قد تكون الكتابة حول رواية مدام بوفاري للكاتب الفرنسي غوستاف فلوبير هي اشبه بمحاولة القفز من اعلى شلال عظيم ، فان لم يقتلك السقوط قتلك الغرق في مياهه، ولعل البناء الدرامي والكشف عن خفايا السلوك الإنساني بشكل عام والانثوي منه بشكل خاص والمضمون العالي الذي طرحه فلوبير ليس الامر الوحيد الذي يميز رواية مدام بوفاري، بل شاطرها الأسلوب الرائع الكلمات المتناغمة والمسترسلة بنسق موسيقي، لا يخدش القارئ او المستمع، والتي وصف بها ادق المشاعر الإنسانية من حب ورغبة وغضب ورضا وسخط لشخصية الرواية الرئيسية إيما او مدام بوفاري بما تملكه من خيالية مفرطة واندفاع نحو أحلام المراهقة الى اقصى حدود الوهم، الى حيث ينتهي بها المطاف بالارتواء من سراب الخيانة، الذي لم يزدها الا سقوط في هاوية الرذيلة .
ان مدام بوفاري هي رواية تتكلم عن خيبة الامل بقدر ما تتكلم عن الخيانة، وتتكلم عن الحقيقة بقدر ما تتكلم عن الخداع، فهي تروي لنا خيبات إيما وفشلها في تقبل لون الواقع الداكن وتعلقها بالوان الوهم الزاهية والزائفة، تلك الألوان التي كانت تحسها وتعيشها مع شخوص القصص الغرامية وروايات العشق التي طالما قرأتها وهامت معها بالأثاث والريش الناعم كأنها احدى بطلات القصص او عشيقات الملوك والامراء، وحلمت انها في عالم يتقاتل به الفرسان من اجل التفاتة من جيدها او ابتسامة من شفتيها الورديتين، ولعل احلامها تلك هي ما اوصلها لقناعة تامة ان مغامرة واحدة تخرجها عن المألوف قد تؤدي الى سلسلة من الاحداث التي تغير اطار حياتها الممل والرتيب، حيث كان المستقبل يمتد امامها كسرداب مظلم ينتهي الى باب محكم الاغلاق، وارتباطها بعد ذلك بالزواج الذي يعد رنين الجرس الذي ينبه الناس من غفلتهم، فبدلاً من ان تستفيق من أحلامها وخيالاتها وحتى مجونها وتعود الى الواقع الذي مع كل ما فيه من تناقضات فأنه يبقى الواقع والحقيقة التي يجب عليها ان تدركه وتتقبله ككل الناس، ولكنها بالعكس من ذلك تحطمت كلياً وقبلت العيش بمستنقع الخيانة وهي لا تراه الا حديقة زهور روته بمياه الغواية والعشق المحرم، ولبست انقى ثياب العفة على جسدٍ انهكه واقعها المأثوم ولحمها المباح.
تتناول رواية مدام بوفاري قصة الفتاة الريفية الجميلة إيما التي تعيش طفولتها وشبابها بشكل عادي في مزرعة والدها في ريف فرنسا وهي محاطة بمجموعة من كتب التاريخ وقصص الرومانسية والحب التي تروي قصص قصور فرنسا العريقة حيث الحب والبذخ ومغامرات الفرسان وقصص عشيقات الملوك والامراء والنبيلات ذوات الصدار الطويل اللاتي يقضين ايامهن تحت الاقواس ذات الطراز الفخم وقد اسندن ذقونهن الى راحات ايديهن وسرحن شعورهن بانتظار الفارس النبيل، والذي ترك اثراً عميق في شخصيتها وطبعها بطابع الرومانسية الحالمة، فتتعرف في تلك الاثناء بالدكتور شارل بوفاري الذي يشتعل في قلبه الشعور بالأعجاب بها وان كان هذا شعوراً صامتاً لا تفضحه سوى نظرات العيون وارتجاف الايدي عندما يكونان معاً، وهو ما ملئ قلبها ورسم في ذهنها صورة رأت انها مطابقة لما قرأته وتخيلته من قصص العشق ولوعة الشوق واهات الفراق فلم يمنعهما سوى انه رجلٌ متزوج، "ولم تسال نفسها قط عما اذا كانت تحبه فعلاً، فهي تعتقد ان الحب يفد فجأة مصحوباً برعد وبرق، كما لو ان عاصفة تنقض من السماء على الأرض، فتقلب كيانها، وتنتزع الارادات انتزاعها لأوراق الشجر، وتجرف القلب، ولم تفطن الى ان المطر يحيل الشرفات بحيرات اذا كانت الميازيب مغلقة" فيأتي بعد ذلك الموت بما يحمله من مفاجئات وما يغير من واقع يجعل من شارل ارملاً بعد وفاة زوجته الأولى فيكون بذلك طريقه الى إيما مفتوحاً، ولا يبعده عنها سوى التقدم لخطبتها من ابيها الذي لا يرى زوجاً لابنته الوحيدة افضل منه للتحول إيما الحالمة الى مدام بوفاري .
