الفصل الرابع
الصناعة
من المحزن أن يوازن المرء بين فقر مصر الآن، وبين رخائها قديماً حينما كان اختلاف الصناعات وأناقتها وإتقانها تثير إعجاب الأمم المجاورة. وكان المصريون في غنى عن التجارة الخارجية لتنمية الثروة أو زيادة الرفاهية. وقد دل الكشف عن الآثار على أن المصريين انفردوا إلى حد كبير في السمو بالفنون في عهد موسى وقبل ذلك أيضاً. ولم يكن الفراعنة والكهنة وقواد الجيش في تلك الأزمنة الغابرة يعيشون وحدهم في ترف رفيع ويلبسون ارق الأنسجة الكتانية ويجلسون على سرر وكراسي نستخدمها نماذج لأثاث ابهائنا الحديثة، بل كان لكثير من أغنياء المزارعين وغيرهم من الأفراد كأولئك. ولا تزال الطبيعة تجود بنعمها على سكان وادي النيل، كما كانت في قديم الزمن. غير أن المصريين لم يعودوا ينعمون لعدة أجيال بحكومة مستقرة، فكان كل من الولاة المتعاقبين في هذه المدة الطويلة يعمد إلى تنمية ثروته الخاصة، لعدم توطد ولايته. وهكذا هلك بالتدريج كثير من المصريين وقضي على الباقين أن يعيشوا في عوز اليم. وإذ كان الذكور من السكان يكاد عددهم يزيد على القدر اللازم لزراعة الأراضي التي يغمرها الفيضان أو يسهل ريها بالوسائل الصناعية، كان عدد هؤلاء الذين يجترفون الصناعة في هذا البلد شديد القلة نسبياً. ولا تتم أعمال المصريين عن براعة كبيرة لقلة التنافس وعدم تشجيع الأغنياء. غير أن انحطاط الصناعات اليدوية يرجع إلى حد بعيد إلى سبب آخر وهو أن السلطان سليم التركي بعد أن غزا مصر نقل على ما قال الجبرتي عدداً كبيراً من البارعين في الحرف التي لا تمارس في تركيا فقضي بذلك على أكثر من خمسين صناعة يدوية في مصر
حرم الإسلام كما سبق أن بينت، استخدام التصوير والنحت في رسم الأحياء، غير أن بعض المسلمين المصريين يحاول رسم الرجال والأسود والجمال وغيرها من الحيوان والزهور والقوارب وذلك على الأخص لزخرفة واجهات الحوانيت وأبواب الحجاج كما يقولون، وإن كانت محاولاتهم هذه تفوقها رسوم صغار الأطفال عندنا. ولكن الدين الإسلامي يسر الصناعة خاصة باستلزامه أن يعرف كل امرئ فناً أو عملاً يمكنه وقت الضرورة من سد حاجته وإعالة من يتولى أمرهم والقيام بواجباته الدينية والأدبية. ويبرع المصريون على الأكثر في فن العمارة، فتجد اجمل نماذج العمارة العربية في العاصمة المصرية وضواحيها. وليست المساجد والأبنية العامة الأخرى وحدها هي التي تستحق الاعتبار لعظمتها وجمالها، ولكن الكثير من المساكن الخاصة أيضاً تثير الإعجاب ولاسيما هيئتها الداخلية وزخرفتها. على أن هذا الفن كأغلب الفنون الأخرى انحط كثيراً في السنوات الأخيرة؛ فقد اخذ المصريون عن الأتراك طرازاً جديداً ساذج الشكل بعضه شرقي وبعضه أوربي وفضلوه على العربي. وتنم الأبنية ذات الطراز القديم، أبوابها وسقوفها وبلاطها، التي سبق وصفها، عن ذوق فريد. وكذلك أكثر الصناعات المصرية تنم عن الذوق وإن كان الكثير منها ينقصه الإتقان. وكان الخراطون، وشغلهم الأول عمل الشبابيك، كثيري العدد، وكان عملهم حينذاك أكثر اتقاناً؛ أما الآن فقد قلت أعمالهم، لأن نوافذ المنازل الحديثة تصنع من الزجاج. ولا يظهر المصريون المحدثون في صناعة الزجاج التي اشتهروا بها قديماً مهارة كبيرة، فقد انحط