يعرف الفيلسوف الفرنسي "جيل دلوز" الفلسفة على أنّها "فن صناعة المفاهيم" وإذا ما سايرنا هذا التعريف واحتكمنا إليه نجد أنّه من المفاهيم الأكثر ابتكارا وتداولا في الخطاب الفلسفي الحديث والمعاصر مفهومي الأيديولوجيا واليوتوبيا هذا ما يتماشى ومنطق التأصيل النظري للمفهومين على أنّ الممارسة العملية الميدانية لهما تعود إلى غابر الزمان من تاريخ البشرية، فكثيرا ما يعرّف الإنسان على أنّه كائن ايديولوجي بالطبيعة، وفي المقابل فان التوق الدائم للكشف عن ما هو آتي من حياة البشر طابع مغروس في الجبلة الإنسانية في خطوة استباقية للصيرورة التاريخية، كما يفرضه منطق الذهنية اليوتوبية. وهذا ما يكشف عن العلاقة الترابطية التبدالية بين الأيدولوجيا واليوتوبيا
يعد الفيلسوف الفرنسي "أنطوان دي ترسي" أوّل من استخدم لفظ "أيديولوجيا" وحملها معنى "علم الأفكار" كما وثقت لذلك معظم المعاجم الفلسفية، على أنّ اتساع الرقعة الاستخدامية للمصطلح كانت على يد الفرنسي "نابليون بونبارت". أمّا كلمة يوتوبيا تعود للفيلسوف الإنجليزي "توماس مور" ومعناها اللامكان، وشاءت بعض التراجيم العربية مقابلتها بلفظ "الطوباوية" التي تعني أرض السعادة. وبالنظر إلى ما أفرغ من معنى ودلالة لكلا المفهومين يتبين أنّ المقاربة بينهما مما يرفضه العقل الإنساني، وهذا ما يعطي لرؤية "كارل منهايم" الجدة والفرادة على اعتبار أنّه كان أوّل من جمع بين المصطلحين في كتابه الشهير "الأيديولوجيا واليوتوبيا".
في بادئ الأمر يتعين علينا الإقرار بأنّ الأيديولوجيا تسير في حركة تراجعية صوب الماضي أمّا اليوتوبيا تسير في حركة تقدمية نحو المستقبل وهذا هو الملمح الدال على الاختلاف بينهما كما وضح ذلك "منهايم" فاليوتوبيا كما أوردها فيلسوفنا متعالية على حالة الوضعية الكونية القائمة وتريد تجاوز الواقع ونفيه الى ما يجب ان يكون على عكس الأيديولوجيا التي تريد الحفاظ على هوية الواقع القائم وتبريره بمعنى ان الأيديولوجيا فكر يحاول الحفاظ على الواقع واليوتوبيا فكر ثوري تهديمي للواقع وقد سبقه في ذلك "كارل ماركس" الذي اشمل في تعريفه للأيديولوجيا كل الانعكاسات الفكرية والتمثلات التي تعبر عن البنية الفوقية لتكون هي المتخيل والمنعكس لعملية الحياة الواقعية على انها في تقابل دائم مع الواقع أي ما ليس واقعا وهذا ما يقودنا الى نقطة التلاقي و الملمح المشترك بين كل من الأيديولوجيا واليوتوبيا فكلاهما غير مطابق للواقع اما الأيديولوجيا فتعمل على شحن المخيال البشري بأفكار ومعتقدات تصورها على انها الحقيقة والغاية والهدف من الوجود البشري وانها أفكار تدافع عن الكرامة الإنسانية وعن حقوق البشر المهضومة تحت شعار المصائر المشتركة والمصالح المتبادلة مما يروج له أصحاب النزعة الإنسانية الحالمة بمجتمع انساني يسوده السلام والرفاهية وهي ليست سوى افيون يغيب الوعي ويهدم القيم الإنسانية السامية بالمتاجرة بالضمائر واعماء البصائر والتحكم في المصائر في حين تعمل اليوتوبيا على شحن ملكة الخيال بتصورات ورؤى مستحدثة كمحاولة للتعبير عن رفض الواقع والتمرد عليه وتخليص العقل البشري من الأوهام والحقائق المزيفة التي تروج لها جماعة أيديولوجية معينة وتعمل على غرسها في الذات الإنسانية وتوجيه الوعي صوب ما يخدم مصالحها لتحقيق قيمة ربحية وقاعدة جماهرية تضمن لها السيادة والاستمرارية في مقابل طمس الحقيقة وتزييف الوقائع وهدم المصداقية والأحقية والشرعية الفكرية بممارسة الوصاية على العقل البشري فيما اسماه "علي حرب" الالهة الجدد واصنام الحقيقة ورسل المعرفة ممن خولوا لأنفسهم حق التفكير والتقرير باسم البشرية
