1- السبعة أحرف في أدب الحديث:
بينما يحاول كتاب مثل كوكب صدّيق”1″ الالتفاف على ثروة من البراهين في السجلات التاريخية للإسلام التي تبين كيف كان القرآن في آخر الأمر يختبر كمعيار بمواجهة خلفية من القراءات المتعددة، والمقاطع والنصوص التي فقدت معا، آخرون مثل مولانا ديزاي “1” يسلمّون كما ينبغي بالبراهين ويأخذون بالكثير من الاختلافات التي وجدت في المخطوطات والنسخ الأولية. من ناحية أخرى نجد ديزاي، على سبيل المثال، مصمما برغم ذلك على الدفاع عن الفرضية الشائعة بأن القرآن محفوظ تماما لم يمسّ حتى آخر نقطة وآخر حرف. لقد رأينا آنفا كيف تغلب على المعضلة مع المقاطع التي فقدت من القرآن- لقد أعلن بشكل ملائم بأنها جميعا قد نسخت من قبل الله أثناء حياة محمد. كيف تجنّب مضامين العديد من القراءات المختلفة للنصوص والنسخ الأولى؟
إنّه يدعي أنها نتجت ليست من الشكوك حول النص أو الإرباك الجزئي حول الصياغة الفعلية لكل مقطع بل بالأحرى إن كل اختلاف كان في الحقيقة جزءا من نص القرآن الأصلي كما سلمه الله لمحمد! يقول أن ” الاختلافات ” في الروايات لمختلف القوم كانت رسمية ومجازة وصيغ إلهية وهي ما علمّه رسول الله (ص) للصحابة الذين ينقلون علم قراءاتهم لطلابهم ” (القرآن لا يرقى إليه الشك ص 13) ويستمر ليقتبس الرواية التالية عن محمد ليدعم تفسيره:
لقد أوحي لي بالقرآن ليروى بسبعة طرق مختلفة، فاتلو ما تيسر لك منها.(صحيح البخاري مجلد6 ص 510).
الرواية تختم السند الذي يخبرنا أن عمر سمع في أحد الأيام هشام بن الحكم يتلو سورة الفرقان بطريقة مختلفة جداً عن الطريقة التي كان عمر قد تعلمها. جاهد عمر للسيطرة على نفسه ونوى أن يثب عليه، عندما أكمل هشام تلاوته، واجهه عمر واتهمه بكونه كاذبا وعندما بيّن له بأنه تعلمها مباشرة من محمد نفسه، وعندما حضرا أمام نبي الإسلام، صادق النبي على القراءتين لكلا الصحابيين، مضيفا الرواية الآنفة الذكر بأن القرآن كان قد أوحي على سبعة أحرف ” في سبع قراءات “.
يبين حديث مشابه أن القرآن أصلا جاء في سبع صيغ مختلفة فيقول ما يلي :
روى بن عباس قول رسول الله (ص): علّمني جبرائيل أن أتلو بطريقة واحدة. أجبته وبقيت أسأله المزيد (من الطرق)، حتى وصل إلى سبعة طرق (للتلاوة). قال ابن شهاب: بلغني أن تلك الطرق السبعة كانت في الأصل واحدة، لا تختلف حول ما يجوز وما يحرّم.(صحيح مسلم مجلد 2، ص 390).
نزيد على ذلك أن أُبي بن كعب أخبرنا أنه تذكّر المناسبة التي روى فيها محمد بأن جبريل جاءه أحد الأيام وأخبره أن الله أمر بأن يتلى القرآن بلهجة واحدة فقط، فأجاب محمد بأن قومه لا يطيقون ذلك. وبعد أن عاوده الوحي كثيرا وفي الرابعة جاءه الملاك أخيرا يخبره بأن الله سمح للمسلمين أن يتلوا القرآن في سبعة طرق مختلفة وستكون كل تلاوة صحيحة (صحيح مسلم، مجلد 2، ص391).
علاوة على هذه الأحاديث، ليس هناك دليل في أدب الحديث يبين ما كانت عليه هذه القراءات السبع المختلفة. الرواية في صحيح البخاري، التي سجلت أيضا في المجلد 6 ص 481، لم تخبرنا كيف كان هشام يتلو سورة الفرقان بشكل مختلف عن طريقة عمر، ولا ماهية الاختلافات في اللهجة على نحو صرف كما توحي بذلك الروايات في صحيح الإمام مسلم.
ليس هناك روايات أخرى في الآثار الأولى للحديث وأدب السيرة ما يعطي أي دلالة حقيقية لما كانت عليه القراءات السبع المختلفة أو الصيغة التي تقتضيها. هل كانت في النهاية سبع صيغ مختلفة يمكن أن يتلى بها القرآن كله؟ أو كانت مسألة لهجات مختلفة صرف ممكن أن يتلى بها النص؟ ليس هناك في الروايات الأولى ما يعطينا أية فكرة عن ماهية السبعة أحرف أو أي صيغة أخذت، ليس سوى إشارات في الروايات التي أستشهد بها من صحيح مسلم اقتصرت على أنها كانت خلافا في اللهجات. ليس أكثر من القول أن القرآن كان قد أوحي به في سبعة طرق مختلفة يمكن أن يتلى بها.
في كتاب أبي داود “السنن الكبرى” نجد مصنفا لما يصل إلى أربعين قراءة مختلفة للقرآن تحت عنوان كتاب “الحروف والقراءات”( كتاب اللهجات والقراءات ). سوف نشير إلى بعضها لاحقا في هذا الفصل، لكن دعنا هنا نكتفي بالقول أن في كل القراءات التي أوردها، نجد واحدة فقط مختلفة أشار إليها في كل حالة اختلاف والاختلاف الواضح يخص اللهجة أو اللفظ. ليس هناك إيحاء بأن هذه القراءات المختلفة كانت مجازة كجزء من النص الأصلي أو إنها شكلت جزءا من القراءات السبع المختلفة، لكن إن كانت كذلك فهي مقتصرة على اختلاف اللهجات فحسب.
بالنتيجة نجد حشدا من التفسيرات المختلفة المقترحة للحديث المعني وذلك لندرة في وجود الدليل عما كانت تعنيه تماما الأحرف السبعة أصلا. البعض يقول كما أن للقبائل العربية لهجات متشعبة كذلك جاء القرآن في سبع صيغ مختلفة ليلائمها، بينما يقول آخرون أن القراءات السبع المختلفة كانت صيغا بارزة وصلت لمراكز الإسلام على يد زعماء ذوي مصداقية في القرن الثاني الهجري. وهكذا قال أبو عمرو أخذت إحدى القراءات إلى البصرة، وأخذ بن عمير واحدة إلى دمشق، وأخذ عاصم واثنان آخران ما لديهما إلى الكوفة، وأخذ بن كثير واحدة إلى مكة واحتفظ نافع بواحدة في المدينة (سنن أبو داود، حاشية 3365، مجلد 3، ص 1113).
يمكن لأي كان أن يخمن ماكان بكل حالة. هناك العديد من التفسيرات الأخرى لا نحتاج أن نتأملها هنا. يتبين لنا من كل ما تقدم وبجلاء أن ليس هناك شيء مؤكد يمكن أن نقوله حول القراءات السبع المختلفة ماعدا إنها كانت مقتصرة على الاختلاف في اللهجة واللفظ ليس إلا.
يواصل مولانا ديزاي الحديث عن ” إجازة جميع ’القراءات المختلفة‘ ” التي كانت ” من الوحي وهي جزء من القرآن ” وكما قيل آنفا، فقد فهرس جميع القراءات المختلفة للقرآن التي نجدها في المدونات الأولى باعتبارها من الأحرف السبعة ومصادقا عليها إلهيا. مع ذلك العقبة الرئيسية هنا والتي اعتاد ديزاي على إغفالها هي أن تلك المدونات تبيّن أن هناك اختلافات بين مخطوطة زيد بن ثابت والمخطوطات الأخرى التي لدى عبد الله بن مسعود وأَبيّ بن كعب ورواة آخرين والاختلاف ليس فقط في اللهجات بل هناك أيضا الاختلافات الحقيقية للنص نفسه. استشهدنا بالعديد من الأمثلة في هذا الكتاب بكلمات وفقرات وحتى آيات كاملة كانت تؤكد الخلاف الجذري بين مختلف المخطوطات.
لقد برهنت بإسهاب آنفا أن هذه الاختلافات لم تكن خلاف لهجات بل أحيانا تتعلق بمحتوى نص القرآن نفسه. يجب القول مرة أخرى أنه إذا كانت كل هذه الاختلافات الصرفة هي في لفظ النص طبقا للّهجات المتنوعة للقبائل العربية، فيجب أن لا تكون ظاهرة في كتابة النص، خصوصا عندما نتذكر بأن تلك المخطوطات الأولى كُتبت بحروف ساكنة ولا تتضمن مايشير إلى الحركات الإعرابية نزولا إلى مايتطلبه اختلاف اللهجات.
لم يكن عثمان ليأمر أبداً بالتدمير الكامل لكل المخطوطات الأخرى باستثناء مخطوطة زيد إذا كانت الاختلافات في القراءة فقط في التعبير الشفهي للنص. هناك كما رأينا، الكثير من التفسيرات المختلفة للسبعة أحرف، علاوة على ذلك إنها تدّعي بإصرار أن هذه الاختلافات ترتبط باللهجات(أو تقريبا تقتصر عليها). إذا قبلنا هذا التفسير فعلينا في نفس الوقت أن نستنتج بأن هذه القراءات السبع المختلفة لا تمتلك إلا النزر اليسير لتصمد به أمام التنوع النصي الواسع الذي وُجد بين مخطوطات بن مسعود وزيد وأُبيّ وأبو موسى وآخرين قبل أن يأمر عثمان بتدميرها كلها ماعدا واحدة . بينما يحاول ديزاي إعطاء مصداقية إلهية وإجازة لكل القراءات المتعددة التي كانت موجودة في ذلك الوقت، سواء في ذلك النصية أو المختصة باللهجات، بدعوى إنها جميعا كانت جزءا من السبعة أحرف، كان الرأي الذي أجمع عليه العلماء المسلمون الأولون هو أن هذه القراءات السبعة وُجدت فقط بسبب اختلاف اللهجات ومولانا العالِم لايجد مبررا لمحاولة مطابقتها مع مثيلاتها، حيث كانت الفروقات الحقيقية في النص الفعلي للقرآن موجودة في مختلف المخطوطات.
نحن نتعامل بوضوح مع نوعين مختلفين لقراءة “متنوعة “. من جهة لدينا اختلافات جوهرية بين المخطوطات الأولى التي غطت كل الفقرات التي أضيف مثل وصلاة العصر في سورة 2- 238، والتضمين في التعابير مثل يوم القيامة في سورة 2-275 في مخطوطة بن مسعود والفقرة المضافة وهو أبٌ لهم في سورة 33-6 في مخطوطات ابن مسعود وأَبيّ ابن كعب وبن عباس وآخرين كذلك هناك العديد من الاختلافات الفعلية الأخرى التي أشرنا إليها.
من جهة أخرى لدينا ميزات واضحة في الفوارق باللفظ واللهجة التي لم تكن واضحة تقريبا في النص المكتوب كالاختلافات الأخرى. إنها فقط الاختلافات التي يمكن للأحرف السبعة أن تبررها إذا ما أُخذت بشكل عام كسبع قراءات مختلفة تتعلق فقط باختلاف اللهجات.
نحن نعرف أن عثمان كان قلقا حول كلا الحالتين، الاختلافات النصية الجديّة واختلاف اللهجات. وليزيل ما سلف ذكره اختار ببساطة نص زيد ليقدمه على الأخريات التي أمر أن يتمّ تدميرها. نحن نعرف إن عثمان لم يكن مقتنعا بأن نص زيد نفسه يمثل بشكل كاف لهجة قريش لذلك أمر سعيد بن العاص واثنين آخرين من قريش ليشرفوا على التعديل في نص زيد إذا اقتضت الضرورة.