عندهم فن الزجاج الملون؛ غير انهم لا يزالون موضع الإعجاب في صناعة النوافذ الزجاجية وإن لم يكن ذلك بقدر ما كان في السنوات الماضية قبل أن ينقص تفضيل الطرز الجديد من أعمالهم. والصناعة الخزفية في مصر غليظة، وهي تشمل عمل القلل والجرار لحفظ المياه وتبريدها. ويستحق المصريون الشهرة التي نالوها في مهارة أعدادهم السختيان. ويستعمل المصريون السعف وأوراق النخيل في صناعات مختلفة فيصنعون من السعف الأقفاص والكراسي والصناديق والسرر الخ. . . ومن الأوراق السلال والقفف والحصر والمكانس والمذبات، وغير ذلك من الآلات. ويفتلون من ألياف النخيل أكثر الحبال المصرية. ويصنعون احسن الحصر التي يستخدمونها صيفاَ بدل البسط، من البردي. وقد فقدت مصر الشهرة الني نعمت بها قديماً في صناعة الكتان الرقيق؛ فالملابس الكتانية والقطنية والصوفية التي تغزل في هذا البلد غليظة الصنف حقيرته
اشتهر المصريون طويلاً في صناعة التفريخ. ويبدو أن هذه الصناعة كانت شائعة في مصر في سالف الأزمنة وإن وصفها الكتاب الأولون وصفاً غامضاً. وهم يطلقون في الوجه البحري على البناء الذي يتم فيه التفريخ (معمل الفراخ) وفي الصعيد (معمل الفروج). وفي الوجه البحري أكثر من مائة معمل، وفي الصعيد أكثر من نصف ذلك العدد. ويعين اغلب مراقبي هذه المعامل إن لم يكن جميعهم من الأقباط. وتفرض الحكومة على هذه المعامل ضريبة. ويبنى المعمل بالأجر أو اللبن ويتكون من أفراد ومواقد صغيرة للنار على صفين متوازيين يفصل بينهما دهليز معقود ضيق. ويبلغ حجم كل من الأفران تسع أقدام أو عشرا طولاً تقريباً، وثماني أقدام عرضاً، وخمسا أو ستا ارتفاعاً. ويعلو كلا منها موقد مقبولا يختلف عنها حجماً والأفضل أن يكون اقل ارتفاعاً. ويتصل الفرن بالدهليز بواسطة فتحة تسمح للإنسان بالدخول كما يتصل الموقد بفتحة مماثلة. وتتصل المواقد في الصف نفسه بعضها ببعض أيضاً لكل كوة في قبوه لمرور الدخان ولا تفتح إلا عرضاً. وكذلك الدهليز يوجد به عدد كوى كالسابقة في سقفه المعقود. ويوضع البيض في الأفران، فوق الحصر أو على القش عادة، على طبقات ثلاث يعلو بعضها بعضاً. ويحرقون السرقين (الجلة) في المواقد التي تعلو الأفران ثم يقفلون مدخل المعمل بأحكام. ويتقدم المعمل حجرتان أو ثلاث حجرات صغيرة للمراقب والوقود والفراخ الناقفة حديثاً. ويجري هذا المعمل شهرين أو ثلاثة في صيف كل عام. ويبدأ التفريخ مبكراً في الصعيد. ويشمل كل معمل بين اثني عشر وأربعة وعشرين فرناً، ويتلقى حوالي مائة وخمسين ألف بيضة في الموسم السنوي، يخيب منها ربعها أو ثلثها. ويورد الفلاح البيض فيفحصه المراقب ويناول الفلاح عادة مقابل كل بيضتين فرخة صغيرة. ويستعمل نصف الأفران في الأيام العشرة الأولى، وتوقد النار في المواقد العشرة التي تعلوها، ثم تطفأ في اليوم الحادي عشر. وتوقد المواقد الأخرى ويوضع البيض الطازج في اسفل الأفران. وفي اليوم التالي ينقل بعض البيض من الأفران السابقة ويوضع في رماد مواقدها. وتظل الحرارة أثناء العملية بين مائة ومائة وثلاث درجات بقياس فارنيهايت. ويعرف القائم بهذا العمل من تجاربه الطويلة الحرارة اللازمة لنجاح العملية دون الاستعانة بالة ترشده لتعوده هذا العمل من صغره. وفي اليوم