ذات يوم، أصيبت الفاقة بمرض حاد اضطرت معه لملازمة الفراش لأيام عديدة. وما إن علم الفقراء بالنبأ السار حتى استبشروا خيرا وقالوا: " ابتداء من الآن، لن تعود الفاقة لتحوم حولنا، وسنستطيع أن نعيش أخيرا في يسر مثل غيرنا".
وبالفعل، شعر الفقراء بتبدل الأحوال، فلقد كف المتسولون عن مد اليد، وتوقف اللصوص عن السرقة، أما الجياع فأشفوا نَهَمَهُم من الأكل، كما تخلص الفقراء من فقرهم؛ فأُلقيت الأسمال في المزابل، وحد الجميع من تقشُّفه، وباختصار فإن الأيام السعيدة قد أهَلَّت.مرت أيام كثيرة على هذه الحال، لكن أحد المتسولين السابقين قال بعد تفكير: " حبذا لو يدوم الحال على ما هو عليه، لكن الفاقة بكل أسف ستشفى يوما، وإني لأخاف أن تعود لتنزع اللقمة من أفواهنا، فلِمَ لا نذهب فنعودَها ونطلب منها أن تتركنا بسلام؟"، وكذلك كان، فلقد جمع أصحابه واقترح عليهم فكرته فثمَّنوها، وقصدوا بيت الفاقة. وما إن دخلوا منزلها حتى خصتهم بحفاوة الاستقبال ثم استفسرتهم قائلة: " ما السر في مجيئكم عندي؟". وهنا تقدم أحد الفقراء موضحا: " لقد علمنا بمرضك، وبما أنك كنت رفيقة دربنا لزمن طويل، فقد جئنا لعيادتك، على عكس الأغنياء الذين لا يفكرون إلا في أنفسهم...". اتكأت الفاقة على مرفقها، وقد ارتسمت ابتسامة على محياها، ثم قالت لهم: " أشكركم كثيرا على حسن صنيعكم، وبما أن الأغنياء لا يرغبون في عيادتي، فإنني لن أذهب لرؤيتهم، وإني لأعدكم أنني ما إن أُشفى حتى أعود لملازمتكم إلى الأبد".
Moha Souag, Madame la misère
ترجمة علي اليوسفي العلوي