الأثر التالي للعمل الذي قام به عثمان واضح للغاية:
نقل النصوص (الصحف) إلى مخطوطة (مصحف وحيد)، ورتّب السّور، واقتصر على اللهجة (اللغة) العامية لقريش بحجة أن ( القرآن) نزل بلسانهم. (السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ص 140).
كان عثمان لا يهتمّ فقط بوضع نص وحيد للقرآن واعتبره المعيار بل أيضا أسس لاعتبار لهجة قريش أداة معيارية للتعبير في نفس الوقت. حقق الهدف الأول بحرق المخطوطات الأخرى، ثانيا استخدم ثلاثة رجال من قريش لتعديل مخطوطة زيد مما أثّر قليلا على النص المكتوب (والنص المكتوب كان أثره ضئيلا أصلاً في معظم الاختلافات في اللهجات والذي انعكس فقط في استخدام الحروف المشكّلة التي لم تكن في تلك المرحلة مستخدمة في النص المدوّن).
كان تأثير السبعة أحرف يمس الشأن الثاني فقط أي اختلاف اللهجات. كانت الأحرف (القراءات) معتبرة إذا كانت تخص لهجات لقبائل عربية ذات نفوذ. لم يكن هناك مايوحي في أي من تلك المدونات الأولى بأن الأسانيد التي تنص على أن القرآن كان يظهر في سبع قراءات مختلفة لديه ما يواجه به العدد الكبير من القراءات المختلفة الرئيسية في النص الفعلي الذي كان موجودا في مخطوطات زيد بن ثابت، وعبدالله بن مسعود وكتابات أخرى قبل أن يعتمد عثمان نصا وحيدا. ليس لدى السبعة أحرف ماتواجه به الشأن الأول لعثمان، أعني إجازة نص واحد مكتوب على حساب النصوص الأخرى، وفي الحقيقة لم يكن هناك حاجة لحرقها إذا كانت الاختلافات فقط في اللهجات كما كانت تقول لنا القراءات السبع المختلفة.
إلى هذا الحد البعيد يبتعد ديزاي عن الهدف عندما يحاول تفسير كل اختلافات النص التي كانت موجودة في المخطوطات الأولى كونها جزءا من القراءات السبعة الإلهية المجازة. وترتبط كلها باختلاف اللهجات ويخطأ مولانا عندما يحاول أن يجعلها غطاء للفوارق النصية الحقيقية التي أشرنا إليها في هذا الكتاب وفي الكراسة التي تقدم بها ليدحض تلك الفوارق. يمكن أن تكون الحجة التي ساقها في دعواه أن كل تلك القراءات المختلفة في مختلف المخطوطات كانت مجازة إلهيا كجزء من الأحرف السبعة مقنعة إلى حد كبير، لكن، ليصل إلى استنتاجه، لم يكن لديه وضوح في الفوارق بين نوعين من القراءة المختلفة التي تأملناها – النصية وما يختص باللهجات- مع القراءات السبع المختلفة التي استعملت فقط لاحقا.
من الواضح إن فرضية كون القرآن محفوظ بشكل كامل حتى آخر نقطة وحرف لا يمكنها أن تصمد في ضوء الكثير من الاختلافات في النص التي وُجدت في المخطوطات الأولى. لم يستطع ديزاي أن يلتّف على هذه المعضلة وأن يأخذ بحديث واحد فقط يسجل حديث محمد عن السبعة أحرف ويطبقه على تلك الاختلافات بمواجهة الفوارق الواضحة لتلك القراءات التي كانت تقتصر على اختلاف اللهجات لوحده.
2- فترة الاختيار: (زبدة) القراءات:
رأينا أن هناك نوعين من الاختلافات للقراءات المتنوعة في زمن التنقيح الذي قام به عثمان، حاول الخليفة إزالتهما من النص المقبول للقرآن. إنها مكيدة لكشف أنه نجح في إقصاء النوع الأول بشكل كامل تقريبا- الاختلافات الجوهرية في نص القرآن نفسه الذي وجد في العديد من المخطوطات – لكنه لم ينجح في إزالة النوع الثاني، أعني الاختلافات في اللهجة واللفظ التي كانت منتشرة بشكل واسع في أوساط المسلمين الأوائل والتي استمرت تُقرأ كجزء من نص القرآن. كان هذا في الأغلب بسبب أن المخطوطات التي أرسلها عثمان لمختلف الأقاليم غير منقّطة أو خالية من العلامات الصوتية وكانت تقدم فقط نصا ساكنا للقرآن. بخلاف ألفبائيتنا التي تحتوي على الحروف الصائتة والصامتة، الألفبائية العربية تحتوي على الحروف الساكنة فقط وفي الزمن الغابر كانت الألفبائية مقتصرة فقط على سبعة عشر حرفا لذلك فحرف واحد ساكن يمكن أن يمثل واحدا أو اثنين أو أكثر من الحروف. فقط في الأجيال التالية تمّ إدخال الحركات فوق أو تحت الأحرف لتعطي الصورة المضبوطة للنص الملفوظ والعلامات الصوتية المميزة التي أضيفت أيضا فوق وتحت الأحرف الساكنة لبلوغ النتيجة ذاتها.
بسبب من اختلاف اللهجات التي كانت منعكسة أولا بالحروف الصائتة في نص القرآن الذي اعتمد عثمان على مخطوطاته، المكتوبة بالصيغة الساكنة وحدها، لا يمكن أن تؤدي إلى قراءة متماثلة للنص في لهجة قريش بمفردها. هكذا نجد أنه بالرغم من أن تنقيحه القراءات المختلفة للنص إلا أنها استمرت واسعة الانتشار في أوساط المسلمين لكن كانت بشكل عام تقتصر على الاختلافات في اللهجة وحدها. خلال القرون الثلاثة الأولى من عمر الإسلام كان هناك فترة اختيار، زمن (للزبدة) عندما كان المسلمون يعتقدون بحرية تلاوة القرآن بأي لهجة يختارونها بناء على نص الحديث الذي يبين أن محمدا كان يلقن بأن القرآن قد نزل بسبعة طرق مختلفة يمكن أن يتلى بها.
خلال هذه الفترة وحتى عام 322 للهجرة (934 م)، كل علماء القرآن ينقلون بأن هذه الاختلافات في اللهجات تشكّل السبعة أحرف التي تحّدث بها محمد. وهكذا أصبحت “القراءات السبع” مقتصرة على الاختلاف في اللهجة واللفظ وحدهما ولم تكن تعتبر قابلة للتطبيق على الاختلافات الحقيقية فعلا التي ظهرت في الأيام الأولى للتطور في نص القرآن، الكثير مما أشرنا إليه في هذا الكتاب والذي سعى عثمان لإزالته ليعتمد تثبيت نص وحيد.
من ناحية ثانية لدينا أدلة قاطعة تظهر أنه حتى بعد أن أتمّ عثمان تنقيحه، كان نصه لا يزال غير مكتمل، في الحقيقة إن التنقيح، علاوة على ذلك، كان إعادة إنتاج كبيرة لتصنيف زيد بن ثابت الأصلي. أثناء خلافة عبد الملك بن مروان في القرن الأول من عمر الإسلام قام والي العراق الحجاج بن يوسف بخطوات لتصحيح نص عثمان. قال بوجوب إجراء أحد عشر تغييرا على نص القرآن الذي كان بالصيغة الساكنة، والتي انعكست جميعها في القرآن كما هو عليه اليوم.
تحت باب بعنوان: ما غيّر الحجاج في مصحف عثمان ( فصل: ما الذي بدّله الحجاج في النص العثماني) يعدد ابن داود هذه التعديلات الدقيقة وتضعها روايته كما يلي:
أجرى الحجاج بن يوسف أحد عشر تعديلا بالتمام والكمال في قراءة النص العثماني… في سورة البقرة (2-259) تقرأ بالأصل: لم يتسنّ .. لكنها عُدّلت إلى لم يتسنّه … في سورة المائدة (5-48) تقرأ شريعةً ومنهاجاً ولكنها عدّلت إلى شرعةُ ومنهاجاً. ( ابن داود كتاب المصاحف ص 117).
ويستمر الفصل بأكمله بتسمية كل واحدة من الفوارق التي أجراها الحجاج، لذلك فالقرآن كما نعرفه اليوم ليس هو نص عثمان فحسب بل أيضا التنقيح الثانوي اللاحق له الذي أجراه والي العراق. إنه لجدير بالاهتمام أن نجد أحد التغييرات وقد أشير إليها من قبل بن أبي داود بكونها أصلاً قراءة أُبيّ بن كعب كما جاء في سورة يوسف 12- 45 التي تقرأ بالأصل أنا آتيكم ونقحت لتتحول إلى أنا أنبئكم وبُلّغنا إنها كانت هي القراءة الأولى، كما وردت أصلا في نص عثمان، وكانت أيضا قراءة أُبيّ بن كعب والحسن (.(Jeffery، Materials، p.138 من المحتمل أن زيد وأُبيّ اتفقا على القراءة الأصلية لكنه كان من المسلّم به بشكل واسع من قبل الصحابة الآخرين بعد تنقيح عثمان إن هذه كانت قراءة مختلفة وأن القراءة المعتمدة كانت هي التي وضعها الحجاج آخر الأمر بدلا عنها.
بالإضافة لهذه التعديلات الأحد عشر لنص القرآن هناك أدلة بأن بضعة قراءات مختلفة أخرى
في الشكل الفعلي الساكن للقرآن لاتزال باقية. كلها ماعدا أثنين منها تتصل بحرف وحيد لكن في سورة التوبة 9-100 نجد أن كلمة مِن كانت موجودة بين تجري وتحتها، أي تجري من تحتها وفي سورة الواقعة 56-24 كان من المعروف أن الضمير هو يضاف ككلمة إضافية. ديزاي في تسجيله لبعض القراءات المختلفة للقرآن في كراسته (ص 15)، يسلّم بأول إشارة مختلفة هنا ويحدّد أيضا الاختلافات الأخرى في صيغة مواقع الكلمة المختلفة، والعلامات الصوتية والتخفيف وصيغ الأفعال. كل هذا، من ناحية ثانية، يرتبط باختلافات معروفة كانت لا تزال يؤخذ بها بحرية بعد التنقيح الذي أجراه عثمان.
مع ذلك ليس هناك إشارة في ثنايا الكراسة عن أي من الاختلافات الجوهرية الموجودة في النص الفعلي للقرآن التي تقود إلى المخطوطات الأخرى التي تمّ تدميرها.
في هذا الكتاب وفي كراستي التي تحمل عنوان براهين جمع القرآن التي شرع ديزاي بتفنيدها قدمتُ وفرة من الأمثلة لكل القراءات المختلفة التي ذهبت بعيدا عن مسألة اللهجات واللفظ. القضية هنا لم تكن واحدة من الصيغ المختلفة (للقراءة) بل بالمحتوى الفعلي للنص نفسه. كانت التعابير موجودة في بعض المخطوطات وقد أُسقطت من أخرى ( مثل يوم القيامة في سورة البقرة 2-275 )، كانت هناك كلمات مفردة مماثلة اقتصر وجودها على بعض المخطوطات وغير موجودة في الأخرى (مثل متتابعاتٍ في سورة المائدة 5-91) بينما فقرات كاملة ظهرت فقط في بعض النصوص (مثل وهو أبو لهم في سورة السجدة 33-6).
من الصعب أحيانا أن نقرر أي من القراءات المختلفة في الحقيقة يسلّم بها ديزاي في كراسته. فهو لا يضع إشارة مناسبة لهذه الاختلافات الجوهرية وكل الأشكال المختلفة يمكن أن يعزوها إلى السبعة أحرف، الاختلاف في اللهجات التي أبقى عليها تنقيح عثمان.
