الإهداء: إلى العزيزة صفاء بنخدة
آنا ماريــــا شوا:
روائية و قصاصة من الأرجنتين. إنتاجها الأدبي متنوع، فهو يجمع بين الرواية و القصة القصيرة والشعر و المسرح و السيناريو. ترجمت أعمالها الأدبية إلى الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية و البرتغالية و اليابانية و الكورية.
تلقب بــ "ملكــــة المحكي القصير جدا". حازت على جوائز وطنية ودولية ("جائزة الشرف الكبرى "(1967)، و "جائزة أوارد إيديتوريال لوسادا "(1980)).
بسبب مواقفها السياسية ، هاجرت إلى فرنسا. و هناك عملت بالصحافة الإسبانية (مجلة كامبيو16).
من أعمالها القصصية المتميزة نذكـــر :
- أنـا صبورة (رواية1980)
- ميكرو تخييـــــلات (2009)
- السيــرك (2011)
قزامـــــة
كـما يعلم ذلك جيدا منتجو السيرك، الحجم ليس قدراً بل خياراً. يمكن لأي شخص بالغ أن يتحول إلى قزم باتباع سلسلة من التعليمات البسيطة، أكيد، التي تتطلب الكثير من التركيز. على سبيل المثال، هذا الرجل الصغير جدا الذي ترونه هنا كان لا يزال قبل شهرين شخصا جسورا قويا بطول متر و82سنتمترات ووزن 80كيلو. على سبيل المثال، هذه الميكروقصة التي تقرؤونها الآن كانت حتى البارحة بالذات رواية من 620صفحة.
سيرك أحلامــــــي
إلى سيلفــــو
لا يوجد لا مهرج مخمور ولا فارسة، و لا وجود لمروض، و لا لنمور خاضعة، لا وجود لغجري ولا لدبه الراقص، ولا لقاذف السكاكين و شريكته المخاطرة، ولا لبهالين، و لا لراقصي الحبال، ولا لبائعي الحلويات، و لا لمشعوذين، الأقزام ليسوا هناك أيضا، لا سرادق، و لا أعلام صغيرة، لا فيلة رهيفة، لا وجود لساحر بأصابع رشيقة. و لكن أنا و أنت موجودان هنا. ونحظى بالتصفيق .
هذا السيـــرك
يعلموننا الكلام، المشي، الابتسام. يعلموننا تنظيف الأسنان، الأكل بالملاعق والأشواك و حلحلة العمليات الأربع. يعلموننا أن نلبس و أن نستخدم الصيغ المهذبة. يرغموننا على القفز، الجري، الرقص، اللعب بالكرة. لكل منا مهارات و قدرات خاصة. يشاد بنا أو نعاقب، بشكل عام بطريقة تعسفية و قاسية. و مع ذلك ابحثوا عن السبب (و لكن هذا الأمر وحده هو الذي يسمح لنا بالبقاء على رمال المضمار)،نعتقد كلنا أننا متفرجون، من دون معرفة أي شيء عن الجمهور الذي يشاهدنا، مستمتعا.
قياسات نسبيـــة
لحسن الحظ نمــــا حتى وصل حجم قزم.
أثناء مشاهدة السيرك
راقداً على سريره، كان يشاهد السيرك على التلفاز. كانت الشاشة عملاقة، و الصورة، لا تشوبها شائبة، و كان الأمر يتعلق بأفضل سيرك في العالم . يُرى رجل معلق برباط مطاطي، يطير صعودا في الهواء. لو كنت قد بدأت صغيرا جداّ، يعتقد المتفرج، لوكنت قد تدربت بلا كلل ... عضلاته تشد تحت منامته. حتى أنه لم يفكر في التصفيق باستثناء الإحساس بالطيران، الشعور بأن يكون السيد المطلق لكل من ألياف هذا الجسم، التي ترتخي، تشيخ و تتلف على المراتب، بدون أمل، و هدف.
موسيقى السيــرك
كان قد اختار موسيقى السيرك كنغمة رنين على هاتفه المحمول، إنه صوت حيوي، مُلِحّ مترع بالسحر و الأحجار الكريمة و لن يفاجأ على الإطلاق إذا استدعى الأفيال، الأقزام، القوافل، الوحوش البرية، بهالين الحبال، القرود، لن يفاجأ إذا تمكن كل ذلك من التجسد هنا تحديدا، في الهواء، في فرع البنك حيث يخدمه أمين صندوق بمجاملة غير مريحة، حيث يقترب منه شرطي و يطلب منه إغلاق هاتفه لأسباب أمنية، لن يفاجأ على الإطلاق، لكن لا شيء من ذلك يحدث، الموسيقى لا تستدعي أي شيء، على العكس، كل مكالمة يجريها تأخذه أبعد قليلا عن السيرك، والطفولة.
برومثيوس السيرك
فن أم ترفيه؟ إذا كان النسر يعيث بعمق من منقاره كبد برومثيوس، هل يتعلق الأمر بفن أم ترفيه؟ إنه فن إذا كان الدم الحقيقي هو الذي يلطخ منقار الطائر، إذا كان الدم هو الذي يتدفق من خلال فقاقيع كبيرة و يسيل من خاصرة الجسم، إذا كان بحق الدم هو الذي يصبغ بالحمرة الأحجار الذي ربط إليها الرجل. لكن إذا كان الأمر يتعلق بمزيج من الجلسرين بالكيتشاب، فهذا مجرد ترفيه. بالطبع، هناك بعض الناس يعتقدون عكس ذلك بالضبط.