يسترسل الكاتب الفرنسي فلوبير في وصفه حياة إيما بعد الزواج، وما رافق ذلك من روتين الحياة ورتابة الواقع الذي دائماً ما يكون كفيلاً بسكب مياة الحقيقة الباردة على نار الرومانسية ولهيب احلامها، فيصبغ المشاعر بصبغة الواقع، ولكن الامر مختلف في حالتها، فان ايما تبقى تكتوي كل يوم وساعة بنار احلامها وامنياتها التي تحرقها من الداخل، وتحيل حياتها الى جحيماً من العاطفة المستعرة، التي تبحث عن أي نسمة عشقٍ وهوى ترتوي بها نفسها الجامحة وتعيش معها مغامرات الحب الذي طالما حلمت به، وظنت انها وجدته في شارل الذي يثبت لها كل يوم انه أنموذج للرجل الرتيب " فقد أصبحت أوقات انطلاقه وتحلله منتظمة، وهو يقبلها في مواعيد معينة وكأنما يمارس عادة من العادات، او كانه يتناول حلوى مرتقبة بعد عشاء ممل، واغاظها انه لم يبدي أي انتباه الى عذابها، وبدا لها اعتقاده بأنه حقق لها كل سعادة إهانة وقحة، واطمئنانه الى هذا الاعتقاد جحوداً، لذلك صبت عليه وحده كل تلك الأحقاد العديدة التي تجمعت من ضيقها، فكان كل مجهود للتخفيف من هذه الأحقاد انما يضاعفها، اذ كان المجهود الضائع يضيف سبباً جديداً لخيبة الامل، ويزيد الهوة بينهما عمقاً، وكان تلطفه معها يزيدها تمرداً على زوجها، وضِعة حياتها المنزلية تدفعها الى أحلام ملؤها البذخ، وكانت الملاطفات الزوجية تسلمها الى شهوات داعرة، ولكم ودت لو ان شارل ضربها حتى تجد مبرراً لان تكرهه، وتعمل على الانتقام لنفسها منه، ومع كل ذلك لم يكن هناك بد من ان تستمر في الابتسام، وان تسمع الادعاء انها سعيدة يردد مسامعها كل الأوقات، وان تتظاهر بالسعادة، وتدع سواها يعتقد انها سعيدة" .
ان رغبتة إيما الملحة في ركوب سفن الهوى وولوج درب العشق حتى وان كان ممنوعاً او محرماً يجعل منها فريسة سهلة لمدعي الهوى وتجار المشاعر الذين خبروا حياكة الشباك التي يصطادون بها فريستهم من النساء فتتحول إيما من تلك الفتاة الرومانسية الحالمة الهادئة الى امرأة مسرفة ومثارة تقودها رغبتها الجامحة وترى في الخيانة ضالتها وفي الاقتراض والبذخ استقرار نفسها لتكشف لنا عن وجه ثاني يخالف ويعاكس كل الصور الناصعة والبريئة التي ترتسم على محياها وعرفها الناس بها، فتنشر لعنتها على من حولها وتغرق بيدها سفينة حياتها واسرتها في مستنقع العار والشقاء، بعد ان صودر كل ما تملكه الاسرة لسداد الديون التي انفقتها إيما في سبيل شهواتها ونزواتها، ولاشك ان غوستاف فلوبير قد برع في كشف النقاب عن خفايا ودواخل قد تكون مخفية ومستورة في أعماق العديد من الناس الذين يعيشون التناقض بين ما في اعماقهم من تصورات عن الحياة الزوجية والعاطفية وبين الواقع الحقيقي، بل انه قد ذهب لأبعد ما يمكن من خلال وصفه ما يبلغه الانسان في اندفاعه وهو يحاول ان يعيش كما يحب ان يرى نفسه عندما تقوده العاطفة بعيد عن العقل.