من ناحية ثانية سجلت في كراستي السابقة عددا أكبر من الاختلافات النصية التي وُجدتْ في المخطوطات الأخرى قبل أن يتمّ تدميرها ولم يأخذ ديزاي أي منها على محمل الجد. تسليمه بوجود القراءات المختلفة تؤخذ لمواجهة خلفية غايته الواضحة لكي يجيب على كراستي كما يجب بافتراض أنه يسلّم بصحة الاختلافات النصّية الأولى. على صعيد آخر، وفي معرض رده تعامل فقط مع الصنف الثاني من اختلافات السبعة أحرف، وفسّر الأخرى بما يناسبه. بعدئذ استخدم الصنف الثاني وحده ليدعم جداله بأن جميع القراءات المختلفة للقرآن مجازة إلهيا ويبدو أنه كان يدرك تماما بأنه لا يستطيع أن يسلّم بصحة الاختلافات النصيّة الجوهرية بدون أن يذعن بنفس الوقت بكون القرآن لم يكن محفوظا تماما حتى آخر نقطة وآخر حرف. بات من الملائم له، من ناحية أخرى، عدم الوضوح في الاختلاف بين الاثنين ثمّ يصل إلى التسليم التام حول اختلاف القراءات في القرآن في التلاوة فقط بسبب اختلاف اللهجات لكي يدعم دفاعه في كون القرآن كان قد أوحي بسبعة أشكال مجازة إلهياً. لا يمكن للمرء إلا أن يشعر بأن مولانا العالِم مذنبا لمدى التحايل الشرعي الذي يورده في حجته.
في الختام دعنا نتأمل بعضا من الاختلافات التي سجلها أبو داود في كتاب الحروف والقراءات، كل ما يتعلق بفوارق اللهجات وحدها ولا تؤثر على التدوين الساكن للنص المكتوب. إنها تشكل جزءا من النوع الثاني للقراءة المختلفة ويمكن اعتبارها جزءا من السبعة أحرف التي تحدّث بها محمد. علينا أن نشير فقط إلى ثلاث من هذه القراءات سجلها المصنِف ليتوضح الأمر:
قال سحر بن حوشب: سألت أم سلمة: كيف قرأ رسول الله (ص) هذه الآية: (إنها أعمالٌ غير صالح) ؟ أجابت: قرأها:( إنها عملَ غيرَ صالح). سنن أبو داود، مجلد3، ص 1116).
قال بن مسعود: اعتاد النبي (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان على قراءة ” مالك يوم الدن “. أول من قرأها مالك يوم الدين هو مروان. سنن أبو داود، مجلد 3 ص1119).
قال شقيق: قرأ بن مسعود الآية: (هيتَ لك). عندئذ قال شقيق قرأناها، ” هيتُ لك “. قال بن مسعود: قرأتها كما تعلمتها إنها الأعز إليّ. (سنن أبو داود، مجلد 3 ص 1120).
في كل حالة يوجد الاختلاف كله في تشكيل النص ولم يكن ينعكس في النص الساكن الذي نسخه عثمان كصيغة مقياس للقرآن لكل المجتمع المسلم. يفسر هذا لماذا بقي الكثير من هذه الاختلافات في اللهجات بعد تنقيح عثمان بينما اختلافات النص الساكن كانت قد أزيلت في حينه من التقيح الفعلي لنص القرآن. دعونا نؤكد على الزمن عندما أغلقت فترة الاختيار، زمن “الإختيار الحر” وتمّ تعريف السبعة أحرف، القراءات السبعة للقرآن، بتحديد أكبر. بعد ذلك علينا أن نقترب مع تحليل مختصر للميزّة الفعلية لتلك القراءات.
3- تعريف بن مجاهد النهائي للسبعة أحرف:
لم يكن هناك محاولة لتعريف فعلي للقراءات السبع حتى القرن الرابع للإسلام. كما قيل سابقا ليس هناك شيء في الأعمال الأولى للسيرة والحديث مايعطي أي إشارة بأن هذه القراءات فعلية لولا الرواية التي تنسب لمحمد بأنها جزء من القرآن الذي أوحى به الله. في القرن الرابع، تمّ إقرار ما كانت عليه هذه القراءات السبع و تمييزها وتحديدها وتعريّفها.
في بغداد عام 322 للهجرة أخذ المرجع المعروف في القرآن، ابن مجاهد، على عاتقه حلّ المسألة. كان له نفوذ معتبر لدى بن عيسى وبن مقلة، وهما وزيران لدى السلطة العباسية ( يكافئان مجلس الوزراء في النظام المعاصر)، ومن خلالهما إستطاع تبني تحديد رسمي للقراءات الجائزة للقرآن. كتب كتابا تحت عنوان القراءات السبع تستند على الحديث الذي بيّن أن هناك سبعة أحرف إلهية مجازة للقرآن وأسس لقانونية سبعة قراءات متداولة معلنا أن الأخريات شاذّة ( “معزولة” أي إنها غير قانونية).
لقد سبقت الإشارة إلى القراءات السبع القانونية في هذا الكتاب، أعني تلك التي لِنافي في (المدينة) و بن كثير في (مكة) و بن عمير في (دمشق) وأبو عمر في البصرة وعاصم وحمزة والكسائي في الكوفة. في كل حالة كان هناك ناقلين محددين مميزين هم من كانوا ينفذون تنقيح (الرواية) من عندهم لكل قراءة وإثنتين منهما، أعني تلك التي من وارش
( الذي نقّح قراءة نافي) وحفص (الذي نقّح قراءة عاصم)، هما اللتان هيمنتا على الأخريات اللواتي سقطن عموما بالإهمال ولم يعدن مقروءات لدى قسم كبير من العالم المسلم.
كان تصميم بن مجاهد على تشريع سبع من القراءات فقط ثم في ترويجها على حساب الأخريات مدعوما من قضاة عباسيين على أيامه. وبعد فترة قريبة جدا من عمله هذا كان هناك عالما يدعى بن عساكر قام جهارا بفرض التخلي عن الرأي واسع الإنتشار الذي يقول بأن أي قراءة من المختصر الأساسي الساكن مطابقا لقواعد العربية. هذا القرار شرّع عمليا القراءات السبع التي اختارها بن مجاهد باعتبارها القراءات الرسمية المقبولة فقط. بعد فترة ليست بالطويلة كان هناك عالما آخر هو بن شعنبوت فرض بطريقة مشابهة التراجع عن الرأي الذي كان يسمح بإستخدام قراءتي بن مسعود و أبيّ بن كعب ( يعني فقط تلك المختلفة المقتصرة على اختلاف اللهجات التي كانت تنسب لهم وليست الاختلافات التي أزالها عثمان من التلاوة في القرآن).
ومع مرور القرون سقط في الإهمال معظم القراءات السبع القانونية أيضا فقط وأصبحت قراءة نافي وحفص مستخدمة بشكل واسع. رواية وارش عن قراءة نافي بقيت مستخدمة لفترة طويلة في المغرب ( الجزء الغربي من أفريقيا تحت الحكم الإسلامي، أعني مراكش الجزائر الخ..)، في الدرجة الأولى لأنها كانت مرافقة عن كثب للمدرسة المالكية في التشريع، لكن رواية حفص نجحت تدريجيا في التداول الشامل تقريبا في العالم المسلم، خاصة منذ أن درجت طباعة القرآن. فعليا كل الطباعات الحجرية للقرآن التي طبعت في القرنين الأخيرين كانت قد أخذت بقراءة عاصم التي نقلها حفص. كل الطباعات المقروءة للقرآن التي بحوزة الملايين من المسلمين في العالم اليوم هي إنعكاس لقراءة حفص وفي نفس الوقت هذه النسخة المعدّلة أصبحت على الأرجح القراءة الوحيدة المستخدمة في العالم الإسلامي برمته.
لقد أغلقت فترة الإختيار مع بن مجاهد. لقد عمل على القراءة الملفوظة للقرآن مثل ماعمل عثمان في النص الساكن. تماما مثلما اعتمد الأخير نصا وحيدا كمعيار للمجتمع المسلم بأكمله، بتدمير النسخ الأخرى، كذلك أسس بن مجاهد لسبع قراءات شرعية معدّلة ليتم إعتمادها وتحريم كل الأخريات التي كانت متداولة. ومثلما لا يمكن إعتبار النص، الذي أختاره عثمان ليكون معيارا، نسخة كاملة طبق الأصل للقرآن تماما كما سلمها محمد لأنها لم تكن أكثر من تأسيس بُني على نسخة لرجل واحد فقط، هو زيد بن ثابت، وبتصرف شخصي من الخليفة، كذلك فالقراءات السبع التي شُرّعت من قبل بن مجاهد لايمكن القبول بكونها إنعكاسا دقيقا للسبعة أحرف التي تحدّث بها محمد، مرة أخرى بسبب إنها كانت ببساطة قراءات لقراء متأخرين اختيرت اعتباطيا من قبل مُنقّح وفقا لإختياره الشخصي.
4- أفكار على توحيد نص القرآن:
إذن كنا قد تعاملنا مع سبع قراءات مختلفة كما تم التعامل معها خلال القرون الأولى من عمر الإسلام. ومع ذلك فقد جاء الوقت كي نرى هذا الموضوع من منظور نقدي آخر. هل نستطيع أن نقبل مجملا بأن كل القراءات المختلفة للقرآن، حتى إذا راعينا فقط اختلاف اللهجات وليست الاختلافات النصية الجوهرية، يمكن أن تؤخذ على إنها ببساطة مجازة إلهيا على أساس رواية منسوبة لمحمد كون القرآن جاء بالأصل بسبع قراءات مختلفة؟ نحن نعرف ما أصبحت عليه تلك القراءات أخيرا: بعد ثلاثة قرون من وفاة محمد اختار بن مجاهد وفق رأيه الخاص وببساطة سبعة من القراءات العديدة المختلفة التي كانت سائدة على زمانه ليعلنها قراءات مجازة إلهيا. ليس هناك عالِما للنص القرآني يتحلى بالموضوعية يمكن أن يقبل هكذا مقاربة إعتباطية أحادية الجانب وجازمة إلى هذا الحد، ومع ذلك، يمكن أن يعتبر فعل بن مجاهد محاولة طموحة لجعل القراءات المختلفة للقرآن في زمانه تناسب مفهوم القراءات الأصلية السبع. عمل المفسر في القرن الرابع هو نوع من لفت الأنظار بعيدا عن طريق المسائل الحقيقية المتصلة بهذا الموضوع.
السؤال الرئيسي هو: ما الذي كانت عليه تلك القراءات السبع المختلفة في زمن محمد حقيقةً؟ ما المفروض أن تكون عليه أصلا؟ لدينا عمليا الجواب المقدّم سلفا: لايجوز لأحد القول بأن الأحاديث المدوّنة الأولى عموما أشارت إلى إن هذه القراءات كانت مقتصرة على الاختلاف في اللهجات ونادرا ما كانت تؤثر على النص الساكن الحقيقي.
لدينا حديث حول القراءات السبع المختلفة من جهة، ومن جهة أخرى عدد ضخم من الأمثلة على القراءات المختلفة فعليا التي لايمكن أن تكون وثيقة الصلة بالحديث بأي من الطرق المعروفة. يدّعي ديزاي أن عثمان تخلص من ستة قراءات وأبقى على واحدة فقط بإعتبارها معيار النص الوحيد للقرآن. بسلطتها اختزل القرآن بصيغة واحدة من القراءات السبع المختلفة التي لم يحدد ديزاي أيهما يعني، بل ليلتف حول الاستنتاج الواضح بأن ست من الصيغ الإلهية للقرآن قد فقدت بتلك الوسيلة وتمّ التخلص منها، يدعي أن القراءات المختلفة كانت مع ذلك مصانة منفصلة. يقول في كراسته:
التصنيف المنفصل لكل صيغة تلاوة لم تُشمل رسميا بمقياس رسم الخط كان بأمر حضرة عثمان (رض). (ديزاي، القرآن لا يرقى إليه الشك، ص 36).
