يونس عتيق الله - بموت الأخلاق يموت كل شيء

كثيرا ما يكون هم الأنظمة و الحكومات تطوير الاقتصاد، و ضمان استقرار سياسي، عبر منظومة من القوانين الصارمة الملزمة للجميع بالانضباط، فبناء الدولة يقتضي آليات لا محيد عنها، حيث يتم الحديث عن نظام الحكم و ماهيته، أو عن الأحزاب السياسية و البرلمان، أو عن إدارة الشركات و المؤسسات المالية. و كلها أمور مهمة بالطبع لكن لا أعتبرها المحور و الروح. فأين الإنسان من كل الإصلاحات و المخططات؟
إنني أكاد أجزم أن أي بناء كيفما كان، غيب العنصر البشري من حساباته، يبقى بناء على جُرُفٍ هَارٍ قد ينهد في أي لحظة.
و بعيدا عن الإيديولوجيا، و بمنطق العقل السليم، فإننا نقر بحكمة الأديان السماوية و في مقدمتها الإسلام باعتباره الخاتم، حيث عملت في منطلقاتها على بناء الإنسان أولا. و الحديث هنا لا علاقة له بالأجساد، و إنما بالأخلاق.
نعم فهي صانعة التميز، و مرتكز الأفضلية، لذلك أستطيع القول: إن الشعوب الخَلُوقة قادرة على صناعة المعجزات، و كلما انهارت الأخلاق أدى ذلك إلى انهيار دول بأكملها، يقول الله تعالى: " و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا "، إن الرسالة واضحة تماما لكن من يتلقاها من مسلمي اليوم؟، فإذا كان القرآن كتاب المسلمين و إذا كان حال المسلمين اليوم كما نرى، فمن حقي أن أتساءل: أين المسلمين؟ و كيف لنا أن نستوعب هذا التدني الملحوظ في أخلاقنا؟ لا الرجل رجل و لا المرأة امرأة، لقد اختل الميزان، فهل من راشد عاقل يفهم الدرس؟
وداهية الدواهي حالة شبابنا ذكورا و إناثا، و الذين بلغوا من الاستهتار و الانحلال مبلغا يهدد المستقبل و ينسف الآمال، ففرق كبير بين الحرية و قلة الأدب، و بين الجرأة و الوقاحة.
لقد استقلت الأسرة من دورها التربوي الصرف، و دُمِّرت مؤسسة التعليم بالضرب في قيمتها و محورية دورها، و ملأ المشهد إعلام هش ملؤُهُ الضحالة و الانحطاط ، حتى اعوَجَّ القِوام و تَنَثَّن الذوق.
لقد أصبح الآباء يقضون الليل تفكُّرا في مصير أبنائهم، بعدما أضاعوا تربيتهم بدَلَالٍ مفرط و تلبية لرغباتهم و لو على حساب الأهم من الأمور، إن جيل اليوم لم يتعود على سماع كلمة " لا " كما لم يتعود على تحمل المسؤولية.
و لكل ذلك انعكاسات في الشارع العام، حيث افتُقِد الأدب و الأخلاق و قل الحياء و غاب النضج، إننا أمام ظاهرة تتطلب الوقوف عندها. ففي النهاية سننتج جيلا من التافهين جيلا من الأجساد المدمِّرة جيلا من المزعجين، حينها سيعلم بعض الآباء فداحة تربيتهم و نتائج دلالهم.
إننا نريد شبابا يقظا معطاء وصبورا، نريد شبابا يحترم جنسه و يفهم خصوصياته، فالابن ابن و البنت بنت، و من العار تبادل الأدوار و مزاحمة الأخ لأخته على علبة المكياج و السراويل الضيقة، حتى بتنا نقلق على الرجولة من المتشبهين بالنساء و نخشى على الأنوثة من فتيات عرضن كل شيء علنا سخاء فما عادت الأنوثة كنزا. إن تربية الأبناء تنطلق منذ من الصِّبا على موازين الحق و الرُّشد، و لا مجال للمغامرة بمستقبل الوطن، إذ على الدولة كذلك تحمل مسؤولياتها و توفير ظروف التربية السليمة و إلا سيأتي يوم سنبكي فيه كالنساء على وطن لم نحافظ عليه كالرجال...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...