في مقال لافت للكاتب الكبير عبدالفتاح كيليطو، يحمل عنوان " انتقام الصورة " يتساءل القارىء" القارىء الذي يعنيني أمره " من لحظة تهجئة العنوان عما ينشغل به العنوان هذا، وهو بطابعه الهيتشكوكي، والذي لا يخفى طابعه بدوره في بنية كتابات كيليطو، إذ يوجد دائماً ما يمكن السؤال عنه، وثمة دائماً السؤال الذي لم يفكَّر فيه، كمات يفترض النص بدلالته، يمضي كيليطو إلى طرحه، وما في هذه الحركة التخيلية من جاذبية سلوك ونباهة. سأتحدث هنا عن السؤال المهدور لدى كيليطو ومترجمه هنا من خلال العنوان الآنف الذكر.
المقال يتمحور حول صاحب المقامات الشهير : الحريري، قبل ثمانية قرون، عن رسام صور مقاماته المدهش بـ" لقطاته " المنماماتية بناء على عوالم هذه المقامات: الواسطي.
انتقام الصورة هو ما كان عليه الحريري شهرةً لزمن طويل، وما كان عليه الواسطي من تهميش، عديم الذكر مقارنة به، وفيما بعد، حديثاً خاصة، انقلبت العلاقة: لا ذكر للحريري، بينما الواجهة التذكرية للواسطي.
الصورة لفنان الصور، وانتقام الصورة يبرز " واسطياً ". إنما حيث يجري انتقام آخر من الصورة ذاتها: قطْع عنق الصورة لديه، أو " أعناق شخصياته "
تدشين المقال في محتواه ومعناه، يكون من خلال " ابن عباس " المعتبر أكبر راوية للحديث النبوي " 1660 حديثاً ". حيث الإحالة إليه، حيث الفتوى منه بطريقة التعامل مع الصورة، كما في إعلامه لمن سأله عن طريقة التعامل مع رسم الحيوانات، وإمكان ذلك، وهذا يتم تبعاً لشرط لا يُتجاوَز ( بلى، لكنك تستطيع قطع رؤوس الحيوانات حتى لا تبدو حيَّة، واجتهد في أن تشبه تلك الحيوانات زهوراً ) .
يأتي تعليق كيليطو في الحال، وفيما بعد، لحظة استرساله في القول حول هذه النقطة ( جواب ابن عباس مبهم: يوصي بقطع رأس الكائنات الحية، لكنه لا يحدد في أي لحظة ينبغي القيام بذلك، قبل أو بعد إنجاز الصورة. وبعبارة أخرى هل ينبغي رسم الأجساد دون رأس، أو محو الرؤوس بعد رسمها؟ لكن النتيجة ستكون نفسها في كلتا الحالتين،: سواء محا الرسام الرأس الذي كان قد رسمه أو لم يرسمه على الإطلاق، فإن الشخصيات الممثَّلة لن يكون لها وجه ..).
يعمّق كيليطو الكاتب هذا الجانب الاستراتيجي للمسألة، وهو محق في ذلك ( محو الرأس، هو محو إشارات عديدة عن العمر، والجنس، والأصل...).
هناك إضاءة ذكية في محور العلاقة هذه، وما يترتب على هذا " القطع " حين يقول كيليطو( قطع الرأس، يعني قطع الكلام: لن يمكن للصورة أن تغري ، وتسحر، تصبح بريئة، وغير موجودة ) " 1 "
هناك سؤال مهدور، مؤجَّل، على أقل تقدير، تجاهله كيليطو، أو لم يتطرق إليه كلياً، رغم أن سياق المقال، وطبيعة تعامل الكاتب مع فكرته، وهو " يجغرفها "، إن جاز التعبير، حيث يستدعي مختلف الإحداثيات: موقعاً، تأثيرَ علاقة، مدى ديمومة بقاء، عملية انتقال مؤثر المثار في الزمان والمكان، وتحولات الموقف منه...الخ.
السؤال، كما حاولت طرحه إثر قراءة المقال لأكثر من مرّة، للتأكد من أن سؤالي في مستوى اسمه: لماذا تجنَّب الحديث عن " المفتي " هنا، عن راوية الحديث بالذات؟
لا أظن أن كيليطو كان يتحرك تحت جبّة ابن عباس، سوى أن تصوراً كهذا جهة الانهمام بالعلاقة تلك، يبقي الجبة قائمة، وليس من " قطع " لوشيج القربى هذا!