كالمعتاد ليس هناك توثيق واضح يدعم هذا الإدعاء يعطيه مولانا لقرآئه، مرة أخرى علينا القبول ببساطة بما يقوله بدون تحقيق. لا يقول لنا شيئا لا عن هذه المجموعات المنتشرة ولا عن مصدر إدعائه بأن عثمان أمر بأنها توضع سوية. عمل مثل هذا من قبل خليفة المسلمين يمكن فقط أن يعتبر بمجمله بعيد الإحتمال على ضوء حقيقة تعبّر عن غايته للتخلص الكامل من القرآءات المختلفة التي وجدت من أجل الحفاظ على النص الفريد الذي اختاره.
ومع ذلك تظهر الهشاشة إلى حد بعيد في مجمل حجة مولانا من وجهة نظر أخرى. فإذا كانت القراءات الست الأخرى، حسب مايدعي، محفوظة بدقة، فماذا كانت؟ هل يستطيع ديزاي أن يدوّن لنا اليوم سبعة نصوص مختلفة للقرآن كاملة الألفاظ، تُظهر جميع القراءات المختلفة التي وُجدت على زمن تنقيح عثمان الذي كان يقال عنه مُجاز إلهيا وتمّ تقديمه كما ينبغي بسبعة صيغ مختلفة؟ حتى لو استطاع، سنسأله على أي مرجع يتوقع منّا أن نعتمد لقبول صيغ قراءاته السبعة المختلفة المقترحة للقرآن بإعتبارها كانت ماتحدّث عنه محمد تماما.
دراسة القراءات الأولى، بكلتا الحالتين ما يخص اللهجات أو الأصلية، ستظهر لنا بأن مثل هذا التعهد هو مهمة مستحيلة. هذه القراءات أحيانا يجب أن تأخذ من أحد الصحابة وفي أحيان أخرى من صحابي آخر، ومن حين لآخر من عدد من الصحابة مجتمعين. ليس هناك إشارة لتقسيم فعلي لكل هذه الاختلافات إلى سبعة صيغ واضحة حتى ولو تلميحا في المدونات الأولى. ومن المستحيل تماما تحديد ما يفترض أن تكون عليه تلك القراءات السبع المختلفة بشكل جازم.
وبالتالي فإن الأحاديث المدوّنة عن السبعة أحرف حقيقة ليست ذات مغزى. لايمكن تطبيقها، بدون درجة كبيرة من التخمين والظن، على القراءات المختلفة للقرآن التي حفظت عبر القرون. ليس للرقم ” سبعة” بأية حال أي صلة بما نأخذه بعين الإعتبار على الإطلاق. كل ماحدث هو إن لدينا، بجانب النص الوحيد للقرآن بالصيغة الساكنة التي جُعلت معيارا من قبل عثمان، عددا ضخما من الفقرات التي قيل إنها فقدت، وحشد من القراءات المختلفة لنصوص معينة، مع فروقات دقيقة في حروف النص. هذه الأدلة تتناقض بقوة مع الرأي الشائع بأن القرآن محفوظ تماما حتى آخر نقطة وآخر حرف، ولم يُفقد منه شيء، ولم يغيّر أو يعدّل.
الرواية الغامضة عن الصيغ السبعة المختلفة المنتشرة للقرآن تصبح غطاءا مناسبا ليشمل كل القراءات المعروف إنها موجودة وكذلك إعطائها الترخيص الإلهي. هذه هي كل فكرة كراسة ديزاي- كل اختلاف يمكن أن يواجهنا هو بإختصار يمكن أن يصرح به كونه موحى به إلهيا كواحد من القراءات السبعة حتى وإن كان مولانا لايأمل أن يتمكن من تحديد افتراض ما كانت عليه القراءات السبع بدقة، ولأي واحدة من السبعة تنتمي كل قراءة، أو على الأقل أي أدلة تثبت مثل هذا التعريف أو يقول على أي مرجع يبني استنتاجاته. التقليد المتوارث حول السبعة أحرف أصبح ذريعة مرخصة لإدعاء الإجازة الإلهية لأي اختلاف يمكن أن يحدث- وهكذا يحافظ مولانا على الوجدان الشعبي، وعلى الفرضية التي تقول بأن لا شيء من القرآن قد فقد أو بُدّل من قبل أي شيء سوى القرار الإلهي.
مثال جيد جدا عن الإرباك الذي حصل لدى الأجيال اللاحقة حول القراءات السبعة المختلفة المفترضة و العجز الكامل للعلماء المسلمين الأوائل في تصنيف القراءات المختلفة التي كانت جميعها في المتناول بالصيغ السبعة المعروفة وهو ما يوضحه الإقتباس التالي:
قال أبو الخير بن الجزائري، في أول كتاب نشره ” كل قراءة مطابقة مع العربية، حتى ولو كانت من بعيد فقط، ومطابقة لواحدة من مخطوطات عثمان، حتى وأن كانت محتملة فقط لكن مع سلسلة المراجع المقبولة، هي قراءة موثوقة لايمكن التغاضي عنها، ولا يمكن إنكارها، بل هي تنتمي الى السبعة أحرف ( القراءات السبع) التي أنزل بها القرآن، وهي ملزمة للناس لكي يقبلوا بها، بصرف النظر كونها وردت من سبعة أئمة، أو عشرة، لكن عندما لا يكون هناك ما يدعمها تماما من قبل هذه (الشروط) الثلاثة، فإنها تُرفض بإعتبارها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء أوردها سبعة أئمة أو إمام واحد. ( السيوطي الإتقان في علوم القرآن، ص 176).
هذا الحديث يبين كيف أنه من المستحيل تحديد القراءات السبعة المختلفة في لغة تلاوة القرآن كما كانت تقرأ بالفعل في صيغها المختلفة في المجتمع المسلم وكيف لم يمكن لإثنتين منها أن ترتبطا مع بعضهما بشكل مقبول بأي طريقة بالمطلق. أي قراءة جيدة كانت آليا تعتبر واحدة من القراءات السبعة المرخصة، ليس بسبب أنها استطاعت أن تثبت إنتمائها لواحدة منها، بل لأنها أصبحت مقبولة من خلال إعتبارات أخرى- إسنادها، و إنسجامها مع النص العثماني الساكن الوحيد، و مطاوعتها مع النحو العربي الصحيح.
لدى كتاب مسلمين آخرين أمثال صدّيق طريقة أسهل للإلتفاف على المشكلة. إنهم يصرّحون ببساطة بأن مثل هذه الاختلافات لم تؤثر أبدا على نص القرآن المكتوب على الإطلاق، ومع ذلك الأدلة الواضحة على النقيض من ذلك في الخلاصات الشاملة للأدلة على جمع القرآن في كتاب الإتقان للسيوطي وكتاب المصاحف لإبن أبي داود، وكلاهما أشار إليهما صدّيق في مقالته بإيجاز مع موافقة تامة لما جاء بهما.
هناك طعن أخر في جدل ديزاي والذي يبرهن على وجود النقص في نهاية التحليل. براهينه بأن مقياس عثمان ” مقياس التخلص من كل النسخ الصحيحة المرخصة الأخرى للقرآن المجيد ” ص.32 يعني أن واحدة فقط من القراءات كانت معيارية لضمان الإتساق على حساب الستة الأخرى بالضد من ميزة ما قام به عثمان كاملا بالفعل. يبدو إن المولانا يغفل حقيقة أن عثمان إختار فقط النص الساكن للقرآن مقياسا وفي استبعاد المخطوطات التي لاتحتوي على النقاط المميزة أو الحركات، تأثر بصعوبة باختلاف اللهجات في النص التي كانت تقول بوجوب الأخذ بالأحرف السبعة ( كما جاء في الروايات الأولى المقتبسة التي وردت عن القراءات السبعة في صحيح مسلم). وبالتالي جاءت هناك فترة الإختيار عندما كان القرآن يتلى بحرية في العديد من اللهجات المختلفة حتى إختار بن مجاهد إعتباطيا سبعا منها حسب إختياره هو ليقدمها بإعتبارها القراءات التي كان يتحدث بها محمد.
لم يخطر ببال عثمان أبداً أن يتخلص من ستة قراءات مرخصة إلهيا عندما شرع بإختيار واحدة لتكون معيارا لأغراض الإتساق كما يدعي مولانا. لقد آمن منذ البدء بأن ليس هناك أبداً ولا يجب أن يكون موجوداً غير نص واحد فريد للقرآن و نظر إلى الأدلة التي تشير إلى أن القرآن من البداية كان مقسّما بين كل أنواع القراءات المختلفة بنظرة رعب، خوفا فيما لو إستمر هذا أن يُفقد النص الأصلي برمته. وهكذا أخذ الخطوة المتطرفة لأمر الإختيار من الجميع بأن يختار واحدة لكي يبطل القراءات المختلفة للقرآن تماما لأنه أعتبر مثل هذه الممارسة بمثابة إنحراف عن النص الأصلي غير جائز.
يدّعي ديزاي بشكل متواصل بأن غرض عثمان كان تأسيس واحدة من الصيغ السبعة المختلفة للقراءات على حساب الأخريات لكنه، كما قال سابقا، أضاع الغاية. لم يكن لعمل عثمان سوى النزر القليل ليفعله مع القراءات، في الحقيقة إنه ركّز قبل كل شيء على مصاحف كانت مقتصرة على مزاعم عن النص الساكن للقرآن وحده. العدد الضخم من الفروقات في القراءات كانت قد إنعكست فقط في تشكيل الحروف وهكذا فلت بفعلته تماما. أسس عثمان معيارا وحيدا هو النص الساكن للقرآن- الصيغة الأساسية- وكانت السبعة أحرف دائما معتبرة من قبل علماء الإسلام الأوائل للإبقاء على عمله ولثلاثة قرون كان القرآن يتلى رسميا بكل أنواع اللهجات المختلفة. في الحقيقة ذلك مافعله لاحقا بن مجاهد بإعتماد سبع من هذه القراءات بإعتبارها مقبولة رسميا وإستمرت في البقاء كجزء من القراءات المرخصة. وهكذا ما ألغاه عثمان كان فقط صنف من القراءات المختلفة التي أثرّت بالنص الفعلي المكتوب للقرآن وليست صيغ القراءات العديدة التي كانت منعكسة فقط في اختلاف تشكيل الحروف.
في النهاية لا يمكن إعتبار السبعة أحرف بأي شكل مناسبة لإرث الإسلام لوفرة من القراءات المختلفة التي نزلت جنبا إلى جنب في القرآن. ليس هناك شيئا في المدوّنات عن هذه الاختلافات أو الصيغ المختلفة اللهجات التي كانت موجود فعلا يمكن أن يرتبط بالصيغ السبعة المقبولة للقراءة كما نصّ عليها التقليد المتّبع. كتّاب من أمثال ديزاي يحاولون فرض تطابق بين الاثنين فحسب كما يعطون الموافقة الإلهية كذلك لكل الاختلافات المعروفة الموجودة، ولكن ليس هناك عالِم موضوعي في تاريخ نص القرآن يمكنه أن يجد علاقة مباشرة بين الاثنين. في الفصل القادم يتوجب علينا أن نعطي انطباعاتنا الخاصة عن الأسباب الحقيقية للقراءات المختلفة وللفقرات المفقودة من القرآن.
الهوامش:
1. “1” Desai، Maulana. The Quraan Unimpeachable. Mujlisul Ulama of South Africa، Port Elizabeth، South Africa. May 1987.