العشرين ينقف بعض البيض الموضوع أولاً. ولكن اغلبه يفرخ في اليوم الحادي والعشرين. وتوضع الفراريج الضعيفة في الدهليز وما بقي يوضع في أقصى الغرف الداخلية حيث تبقى يوماً أو اثنين قبل أن تسلم مستحقيها. وعندما تنقف البيضات الأولى ونصف الثانية تتلقى الأفران التي كانت فيها دفعة ثالثة، ثم توضع دفعة رابعة بالطريقة نفسها عندما تفرخ الدفعة الثانية. ولا يقل الدجاج الذي نقف بهذه الطريقة طعماً عن دجاج البيض الذي يحتضن طبيعياً. ويقل دجاج مصر وبيضه في كلتا الحالتين حجما وطعماً عن دجاج بلادنا وبيضه. وقد وجدت في إحدى الجرائد المصرية التي تنشر بأمر الحكومة (العدد 248: 18 رمضان سنة 1346، 3 مارس سنة 1831) الإحصاء التالي:
الوجه البحري
الوجه القبلي
عدد معامل التفريخ في العام الحالي
105
59
عدد البيض المستخدم
19 , 325 , 600
6 , 878 , 900
عدد البيض المعطوب
6 , 255 , 867
2 , 529 , 360
عدد البيض المفقس
3 , 069 , 733
4 , 349 , 240
لا تزال تارة مصر عظيمة وإن انحط شانها كثيراً منذ اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح بين أوربا والهند، ونتيجة لسياسة محمد علي وخلفائه باحتكار التجارة والاستيلاء على البضائع. وقد تقدمت التجارة كثيراً في السنوات القليلة الأخيرة لاستخدام البواخر الكثيرة بين الإسكندرية وإنكلترا وفرنسا والنمسا من ناحية، وبين السويس والهند من ناحية أخرى، وبإنشاء السكك الحديدية في الوجه البحري.
تستورد مصر الأقمشة الصوفية من أوربا ومن فرنسا خاصة، والشيت والموصلي الساذج والمصور للعمائم من اسكتلندة، والحراير والمخمل والكريشة والشيلان المقلدة عن الكشميري من سكوتلندا وإنجلترا وفرنسا، وورق الكتابة من البندقية خاصة، والأسلحة النارية والنصال المستقيمة من ألمانيا وتستورد هذه للنوبيين الخ. والساعات والفناجين والأواني الخزفية والزجاجية المختلفة واغلبها من ألمانيا والخردة والألواح الخشبية والمعادن والخرز والنبيذ وغيره من المشربات. وكذلك يستوردون الرقيق الأبيض والحرير والمناديل والفوط المطرزة ومباسم الشبك والبوابيج وضروباً من السلع المصنوعة والأدوات النحاسية والبرنزية الخ. من الآستانة، ويستوردون من آسيا الصغرى البسط وسجاجيد الصلاة والتين الخ، ومن سوريا الدخان والحراير المخططة والعباءات والصابون، ومن جزيرة العرب البن والتوابل وعقاقير عديدة والسلع الهندية كالشيلان والحرير الموصلية الخ، ومن الحبشة وسنار أقراص التمر الهندي والصموغ والسنا المكي، ومن الغرب، أي شمال أفريقيا غرب مصر، الطرابيش والبرانس والاحرمة وأحذية الجلد السختيان الأصفر.
واهم ما يصدر إلى أوربا القمح والذرة والأرز والفول والقطن والعنب واللب والنيلج والبن والتوابل المختلفة والصموغ والسني والعاج وريش النعام، والى تركيا العبيد السود والأحباش ذكورا وإناثاً والاغاوات والأرز والبن والتوابل والحناء الخ، والى سوريا العبيد والأرز الخ، والى جزيرة العرب الحبوب خاصة والى سنار والبلدان المجاورة القطن والكتان والصوف وبعض الحراير المخططة السورية والمصرية والابسطة الصغيرة والخرز وحلي أخرى، والصابون والسيوف المستقيمة السابق ذكرها والأسلحة النارية والأدوات النحاسية وورق الكتابة.