أصل السؤال هو الذي يعطي قيمة لعموم المثال في المقال، خميرته، بحصر المعنى، ومصير الشخصيات بالذات، أو حقيقة " منمنمات " الواسطي، أو الصورة عموماً . سؤال ابن عباس نفسه، وكيف قيّض له أن يستفتي هكذا، ومن خلال الرواية الرئيسة المنقولة عن الرسول.
مسوّغ السؤال ، هو في حقيقة ما قاله ابن عباس أو رواه، إزاء مسألة خطيرة كهذه. كيف يمكن له أن يصبح متزعم رواة الحديث النبوي، ومعتداً به هنا وهناك، وكان عمره عشر سنوات عند وفاة الرسول؟ كيف تسنَّى له لقاء الرسول، مصاحبته، وتلقّي الحديث منه، أو هذا الكم الهائل من الأحاديث أكثر من سواه.
أن يكون ابن عباس " جد العباسيين " المعروف، كما هو معلوم بأمره تاريخياً ، هو القيّم على نوعية علاقة مع الصورة، يعني ذلك أنه المرجع، يعني ذلك وجود سلطة فقهية، منها وإليها تستمد المسألة قيمتها، حياتها وموتها اعتبارياً .
فيما يمضي كيليطو إلى استشرافه، ومكاشفته تاريخياً، ومقاربته نقدياً في الصميم، يعترض السؤال طريقه: لماذا يتم تجاهل أو تناسي المفتي بقطع الرأس، أو العنق للصورة " الحية " ؟ وكيف تسنَّى له ذلك .
بناء عليه، يمكن القول بالتوازي مع ما تفكَّره وأثاره: إن نفي سؤال كهذا، تقديرياً، يعني نفي كل قيمة اعتبارية لأصل الموضوع نفسه. إذ كما جرى " تكليم " ابن عباس " حديثياً "، هكذا يجري " تكليم " ما ليس مشروعاً النظر فيه.
لدينا سلطة تاريخية، قوة إرادة أكثر من كونها شخصية تفرض نفسها، ويًصغى إليها، لا بذاتها، وإنما بذات جمعية فاعلة سلطوياً في التاريخ، جهة الربط بين ابن عباس والعباسيين، والرفع من شأن الاسم إلى مقام اللاتاريخي، ما لا ينبغي السؤال عنه، تمييزه واستثنائيته، كما لو أنه الآخر الذي لا ينظَر في حقيقته جسدياً، إنما يُصغى إليه وينقل عنه، ويُلتزَم بمضمون ما يتفوه به، أو يرويه من أحاديث تبعاً لسلطة السنّة والذين قوعدوها هكذا .
لا يتعلق الموضوع بالطعن، إنما بمسألة يتم النظر فيها، من خلال ما هو حيوي جداً، ويصل بنا، ويمارس تأثيره فينا، أي يطلب منا التسليم به كما هو، رغم وجود الشروط التي تستوجب رواية الحديث، حيث يغدو ابن عباس خارجاً، لحظة الالتزام بها. وكيليطو، لا تنقصه بداهة المساءلة، وخطورة الأثر، ولا الجرأة في تحرّي القول ومدى مشروعيته. أم تراه يجنّب نفسه السؤال عن وضْع مقلق كهذا تاريخياً، وهو يوجّه كلامه المكتوب إلى قارئه الأجنبي، قبل العربي، متكتماً على ثغرة المعنى، ربما تقديراً منه، أن ذلك القارىء سيتلقى منه " المعنى " دون مساءلة المنطلق وحقيقته تاريخياً ؟
هذا ينطبق على مترجمه، وهو كاتب معروف وله مكانته المعرفية والنقدية كذلك : عبدالكبير الشرقاوي " أذكّر هنا بكتابه القيّم بطابعه الأركيولوجي: شعرية الترجمة: الملحمة اليونانية في الأدب العربي "!
فالشرقاوي، في الصفحة " 76 " يورد أكثر من حديث على لسان ابن عباس، مؤكّداً على " صواب " ما ذهب إليه، حيث أتى كيليطو على ذكر شاهد منه، بخصوص نوعية التعامل مع الصورة المرسومة، إنما ليس من إشارة، لا تعليق، ولا سؤال، ولا استفسار، لا محاولة إضاءة خلفية حديث متعدد الصيغ، كهذا، ولا تحفيز لسؤال مضمر ينبّه إليه .