هنا يتبدى للذات العاقلة ان اليوتوبيا هي ايذان بتحرر الإرادة البشرية من خلال التأطير لمجتمع واعي مدرك لما يدور في فلك واقعه يقوم بتحريك إمكاناته وطاقاته بالشكل الذي يجسد ارادته وتحكمه بمصيره دون أي وصاية الا ان المتأمل لما يفرضه واقع الحال يتضح له ان صناع القرار ممن يمثلون التيارات الأيديولوجية التي كثر وجودها في عالمنا لم يقتصروا على محاولة تبرير الواقع والتأصيل له بل تجاوز الامر حد ذلك بان طوعت الخيال البشري بما يتماشى وارادتهم ويخدم مصالحهم فما عادت الأيديولوجيا تتحكم في واقع البشر وحسب بل حتى في خيالاتهم التي تعد مساحة يمارس من خلالها الفرد حرية التفكير والتعبير لتكون بذلك اليوتوبيا مجرد الية من اليات الفكر الأيديولوجي وهذا ما نجد له حضور قوي في وقتنا ضمن ما يسمى العالم الافتراضي الذي تمثله وسائل التواصل الاجتماعي باختلافها وتنوعها التي غدت منبر لمن لا منبر لهم والتي انطلق من خلالها الناس على اختلاف اجناسهم واعراقهم ومستوياتهم يعبرون عن أفكار واراء على انها تمثل قناعاتهم الشخصية وميولاتهم الخاصة الا اننا نجدها مجرد منصات تعج بالصدامات كما اريد لها ان تكون صراعات بين طوائف دينية وأكثرها اشتعالا على الاطلاق تلك المتعلقة بالإسلام والذي تعلق عليه الشماعة مع كل تفجير تقوم به جماعة إرهابية أصولية لها خلفية أيديولوجية ابعد من ان تكون لها صلة بالإسلام و قد يبلغ التزييف حد توجيه الاتهام الى إرهاب وهمي غرسته الدول في ذهنية الشعوب لتضمن تبعيتهم والاذعان لسلطتهم فحتى تلك الاحداث العالمية الكبرى التي حكم على اثرها المجتمع الدولي بإرهابية الإسلام والمسلمين لا تغدوا اكثر من مجرد لعبة حكيت احداثها من قادة القوى العظمى لتكون ذريعة الاستعباد والاستبداد واستنزاف الثروات وفي المقابل غرست في ذهن كل فرد غربي عدائية تجاه الإسلام مع وجوب محاربته لتجد مؤسسات وجمعيات وهيئات حكومية وغير حكومية انتدبت لنفسها مهمة نشر الوعي بين الشباب الغربي بخطورة الإسلام وحمايتهم من مغبة الوقوع فيه تلك هي الصورة النمطية التي تبنتها الذهنية اليوتوبية المعاصرة التي عملت على تبرير الواقع بدل من نفيه وامثلة ذلك عديدة لا تقتصر على ما هو ديني عقائدي بل شملت ما هو ثقافي وما هو عرقي وما هو سياسي وما هو رياضي وما هو فني والمتتبع لحركة وسائل التواصل الاجتماعي يلاحظ تصاعد موجة العنف الرمزي تصل حد المساس بالثوابت الوطنية للشعوب من قبيل السجال الدائر بين المجتمع الجزائري والمغربي حيث يتراشق الطرفين بطريقة مغزية حول مسائل خلافية عدة بلغت حد الاقتتال عن قضايا لا ترقى لان تكون محل نزاع وتوتر بين شعبين شقيقين (اصل القفطان والكاركاو و طبق الكسكس وحلوة البقلاوة) وما هي الا صراعات تخدم السياسة المنتهجة للدول وحتى داخل المجتمع الواحد تنشب تلك الصراعات الهوياتية كالصراع بين العربي والامازيغي حيث يسارع كلا الطرفين لتبادل التهم والاستشهاد بأدلة تاريخية اغلبها لم تسلم من التلفيق والتزييف في سبيل التدليل على مصداقية اقوالهم وما خلت تلك النقاشات من اللغة الشوارعية المحملة بألفاظ سوقية مبتذلة تفتقد للمسحة الأخلاقية التي يفترض ان تطبع كل مجتمع مسلم وساري في اعتقاد كل هؤلاء انهم يتجاوزون الواقع الذي يلغي الحريات ليعتلوا هذه المنابر و يدلوا بما يعبر عن ذاتهم في حين لا يعدو ان يكونوا مجرد وسيلة في يد شبكة أيديولوجية تعمل على الغاء القواسم المشتركة على كثرتها وتعميق الفوارق على قلتها لتشتيت الجمع واضعاف الطاقات لضمان التبعية وتغييب الوعي
