بعد أيام فقط على طلب الأزهر بمنع عرض فيلم «نوح» في الصالات، صدر قرار بتأييد حبس الكاتب والناشط كرم صابر على خلفية مجموعته القصصية «أين الله». تساؤلات كثيرة تطرحها هذه القضية، خصوصاً أنّ المادة 67 من الدستور تمنع سجن المبدعين وتستعيض عنه بغرامة مالية في حال ثبتت التهمة
صدمة كبيرة سادت الأوساط الثقافية المصرية أول من أمس. أصدرت محكمة جنح ببا (محافظة بني سويف ـــ 200 كلم جنوب القاهرة) قراراً بتأييد حبس الكاتب والناشط الحقوقي كرم صابر إبراهيم (1964) لمدة خمس سنوات على خلفية مجموعته القصصية «أين الله». الحكم بتأييد الحبس تزامن مع طلب الأزهر بمنع عرض فيلم «نوح» للمخرج الأميركي دارن أرونوفسكي، ما زاد من المخاوف حول حرية الرأي والتعبير في مصر.
تعود وقائع القضية الى عام 2011. يومها، رفع المحامي محمد سيد طنطاوي وآخرون بلاغاً (رقم 660) ضد كرم صابر إلى المستشار حمدي فاروق (المحامي العام الأول لنيابات بني سويف السابق). وطالب هؤلاء بسرعة سحب المجموعة من الأسواق ومصادرتها. كما تم إخطار مشيخة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بسرعة مصادرة هذا العمل الذي «يتعدى على الذات الإلهية ويسبّها، ويتهكم على الشريعة الإسلامية وفرائضها» بحسب بلاغهم. كما اتّهم مقدمو البلاغ الكاتب بـ «السخرية من بعض أحكام الإسلام كالميراث والصلاة والدعاء والصراط، ووصف الخالق بالمقامر».
في هذه المجموعة التي تضمّ 11 قصة طبعت على نفقة صابر عام 2010 (مطبعة «نفرو»)، يستعرض الكاتب مشاعر بسطاء الريف وتساؤلاتهم حول فكرة الخلق، وهي أقرب بقصصها الى متوالية سردية تدور في العالم نفسه المسكون بهواجس العلاقة مع الخالق. تتعمّد المجموعة طرح هذه التساؤلات على ألسنة البشر والحيوانات، وتنتهي نهاية ذات منحى صوفي لافت، وإن كان هاجسها الرئيس فكرة العدالة الاجتماعية. وتبدو مادتها واقعية صرفة وتعاني من مشكلات فنية عدة.
في تصريحات صحافية، أبدى كرم صابر دهشته من تأييد الحكم، مؤكداً أنّه سيبدأ بإجراءات الاستئناف، معتمداً على أنّ مقرّ دار النشر التي أصدرت المجموعة القصصية هو القاهرة، وبالتالي يُفترض أن تقام القضية في العاصمة المصرية وليس في محكمة ببا الجزئية.
ورجح أن تكون للقضية صلة بعمله كمحام ومدافع عن حقوق الفلاحين ضد تعسف الشرطة وهيئة الأوقاف، لأنّ مقدم البلاغ يعمل في هيئة الأوقاف والشاهد هو مرشد للشرطة. وأشار الى أنّ هذه المحاكمات «انتقائية» لا علاقة لها بالأفكار أو الكتب التي تتم محاكمتها، و«المحاكمات هي قصاص من الكاتب نفسه بدليل أنّ القاضي أصدر حكماً بالحبس وليس بمصادرة الكتاب موضوع الاتهام، كأن العقوبة تهدف إلى الانتقام وليس الحفاظ على المجتمع من الأفكار التي ادّعوا أنّها تهدّد السلم الاجتماعي. كما أنّني لا أستطيع أن أعيب في الذات الإلهية مطلقاً، كل ما قلته أنني وصفت مصر بزهرة وفتاة جميلة يسعى إليها ربّ مقامر هو أميركا».
عقب صدور الحكم، أعرب مثقفون عن دهشتهم من مبرراته وسط صمت لافت من اتحاد الكتّاب ووزارة الثقافة لولا مجهود خاص وضغط من الكاتب شعبان يوسف على لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة مع صدور الحكم الابتدائي قبل أشهر. أصدرت اللجنة تقريراً يبرّئ العمل من الاتهامات التي صدرت بحقه. ويشير كرم صابر الى أنه طرق كل الأبواب، ولم يستجب له أي مسؤول من الوزارة رغم أنّ المادة الدستورية رقم 67 تقضي بعدم حبس مبدع عن كتاب أو فكر أو رأي.