(يتبع)
عدلي طاهر نور
مجلة الرسالة - العدد 494
بتاريخ: 21 - 12 - 1942
الصناعة
من المحزن أن يوازن المرء بين فقر مصر الآن، وبين رخائها قديماً حينما كان اختلاف الصناعات وأناقتها وإتقانها تثير إعجاب الأمم المجاورة. وكان المصريون في غنى عن التجارة الخارجية لتنمية الثروة أو زيادة الرفاهية. وقد دل الكشف عن الآثار على أن المصريين انفردوا إلى حد كبير في السمو بالفنون في عهد موسى وقبل ذلك أيضاً. ولم يكن الفراعنة والكهنة وقواد الجيش في تلك الأزمنة الغابرة يعيشون وحدهم في ترف رفيع ويلبسون ارق الأنسجة الكتانية ويجلسون على سرر وكراسي نستخدمها نماذج لأثاث ابهائنا الحديثة، بل كان لكثير من أغنياء المزارعين وغيرهم من الأفراد كأولئك. ولا تزال الطبيعة تجود بنعمها على سكان وادي النيل، كما كانت في قديم الزمن. غير أن المصريين لم يعودوا ينعمون لعدة أجيال بحكومة مستقرة، فكان كل من الولاة المتعاقبين في هذه المدة الطويلة يعمد إلى تنمية ثروته الخاصة، لعدم توطد ولايته. وهكذا هلك بالتدريج كثير من المصريين وقضي على الباقين أن يعيشوا في عوز اليم. وإذ كان الذكور من السكان يكاد عددهم يزيد على القدر اللازم لزراعة الأراضي التي يغمرها الفيضان أو يسهل ريها بالوسائل الصناعية، كان عدد هؤلاء الذين يجترفون الصناعة في هذا البلد شديد القلة نسبياً. ولا تتم أعمال المصريين عن براعة كبيرة لقلة التنافس وعدم تشجيع الأغنياء. غير أن انحطاط الصناعات اليدوية يرجع إلى حد بعيد إلى سبب آخر وهو أن السلطان سليم التركي بعد أن غزا مصر نقل على ما قال الجبرتي عدداً كبيراً من البارعين في الحرف التي لا تمارس في تركيا فقضي بذلك على أكثر من خمسين صناعة يدوية في مصر
حرم الإسلام كما سبق أن بينت، استخدام التصوير والنحت في رسم الأحياء، غير أن بعض المسلمين المصريين يحاول رسم الرجال والأسود والجمال وغيرها من الحيوان والزهور والقوارب وذلك على الأخص لزخرفة واجهات الحوانيت وأبواب الحجاج كما يقولون، وإن كانت محاولاتهم هذه تفوقها رسوم صغار الأطفال عندنا. ولكن الدين الإسلامي يسر الصناعة خاصة باستلزامه أن يعرف كل امرئ فناً أو عملاً يمكنه وقت الضرورة من سد حاجته وإعالة من يتولى أمرهم والقيام بواجباته الدينية والأدبية. ويبرع المصريون على الأكثر في فن العمارة، فتجد اجمل نماذج العمارة العربية في العاصمة المصرية وضواحيها. وليست المساجد والأبنية العامة الأخرى وحدها هي التي تستحق الاعتبار لعظمتها وجمالها، ولكن الكثير من المساكن الخاصة أيضاً تثير الإعجاب ولاسيما هيئتها الداخلية وزخرفتها. على أن هذا الفن كأغلب الفنون الأخرى انحط كثيراً في السنوات الأخيرة؛ فقد اخذ المصريون عن الأتراك طرازاً جديداً ساذج الشكل بعضه شرقي وبعضه أوربي وفضلوه على العربي. وتنم الأبنية ذات الطراز القديم، أبوابها وسقوفها وبلاطها، التي سبق وصفها، عن ذوق فريد. وكذلك أكثر الصناعات المصرية تنم عن الذوق وإن كان الكثير منها ينقصه الإتقان. وكان الخراطون، وشغلهم الأول عمل الشبابيك، كثيري العدد، وكان عملهم حينذاك أكثر اتقاناً؛ أما الآن فقد قلت أعمالهم، لأن نوافذ المنازل الحديثة تصنع من الزجاج. ولا يظهر المصريون المحدثون في صناعة الزجاج التي اشتهروا بها قديماً مهارة