أي شراكة " تواطؤية "، حيث لا يمكنني تجنبها، كحصيلة قراءة وترجمة نص وإسهام في بنائه في الهامش الذي لا يعود هامشاً، بمفهومه الحديث، جهة الشرقاوي، وإنما تعزيز ما أفضى به كيليطو، رغم وجود تابعية في التقويم .
ربما بالطريقة هذه، كان السؤال المهدور، كما أسلفتُ، والذي كان في مقدوره، أن يقلب العلاقة كلياً، لا بل يحرّف مسار المقال في كلّيته، ويثير متخيل قارئه تجاه أفق رؤية بحثية من نوع مغاير تماماً.
يصبح " قطع العنق " في الصورة، ترسيماً قاعدياً لسلطة ضاغطة لها اسمها التاريخي، وعلامتها الرمزية الفاعلة، تكون لدينا دينونة الأثر الذي لا يمحى، حيث لا يعود من اسم لما كان، أي: الماضي، طالما أنه أكثر من كونه ماضياً إلينا، أي يلزِمنا بما هو مرسوم، وعلينا" الطاعة ": يؤدي قطع العنق، إلى قطع " دابر السؤال نفسه " والذي ينصبُّ عليه، السؤال المتعالي، والسؤال الذي ربما يفكَّر فيه، إنما تبعاً لسيستامه الديني، تبعاً لتلك السلطة الابستمولوجية، حيث الدين هو الأول والآخر، الفضاء والأرضية، ينمحي كل أثر دنيوي ناهض يستوقف الأثر وطبيعة مأثرته، فلا يعود الحاضر نفسه برسم الحاضر، جهة استحكام سلطوي، روحي قابض للنفس، عمره مئات السنين، كما لو أنه ولِد للتو، كما لو أنه وليد الآن ووليد كل لحظة، لتصبح اللغة منزوعة الكلام المفرد، الشخصي، وشرف الاستقلالية، حيث لا يعود التاريخ نفسه، بمفهومه الأكثر دقة، وحيوية، وامتلاء بحضور المعنى، التاريخ الذي يُقرأ، إنما يُصغى إليه ويردَّد بخشوع معتبَر...!
إشارتان :
1-المقال منشور ضمن أعمال عبدالفتاح كيليطو، الجزء الأول، جدل اللغات، دار توبقال، الدار البيضاء، ط2، 2018، صص 75-78 .
2-ينظَر حول ذلك، على الأقل، كتاب إبراهيم فوزي: تدوين السنّة، منشورات رياض الريس، لندن، ط2، 1995، ص178-202-205-206...الخ.
المقال يتمحور حول صاحب المقامات الشهير : الحريري، قبل ثمانية قرون، عن رسام صور مقاماته المدهش بـ" لقطاته " المنماماتية بناء على عوالم هذه المقامات: الواسطي.
انتقام الصورة هو ما كان عليه الحريري شهرةً لزمن طويل، وما كان عليه الواسطي من تهميش، عديم الذكر مقارنة به، وفيما بعد، حديثاً خاصة، انقلبت العلاقة: لا ذكر للحريري، بينما الواجهة التذكرية للواسطي.
الصورة لفنان الصور، وانتقام الصورة يبرز " واسطياً ". إنما حيث يجري انتقام آخر من الصورة ذاتها: قطْع عنق الصورة لديه، أو " أعناق شخصياته "
تدشين المقال في محتواه ومعناه، يكون من خلال " ابن عباس " المعتبر أكبر راوية للحديث النبوي " 1660 حديثاً ". حيث الإحالة إليه، حيث الفتوى منه بطريقة التعامل مع الصورة، كما في إعلامه لمن سأله عن طريقة التعامل مع رسم الحيوانات، وإمكان ذلك، وهذا يتم تبعاً لشرط لا يُتجاوَز ( بلى، لكنك تستطيع قطع رؤوس الحيوانات حتى لا تبدو حيَّة، واجتهد في أن تشبه تلك الحيوانات زهوراً ) .
يأتي تعليق كيليطو في الحال، وفيما بعد، لحظة استرساله في القول حول هذه النقطة ( جواب ابن عباس مبهم: يوصي بقطع رأس الكائنات الحية، لكنه لا يحدد في أي لحظة ينبغي القيام بذلك، قبل أو بعد إنجاز الصورة. وبعبارة أخرى هل ينبغي رسم الأجساد دون رأس، أو محو الرؤوس بعد رسمها؟ لكن النتيجة ستكون نفسها في كلتا الحالتين،: سواء محا الرسام الرأس الذي كان قد رسمه أو لم يرسمه على الإطلاق، فإن الشخصيات الممثَّلة لن يكون لها وجه ..).
