فنون بصرية الحسن الكامح - رسالة الصورة الفوتوغرافيا – الجزء الأول

حين نلتقط صورة ما، هل نفكر فيما ستبعث هاته الصورة الفوتوغرافية من رسائل إلى الآخرين، أم أنها مجرد صورة تؤرخ للحظة ما، في زمن ما بلا هوية وبلا ذاكرة…؟؟
الصورة الفوتوغرافية هي أكبر من هذا، فهي رسالة إنسانية أولا وثانيا رسالة فنية، فكيف يمكننا أن نقدمها عبارة عن رسالة قصيرة عميقة في ظل تكاثر الصور الفوتوغرافية في هذا الزمن التي صارت الفوتوغرافية لها مجموعة من الأبعاد التوجيهية، الحاملة شرارة المسك بالواقع من خلال عدسة صغيرة في آلة بين أيدينا، لا نعرف كيف نوظفها حتى نذهب بعيدا بالفوتوغرافيا…؟؟
الصورة رسالة قبل كل شيء، وتصور للواقع الذي نود تبليغه إلى الآخرين عبر الرقص بالضوء المنبعث من أعيننا والممتد على البياض من خلال آلة التصوير، التي تلتقط المئات من الحقائق والحكايا، لأن لكل صورة حكاية وحقيقة، وهي في نفس الوقت الرسالة المطلوبة.
فما معنى أن نلتقط وجه لعجوز بالأبيض والأسود، إلا لنعرف دورة الزمان فالتجاعيد تعبير صارخ على ما يفعل الزمان بالإنسان، هذا الإنسان الذي يهتم بوجهه أكثر مما يهتم بأي شيء آخر من جسمه، فإذا الزمان احتواه وامتد إليه ليغير ملامحه التي كان يعتز بها بالأمس، إلى مجرد تجاعيد، فالرسالة: لا شيء يدوم..؟؟
وما معنى أن نلتقط الشمس وهي تأفل على سطح البحر بين الموجات والألوان الراقية الأصفر والأحمر الخ، تصاحبها في اختفائها اليومي، إلا لنعرف أن الجمال مهما كان سيغرب مع الوقت، ولا دوام لجمال إلا جمال الروح، فالشمس وهي في غروبها تعلمنا أننا نحن كذلك سنغرب مع كل ما نقدم للآخرين من جمال…؟
وما معنى أن نلتقط برجا قديما أو بابا عتيقا إلا لنلمس أن دورة الزمان لا تتوقف، فالبرج أو الباب القديم هو رسالة في حد ذاته، أن ما يبقى في هذه الدنيا إلا ما ينفع الناس وما يصمد ضد هذه الدورة التي تأتي على الأخضر واليابس…؟؟
الصورة فكرة لا بد من القبض عليها في العقل الخلفي قبل التقاطها بعدسة آلة التصوير… فالصورة هي رسالة منا إلى الآخرين، لذا وجب علينا أن نفكر دائما قبل أن نحمل الآلة على أكتافنا، ما هي الرسالة التي سنقدم اليوم للآخرين، لأن الصورة الفوتوغرافية التي لا تحمل رسالة فهي مجرد صورة جافة، مثلها مثل نص شعري أو نثري بدون رسالة هو الآخر جاف، وهذا ينطبق على كل الإبداعات التي أنتجها الإنسان منذ أول عمل إبداعي حين بدأ بالرسم على الصخور ثم الكتابة المسمارية إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من إبداعات متنوعة تغذي الروح والذات وتمنحنا حقنا في الحياة لنتنفس هواء الحياة ونور الله يشق أعيننا.
فأصعب ما يعاني منه الناقد هو كيف سيقرأ العمل الإبداعي، فالصورة التي حمولتها الفكرية قوية ولها قواعد وأنها ما جاءت من فراغ، تنطق الناقد بسهولة فيكتشف أغوارها وإن كانت صعبة المنال يطوعها بتدرج وهو يغوص في غياهبها العميقة، وأما الصورة التي لا هوية ولا فكرة لها فهي مجرد صورة ستنسى كما سينسى صاحبها، حتى ولو حاول الناقد قراءتها فهي بلا أبعاد وبلا ضوء، فلنجعل من صورنا ضوء يستنير منه الآخرين.
فهناك صور فوتوغرافية خالدة وخلدت أصحابها والأمثلة كثيرة، كما هناك لوحات تشكيلية لولاها لما نطقنا بأسماء من أبدعوها وبحثنا عن سيرهم، ويكفي أن ملحمة جلجامش الشعرية ، والرسوم الصخرية كم من قرون وهي خالدة تذكرنا دائما بأن ما يخلد هو النابع من معاناتنا اليومية.
ختاما تبقى للصورة الفوتوغرافية قراءات متعددة، والصورة التي لا تفتح لنا باب المكاشفة لقراءتها فهي فارغة من أي محتوى وبلا رسالة مثلها مثل من التقطها لأنه بكل بساطة لا يعرف ما رسالته في الحياة.
لذا سأحاول من خلال هذا العمود أن أنشر كل مرة قراءة للوحة فوتوغرافية فتحت لي صدرها لتزكيني بعطرها.

الحسن الكامح
أكادير: 22 أبريل 2020



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...