كبيرة، فقد انحط عندهم فن الزجاج الملون؛ غير انهم لا يزالون موضع الإعجاب في صناعة النوافذ الزجاجية وإن لم يكن ذلك بقدر ما كان في السنوات الماضية قبل أن ينقص تفضيل الطرز الجديد من أعمالهم. والصناعة الخزفية في مصر غليظة، وهي تشمل عمل القلل والجرار لحفظ المياه وتبريدها. ويستحق المصريون الشهرة التي نالوها في مهارة أعدادهم السختيان. ويستعمل المصريون السعف وأوراق النخيل في صناعات مختلفة فيصنعون من السعف الأقفاص والكراسي والصناديق والسرر الخ. . . ومن الأوراق السلال والقفف والحصر والمكانس والمذبات، وغير ذلك من الآلات. ويفتلون من ألياف النخيل أكثر الحبال المصرية. ويصنعون احسن الحصر التي يستخدمونها صيفاَ بدل البسط، من البردي. وقد فقدت مصر الشهرة الني نعمت بها قديماً في صناعة الكتان الرقيق؛ فالملابس الكتانية والقطنية والصوفية التي تغزل في هذا البلد غليظة الصنف حقيرته
اشتهر المصريون طويلاً في صناعة التفريخ. ويبدو أن هذه الصناعة كانت شائعة في مصر في سالف الأزمنة وإن وصفها الكتاب الأولون وصفاً غامضاً. وهم يطلقون في الوجه البحري على البناء الذي يتم فيه التفريخ (معمل الفراخ) وفي الصعيد (معمل الفروج). وفي الوجه البحري أكثر من مائة معمل، وفي الصعيد أكثر من نصف ذلك العدد. ويعين اغلب مراقبي هذه المعامل إن لم يكن جميعهم من الأقباط. وتفرض الحكومة على هذه المعامل ضريبة. ويبنى المعمل بالأجر أو اللبن ويتكون من أفراد ومواقد صغيرة للنار على صفين متوازيين يفصل بينهما دهليز معقود ضيق. ويبلغ حجم كل من الأفران تسع أقدام أو عشرا طولاً تقريباً، وثماني أقدام عرضاً، وخمسا أو ستا ارتفاعاً. ويعلو كلا منها موقد مقبولا يختلف عنها حجماً والأفضل أن يكون اقل ارتفاعاً. ويتصل الفرن بالدهليز بواسطة فتحة تسمح للإنسان بالدخول كما يتصل الموقد بفتحة مماثلة. وتتصل المواقد في الصف نفسه بعضها ببعض أيضاً لكل كوة في قبوه لمرور الدخان ولا تفتح إلا عرضاً. وكذلك الدهليز يوجد به عدد كوى كالسابقة في سقفه المعقود. ويوضع البيض في الأفران، فوق الحصر أو على القش عادة، على طبقات ثلاث يعلو بعضها بعضاً. ويحرقون السرقين (الجلة) في المواقد التي تعلو الأفران ثم يقفلون مدخل المعمل بأحكام. ويتقدم المعمل حجرتان أو ثلاث حجرات صغيرة للمراقب والوقود والفراخ الناقفة حديثاً. ويجري هذا المعمل شهرين أو ثلاثة في صيف كل عام. ويبدأ التفريخ مبكراً في الصعيد. ويشمل كل معمل بين اثني عشر وأربعة وعشرين فرناً، ويتلقى حوالي مائة وخمسين ألف بيضة في الموسم السنوي، يخيب منها ربعها أو ثلثها. ويورد الفلاح البيض فيفحصه المراقب ويناول الفلاح عادة مقابل كل بيضتين فرخة صغيرة. ويستعمل نصف الأفران في الأيام العشرة الأولى، وتوقد النار في المواقد العشرة التي تعلوها، ثم تطفأ في اليوم الحادي عشر. وتوقد المواقد الأخرى ويوضع البيض الطازج في اسفل الأفران. وفي اليوم التالي ينقل بعض البيض من الأفران السابقة ويوضع في رماد مواقدها. وتظل الحرارة أثناء العملية بين مائة ومائة وثلاث درجات بقياس فارنيهايت. ويعرف القائم بهذا العمل من تجاربه الطويلة الحرارة اللازمة لنجاح العملية دون الاستعانة بالة ترشده لتعوده هذا العمل من صغره. وفي اليوم العشرين ينقف بعض البيض