يعمّق كيليطو الكاتب هذا الجانب الاستراتيجي للمسألة، وهو محق في ذلك ( محو الرأس، هو محو إشارات عديدة عن العمر، والجنس، والأصل...).
هناك إضاءة ذكية في محور العلاقة هذه، وما يترتب على هذا " القطع " حين يقول كيليطو( قطع الرأس، يعني قطع الكلام: لن يمكن للصورة أن تغري ، وتسحر، تصبح بريئة، وغير موجودة ) " 1 "
هناك سؤال مهدور، مؤجَّل، على أقل تقدير، تجاهله كيليطو، أو لم يتطرق إليه كلياً، رغم أن سياق المقال، وطبيعة تعامل الكاتب مع فكرته، وهو " يجغرفها "، إن جاز التعبير، حيث يستدعي مختلف الإحداثيات: موقعاً، تأثيرَ علاقة، مدى ديمومة بقاء، عملية انتقال مؤثر المثار في الزمان والمكان، وتحولات الموقف منه...الخ.
السؤال، كما حاولت طرحه إثر قراءة المقال لأكثر من مرّة، للتأكد من أن سؤالي في مستوى اسمه: لماذا تجنَّب الحديث عن " المفتي " هنا، عن راوية الحديث بالذات؟
لا أظن أن كيليطو كان يتحرك تحت جبّة ابن عباس، سوى أن تصوراً كهذا جهة الانهمام بالعلاقة تلك، يبقي الجبة قائمة، وليس من " قطع " لوشيج القربى هذا!
أصل السؤال هو الذي يعطي قيمة لعموم المثال في المقال، خميرته، بحصر المعنى، ومصير الشخصيات بالذات، أو حقيقة " منمنمات " الواسطي، أو الصورة عموماً . سؤال ابن عباس نفسه، وكيف قيّض له أن يستفتي هكذا، ومن خلال الرواية الرئيسة المنقولة عن الرسول.
مسوّغ السؤال ، هو في حقيقة ما قاله ابن عباس أو رواه، إزاء مسألة خطيرة كهذه. كيف يمكن له أن يصبح متزعم رواة الحديث النبوي، ومعتداً به هنا وهناك، وكان عمره عشر سنوات عند وفاة الرسول؟ كيف تسنَّى له لقاء الرسول، مصاحبته، وتلقّي الحديث منه، أو هذا الكم الهائل من الأحاديث أكثر من سواه.
أن يكون ابن عباس " جد العباسيين " المعروف، كما هو معلوم بأمره تاريخياً ، هو القيّم على نوعية علاقة مع الصورة، يعني ذلك أنه المرجع، يعني ذلك وجود سلطة فقهية، منها وإليها تستمد المسألة قيمتها، حياتها وموتها اعتبارياً .
فيما يمضي كيليطو إلى استشرافه، ومكاشفته تاريخياً، ومقاربته نقدياً في الصميم، يعترض السؤال طريقه: لماذا يتم تجاهل أو تناسي المفتي بقطع الرأس، أو العنق للصورة " الحية " ؟ وكيف تسنَّى له ذلك .
بناء عليه، يمكن القول بالتوازي مع ما تفكَّره وأثاره: إن نفي سؤال كهذا، تقديرياً، يعني نفي كل قيمة اعتبارية لأصل الموضوع نفسه. إذ كما جرى " تكليم " ابن عباس " حديثياً "، هكذا يجري " تكليم " ما ليس مشروعاً النظر فيه.
لدينا سلطة تاريخية، قوة إرادة أكثر من كونها شخصية تفرض نفسها، ويًصغى إليها، لا بذاتها، وإنما بذات جمعية فاعلة سلطوياً في التاريخ، جهة الربط بين ابن عباس والعباسيين، والرفع من شأن الاسم إلى مقام اللاتاريخي، ما لا ينبغي السؤال عنه، تمييزه واستثنائيته، كما لو أنه الآخر الذي لا ينظَر في حقيقته جسدياً، إنما يُصغى إليه وينقل عنه، ويُلتزَم بمضمون ما يتفوه به، أو يرويه من أحاديث تبعاً لسلطة السنّة والذين قوعدوها هكذا .