وموجز الحديث ان الانسان المعاصر اضحى حبيس أيديولوجية ممنهجة تعمل على خلق فضاءات توهم من خلالها الافراد بأنهم يمارسون حريتهم في التفكير والتعبير وفي تسيير شؤونهم وعيش حياتهم وفق قوانينهم ومبادئهم وقناعاتهم والحق ان هؤلاء هم مجرد وسيلة في يد جماعات أيديولوجية تسيرهم وفق ارادتها بما يخدم مصالحها ويضمن لها البقاء الاستمرارية
ناصري خديجة
الجزائر
يعد الفيلسوف الفرنسي "أنطوان دي ترسي" أوّل من استخدم لفظ "أيديولوجيا" وحملها معنى "علم الأفكار" كما وثقت لذلك معظم المعاجم الفلسفية، على أنّ اتساع الرقعة الاستخدامية للمصطلح كانت على يد الفرنسي "نابليون بونبارت". أمّا كلمة يوتوبيا تعود للفيلسوف الإنجليزي "توماس مور" ومعناها اللامكان، وشاءت بعض التراجيم العربية مقابلتها بلفظ "الطوباوية" التي تعني أرض السعادة. وبالنظر إلى ما أفرغ من معنى ودلالة لكلا المفهومين يتبين أنّ المقاربة بينهما مما يرفضه العقل الإنساني، وهذا ما يعطي لرؤية "كارل منهايم" الجدة والفرادة على اعتبار أنّه كان أوّل من جمع بين المصطلحين في كتابه الشهير "الأيديولوجيا واليوتوبيا".
في بادئ الأمر يتعين علينا الإقرار بأنّ الأيديولوجيا تسير في حركة تراجعية صوب الماضي أمّا اليوتوبيا تسير في حركة تقدمية نحو المستقبل وهذا هو الملمح الدال على الاختلاف بينهما كما وضح ذلك "منهايم" فاليوتوبيا كما أوردها فيلسوفنا متعالية على حالة الوضعية الكونية القائمة وتريد تجاوز الواقع ونفيه الى ما يجب ان يكون على عكس الأيديولوجيا التي تريد الحفاظ على هوية الواقع القائم وتبريره بمعنى ان الأيديولوجيا فكر يحاول الحفاظ على الواقع واليوتوبيا فكر ثوري تهديمي للواقع وقد سبقه في ذلك "كارل ماركس" الذي اشمل في تعريفه للأيديولوجيا كل الانعكاسات الفكرية والتمثلات التي تعبر عن البنية الفوقية لتكون هي المتخيل والمنعكس لعملية الحياة الواقعية على انها في تقابل دائم مع الواقع أي ما ليس واقعا وهذا ما يقودنا الى نقطة التلاقي و الملمح المشترك بين كل من الأيديولوجيا واليوتوبيا فكلاهما غير مطابق للواقع اما الأيديولوجيا فتعمل على شحن المخيال البشري بأفكار ومعتقدات تصورها على انها الحقيقة والغاية والهدف من الوجود البشري وانها أفكار تدافع عن الكرامة الإنسانية وعن حقوق البشر المهضومة تحت شعار المصائر المشتركة والمصالح المتبادلة مما يروج له أصحاب النزعة الإنسانية الحالمة بمجتمع انساني يسوده السلام والرفاهية وهي ليست سوى افيون يغيب الوعي ويهدم القيم الإنسانية السامية بالمتاجرة بالضمائر واعماء البصائر والتحكم في المصائر في حين تعمل اليوتوبيا على شحن ملكة الخيال بتصورات ورؤى مستحدثة كمحاولة للتعبير عن رفض الواقع والتمرد عليه وتخليص العقل البشري من الأوهام والحقائق المزيفة التي تروج لها جماعة أيديولوجية معينة وتعمل على غرسها في الذات الإنسانية وتوجيه الوعي صوب ما يخدم مصالحها لتحقيق قيمة ربحية وقاعدة جماهرية تضمن لها السيادة والاستمرارية في مقابل طمس الحقيقة وتزييف الوقائع وهدم المصداقية والأحقية والشرعية الفكرية بممارسة الوصاية على العقل البشري فيما اسماه "علي حرب" الالهة الجدد واصنام الحقيقة ورسل المعرفة ممن خولوا لأنفسهم حق التفكير والتقرير باسم البشرية