الناشط طه عبد المنعم محرر صفحة «البوابة الثقافية» على فايسبوك وجه رسالة ساخرة لرئيس اتحاد الكتّاب المصريين محمد سلماوي قال فيها: «وعدتنا سعادتك بنص في دستورنا المفدى. حسب نص المادة 67، لا يجوز حبس المبدعين عن كتاب أو فكر أو إبداع، وللعلم فقط، تم اليوم تأييد حكم بالحبس على الكاتب كرم صابر بخمس سنوات في أقصى عقوبة على كاتب. مع كامل احترامنا لنبوءتك (بأنّ الدستور الجديد سيحلّ هذه الأمور)، أرغب في أن أخبرك إن تلك النبوءة كذبت. وهذه أول مرة في التاريخ التي يتأمر فيها منجم على تكذيب نبوءته»، منتهياً إلى القول «محمد سلماوي. أنت أخطر من وزيرها صابر عرب على الثقافة المصرية». وكان الكاتب ابراهيم عبد المجيد وبعض المبدعين المصريين قد حذروا قبل إقرار دستور مصر الجديد منذ شهرين من وجود ثغرات في المادة 67 تتيح حبس الكتّاب استناداً إلى وقائع الحسبة التي تعيد إلى الأذهان مآسي حبس ومحاكمة الكتّاب التي كانت سمة من سمات الاستقطاب الثقافي الذي عرفته مصر في السنوات العشرين الأخيرة منذ قضية تفريق الراحل نصر أبو زيد عن زوجته عام 1994.
***
المادة 67
تنصّ المادة 67 الخاصة بحرية الإبداع على أنّ: «حرية الإبداع مكفولة (...) ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني...». إلا أنّ العديد من المبدعين من بينهم ابراهيم عبد المجيد أصدروا يومها بياناً جاء فيه أنّه «بعد قضية نصر حامد أبو زيد، اقتصرت الدعاوى على النيابة فقط، وإن ظل في إمكان أي شخص أن يذهب بدعواه إلى النيابة لتحريك الدعوى. وتحركت دعاوى كثيرة ضد مبدعين مثل حلمي سالم ويوسف شاهين وعادل إمام ووحيد حامد، ولم يوقف هذا التغيير أحداً عن التقدم بدعوى».
ادب وفنون
العدد ٢٢٤٥ الخميس ١٣ آذار ٢٠١٤
صدمة كبيرة سادت الأوساط الثقافية المصرية أول من أمس. أصدرت محكمة جنح ببا (محافظة بني سويف ـــ 200 كلم جنوب القاهرة) قراراً بتأييد حبس الكاتب والناشط الحقوقي كرم صابر إبراهيم (1964) لمدة خمس سنوات على خلفية مجموعته القصصية «أين الله». الحكم بتأييد الحبس تزامن مع طلب الأزهر بمنع عرض فيلم «نوح» للمخرج الأميركي دارن أرونوفسكي، ما زاد من المخاوف حول حرية الرأي والتعبير في مصر.
تعود وقائع القضية الى عام 2011. يومها، رفع المحامي محمد سيد طنطاوي وآخرون بلاغاً (رقم 660) ضد كرم صابر إلى المستشار حمدي فاروق (المحامي العام الأول لنيابات بني سويف السابق). وطالب هؤلاء بسرعة سحب المجموعة من الأسواق ومصادرتها. كما تم إخطار مشيخة الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء بسرعة مصادرة هذا العمل الذي «يتعدى على الذات الإلهية ويسبّها، ويتهكم على الشريعة الإسلامية وفرائضها» بحسب بلاغهم. كما اتّهم مقدمو البلاغ الكاتب بـ «السخرية من بعض أحكام الإسلام كالميراث والصلاة والدعاء والصراط، ووصف الخالق بالمقامر».
في هذه المجموعة التي تضمّ 11 قصة طبعت على نفقة صابر عام 2010 (مطبعة «نفرو»)، يستعرض الكاتب مشاعر بسطاء الريف وتساؤلاتهم حول فكرة الخلق، وهي أقرب بقصصها الى متوالية سردية تدور في العالم نفسه المسكون بهواجس العلاقة مع الخالق. تتعمّد المجموعة طرح هذه التساؤلات على ألسنة البشر والحيوانات، وتنتهي نهاية ذات منحى صوفي لافت، وإن كان هاجسها الرئيس فكرة العدالة الاجتماعية. وتبدو مادتها واقعية صرفة وتعاني من مشكلات فنية عدة.
