريماك في مجرد توسيع مجال “الأدب المقارن” من المحور الأدبي البيني التقليدي “مقارنة أدب معين بآخر، أو بآداب آخرى” إلى المحاور الفنية التبادلية؛ مقارنة الأدب (الأدب والفنون الأخرى ) والاستطرادية البينية (مقارنة الأدب ومجالات المعرفة الأخرى مثل؛ التاريخ، الفلسفة، العلوم الاجتماعية، العلوم، الدين، وغيرها)
ولقد حذر ايتامبل، في ستينات القرن العشرين، للتغلب على التوجه المركزي الأوروبي، بإعلان أن الأدب من الآن فصاعداً يمكن أن يعني مجموع الآداب كلها، سواء الحية، أو الميتة، أو حتى الشفاهية، من دون تمييز للُّغة، أو السياسة، أو الدين، لتظهر الدراسات “الشرقية/الغربية” بوصفها محوراً أفقياً لبحث الصلات المشتركة مع الآداب الشرقية والغربية.
ويعلن كلاويو غيين أن أولئك اللذين رعوا الدراسات “الشرقية/ الغربية” طوال سنوات، ربما يكونون أجرأ الباحثين في مجال “الأدب المقارن”.
نحو الأدب العالمي:
وكما رأينا أن الهدف النهائي للنظرية الأدبية البينية، هو تقديم تفسير للأدب العالمي. ويقول درويشين: “إن الأدب العالمي هو الدرجة النهائية للبحث الأدبي”
الأدب المقارن وانهاء الاستعمار:
تبين مراجعة الكتب الدراسية الصادرة حول “الأدب المقارن” أن إدراج قضايا “ما بعد الاستعمار” حديث جداً في تاريخ هذا الفرع المعرفي، وذلك بعد نشر كتاب ادوارد سعيد “الاستشراق” في عام 1978 وكتاب سوزان باسنيت 1993 “الأدب المقارن مقدمة نقدية” كأول كتاب دراسي يبحث فيه (عالم ما بعد الاستعمار) والمقصود به أن كتاب كل منهما يهتم بأؤلئك الناس الذين استعمرتهم بريطانيا سابقاً، فظلت دراسات ما بعد الاستعمار أحادية اللغة (بالإنكليزية).
ونحن نتساءل لماذا سمي هذا الفصل؛ “الأدب المقارن وانهاء الاستعمار” وليس “الأدب المقارن ودراسات ما بعد الاستعمار”
وجد “الأدب المقارن” بيئة تعليمية بدقة، عن طريق استثناء “الأدب الشفاهي” من مجموعته، لأنه ينضوي تحت التسمية العامة “الأدب ما قبل الحديث” لأن “الشفاهية” على خلاف مع “الحداثة”. ولا يزال توزيع البحث بين الآداب المكتوبة الحديثة.
إن الدراسات الشفاهية شكلت نفسها بوصفها مكافئاً معرفياً للأدب المقارن ، من أجل الأدب الشفاهي. والأدب المكتوب يعد أيضاً تحدياً للدراسات الشفاهية مع أن الأدب الشفاهي يحجم الأدب المكتوب من حيث كميته.
ونظراً لفترة الربط الطويلة التي تعايش الوسيلتين كلتيهِما، فقد يتوقع المرء إعادة تكامل مثمرة للأدب الشفاهي ضمن الأدب المقارن ليكونان “أدب مقارن حقيقي”.
وهناك ثمة أدب الزامي مقارن يعتمد على دراسات إنهاء الاستعمار، يجب أن يكون متأملا ذاتياً حول بعض مبادئ هذه الدراسات، مثل قيود الاستعمار، بتسمية بعضها فقط، الجغرافية “الأمريكتين” والزمنية (آواخر القرن الخامس عشر والقرن السادس عشر) وآحادية لغتها وإنكار الدراسات الأدبية المقارنة في أمريكيا اللاتينية .