لا يتعلق الموضوع بالطعن، إنما بمسألة يتم النظر فيها، من خلال ما هو حيوي جداً، ويصل بنا، ويمارس تأثيره فينا، أي يطلب منا التسليم به كما هو، رغم وجود الشروط التي تستوجب رواية الحديث، حيث يغدو ابن عباس خارجاً، لحظة الالتزام بها. وكيليطو، لا تنقصه بداهة المساءلة، وخطورة الأثر، ولا الجرأة في تحرّي القول ومدى مشروعيته. أم تراه يجنّب نفسه السؤال عن وضْع مقلق كهذا تاريخياً، وهو يوجّه كلامه المكتوب إلى قارئه الأجنبي، قبل العربي، متكتماً على ثغرة المعنى، ربما تقديراً منه، أن ذلك القارىء سيتلقى منه " المعنى " دون مساءلة المنطلق وحقيقته تاريخياً ؟
هذا ينطبق على مترجمه، وهو كاتب معروف وله مكانته المعرفية والنقدية كذلك : عبدالكبير الشرقاوي " أذكّر هنا بكتابه القيّم بطابعه الأركيولوجي: شعرية الترجمة: الملحمة اليونانية في الأدب العربي "!
فالشرقاوي، في الصفحة " 76 " يورد أكثر من حديث على لسان ابن عباس، مؤكّداً على " صواب " ما ذهب إليه، حيث أتى كيليطو على ذكر شاهد منه، بخصوص نوعية التعامل مع الصورة المرسومة، إنما ليس من إشارة، لا تعليق، ولا سؤال، ولا استفسار، لا محاولة إضاءة خلفية حديث متعدد الصيغ، كهذا، ولا تحفيز لسؤال مضمر ينبّه إليه .
أي شراكة " تواطؤية "، حيث لا يمكنني تجنبها، كحصيلة قراءة وترجمة نص وإسهام في بنائه في الهامش الذي لا يعود هامشاً، بمفهومه الحديث، جهة الشرقاوي، وإنما تعزيز ما أفضى به كيليطو، رغم وجود تابعية في التقويم .
ربما بالطريقة هذه، كان السؤال المهدور، كما أسلفتُ، والذي كان في مقدوره، أن يقلب العلاقة كلياً، لا بل يحرّف مسار المقال في كلّيته، ويثير متخيل قارئه تجاه أفق رؤية بحثية من نوع مغاير تماماً.
يصبح " قطع العنق " في الصورة، ترسيماً قاعدياً لسلطة ضاغطة لها اسمها التاريخي، وعلامتها الرمزية الفاعلة، تكون لدينا دينونة الأثر الذي لا يمحى، حيث لا يعود من اسم لما كان، أي: الماضي، طالما أنه أكثر من كونه ماضياً إلينا، أي يلزِمنا بما هو مرسوم، وعلينا" الطاعة ": يؤدي قطع العنق، إلى قطع " دابر السؤال نفسه " والذي ينصبُّ عليه، السؤال المتعالي، والسؤال الذي ربما يفكَّر فيه، إنما تبعاً لسيستامه الديني، تبعاً لتلك السلطة الابستمولوجية، حيث الدين هو الأول والآخر، الفضاء والأرضية، ينمحي كل أثر دنيوي ناهض يستوقف الأثر وطبيعة مأثرته، فلا يعود الحاضر نفسه برسم الحاضر، جهة استحكام سلطوي، روحي قابض للنفس، عمره مئات السنين، كما لو أنه ولِد للتو، كما لو أنه وليد الآن ووليد كل لحظة، لتصبح اللغة منزوعة الكلام المفرد، الشخصي، وشرف الاستقلالية، حيث لا يعود التاريخ نفسه، بمفهومه الأكثر دقة، وحيوية، وامتلاء بحضور المعنى، التاريخ الذي يُقرأ، إنما يُصغى إليه ويردَّد بخشوع معتبَر...!
إشارتان :
1-المقال منشور ضمن أعمال عبدالفتاح كيليطو، الجزء الأول، جدل اللغات، دار توبقال، الدار البيضاء، ط2، 2018، صص 75-78 .
2-ينظَر حول ذلك، على الأقل، كتاب إبراهيم فوزي: تدوين السنّة، منشورات رياض الريس، لندن، ط2، 1995، ص178-202-205-206...الخ.