في تصريحات صحافية، أبدى كرم صابر دهشته من تأييد الحكم، مؤكداً أنّه سيبدأ بإجراءات الاستئناف، معتمداً على أنّ مقرّ دار النشر التي أصدرت المجموعة القصصية هو القاهرة، وبالتالي يُفترض أن تقام القضية في العاصمة المصرية وليس في محكمة ببا الجزئية.
ورجح أن تكون للقضية صلة بعمله كمحام ومدافع عن حقوق الفلاحين ضد تعسف الشرطة وهيئة الأوقاف، لأنّ مقدم البلاغ يعمل في هيئة الأوقاف والشاهد هو مرشد للشرطة. وأشار الى أنّ هذه المحاكمات «انتقائية» لا علاقة لها بالأفكار أو الكتب التي تتم محاكمتها، و«المحاكمات هي قصاص من الكاتب نفسه بدليل أنّ القاضي أصدر حكماً بالحبس وليس بمصادرة الكتاب موضوع الاتهام، كأن العقوبة تهدف إلى الانتقام وليس الحفاظ على المجتمع من الأفكار التي ادّعوا أنّها تهدّد السلم الاجتماعي. كما أنّني لا أستطيع أن أعيب في الذات الإلهية مطلقاً، كل ما قلته أنني وصفت مصر بزهرة وفتاة جميلة يسعى إليها ربّ مقامر هو أميركا».
عقب صدور الحكم، أعرب مثقفون عن دهشتهم من مبرراته وسط صمت لافت من اتحاد الكتّاب ووزارة الثقافة لولا مجهود خاص وضغط من الكاتب شعبان يوسف على لجنة القصة في المجلس الأعلى للثقافة مع صدور الحكم الابتدائي قبل أشهر. أصدرت اللجنة تقريراً يبرّئ العمل من الاتهامات التي صدرت بحقه. ويشير كرم صابر الى أنه طرق كل الأبواب، ولم يستجب له أي مسؤول من الوزارة رغم أنّ المادة الدستورية رقم 67 تقضي بعدم حبس مبدع عن كتاب أو فكر أو رأي.
الناشط طه عبد المنعم محرر صفحة «البوابة الثقافية» على فايسبوك وجه رسالة ساخرة لرئيس اتحاد الكتّاب المصريين محمد سلماوي قال فيها: «وعدتنا سعادتك بنص في دستورنا المفدى. حسب نص المادة 67، لا يجوز حبس المبدعين عن كتاب أو فكر أو إبداع، وللعلم فقط، تم اليوم تأييد حكم بالحبس على الكاتب كرم صابر بخمس سنوات في أقصى عقوبة على كاتب. مع كامل احترامنا لنبوءتك (بأنّ الدستور الجديد سيحلّ هذه الأمور)، أرغب في أن أخبرك إن تلك النبوءة كذبت. وهذه أول مرة في التاريخ التي يتأمر فيها منجم على تكذيب نبوءته»، منتهياً إلى القول «محمد سلماوي. أنت أخطر من وزيرها صابر عرب على الثقافة المصرية». وكان الكاتب ابراهيم عبد المجيد وبعض المبدعين المصريين قد حذروا قبل إقرار دستور مصر الجديد منذ شهرين من وجود ثغرات في المادة 67 تتيح حبس الكتّاب استناداً إلى وقائع الحسبة التي تعيد إلى الأذهان مآسي حبس ومحاكمة الكتّاب التي كانت سمة من سمات الاستقطاب الثقافي الذي عرفته مصر في السنوات العشرين الأخيرة منذ قضية تفريق الراحل نصر أبو زيد عن زوجته عام 1994.
***
المادة 67
تنصّ المادة 67 الخاصة بحرية الإبداع على أنّ: «حرية الإبداع مكفولة (...) ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بسبب علانية المنتج الفني...». إلا أنّ العديد من المبدعين من بينهم ابراهيم عبد المجيد أصدروا يومها بياناً جاء فيه أنّه «بعد قضية نصر حامد أبو زيد، اقتصرت الدعاوى على النيابة فقط، وإن ظل في إمكان أي شخص أن يذهب بدعواه إلى النيابة لتحريك الدعوى. وتحركت دعاوى كثيرة ضد مبدعين مثل حلمي سالم ويوسف شاهين وعادل إمام ووحيد حامد، ولم يوقف هذا التغيير أحداً عن التقدم بدعوى».
ادب وفنون
العدد ٢٢٤٥ الخميس ١٣ آذار ٢٠١٤