الأدب العالمي بوصفه ممارسة مقارنة
ذات يوم في يناير 1827 أخبر الشاعر المسن غوته صديقه أيكرمان بأنه كان يقرأ رواية صينية. فقال أيكرمان: “لابد أن ذلك غريب جداً.” فقال غوته:
“ليس غريباً كما قد يظن الناس فالشخصيات تفكر وتتصرف وتشعر كما نفعل نحن، ويشعر المرء بأنه أحدهم تقريباً، ما عدا أن كل شيء فيما بينهم أوضح وأكثر حشمة، وأكثر أخلاقاً. إنني أرى دائماً بشكل واضح أن الأدب ملكية عامة للبشرية كلها، وأن الأدب القومي لم يعد له شأن كبير وأن عصر الأدب العالمي قريب منا. وعلى كل شخص أن يعمل لتعجيل وصوله”.
ويميز غوته أن في تلك الرواية مجتَمعاً يشبه كثيراً مجتمعه، أو مجتمعاً أنقى، ويفكر في أن الصينيين لديهم آلاف كثيرة من مثل هذه الروايات، وأنها كانت موجودة لديهم، بينما كان أسلافنا يعيشون في الغابة. لذلك لابد أن عمل المترجمين كان ناجحاً في نقل طرق التفكير والتصرف والشعور المشترك بين الروائيين الصينيين وقارئهم الألماني.
و”الأدب القومي” ما هو إلا تقييد للإدراك وللدعوة إلى (عصر الأدب العالمي)
ويتضمن الأدب العالمي وصفه مقابلاً للأدب القومي.
وقال ماركس وإنكلز في كتابهما:
“منحت البرجوازية عبر استغلالها السوق العالمية شخصية عالمية للإنتاج والاستهلاك في كل دولة، أن أصبحت الإبداعات الفكرية للأمم الفردية، ملكية عامة، وأصبح التحييز، وضيق أفق التفكير القوميان، لا يطاقان أكثر فأكثر.
وكان غوته قد دفعته رواية صينية إلى الاعتراف بالملكية العامة للإنسانية.
وبينما يتوقع غوته تجمعاً للاختلافات يرى ماركس وإنكلز أن جميع الخلافات (القومية والمحلية) قد أصبحت باطلة. وكانت فائدة توسيع الأدب إلى مقياس العالم بالنسبة إلى غوته هي؛ زيادة تنوع السلع الأدبية المعروضة. وكان الشعر الرسمي الصيني ورومانسية الغزل، أيضاً له ميزة التوافق مع نوع مألوف في الجانب الأوروبي.
ترفع العولمة بضعة كُتّاب إلى درجات غير متوقعة، ومع ذلك فإن المكتبة تُتخم ثانية بكتب غير مقروءة. ونحن الذين نزعم أننا ندرس “الرواية” معظمنا غير مطلع بعمق على أكثر من بضع روايات في أسهل اللغات وصولاً .
المثاقفة، التبادل الثقافي، العولمة:
اختلفت الإمبراطوريات المنبثقة من أوروبا في الفترة الحديثة عن الإمبراطوريات السابقة في جهودها لتقديم استعمارها بأنه مهمة حضارية تتحقق بالتعليم.
محتوى الأدب العالمي،
هل يمكن تأطير “النظام العالمي الأدبي في شروط غير التي عرضها غوته وماركس ومقلدوهم؟” إن لم تكن الرواية، وإن لم يكن التوسع الأوروبي، فما الذي يمكن أن يكونه محتوى الأدب العالمي؟
لنأخذ الحكاية الرمزية التي تحتوي على حيوانات متكلمة، بفضل انتشارها الثقافي المتعدد، وتأثيرها الرمزي، لها على الأقل حق، مثل الرواية، بأن تُختار أساساً للأدب العالمي.
إن جغرافية أدب حكاية الحيوان قد تتركز على الهند والأدب العربي القديم، وتنتشر إلى ايسلاند، متضمنة أوروبا، بوصفها فكرة متأخرة، فإن حكايات أيسوب هي تعديلات من كليلة ودمنة، كما هي النصوص الرئيسة في الآداب الفارسية والعربية. وقد أدت إعادة الترجمات وإعادة التعديلات خلال القرون إلى كتلة متشابكة من التاريخ الأدبي، ولكن مع نسق أساسي سهل التمييز .