إدهــــاش
نحن فنانو السيرك نتساءل بشدة عن كيف يمكننا إدهاش المتفرجين. الكمال في التقاليد لا يكفي. لذلك، نحن نبحث عن الإفراط في الأشكال المعهودة: القيام بشقلبة من خمس عطفات، القيام بأعمال خفة بعشر ريشات و عشرة سنادين، ابتلاع مظلة، أو حاملة مصباح، السيرعلى حبل رخو لهرم من البشر بحجم هرم مصري، و لوج قفص به 350 أسدا و نمرين، جَعلُ أعداء شخص ما من الجمهور نختاره بالصدفة يختفون إلى الأبد.
كيف ندهش المتفرجين؟ في السيرك الجديد، نزين الأبراج القديمة بالأزياء، و تصاميم الرقصات، و الإضاءة، و المسرح.
لكن مع تقدمنا في السن، لم تعد أجسادنا تحتمل الإفراط و لم نعد جميلين بما فيه الكفاية، و مضحكين، وأكثر مرونة، و ماهرين بما يكفي لنكون جزءا من السيرك الجديد. كيف يمكن أن ندهش هؤلاء المتفرجين الوقحين الذين سبق لهم أن رأوا كل شيء؟ في محاولة للوصول إلى المشهد الأسمى، نترك أنفسنا تموت على الرمل وسط التصفيق و هذا لا يكفي، هذا لا يكفي...الكل يعرف كيف يفعل ذلك.
فنانو أرجوحة التريض
لا تخافي، ستطير، لقد ورثت جيناتنا، قال فنان أرجوحة التريض. ومن الأعلى، أطلق ابنته الصغيرة، التي لا تزال صبية، في الهواء، نحو ذراعي الأم المرعوبة والخائنة. أخطأت حين خافت: بفضل ملكات والدها الحقيقي، الساحر، تطير الصبية، بحقيقة وحق. أو تجعلهما يعتقدان بأنها تطير.
كبهلوان الحبال و عصاه
كالبهلوان و عصاه، ما كلانا الواحد بدون الآخر؟ نحن الخطر، و الدوار، و السرعة، و الانفجار. نحن أكثر و أفضل من هذا التوازن غير المستقر.
- رقص العناكب لا، رقص العناكب لا يهمني، آنا أسف. من فضلكم، لا تخبروني عن أقدمية الوصلة. من عهد ميروماشي، قبل عهد إيدو، لقد سبق لكم أن قلتم لي ذلك. البارحة اقترحت علي وصلة التوازن على نصب حجرية عمودية (يبلغ ارتفاعها 20متراً)، تعود إلى ما قبل التاريخ و لا يهمني ذلك كثيراً، كما ترون، إنها مسألة بنية تحتية، نحن نعمل في سرادق، لا توجد طريقة لنشر شبكات متقاطعة بين الأعمدة، كما في المعابد اليابانية، ثم أنا لست بجاهل، أنتم تعرفون جيدا ما حدث عندما كف الرقص عن أن يكون تقليداً دينياً و تحول إلى وصلة بهلوانية،إلى شبكات على مسافة جيدة من الأرض. خطير جدا هذا ، كما تقولون. ليس من أجل لا شيء، توقف بصفة نهائية، حتى في اليابان. لا، حتى مع مِطْوَل. لكن انتظروا لحظة...لا تغلقوا السماعة. ماهي الأشياء الأخرى التي تستطيع عناكبكم القيام بها؟
- من المذنب؟ لا حاجة للبحث عن القاتل، قال المتحري، لمالك السيرك و للقارئ. من غير المريح للغاية العمل في قصة فانتاستيكية: النوع البوليسي الذي اعتاد عليه لم يعد أكثر واقعية، لكنه يتبع قواعد أكثر دقة.
- هويـــــة انتشار العروض الفرجوية التي تطلق على نفسها سيركا والتي تختلف مع ذلك عن السيرك الكلاسيكي تجبرنا على طرح أسئلة حول الحدود. إذا كانت براعة البهالين و بهالين الحبال يمكن أن تصلح لوصلة الأوبرا أو المسرح، إذا كانت عاطفة التخييل تفوق عاطفة الواقع، فهل يتعلق الأمر بسيرك أصلا؟ سألت نفسي و أنا أراني في المرآة.
- خلـود طودْ براونينغ. ولد و مات، و كان فنان سيرك و مخرجا، قام بتصوير أكثر من سبعين فيلما، و بخاصة "نزوات"(1932). خلال عُمر براونينغ، كان الفيلم نزوات فشلا ضخما و مُكْلفا. مؤدًى من قبل ظواهر فرجوية أصيلة، مُنتقَداً سياسياً،و ممنوعا و محطما من طرف النقاد، هذا الفيلم ذو الذوق السيء دمر مهنة براونيغ و ضمن له الخلود.
- المرجع :
- Trad .française de Fenomenos de circo par Vérinique lessard