ان مدام بوفاري هي رواية تتكلم عن خيبة الامل بقدر ما تتكلم عن الخيانة، وتتكلم عن الحقيقة بقدر ما تتكلم عن الخداع، فهي تروي لنا خيبات إيما وفشلها في تقبل لون الواقع الداكن وتعلقها بالوان الوهم الزاهية والزائفة، تلك الألوان التي كانت تحسها وتعيشها مع شخوص القصص الغرامية وروايات العشق التي طالما قرأتها وهامت معها بالأثاث والريش الناعم كأنها احدى بطلات القصص او عشيقات الملوك والامراء، وحلمت انها في عالم يتقاتل به الفرسان من اجل التفاتة من جيدها او ابتسامة من شفتيها الورديتين، ولعل احلامها تلك هي ما اوصلها لقناعة تامة ان مغامرة واحدة تخرجها عن المألوف قد تؤدي الى سلسلة من الاحداث التي تغير اطار حياتها الممل والرتيب، حيث كان المستقبل يمتد امامها كسرداب مظلم ينتهي الى باب محكم الاغلاق، وارتباطها بعد ذلك بالزواج الذي يعد رنين الجرس الذي ينبه الناس من غفلتهم، فبدلاً من ان تستفيق من أحلامها وخيالاتها وحتى مجونها وتعود الى الواقع الذي مع كل ما فيه من تناقضات فأنه يبقى الواقع والحقيقة التي يجب عليها ان تدركه وتتقبله ككل الناس، ولكنها بالعكس من ذلك تحطمت كلياً وقبلت العيش بمستنقع الخيانة وهي لا تراه الا حديقة زهور روته بمياه الغواية والعشق المحرم، ولبست انقى ثياب العفة على جسدٍ انهكه واقعها المأثوم ولحمها المباح.
تتناول رواية مدام بوفاري قصة الفتاة الريفية الجميلة إيما التي تعيش طفولتها وشبابها بشكل عادي في مزرعة والدها في ريف فرنسا وهي محاطة بمجموعة من كتب التاريخ وقصص الرومانسية والحب التي تروي قصص قصور فرنسا العريقة حيث الحب والبذخ ومغامرات الفرسان وقصص عشيقات الملوك والامراء والنبيلات ذوات الصدار الطويل اللاتي يقضين ايامهن تحت الاقواس ذات الطراز الفخم وقد اسندن ذقونهن الى راحات ايديهن وسرحن شعورهن بانتظار الفارس النبيل، والذي ترك اثراً عميق في شخصيتها وطبعها بطابع الرومانسية الحالمة، فتتعرف في تلك الاثناء بالدكتور شارل بوفاري الذي يشتعل في قلبه الشعور بالأعجاب بها وان كان هذا شعوراً صامتاً لا تفضحه سوى نظرات العيون وارتجاف الايدي عندما يكونان معاً، وهو ما ملئ قلبها ورسم في ذهنها صورة رأت انها مطابقة لما قرأته وتخيلته من قصص العشق ولوعة الشوق واهات الفراق فلم يمنعهما سوى انه رجلٌ متزوج، "ولم تسال نفسها قط عما اذا كانت تحبه فعلاً، فهي تعتقد ان الحب يفد فجأة مصحوباً برعد وبرق، كما لو ان عاصفة تنقض من السماء على الأرض، فتقلب كيانها، وتنتزع الارادات انتزاعها لأوراق الشجر، وتجرف القلب، ولم تفطن الى ان المطر يحيل الشرفات بحيرات اذا كانت الميازيب مغلقة" فيأتي بعد ذلك الموت بما يحمله من مفاجئات وما يغير من واقع يجعل من شارل ارملاً بعد وفاة زوجته الأولى فيكون بذلك طريقه الى إيما مفتوحاً، ولا يبعده عنها سوى التقدم لخطبتها من ابيها الذي لا يرى زوجاً لابنته الوحيدة افضل منه للتحول إيما الحالمة الى مدام بوفاري .