يقول بورك : إن عملاً مثل مدام بوفاري هو التسمية الاستراتيجية لحالة معينة. فهو يفرد نموذجاً لتجربة تمثل بشكل وافي هيكلنا الاجتماعي الذي يتكرر في أغلب الأحيان بشكل وافٍ بعد إجراء التغييرات الضرورية لأناس كي يتخذو موقفاً نحوه. وكل عمل فني هو إضافة كلمة إلى قاموس عام.
تتطلب رؤية هذه الكلمات وحالاتها وهي تهاجر إلى ومن أبعد حدود انتشارها في المكان والزمان شحذاً خاصاً لبصر المقارن. ويجب أن يكون تاريخ الأدب تاريخاً ليس للمؤلفين والأعمال والحركات فحسب ولكن للاكتشاف والاستعمال المكيف لدى القراء.
إن متابعة التشابه لاكتشاف ما هو مختلف، من شأنها أن توجه مشروعاً مقارناً نحو قراءة دقيقة، وتتضمن مع ذلك عن طريق التشابه، التحرك الضروري بعيداً عن الوصف المجرد نحو التفسير.
إذا اكتشفت تشابهاً فسيكون لدي الآن مهمة توضيح؛
لماذا هذا التشابه مهم؟ وما الذي يسببه؟ وما هي تأثيراته؟
وماذا يمكن أن نتعلم منه للملاحظات المستقبلية؟
كما يحدث إذا كان سؤالنا النهائي هو؛ (هل هذا مثل ذاك تماماً؟)
الأدب المقارن والترجمة:
إذا كان الأدب المقارن يصف “تجارة الآداب الخارجية” حسب رأي “ويلك” بأنها “أزمة الأدب المقارن”، فإن الترجمة هي شيء لا يمكن للمرء العمل من دونه، لأننا بعبارة التجارة الخارجية، نعني الواردات والصادرات؛ من، وإلى لغات أخرى .
ومع نمو الأدب المترجم قد يكتب كويتزي رواية عن ديستويفسكي وقد يكرس أوكتافيو باز قصائد إلى وانغ وي. ويمكن أن تفترض روايات هاروكي موراكامي معرفة تفصيلية لأوبرا موتزارت (الناي السحري) ورواية كيرو واك (على الطريق) .
هذه هي الكونية العادية للأدب، سواء انتقلت بالترجمة أو من خلال المعرفة باللغات الأصلية .
اظهار/اخفاء الترجمة:
إن كثيراً من الاعمال الأكثر تأثيراً في أي تقليد أدبي، هي ترجمات، وليست مؤلفات محلية. فلا يمكن تخيل الأدب الإنكليزي من دون الكتاب المقدس للملك جيمس، أو “ألف ليلة وليلة”، أو “دونكي شوت” أو “قصص الجنيات” للأخوة غريم، أو “رباعيات عمر الخيام”. إن الترجمات تغني وتوسع كل ثقافة .
إن عادة اختفاء المترجم توجد لنا وهماً بأننا على اتصال مباشر مع المؤلف.
فمن لا يحبذ رفقة تولستوي على المترجم كونستانس غارنيت؟
التاريخ الأدبي المقارن:
يميز آمبير منهجيته بطريقتين؛ المقارنة والارتباط.
المقارنة هي”طريقة لإبراز السمات الأساسية للأعمال الأدبية بمساعدة متوازيات وتباينات”. والارتباط هو ترابط أوثق. حيث الأعمال الأدبية “يتصل أحدها بالآخر، بسبب حقيقة انتاجها، حيث تنتج الأعمال أعمالاً أخرى على مر القرون.