2.Siddique، Dr. Kaukab. Quran is NOT Allah’s Word says Christian Lay Preacher. Al-Balaagh، Vol. 11، No. 1، Johannesburg، South Africa. February/March 1986
www.alawan.org
بينما يحاول كتاب مثل كوكب صدّيق”1″ الالتفاف على ثروة من البراهين في السجلات التاريخية للإسلام التي تبين كيف كان القرآن في آخر الأمر يختبر كمعيار بمواجهة خلفية من القراءات المتعددة، والمقاطع والنصوص التي فقدت معا، آخرون مثل مولانا ديزاي “1” يسلمّون كما ينبغي بالبراهين ويأخذون بالكثير من الاختلافات التي وجدت في المخطوطات والنسخ الأولية. من ناحية أخرى نجد ديزاي، على سبيل المثال، مصمما برغم ذلك على الدفاع عن الفرضية الشائعة بأن القرآن محفوظ تماما لم يمسّ حتى آخر نقطة وآخر حرف. لقد رأينا آنفا كيف تغلب على المعضلة مع المقاطع التي فقدت من القرآن- لقد أعلن بشكل ملائم بأنها جميعا قد نسخت من قبل الله أثناء حياة محمد. كيف تجنّب مضامين العديد من القراءات المختلفة للنصوص والنسخ الأولى؟
إنّه يدعي أنها نتجت ليست من الشكوك حول النص أو الإرباك الجزئي حول الصياغة الفعلية لكل مقطع بل بالأحرى إن كل اختلاف كان في الحقيقة جزءا من نص القرآن الأصلي كما سلمه الله لمحمد! يقول أن ” الاختلافات ” في الروايات لمختلف القوم كانت رسمية ومجازة وصيغ إلهية وهي ما علمّه رسول الله (ص) للصحابة الذين ينقلون علم قراءاتهم لطلابهم ” (القرآن لا يرقى إليه الشك ص 13) ويستمر ليقتبس الرواية التالية عن محمد ليدعم تفسيره:
لقد أوحي لي بالقرآن ليروى بسبعة طرق مختلفة، فاتلو ما تيسر لك منها.(صحيح البخاري مجلد6 ص 510).
الرواية تختم السند الذي يخبرنا أن عمر سمع في أحد الأيام هشام بن الحكم يتلو سورة الفرقان بطريقة مختلفة جداً عن الطريقة التي كان عمر قد تعلمها. جاهد عمر للسيطرة على نفسه ونوى أن يثب عليه، عندما أكمل هشام تلاوته، واجهه عمر واتهمه بكونه كاذبا وعندما بيّن له بأنه تعلمها مباشرة من محمد نفسه، وعندما حضرا أمام نبي الإسلام، صادق النبي على القراءتين لكلا الصحابيين، مضيفا الرواية الآنفة الذكر بأن القرآن كان قد أوحي على سبعة أحرف ” في سبع قراءات “.
يبين حديث مشابه أن القرآن أصلا جاء في سبع صيغ مختلفة فيقول ما يلي :
روى بن عباس قول رسول الله (ص): علّمني جبرائيل أن أتلو بطريقة واحدة. أجبته وبقيت أسأله المزيد (من الطرق)، حتى وصل إلى سبعة طرق (للتلاوة). قال ابن شهاب: بلغني أن تلك الطرق السبعة كانت في الأصل واحدة، لا تختلف حول ما يجوز وما يحرّم.(صحيح مسلم مجلد 2، ص 390).
نزيد على ذلك أن أُبي بن كعب أخبرنا أنه تذكّر المناسبة التي روى فيها محمد بأن جبريل جاءه أحد الأيام وأخبره أن الله أمر بأن يتلى القرآن بلهجة واحدة فقط، فأجاب محمد بأن قومه لا يطيقون ذلك. وبعد أن عاوده الوحي كثيرا وفي الرابعة جاءه الملاك أخيرا يخبره بأن الله سمح للمسلمين أن يتلوا القرآن في سبعة طرق مختلفة وستكون كل تلاوة صحيحة (صحيح مسلم، مجلد 2، ص391).
علاوة على هذه الأحاديث، ليس هناك دليل في أدب الحديث يبين ما كانت عليه هذه القراءات السبع المختلفة. الرواية في صحيح البخاري، التي سجلت أيضا في المجلد 6 ص 481، لم تخبرنا كيف كان هشام يتلو سورة الفرقان بشكل مختلف عن طريقة عمر، ولا ماهية الاختلافات في اللهجة على نحو صرف كما توحي بذلك الروايات في صحيح الإمام مسلم.
ليس هناك روايات أخرى في الآثار الأولى للحديث وأدب السيرة ما يعطي أي دلالة حقيقية لما كانت عليه القراءات السبع المختلفة أو الصيغة التي تقتضيها. هل كانت في النهاية سبع صيغ مختلفة يمكن أن يتلى بها القرآن كله؟ أو كانت مسألة لهجات مختلفة صرف ممكن أن يتلى بها النص؟ ليس هناك في الروايات الأولى ما يعطينا أية فكرة عن ماهية السبعة أحرف أو أي صيغة أخذت، ليس سوى إشارات في الروايات التي أستشهد بها من صحيح مسلم اقتصرت على أنها كانت خلافا في اللهجات. ليس أكثر من القول أن القرآن كان قد أوحي به في سبعة طرق مختلفة يمكن أن يتلى بها.
في كتاب أبي داود “السنن الكبرى” نجد مصنفا لما يصل إلى أربعين قراءة مختلفة للقرآن تحت عنوان كتاب “الحروف والقراءات”( كتاب اللهجات والقراءات ). سوف نشير إلى بعضها لاحقا في هذا الفصل، لكن دعنا هنا نكتفي بالقول أن في كل القراءات التي أوردها، نجد واحدة فقط مختلفة أشار إليها في كل حالة اختلاف والاختلاف الواضح يخص اللهجة أو اللفظ. ليس هناك إيحاء بأن هذه القراءات المختلفة كانت مجازة كجزء من النص الأصلي أو إنها شكلت جزءا من القراءات السبع المختلفة، لكن إن كانت كذلك فهي مقتصرة على اختلاف اللهجات فحسب.
بالنتيجة نجد حشدا من التفسيرات المختلفة المقترحة للحديث المعني وذلك لندرة في وجود الدليل عما كانت تعنيه تماما الأحرف السبعة أصلا. البعض يقول كما أن للقبائل العربية لهجات متشعبة كذلك جاء القرآن في سبع صيغ مختلفة ليلائمها، بينما يقول آخرون أن القراءات السبع المختلفة كانت صيغا بارزة وصلت لمراكز الإسلام على يد زعماء ذوي مصداقية في القرن الثاني الهجري. وهكذا قال أبو عمرو أخذت إحدى القراءات إلى البصرة، وأخذ بن عمير واحدة إلى دمشق، وأخذ عاصم واثنان آخران ما لديهما إلى الكوفة، وأخذ بن كثير واحدة إلى مكة واحتفظ نافع بواحدة في المدينة (سنن أبو داود، حاشية 3365، مجلد 3، ص 1113).
يمكن لأي كان أن يخمن ماكان بكل حالة. هناك العديد من التفسيرات الأخرى لا نحتاج أن نتأملها هنا. يتبين لنا من كل ما تقدم وبجلاء أن ليس هناك شيء مؤكد يمكن أن نقوله حول القراءات السبع المختلفة ماعدا إنها كانت مقتصرة على الاختلاف في اللهجة واللفظ ليس إلا.
يواصل مولانا ديزاي الحديث عن ” إجازة جميع ’القراءات المختلفة‘ ” التي كانت ” من الوحي وهي جزء من القرآن ” وكما قيل آنفا، فقد فهرس جميع القراءات المختلفة للقرآن التي نجدها في المدونات الأولى باعتبارها من الأحرف السبعة ومصادقا عليها إلهيا. مع ذلك العقبة الرئيسية هنا والتي اعتاد ديزاي على إغفالها هي أن تلك المدونات تبيّن أن هناك اختلافات بين مخطوطة زيد بن ثابت والمخطوطات الأخرى التي لدى عبد الله بن مسعود وأَبيّ بن كعب ورواة آخرين والاختلاف ليس فقط في اللهجات بل هناك أيضا الاختلافات الحقيقية للنص نفسه. استشهدنا بالعديد من الأمثلة في هذا الكتاب بكلمات وفقرات وحتى آيات كاملة كانت تؤكد الخلاف الجذري بين مختلف المخطوطات.
لقد برهنت بإسهاب آنفا أن هذه الاختلافات لم تكن خلاف لهجات بل أحيانا تتعلق بمحتوى نص القرآن نفسه. يجب القول مرة أخرى أنه إذا كانت كل هذه الاختلافات الصرفة هي في لفظ النص طبقا للّهجات المتنوعة للقبائل العربية، فيجب أن لا تكون ظاهرة في كتابة النص، خصوصا عندما نتذكر بأن تلك المخطوطات الأولى كُتبت بحروف ساكنة ولا تتضمن مايشير إلى الحركات الإعرابية نزولا إلى مايتطلبه اختلاف اللهجات.
لم يكن عثمان ليأمر أبداً بالتدمير الكامل لكل المخطوطات الأخرى باستثناء مخطوطة زيد إذا كانت الاختلافات في القراءة فقط في التعبير الشفهي للنص. هناك كما رأينا، الكثير من التفسيرات المختلفة للسبعة أحرف، علاوة على ذلك إنها تدّعي بإصرار أن هذه الاختلافات ترتبط باللهجات(أو تقريبا تقتصر عليها). إذا قبلنا هذا التفسير فعلينا في نفس الوقت أن نستنتج بأن هذه القراءات السبع المختلفة لا تمتلك إلا النزر اليسير لتصمد به أمام التنوع النصي الواسع الذي وُجد بين مخطوطات بن مسعود وزيد وأُبيّ وأبو موسى وآخرين قبل أن يأمر عثمان بتدميرها كلها ماعدا واحدة . بينما يحاول ديزاي إعطاء مصداقية إلهية وإجازة لكل القراءات المتعددة التي كانت موجودة في ذلك الوقت، سواء في ذلك النصية أو المختصة باللهجات، بدعوى إنها جميعا كانت جزءا من السبعة أحرف، كان الرأي الذي أجمع عليه العلماء المسلمون الأولون هو أن هذه القراءات السبعة وُجدت فقط بسبب اختلاف اللهجات ومولانا العالِم لايجد مبررا لمحاولة مطابقتها مع مثيلاتها، حيث كانت الفروقات الحقيقية في النص الفعلي للقرآن موجودة في مختلف المخطوطات.
نحن نتعامل بوضوح مع نوعين مختلفين لقراءة “متنوعة “. من جهة لدينا اختلافات جوهرية بين المخطوطات الأولى التي غطت كل الفقرات التي أضيف مثل وصلاة العصر في سورة 2- 238، والتضمين في التعابير مثل يوم القيامة في سورة 2-275 في مخطوطة بن مسعود والفقرة المضافة وهو أبٌ لهم في سورة 33-6 في مخطوطات ابن مسعود وأَبيّ ابن كعب وبن عباس وآخرين كذلك هناك العديد من الاختلافات الفعلية الأخرى التي أشرنا إليها.
من جهة أخرى لدينا ميزات واضحة في الفوارق باللفظ واللهجة التي لم تكن واضحة تقريبا في النص المكتوب كالاختلافات الأخرى. إنها فقط الاختلافات التي يمكن للأحرف السبعة أن تبررها إذا ما أُخذت بشكل عام كسبع قراءات مختلفة تتعلق فقط باختلاف اللهجات.
نحن نعرف أن عثمان كان قلقا حول كلا الحالتين، الاختلافات النصية الجديّة واختلاف اللهجات. وليزيل ما سلف ذكره اختار ببساطة نص زيد ليقدمه على الأخريات التي أمر أن يتمّ تدميرها. نحن نعرف إن عثمان لم يكن مقتنعا بأن نص زيد نفسه يمثل بشكل كاف لهجة قريش لذلك أمر سعيد بن العاص واثنين آخرين من قريش ليشرفوا على التعديل في نص زيد إذا اقتضت الضرورة.
الأثر التالي للعمل الذي قام به عثمان واضح للغاية:
نقل النصوص (الصحف) إلى مخطوطة (مصحف وحيد)، ورتّب السّور، واقتصر على اللهجة (اللغة) العامية لقريش بحجة أن ( القرآن) نزل بلسانهم. (السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ص 140).