هنا يتبدى للذات العاقلة ان اليوتوبيا هي ايذان بتحرر الإرادة البشرية من خلال التأطير لمجتمع واعي مدرك لما يدور في فلك واقعه يقوم بتحريك إمكاناته وطاقاته بالشكل الذي يجسد ارادته وتحكمه بمصيره دون أي وصاية الا ان المتأمل لما يفرضه واقع الحال يتضح له ان صناع القرار ممن يمثلون التيارات الأيديولوجية التي كثر وجودها في عالمنا لم يقتصروا على محاولة تبرير الواقع والتأصيل له بل تجاوز الامر حد ذلك بان طوعت الخيال البشري بما يتماشى وارادتهم ويخدم مصالحهم فما عادت الأيديولوجيا تتحكم في واقع البشر وحسب بل حتى في خيالاتهم التي تعد مساحة يمارس من خلالها الفرد حرية التفكير والتعبير لتكون بذلك اليوتوبيا مجرد الية من اليات الفكر الأيديولوجي وهذا ما نجد له حضور قوي في وقتنا ضمن ما يسمى العالم الافتراضي الذي تمثله وسائل التواصل الاجتماعي باختلافها وتنوعها التي غدت منبر لمن لا منبر لهم والتي انطلق من خلالها الناس على اختلاف اجناسهم واعراقهم ومستوياتهم يعبرون عن أفكار واراء على انها تمثل قناعاتهم الشخصية وميولاتهم الخاصة الا اننا نجدها مجرد منصات تعج بالصدامات كما اريد لها ان تكون صراعات بين طوائف دينية وأكثرها اشتعالا على الاطلاق تلك المتعلقة بالإسلام والذي تعلق عليه الشماعة مع كل تفجير تقوم به جماعة إرهابية أصولية لها خلفية أيديولوجية ابعد من ان تكون لها صلة بالإسلام و قد يبلغ التزييف حد توجيه الاتهام الى إرهاب وهمي غرسته الدول في ذهنية الشعوب لتضمن تبعيتهم والاذعان لسلطتهم فحتى تلك الاحداث العالمية الكبرى التي حكم على اثرها المجتمع الدولي بإرهابية الإسلام والمسلمين لا تغدوا اكثر من مجرد لعبة حكيت احداثها من قادة القوى العظمى لتكون ذريعة الاستعباد والاستبداد واستنزاف الثروات وفي المقابل غرست في ذهن كل فرد غربي عدائية تجاه الإسلام مع وجوب محاربته لتجد مؤسسات وجمعيات وهيئات حكومية وغير حكومية انتدبت لنفسها مهمة نشر الوعي بين الشباب الغربي بخطورة الإسلام وحمايتهم من مغبة الوقوع فيه تلك هي الصورة النمطية التي تبنتها الذهنية اليوتوبية المعاصرة التي عملت على تبرير الواقع بدل من نفيه وامثلة ذلك عديدة لا تقتصر على ما هو ديني عقائدي بل شملت ما هو ثقافي وما هو عرقي وما هو سياسي وما هو رياضي وما هو فني والمتتبع لحركة وسائل التواصل الاجتماعي يلاحظ تصاعد موجة العنف الرمزي تصل حد المساس بالثوابت الوطنية للشعوب من قبيل السجال الدائر بين المجتمع الجزائري والمغربي حيث يتراشق الطرفين بطريقة مغزية حول مسائل خلافية عدة بلغت حد الاقتتال عن قضايا لا ترقى لان تكون محل نزاع وتوتر بين شعبين شقيقين (اصل القفطان والكاركاو و طبق الكسكس وحلوة البقلاوة) وما هي الا صراعات تخدم السياسة المنتهجة للدول وحتى داخل المجتمع الواحد تنشب تلك الصراعات الهوياتية كالصراع بين العربي والامازيغي حيث يسارع كلا الطرفين لتبادل التهم والاستشهاد بأدلة تاريخية اغلبها لم تسلم من التلفيق والتزييف في سبيل التدليل على مصداقية اقوالهم وما خلت تلك النقاشات من اللغة الشوارعية المحملة بألفاظ سوقية مبتذلة تفتقد للمسحة الأخلاقية التي يفترض ان تطبع كل مجتمع مسلم وساري في اعتقاد كل هؤلاء انهم يتجاوزون الواقع الذي يلغي الحريات ليعتلوا هذه المنابر و يدلوا بما يعبر عن ذاتهم في حين لا يعدو ان يكونوا مجرد وسيلة في يد شبكة أيديولوجية تعمل على الغاء القواسم المشتركة على كثرتها وتعميق الفوارق على قلتها لتشتيت الجمع واضعاف الطاقات لضمان التبعية وتغييب الوعي
وموجز الحديث ان الانسان المعاصر اضحى حبيس أيديولوجية ممنهجة تعمل على خلق فضاءات توهم من خلالها الافراد بأنهم يمارسون حريتهم في التفكير والتعبير وفي تسيير شؤونهم وعيش حياتهم وفق قوانينهم ومبادئهم وقناعاتهم والحق ان هؤلاء هم مجرد وسيلة في يد جماعات أيديولوجية تسيرهم وفق ارادتها بما يخدم مصالحها ويضمن لها البقاء الاستمرارية
ناصري خديجة
الجزائر