وبهاتين الطريقتين يتوقف التاريخ الأدبي عن كونه في آن واحد “قائمة منشورات ومجموعة حكايات” وتصنيفاً للكتاب والأعمال، وفقاً لموقعها الزماني، ليتحول إلى تاريخ مقارن. بشكل عام يستطيع المرء القول إن وصف آمبير للتاريخ الأدبي، يغطي ما ندعوه اليوم الأدب المقارن، بينما “التاريخ الأدبي المقارن” هو مجال متميز ضمن الأول.
وفي كتابه “الأدب المقارن” صرح بول تيغيم بأن السمة المميزة للتاريخ الأدبي المقارن الذي يدعوه “التاريخ الأدبي العالمي” يكمن في محتواه وتنظيمه بالنسبة إلى المحتوى، حيث يتحدى التاريخ الأدبي العالمي المعايير القومية. لأن الكُتّاب الذين نحسبهم ثانويين في تقاليدهم القومية، قد يؤدون دوراً أساسياً ضمن المشهد العالمي .
أما بالنسبة إلى التنظيم، فإن التاريخ الأدبي العالمي يجب أن يتبنى نظاماً عقلانياً.
وحسب كلاودو غيين فإن دراسة المعرفة التاريخية هي مجال بحث مناسب للأدب المقارن.
ماذا يمكن أن نتعلم من التاريخ المقارن؟
تتضمن كتب حديثة عدة “التاريخ المقارن” مثل كتاب ليرد وبرغارت 2007 “التاريخ المقارن للعبودية في البرازيل وكوبا والولايات المتحدة وكتاب “ويم كلوستر” 2009 “الثورات في العالم الأطلسي. تاريخ مقارن”
وكان البحث المقارن الذي نفذه بلوك – خصوصاً كتابه في العام 1924 “اللمسات الملكية” وهو دراسة مقارنة لأفكار حول السلطات الخارقة للملوك في انكلترا وفرنسا في العصور الوسطى – مؤثراً جداً، وأدى إلى اهتمام متجدد ب التاريخ المقارن بعد الخمسينات.
تعريف التاريخ المقارن:
* التوجه نحو دراسة الماضي يستند إلى استعمال تناظرات بين مجتمعين أو فترتين أو أكثر .
* فرع معرفي ثانوي لعلم التاريخ تميز بالمقارنة المنهجية للأفكار أو المؤسسات المعرفة بعناية في المجتمعات المختلفة.
* طريقة محددة للتفسير التاريخي تكون فيها تطورات حالة اجتماعية واحدة موضحة بمقارنتها مع تطورات حالات اجتماعية أخرى.
التجريب مع التاريخ الأدبي المقارن :
إن كتابة التواريخ الأدبية المقتصرة على أمم أو شعوب أو لغات معينة يجب استكمالها لكتابة التاريخ الأدبي الذي يماثل الظواهر ذات العلاقة أو القابلة للمقارنة من وجهة دولية.
إن التاريخ الأدبي المقارن بالنسبة إلى فالديز هو “دراسة تعاونية معرفية بينية لانتاج الآداب وتلقيها في سياقات اجتماعية وثقافية معينة. وهو يتفحص الأدب بوصفه عملية تواصل ثقافي ضمن منطقة لغة واحدة، أو بين عدد منها، من دون محاولة التقليل من شأن التنوع الثقافي”.
كانت غاية مشروع هاليل “تاريخ الأدب باللغات الأوروبية” أن يتعامل مع كتابة إبداعية، باللغات الأوروبية المنتجة في جنوب الصحراء .
إن إفريقيا في هذا السياق متحولة إلى مشهد محتمل من صراع الحضارات “لم يبدُ محتملاً في المرحلة الحالية دمج إفريقيا البحر المتوسط في الحسبان، الذي يعتمد على إزالة المكون الجغرافي الثقافي للبحر المتوسط، لأنه يبدو من الأفضل في الوقت الحاضر اعتبارها جزءاً من العالم الإسلامي.
لايزال أمام التاريخ الأدبي المقارن الكثير من التحديات التي سيواجهها بعد، وأحدها المهم جداً هو التخلي عن السيادة المطلقة المفترضة للآداب في اللغات الأوروبية.