كان عثمان لا يهتمّ فقط بوضع نص وحيد للقرآن واعتبره المعيار بل أيضا أسس لاعتبار لهجة قريش أداة معيارية للتعبير في نفس الوقت. حقق الهدف الأول بحرق المخطوطات الأخرى، ثانيا استخدم ثلاثة رجال من قريش لتعديل مخطوطة زيد مما أثّر قليلا على النص المكتوب (والنص المكتوب كان أثره ضئيلا أصلاً في معظم الاختلافات في اللهجات والذي انعكس فقط في استخدام الحروف المشكّلة التي لم تكن في تلك المرحلة مستخدمة في النص المدوّن).
كان تأثير السبعة أحرف يمس الشأن الثاني فقط أي اختلاف اللهجات. كانت الأحرف (القراءات) معتبرة إذا كانت تخص لهجات لقبائل عربية ذات نفوذ. لم يكن هناك مايوحي في أي من تلك المدونات الأولى بأن الأسانيد التي تنص على أن القرآن كان يظهر في سبع قراءات مختلفة لديه ما يواجه به العدد الكبير من القراءات المختلفة الرئيسية في النص الفعلي الذي كان موجودا في مخطوطات زيد بن ثابت، وعبدالله بن مسعود وكتابات أخرى قبل أن يعتمد عثمان نصا وحيدا. ليس لدى السبعة أحرف ماتواجه به الشأن الأول لعثمان، أعني إجازة نص واحد مكتوب على حساب النصوص الأخرى، وفي الحقيقة لم يكن هناك حاجة لحرقها إذا كانت الاختلافات فقط في اللهجات كما كانت تقول لنا القراءات السبع المختلفة.
إلى هذا الحد البعيد يبتعد ديزاي عن الهدف عندما يحاول تفسير كل اختلافات النص التي كانت موجودة في المخطوطات الأولى كونها جزءا من القراءات السبعة الإلهية المجازة. وترتبط كلها باختلاف اللهجات ويخطأ مولانا عندما يحاول أن يجعلها غطاء للفوارق النصية الحقيقية التي أشرنا إليها في هذا الكتاب وفي الكراسة التي تقدم بها ليدحض تلك الفوارق. يمكن أن تكون الحجة التي ساقها في دعواه أن كل تلك القراءات المختلفة في مختلف المخطوطات كانت مجازة إلهيا كجزء من الأحرف السبعة مقنعة إلى حد كبير، لكن، ليصل إلى استنتاجه، لم يكن لديه وضوح في الفوارق بين نوعين من القراءة المختلفة التي تأملناها – النصية وما يختص باللهجات- مع القراءات السبع المختلفة التي استعملت فقط لاحقا.
من الواضح إن فرضية كون القرآن محفوظ بشكل كامل حتى آخر نقطة وحرف لا يمكنها أن تصمد في ضوء الكثير من الاختلافات في النص التي وُجدت في المخطوطات الأولى. لم يستطع ديزاي أن يلتّف على هذه المعضلة وأن يأخذ بحديث واحد فقط يسجل حديث محمد عن السبعة أحرف ويطبقه على تلك الاختلافات بمواجهة الفوارق الواضحة لتلك القراءات التي كانت تقتصر على اختلاف اللهجات لوحده.
2- فترة الاختيار: (زبدة) القراءات:
رأينا أن هناك نوعين من الاختلافات للقراءات المتنوعة في زمن التنقيح الذي قام به عثمان، حاول الخليفة إزالتهما من النص المقبول للقرآن. إنها مكيدة لكشف أنه نجح في إقصاء النوع الأول بشكل كامل تقريبا- الاختلافات الجوهرية في نص القرآن نفسه الذي وجد في العديد من المخطوطات – لكنه لم ينجح في إزالة النوع الثاني، أعني الاختلافات في اللهجة واللفظ التي كانت منتشرة بشكل واسع في أوساط المسلمين الأوائل والتي استمرت تُقرأ كجزء من نص القرآن. كان هذا في الأغلب بسبب أن المخطوطات التي أرسلها عثمان لمختلف الأقاليم غير منقّطة أو خالية من العلامات الصوتية وكانت تقدم فقط نصا ساكنا للقرآن. بخلاف ألفبائيتنا التي تحتوي على الحروف الصائتة والصامتة، الألفبائية العربية تحتوي على الحروف الساكنة فقط وفي الزمن الغابر كانت الألفبائية مقتصرة فقط على سبعة عشر حرفا لذلك فحرف واحد ساكن يمكن أن يمثل واحدا أو اثنين أو أكثر من الحروف. فقط في الأجيال التالية تمّ إدخال الحركات فوق أو تحت الأحرف لتعطي الصورة المضبوطة للنص الملفوظ والعلامات الصوتية المميزة التي أضيفت أيضا فوق وتحت الأحرف الساكنة لبلوغ النتيجة ذاتها.
بسبب من اختلاف اللهجات التي كانت منعكسة أولا بالحروف الصائتة في نص القرآن الذي اعتمد عثمان على مخطوطاته، المكتوبة بالصيغة الساكنة وحدها، لا يمكن أن تؤدي إلى قراءة متماثلة للنص في لهجة قريش بمفردها. هكذا نجد أنه بالرغم من أن تنقيحه القراءات المختلفة للنص إلا أنها استمرت واسعة الانتشار في أوساط المسلمين لكن كانت بشكل عام تقتصر على الاختلافات في اللهجة وحدها. خلال القرون الثلاثة الأولى من عمر الإسلام كان هناك فترة اختيار، زمن (للزبدة) عندما كان المسلمون يعتقدون بحرية تلاوة القرآن بأي لهجة يختارونها بناء على نص الحديث الذي يبين أن محمدا كان يلقن بأن القرآن قد نزل بسبعة طرق مختلفة يمكن أن يتلى بها.
خلال هذه الفترة وحتى عام 322 للهجرة (934 م)، كل علماء القرآن ينقلون بأن هذه الاختلافات في اللهجات تشكّل السبعة أحرف التي تحّدث بها محمد. وهكذا أصبحت “القراءات السبع” مقتصرة على الاختلاف في اللهجة واللفظ وحدهما ولم تكن تعتبر قابلة للتطبيق على الاختلافات الحقيقية فعلا التي ظهرت في الأيام الأولى للتطور في نص القرآن، الكثير مما أشرنا إليه في هذا الكتاب والذي سعى عثمان لإزالته ليعتمد تثبيت نص وحيد.
من ناحية ثانية لدينا أدلة قاطعة تظهر أنه حتى بعد أن أتمّ عثمان تنقيحه، كان نصه لا يزال غير مكتمل، في الحقيقة إن التنقيح، علاوة على ذلك، كان إعادة إنتاج كبيرة لتصنيف زيد بن ثابت الأصلي. أثناء خلافة عبد الملك بن مروان في القرن الأول من عمر الإسلام قام والي العراق الحجاج بن يوسف بخطوات لتصحيح نص عثمان. قال بوجوب إجراء أحد عشر تغييرا على نص القرآن الذي كان بالصيغة الساكنة، والتي انعكست جميعها في القرآن كما هو عليه اليوم.
تحت باب بعنوان: ما غيّر الحجاج في مصحف عثمان ( فصل: ما الذي بدّله الحجاج في النص العثماني) يعدد ابن داود هذه التعديلات الدقيقة وتضعها روايته كما يلي:
أجرى الحجاج بن يوسف أحد عشر تعديلا بالتمام والكمال في قراءة النص العثماني… في سورة البقرة (2-259) تقرأ بالأصل: لم يتسنّ .. لكنها عُدّلت إلى لم يتسنّه … في سورة المائدة (5-48) تقرأ شريعةً ومنهاجاً ولكنها عدّلت إلى شرعةُ ومنهاجاً. ( ابن داود كتاب المصاحف ص 117).
ويستمر الفصل بأكمله بتسمية كل واحدة من الفوارق التي أجراها الحجاج، لذلك فالقرآن كما نعرفه اليوم ليس هو نص عثمان فحسب بل أيضا التنقيح الثانوي اللاحق له الذي أجراه والي العراق. إنه لجدير بالاهتمام أن نجد أحد التغييرات وقد أشير إليها من قبل بن أبي داود بكونها أصلاً قراءة أُبيّ بن كعب كما جاء في سورة يوسف 12- 45 التي تقرأ بالأصل أنا آتيكم ونقحت لتتحول إلى أنا أنبئكم وبُلّغنا إنها كانت هي القراءة الأولى، كما وردت أصلا في نص عثمان، وكانت أيضا قراءة أُبيّ بن كعب والحسن (.(Jeffery، Materials، p.138 من المحتمل أن زيد وأُبيّ اتفقا على القراءة الأصلية لكنه كان من المسلّم به بشكل واسع من قبل الصحابة الآخرين بعد تنقيح عثمان إن هذه كانت قراءة مختلفة وأن القراءة المعتمدة كانت هي التي وضعها الحجاج آخر الأمر بدلا عنها.
بالإضافة لهذه التعديلات الأحد عشر لنص القرآن هناك أدلة بأن بضعة قراءات مختلفة أخرى
في الشكل الفعلي الساكن للقرآن لاتزال باقية. كلها ماعدا أثنين منها تتصل بحرف وحيد لكن في سورة التوبة 9-100 نجد أن كلمة مِن كانت موجودة بين تجري وتحتها، أي تجري من تحتها وفي سورة الواقعة 56-24 كان من المعروف أن الضمير هو يضاف ككلمة إضافية. ديزاي في تسجيله لبعض القراءات المختلفة للقرآن في كراسته (ص 15)، يسلّم بأول إشارة مختلفة هنا ويحدّد أيضا الاختلافات الأخرى في صيغة مواقع الكلمة المختلفة، والعلامات الصوتية والتخفيف وصيغ الأفعال. كل هذا، من ناحية ثانية، يرتبط باختلافات معروفة كانت لا تزال يؤخذ بها بحرية بعد التنقيح الذي أجراه عثمان.
مع ذلك ليس هناك إشارة في ثنايا الكراسة عن أي من الاختلافات الجوهرية الموجودة في النص الفعلي للقرآن التي تقود إلى المخطوطات الأخرى التي تمّ تدميرها.
في هذا الكتاب وفي كراستي التي تحمل عنوان براهين جمع القرآن التي شرع ديزاي بتفنيدها قدمتُ وفرة من الأمثلة لكل القراءات المختلفة التي ذهبت بعيدا عن مسألة اللهجات واللفظ. القضية هنا لم تكن واحدة من الصيغ المختلفة (للقراءة) بل بالمحتوى الفعلي للنص نفسه. كانت التعابير موجودة في بعض المخطوطات وقد أُسقطت من أخرى ( مثل يوم القيامة في سورة البقرة 2-275 )، كانت هناك كلمات مفردة مماثلة اقتصر وجودها على بعض المخطوطات وغير موجودة في الأخرى (مثل متتابعاتٍ في سورة المائدة 5-91) بينما فقرات كاملة ظهرت فقط في بعض النصوص (مثل وهو أبو لهم في سورة السجدة 33-6).
من الصعب أحيانا أن نقرر أي من القراءات المختلفة في الحقيقة يسلّم بها ديزاي في كراسته. فهو لا يضع إشارة مناسبة لهذه الاختلافات الجوهرية وكل الأشكال المختلفة يمكن أن يعزوها إلى السبعة أحرف، الاختلاف في اللهجات التي أبقى عليها تنقيح عثمان.