يسترسل الكاتب الفرنسي فلوبير في وصفه حياة إيما بعد الزواج، وما رافق ذلك من روتين الحياة ورتابة الواقع الذي دائماً ما يكون كفيلاً بسكب مياة الحقيقة الباردة على نار الرومانسية ولهيب احلامها، فيصبغ المشاعر بصبغة الواقع، ولكن الامر مختلف في حالتها، فان ايما تبقى تكتوي كل يوم وساعة بنار احلامها وامنياتها التي تحرقها من الداخل، وتحيل حياتها الى جحيماً من العاطفة المستعرة، التي تبحث عن أي نسمة عشقٍ وهوى ترتوي بها نفسها الجامحة وتعيش معها مغامرات الحب الذي طالما حلمت به، وظنت انها وجدته في شارل الذي يثبت لها كل يوم انه أنموذج للرجل الرتيب " فقد أصبحت أوقات انطلاقه وتحلله منتظمة، وهو يقبلها في مواعيد معينة وكأنما يمارس عادة من العادات، او كانه يتناول حلوى مرتقبة بعد عشاء ممل، واغاظها انه لم يبدي أي انتباه الى عذابها، وبدا لها اعتقاده بأنه حقق لها كل سعادة إهانة وقحة، واطمئنانه الى هذا الاعتقاد جحوداً، لذلك صبت عليه وحده كل تلك الأحقاد العديدة التي تجمعت من ضيقها، فكان كل مجهود للتخفيف من هذه الأحقاد انما يضاعفها، اذ كان المجهود الضائع يضيف سبباً جديداً لخيبة الامل، ويزيد الهوة بينهما عمقاً، وكان تلطفه معها يزيدها تمرداً على زوجها، وضِعة حياتها المنزلية تدفعها الى أحلام ملؤها البذخ، وكانت الملاطفات الزوجية تسلمها الى شهوات داعرة، ولكم ودت لو ان شارل ضربها حتى تجد مبرراً لان تكرهه، وتعمل على الانتقام لنفسها منه، ومع كل ذلك لم يكن هناك بد من ان تستمر في الابتسام، وان تسمع الادعاء انها سعيدة يردد مسامعها كل الأوقات، وان تتظاهر بالسعادة، وتدع سواها يعتقد انها سعيدة" .
ان رغبتة إيما الملحة في ركوب سفن الهوى وولوج درب العشق حتى وان كان ممنوعاً او محرماً يجعل منها فريسة سهلة لمدعي الهوى وتجار المشاعر الذين خبروا حياكة الشباك التي يصطادون بها فريستهم من النساء فتتحول إيما من تلك الفتاة الرومانسية الحالمة الهادئة الى امرأة مسرفة ومثارة تقودها رغبتها الجامحة وترى في الخيانة ضالتها وفي الاقتراض والبذخ استقرار نفسها لتكشف لنا عن وجه ثاني يخالف ويعاكس كل الصور الناصعة والبريئة التي ترتسم على محياها وعرفها الناس بها، فتنشر لعنتها على من حولها وتغرق بيدها سفينة حياتها واسرتها في مستنقع العار والشقاء، بعد ان صودر كل ما تملكه الاسرة لسداد الديون التي انفقتها إيما في سبيل شهواتها ونزواتها، ولاشك ان غوستاف فلوبير قد برع في كشف النقاب عن خفايا ودواخل قد تكون مخفية ومستورة في أعماق العديد من الناس الذين يعيشون التناقض بين ما في اعماقهم من تصورات عن الحياة الزوجية والعاطفية وبين الواقع الحقيقي، بل انه قد ذهب لأبعد ما يمكن من خلال وصفه ما يبلغه الانسان في اندفاعه وهو يحاول ان يعيش كما يحب ان يرى نفسه عندما تقوده العاطفة بعيد عن العقل.