الموضوع أولاً. ولكن اغلبه يفرخ في اليوم الحادي والعشرين. وتوضع الفراريج الضعيفة في الدهليز وما بقي يوضع في أقصى الغرف الداخلية حيث تبقى يوماً أو اثنين قبل أن تسلم مستحقيها. وعندما تنقف البيضات الأولى ونصف الثانية تتلقى الأفران التي كانت فيها دفعة ثالثة، ثم توضع دفعة رابعة بالطريقة نفسها عندما تفرخ الدفعة الثانية. ولا يقل الدجاج الذي نقف بهذه الطريقة طعماً عن دجاج البيض الذي يحتضن طبيعياً. ويقل دجاج مصر وبيضه في كلتا الحالتين حجما وطعماً عن دجاج بلادنا وبيضه. وقد وجدت في إحدى الجرائد المصرية التي تنشر بأمر الحكومة (العدد 248: 18 رمضان سنة 1346، 3 مارس سنة 1831) الإحصاء التالي:
الوجه البحري
الوجه القبلي
عدد معامل التفريخ في العام الحالي
105
59
عدد البيض المستخدم
19 , 325 , 600
6 , 878 , 900
عدد البيض المعطوب
6 , 255 , 867
2 , 529 , 360
عدد البيض المفقس
3 , 069 , 733
4 , 349 , 240
لا تزال تارة مصر عظيمة وإن انحط شانها كثيراً منذ اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح بين أوربا والهند، ونتيجة لسياسة محمد علي وخلفائه باحتكار التجارة والاستيلاء على البضائع. وقد تقدمت التجارة كثيراً في السنوات القليلة الأخيرة لاستخدام البواخر الكثيرة بين الإسكندرية وإنكلترا وفرنسا والنمسا من ناحية، وبين السويس والهند من ناحية أخرى، وبإنشاء السكك الحديدية في الوجه البحري.
تستورد مصر الأقمشة الصوفية من أوربا ومن فرنسا خاصة، والشيت والموصلي الساذج والمصور للعمائم من اسكتلندة، والحراير والمخمل والكريشة والشيلان المقلدة عن الكشميري من سكوتلندا وإنجلترا وفرنسا، وورق الكتابة من البندقية خاصة، والأسلحة النارية والنصال المستقيمة من ألمانيا وتستورد هذه للنوبيين الخ. والساعات والفناجين والأواني الخزفية والزجاجية المختلفة واغلبها من ألمانيا والخردة والألواح الخشبية والمعادن والخرز والنبيذ وغيره من المشربات. وكذلك يستوردون الرقيق الأبيض والحرير والمناديل والفوط المطرزة ومباسم الشبك والبوابيج وضروباً من السلع المصنوعة والأدوات النحاسية والبرنزية الخ. من الآستانة، ويستوردون من آسيا الصغرى البسط وسجاجيد الصلاة والتين الخ، ومن سوريا الدخان والحراير المخططة والعباءات والصابون، ومن جزيرة العرب البن والتوابل وعقاقير عديدة والسلع الهندية كالشيلان والحرير الموصلية الخ، ومن الحبشة وسنار أقراص التمر الهندي والصموغ والسنا المكي، ومن الغرب، أي شمال أفريقيا غرب مصر، الطرابيش والبرانس والاحرمة وأحذية الجلد السختيان الأصفر.
واهم ما يصدر إلى أوربا القمح والذرة والأرز والفول والقطن والعنب واللب والنيلج والبن والتوابل المختلفة والصموغ والسني والعاج وريش النعام، والى تركيا العبيد السود والأحباش ذكورا وإناثاً والاغاوات والأرز والبن والتوابل والحناء الخ، والى سوريا العبيد والأرز الخ، والى جزيرة العرب الحبوب خاصة والى سنار والبلدان المجاورة القطن والكتان والصوف وبعض الحراير المخططة السورية والمصرية والابسطة الصغيرة والخرز وحلي أخرى، والصابون والسيوف المستقيمة السابق ذكرها والأسلحة النارية والأدوات النحاسية وورق الكتابة.
(يتبع)
عدلي طاهر نور
مجلة الرسالة - العدد 494
بتاريخ: 21 - 12 - 1942