من ناحية ثانية سجلت في كراستي السابقة عددا أكبر من الاختلافات النصية التي وُجدتْ في المخطوطات الأخرى قبل أن يتمّ تدميرها ولم يأخذ ديزاي أي منها على محمل الجد. تسليمه بوجود القراءات المختلفة تؤخذ لمواجهة خلفية غايته الواضحة لكي يجيب على كراستي كما يجب بافتراض أنه يسلّم بصحة الاختلافات النصّية الأولى. على صعيد آخر، وفي معرض رده تعامل فقط مع الصنف الثاني من اختلافات السبعة أحرف، وفسّر الأخرى بما يناسبه. بعدئذ استخدم الصنف الثاني وحده ليدعم جداله بأن جميع القراءات المختلفة للقرآن مجازة إلهيا ويبدو أنه كان يدرك تماما بأنه لا يستطيع أن يسلّم بصحة الاختلافات النصيّة الجوهرية بدون أن يذعن بنفس الوقت بكون القرآن لم يكن محفوظا تماما حتى آخر نقطة وآخر حرف. بات من الملائم له، من ناحية أخرى، عدم الوضوح في الاختلاف بين الاثنين ثمّ يصل إلى التسليم التام حول اختلاف القراءات في القرآن في التلاوة فقط بسبب اختلاف اللهجات لكي يدعم دفاعه في كون القرآن كان قد أوحي بسبعة أشكال مجازة إلهياً. لا يمكن للمرء إلا أن يشعر بأن مولانا العالِم مذنبا لمدى التحايل الشرعي الذي يورده في حجته.
في الختام دعنا نتأمل بعضا من الاختلافات التي سجلها أبو داود في كتاب الحروف والقراءات، كل ما يتعلق بفوارق اللهجات وحدها ولا تؤثر على التدوين الساكن للنص المكتوب. إنها تشكل جزءا من النوع الثاني للقراءة المختلفة ويمكن اعتبارها جزءا من السبعة أحرف التي تحدّث بها محمد. علينا أن نشير فقط إلى ثلاث من هذه القراءات سجلها المصنِف ليتوضح الأمر:
قال سحر بن حوشب: سألت أم سلمة: كيف قرأ رسول الله (ص) هذه الآية: (إنها أعمالٌ غير صالح) ؟ أجابت: قرأها:( إنها عملَ غيرَ صالح). سنن أبو داود، مجلد3، ص 1116).
قال بن مسعود: اعتاد النبي (ص) وأبو بكر وعمر وعثمان على قراءة ” مالك يوم الدن “. أول من قرأها مالك يوم الدين هو مروان. سنن أبو داود، مجلد 3 ص1119).
قال شقيق: قرأ بن مسعود الآية: (هيتَ لك). عندئذ قال شقيق قرأناها، ” هيتُ لك “. قال بن مسعود: قرأتها كما تعلمتها إنها الأعز إليّ. (سنن أبو داود، مجلد 3 ص 1120).
في كل حالة يوجد الاختلاف كله في تشكيل النص ولم يكن ينعكس في النص الساكن الذي نسخه عثمان كصيغة مقياس للقرآن لكل المجتمع المسلم. يفسر هذا لماذا بقي الكثير من هذه الاختلافات في اللهجات بعد تنقيح عثمان بينما اختلافات النص الساكن كانت قد أزيلت في حينه من التقيح الفعلي لنص القرآن. دعونا نؤكد على الزمن عندما أغلقت فترة الاختيار، زمن “الإختيار الحر” وتمّ تعريف السبعة أحرف، القراءات السبعة للقرآن، بتحديد أكبر. بعد ذلك علينا أن نقترب مع تحليل مختصر للميزّة الفعلية لتلك القراءات.
3- تعريف بن مجاهد النهائي للسبعة أحرف:
لم يكن هناك محاولة لتعريف فعلي للقراءات السبع حتى القرن الرابع للإسلام. كما قيل سابقا ليس هناك شيء في الأعمال الأولى للسيرة والحديث مايعطي أي إشارة بأن هذه القراءات فعلية لولا الرواية التي تنسب لمحمد بأنها جزء من القرآن الذي أوحى به الله. في القرن الرابع، تمّ إقرار ما كانت عليه هذه القراءات السبع و تمييزها وتحديدها وتعريّفها.
في بغداد عام 322 للهجرة أخذ المرجع المعروف في القرآن، ابن مجاهد، على عاتقه حلّ المسألة. كان له نفوذ معتبر لدى بن عيسى وبن مقلة، وهما وزيران لدى السلطة العباسية ( يكافئان مجلس الوزراء في النظام المعاصر)، ومن خلالهما إستطاع تبني تحديد رسمي للقراءات الجائزة للقرآن. كتب كتابا تحت عنوان القراءات السبع تستند على الحديث الذي بيّن أن هناك سبعة أحرف إلهية مجازة للقرآن وأسس لقانونية سبعة قراءات متداولة معلنا أن الأخريات شاذّة ( “معزولة” أي إنها غير قانونية).
لقد سبقت الإشارة إلى القراءات السبع القانونية في هذا الكتاب، أعني تلك التي لِنافي في (المدينة) و بن كثير في (مكة) و بن عمير في (دمشق) وأبو عمر في البصرة وعاصم وحمزة والكسائي في الكوفة. في كل حالة كان هناك ناقلين محددين مميزين هم من كانوا ينفذون تنقيح (الرواية) من عندهم لكل قراءة وإثنتين منهما، أعني تلك التي من وارش
( الذي نقّح قراءة نافي) وحفص (الذي نقّح قراءة عاصم)، هما اللتان هيمنتا على الأخريات اللواتي سقطن عموما بالإهمال ولم يعدن مقروءات لدى قسم كبير من العالم المسلم.
كان تصميم بن مجاهد على تشريع سبع من القراءات فقط ثم في ترويجها على حساب الأخريات مدعوما من قضاة عباسيين على أيامه. وبعد فترة قريبة جدا من عمله هذا كان هناك عالما يدعى بن عساكر قام جهارا بفرض التخلي عن الرأي واسع الإنتشار الذي يقول بأن أي قراءة من المختصر الأساسي الساكن مطابقا لقواعد العربية. هذا القرار شرّع عمليا القراءات السبع التي اختارها بن مجاهد باعتبارها القراءات الرسمية المقبولة فقط. بعد فترة ليست بالطويلة كان هناك عالما آخر هو بن شعنبوت فرض بطريقة مشابهة التراجع عن الرأي الذي كان يسمح بإستخدام قراءتي بن مسعود و أبيّ بن كعب ( يعني فقط تلك المختلفة المقتصرة على اختلاف اللهجات التي كانت تنسب لهم وليست الاختلافات التي أزالها عثمان من التلاوة في القرآن).
ومع مرور القرون سقط في الإهمال معظم القراءات السبع القانونية أيضا فقط وأصبحت قراءة نافي وحفص مستخدمة بشكل واسع. رواية وارش عن قراءة نافي بقيت مستخدمة لفترة طويلة في المغرب ( الجزء الغربي من أفريقيا تحت الحكم الإسلامي، أعني مراكش الجزائر الخ..)، في الدرجة الأولى لأنها كانت مرافقة عن كثب للمدرسة المالكية في التشريع، لكن رواية حفص نجحت تدريجيا في التداول الشامل تقريبا في العالم المسلم، خاصة منذ أن درجت طباعة القرآن. فعليا كل الطباعات الحجرية للقرآن التي طبعت في القرنين الأخيرين كانت قد أخذت بقراءة عاصم التي نقلها حفص. كل الطباعات المقروءة للقرآن التي بحوزة الملايين من المسلمين في العالم اليوم هي إنعكاس لقراءة حفص وفي نفس الوقت هذه النسخة المعدّلة أصبحت على الأرجح القراءة الوحيدة المستخدمة في العالم الإسلامي برمته.
لقد أغلقت فترة الإختيار مع بن مجاهد. لقد عمل على القراءة الملفوظة للقرآن مثل ماعمل عثمان في النص الساكن. تماما مثلما اعتمد الأخير نصا وحيدا كمعيار للمجتمع المسلم بأكمله، بتدمير النسخ الأخرى، كذلك أسس بن مجاهد لسبع قراءات شرعية معدّلة ليتم إعتمادها وتحريم كل الأخريات التي كانت متداولة. ومثلما لا يمكن إعتبار النص، الذي أختاره عثمان ليكون معيارا، نسخة كاملة طبق الأصل للقرآن تماما كما سلمها محمد لأنها لم تكن أكثر من تأسيس بُني على نسخة لرجل واحد فقط، هو زيد بن ثابت، وبتصرف شخصي من الخليفة، كذلك فالقراءات السبع التي شُرّعت من قبل بن مجاهد لايمكن القبول بكونها إنعكاسا دقيقا للسبعة أحرف التي تحدّث بها محمد، مرة أخرى بسبب إنها كانت ببساطة قراءات لقراء متأخرين اختيرت اعتباطيا من قبل مُنقّح وفقا لإختياره الشخصي.
4- أفكار على توحيد نص القرآن:
إذن كنا قد تعاملنا مع سبع قراءات مختلفة كما تم التعامل معها خلال القرون الأولى من عمر الإسلام. ومع ذلك فقد جاء الوقت كي نرى هذا الموضوع من منظور نقدي آخر. هل نستطيع أن نقبل مجملا بأن كل القراءات المختلفة للقرآن، حتى إذا راعينا فقط اختلاف اللهجات وليست الاختلافات النصية الجوهرية، يمكن أن تؤخذ على إنها ببساطة مجازة إلهيا على أساس رواية منسوبة لمحمد كون القرآن جاء بالأصل بسبع قراءات مختلفة؟ نحن نعرف ما أصبحت عليه تلك القراءات أخيرا: بعد ثلاثة قرون من وفاة محمد اختار بن مجاهد وفق رأيه الخاص وببساطة سبعة من القراءات العديدة المختلفة التي كانت سائدة على زمانه ليعلنها قراءات مجازة إلهيا. ليس هناك عالِما للنص القرآني يتحلى بالموضوعية يمكن أن يقبل هكذا مقاربة إعتباطية أحادية الجانب وجازمة إلى هذا الحد، ومع ذلك، يمكن أن يعتبر فعل بن مجاهد محاولة طموحة لجعل القراءات المختلفة للقرآن في زمانه تناسب مفهوم القراءات الأصلية السبع. عمل المفسر في القرن الرابع هو نوع من لفت الأنظار بعيدا عن طريق المسائل الحقيقية المتصلة بهذا الموضوع.
السؤال الرئيسي هو: ما الذي كانت عليه تلك القراءات السبع المختلفة في زمن محمد حقيقةً؟ ما المفروض أن تكون عليه أصلا؟ لدينا عمليا الجواب المقدّم سلفا: لايجوز لأحد القول بأن الأحاديث المدوّنة الأولى عموما أشارت إلى إن هذه القراءات كانت مقتصرة على الاختلاف في اللهجات ونادرا ما كانت تؤثر على النص الساكن الحقيقي.
لدينا حديث حول القراءات السبع المختلفة من جهة، ومن جهة أخرى عدد ضخم من الأمثلة على القراءات المختلفة فعليا التي لايمكن أن تكون وثيقة الصلة بالحديث بأي من الطرق المعروفة. يدّعي ديزاي أن عثمان تخلص من ستة قراءات وأبقى على واحدة فقط بإعتبارها معيار النص الوحيد للقرآن. بسلطتها اختزل القرآن بصيغة واحدة من القراءات السبع المختلفة التي لم يحدد ديزاي أيهما يعني، بل ليلتف حول الاستنتاج الواضح بأن ست من الصيغ الإلهية للقرآن قد فقدت بتلك الوسيلة وتمّ التخلص منها، يدعي أن القراءات المختلفة كانت مع ذلك مصانة منفصلة. يقول في كراسته:
التصنيف المنفصل لكل صيغة تلاوة لم تُشمل رسميا بمقياس رسم الخط كان بأمر حضرة عثمان (رض). (ديزاي، القرآن لا يرقى إليه الشك، ص 36).
كالمعتاد ليس هناك توثيق واضح يدعم هذا الإدعاء يعطيه مولانا لقرآئه، مرة أخرى علينا القبول ببساطة بما يقوله بدون تحقيق. لا يقول لنا شيئا لا عن هذه المجموعات المنتشرة ولا عن مصدر إدعائه بأن عثمان أمر بأنها توضع سوية. عمل مثل هذا من قبل خليفة المسلمين يمكن فقط أن يعتبر بمجمله بعيد الإحتمال على ضوء حقيقة تعبّر عن غايته للتخلص الكامل من القرآءات المختلفة التي وجدت من أجل الحفاظ على النص الفريد الذي اختاره.
ومع ذلك تظهر الهشاشة إلى حد بعيد في مجمل حجة مولانا من وجهة نظر أخرى. فإذا كانت القراءات الست الأخرى، حسب مايدعي، محفوظة بدقة، فماذا كانت؟ هل يستطيع ديزاي أن يدوّن لنا اليوم سبعة نصوص مختلفة للقرآن كاملة الألفاظ، تُظهر جميع القراءات المختلفة التي وُجدت على زمن تنقيح عثمان الذي كان يقال عنه مُجاز إلهيا وتمّ تقديمه كما ينبغي بسبعة صيغ مختلفة؟ حتى لو استطاع، سنسأله على أي مرجع يتوقع منّا أن نعتمد لقبول صيغ قراءاته السبعة المختلفة المقترحة للقرآن بإعتبارها كانت ماتحدّث عنه محمد تماما.
دراسة القراءات الأولى، بكلتا الحالتين ما يخص اللهجات أو الأصلية، ستظهر لنا بأن مثل هذا التعهد هو مهمة مستحيلة. هذه القراءات أحيانا يجب أن تأخذ من أحد الصحابة وفي أحيان أخرى من صحابي آخر، ومن حين لآخر من عدد من الصحابة مجتمعين. ليس هناك إشارة لتقسيم فعلي لكل هذه الاختلافات إلى سبعة صيغ واضحة حتى ولو تلميحا في المدونات الأولى. ومن المستحيل تماما تحديد ما يفترض أن تكون عليه تلك القراءات السبع المختلفة بشكل جازم.
وبالتالي فإن الأحاديث المدوّنة عن السبعة أحرف حقيقة ليست ذات مغزى. لايمكن تطبيقها، بدون درجة كبيرة من التخمين والظن، على القراءات المختلفة للقرآن التي حفظت عبر القرون. ليس للرقم ” سبعة” بأية حال أي صلة بما نأخذه بعين الإعتبار على الإطلاق. كل ماحدث هو إن لدينا، بجانب النص الوحيد للقرآن بالصيغة الساكنة التي جُعلت معيارا من قبل عثمان، عددا ضخما من الفقرات التي قيل إنها فقدت، وحشد من القراءات المختلفة لنصوص معينة، مع فروقات دقيقة في حروف النص. هذه الأدلة تتناقض بقوة مع الرأي الشائع بأن القرآن محفوظ تماما حتى آخر نقطة وآخر حرف، ولم يُفقد منه شيء، ولم يغيّر أو يعدّل.
الرواية الغامضة عن الصيغ السبعة المختلفة المنتشرة للقرآن تصبح غطاءا مناسبا ليشمل كل القراءات المعروف إنها موجودة وكذلك إعطائها الترخيص الإلهي. هذه هي كل فكرة كراسة ديزاي- كل اختلاف يمكن أن يواجهنا هو بإختصار يمكن أن يصرح به كونه موحى به إلهيا كواحد من القراءات السبعة حتى وإن كان مولانا لايأمل أن يتمكن من تحديد افتراض ما كانت عليه القراءات السبع بدقة، ولأي واحدة من السبعة تنتمي كل قراءة، أو على الأقل أي أدلة تثبت مثل هذا التعريف أو يقول على أي مرجع يبني استنتاجاته. التقليد المتوارث حول السبعة أحرف أصبح ذريعة مرخصة لإدعاء الإجازة الإلهية لأي اختلاف يمكن أن يحدث- وهكذا يحافظ مولانا على الوجدان الشعبي، وعلى الفرضية التي تقول بأن لا شيء من القرآن قد فقد أو بُدّل من قبل أي شيء سوى القرار الإلهي.
مثال جيد جدا عن الإرباك الذي حصل لدى الأجيال اللاحقة حول القراءات السبعة المختلفة المفترضة و العجز الكامل للعلماء المسلمين الأوائل في تصنيف القراءات المختلفة التي كانت جميعها في المتناول بالصيغ السبعة المعروفة وهو ما يوضحه الإقتباس التالي:
قال أبو الخير بن الجزائري، في أول كتاب نشره ” كل قراءة مطابقة مع العربية، حتى ولو كانت من بعيد فقط، ومطابقة لواحدة من مخطوطات عثمان، حتى وأن كانت محتملة فقط لكن مع سلسلة المراجع المقبولة، هي قراءة موثوقة لايمكن التغاضي عنها، ولا يمكن إنكارها، بل هي تنتمي الى السبعة أحرف ( القراءات السبع) التي أنزل بها القرآن، وهي ملزمة للناس لكي يقبلوا بها، بصرف النظر كونها وردت من سبعة أئمة، أو عشرة، لكن عندما لا يكون هناك ما يدعمها تماما من قبل هذه (الشروط) الثلاثة، فإنها تُرفض بإعتبارها ضعيفة أو شاذة أو باطلة، سواء أوردها سبعة أئمة أو إمام واحد. ( السيوطي الإتقان في علوم القرآن، ص 176).
هذا الحديث يبين كيف أنه من المستحيل تحديد القراءات السبعة المختلفة في لغة تلاوة القرآن كما كانت تقرأ بالفعل في صيغها المختلفة في المجتمع المسلم وكيف لم يمكن لإثنتين منها أن ترتبطا مع بعضهما بشكل مقبول بأي طريقة بالمطلق. أي قراءة جيدة كانت آليا تعتبر واحدة من القراءات السبعة المرخصة، ليس بسبب أنها استطاعت أن تثبت إنتمائها لواحدة منها، بل لأنها أصبحت مقبولة من خلال إعتبارات أخرى- إسنادها، و إنسجامها مع النص العثماني الساكن الوحيد، و مطاوعتها مع النحو العربي الصحيح.
لدى كتاب مسلمين آخرين أمثال صدّيق طريقة أسهل للإلتفاف على المشكلة. إنهم يصرّحون ببساطة بأن مثل هذه الاختلافات لم تؤثر أبدا على نص القرآن المكتوب على الإطلاق، ومع ذلك الأدلة الواضحة على النقيض من ذلك في الخلاصات الشاملة للأدلة على جمع القرآن في كتاب الإتقان للسيوطي وكتاب المصاحف لإبن أبي داود، وكلاهما أشار إليهما صدّيق في مقالته بإيجاز مع موافقة تامة لما جاء بهما.
هناك طعن أخر في جدل ديزاي والذي يبرهن على وجود النقص في نهاية التحليل. براهينه بأن مقياس عثمان ” مقياس التخلص من كل النسخ الصحيحة المرخصة الأخرى للقرآن المجيد ” ص.32 يعني أن واحدة فقط من القراءات كانت معيارية لضمان الإتساق على حساب الستة الأخرى بالضد من ميزة ما قام به عثمان كاملا بالفعل. يبدو إن المولانا يغفل حقيقة أن عثمان إختار فقط النص الساكن للقرآن مقياسا وفي استبعاد المخطوطات التي لاتحتوي على النقاط المميزة أو الحركات، تأثر بصعوبة باختلاف اللهجات في النص التي كانت تقول بوجوب الأخذ بالأحرف السبعة ( كما جاء في الروايات الأولى المقتبسة التي وردت عن القراءات السبعة في صحيح مسلم). وبالتالي جاءت هناك فترة الإختيار عندما كان القرآن يتلى بحرية في العديد من اللهجات المختلفة حتى إختار بن مجاهد إعتباطيا سبعا منها حسب إختياره هو ليقدمها بإعتبارها القراءات التي كان يتحدث بها محمد.
لم يخطر ببال عثمان أبداً أن يتخلص من ستة قراءات مرخصة إلهيا عندما شرع بإختيار واحدة لتكون معيارا لأغراض الإتساق كما يدعي مولانا. لقد آمن منذ البدء بأن ليس هناك أبداً ولا يجب أن يكون موجوداً غير نص واحد فريد للقرآن و نظر إلى الأدلة التي تشير إلى أن القرآن من البداية كان مقسّما بين كل أنواع القراءات المختلفة بنظرة رعب، خوفا فيما لو إستمر هذا أن يُفقد النص الأصلي برمته. وهكذا أخذ الخطوة المتطرفة لأمر الإختيار من الجميع بأن يختار واحدة لكي يبطل القراءات المختلفة للقرآن تماما لأنه أعتبر مثل هذه الممارسة بمثابة إنحراف عن النص الأصلي غير جائز.
يدّعي ديزاي بشكل متواصل بأن غرض عثمان كان تأسيس واحدة من الصيغ السبعة المختلفة للقراءات على حساب الأخريات لكنه، كما قال سابقا، أضاع الغاية. لم يكن لعمل عثمان سوى النزر القليل ليفعله مع القراءات، في الحقيقة إنه ركّز قبل كل شيء على مصاحف كانت مقتصرة على مزاعم عن النص الساكن للقرآن وحده. العدد الضخم من الفروقات في القراءات كانت قد إنعكست فقط في تشكيل الحروف وهكذا فلت بفعلته تماما. أسس عثمان معيارا وحيدا هو النص الساكن للقرآن- الصيغة الأساسية- وكانت السبعة أحرف دائما معتبرة من قبل علماء الإسلام الأوائل للإبقاء على عمله ولثلاثة قرون كان القرآن يتلى رسميا بكل أنواع اللهجات المختلفة. في الحقيقة ذلك مافعله لاحقا بن مجاهد بإعتماد سبع من هذه القراءات بإعتبارها مقبولة رسميا وإستمرت في البقاء كجزء من القراءات المرخصة. وهكذا ما ألغاه عثمان كان فقط صنف من القراءات المختلفة التي أثرّت بالنص الفعلي المكتوب للقرآن وليست صيغ القراءات العديدة التي كانت منعكسة فقط في اختلاف تشكيل الحروف.
في النهاية لا يمكن إعتبار السبعة أحرف بأي شكل مناسبة لإرث الإسلام لوفرة من القراءات المختلفة التي نزلت جنبا إلى جنب في القرآن. ليس هناك شيئا في المدوّنات عن هذه الاختلافات أو الصيغ المختلفة اللهجات التي كانت موجود فعلا يمكن أن يرتبط بالصيغ السبعة المقبولة للقراءة كما نصّ عليها التقليد المتّبع. كتّاب من أمثال ديزاي يحاولون فرض تطابق بين الاثنين فحسب كما يعطون الموافقة الإلهية كذلك لكل الاختلافات المعروفة الموجودة، ولكن ليس هناك عالِم موضوعي في تاريخ نص القرآن يمكنه أن يجد علاقة مباشرة بين الاثنين. في الفصل القادم يتوجب علينا أن نعطي انطباعاتنا الخاصة عن الأسباب الحقيقية للقراءات المختلفة وللفقرات المفقودة من القرآن.
الهوامش:
1. “1” Desai، Maulana. The Quraan Unimpeachable. Mujlisul Ulama of South Africa، Port Elizabeth، South Africa. May 1987.
2.Siddique، Dr. Kaukab. Quran is NOT Allah’s Word says Christian Lay Preacher. Al-Balaagh، Vol. 11، No. 1، Johannesburg، South Africa. February/March 1986
جمع القرآن
1- السبعة أحرف في أدب الحديث: بينما يحاول كتاب مثل كوكب صدّيق”1″ الالتفاف على ثروة من البراهين في السجلات التاريخية للإسلام التي تبين كيف كان القرآن في آخر الأمر يختبر كمعيار بمواجهة خلفية من القراءات المتعددة، والمقاطع والنصوص التي فقدت معا، آخرون مثل مولانا ديزاي “1” يسلمّون كما ينبغي...