لم يكن الحُكم الصادر بالحبس ثلاث سنوات، الذي صدر مؤخراً ضد الشاعرة فاطمة ناعوت، هو الأول أو الأخير، الذي سيلحقه العديد من أحكام أخرى مُشابهة، طالما هناك نصوص قانونية يتم تأويلها تبيح ذلك، إضافة إلى مناخ اجتماعي عام تحرص السلطة السياسية كل الحرص على تأصيله من جهة، وخلق حالة كهنوتية من رجال الدين ــ في تواطؤ دائم مع هذه السلطة ــ يفرضون سلطتهم ومقولاتهم على الجميع، محتكرين بذلك النص الديني، ويجتهدون في أن يتحكم في أدق تفاصيل الإنسان، بداية من ميلاده وحتى مفارقته الحياة.
الأمر لا يخرج عن نطاق الاستحواذ على السلطة والحفاظ عليها، تحت أي مُسمى، أو أي قوانين أو أحكام فقهية بالية عديمة المعنى كالحِسبة وازدراء الأديان. ورغم مظاهر التحديث التي طالت المجتمع المصري في النصف الأول من القرن الفائت، إلا أن مفهوم (الحرية) ظل في حالة من التخبّط والتربص، فكانت الملاحقة الدائمة لكل فكر مغاير أو مختلف عما هو سائد، والخوف بل والرعب من أن يبدأ العقل النقدي في التفاعل مع الناس، ليبدأ الوعي في اكتشاف الأسباب الأساسية لكل الموبقات التي تحيط بأغلبية المصريين. وبعيداً عن التباين في الإنتاج الفكري بين المغضوب عليهم من حيث القيمة أو المستوى العلمي والفني، إلا أن جميعهم طالته لعنات حُرّاس الجهل، ما بين قضاء سنوات من عمره داخل السجون، أو تقديم عُمره بالكامل على مذبح أهواء ومصالح هؤلاء. وهذه بعض من الحالات الشهيرة التي واجه فيها المفكرون والأدباء العديد من الأحكام، بداية من المصادرة ووصولاً إلى القتل.
وهم الخلافة
بدأ الأمر سياسياً، وعضده الأزهر وشيوخه، كان ذلك في عام 1925، عندما أصدر الشيخ علي عبد الرازق كتاب «الإسلام وأصول الحُكم»، وفيه نفى عبد الرازق مبدأ الخلافة الإسلامية، وأنها ليست نظاماً دينياً أقرّه النص الديني/القرآن ــ هذه الفكرة التي لم يزل يُصر عليها العديد من المُتأسلمين الآن ــ الفكرة نفسها التي راودت الملك فؤاد، الذي أراد أن يصبح خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، وكان عبد الرازق قد أطاح بمشروعه، الذي لم يتم بالفعل. هنا تمت مُصادرة الكتاب، وتم عزل الشيخ من وظيفته بالقضاء الشرعي.
في الشعر الجاهلي
تعد هذه القضية من أشهر قضايا الرأي، التي كان ضحيتها طه حسين، عميد الأدب العربي، التي بعدها تكونت لدى العامة عنه صورة ساعدت عليها الشائعات، وحتى وقتنا هذا. «في الشعر الجاهلي» كتاب نقد تاريخي في الأدب العربي، وبالتالي لا يمكن الحكم عليه بعيداً عما أراده له مؤلفه، فكانت التهمة بأنه طعن في كتاب المسلمين المقدس. وتناول هذه اللغة، التي أصبحت مقدسة بدورها، ونفى مقولة الشعر الجاهلي، لاختلاف لغته عن اللغة التي قيل إنها كُتبَت به، فقد تم انتحاله بعد فترة من ثبات لغة قريش. ورغم حفظ التحقيق لدى النيابة العامة، إلا أن هذا الشكل من الإرهاب الفكري عطّل مشروع الرجل، ووجد أن المناخ الذي حاول زحزحته كان أكثر صلابة وجموداً.
أولاد حارتنا
بدأت الضجة ومحاربة الرواية وصاحبها واتهامه بالكفر، بعد نشر عدة حلقات منها مُسلسلة في جريدة «الأهرام» عام 1959، وتوقف نشر الرواية بالفعل. وقد كتب وقتها الشيخ محمد الغزالي تقريراً عن الرواية وطالب بمنعها. ولم يسمح محفوظ أن تتم طباعتها في مصر إلا بعد موافقة الأزهر، إذ أن العديد من طبعاتها ــ خاصة طبعة دار الآداب البيروتية ــ لم تصدر بموافقته. كان ذلك في الستينيات، وكان المناخ الاجتماعي لم يزل يسمح ولو بظل من الاختلاف في الرؤية، ولكن بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 1988، أصبح العصر أكثر تأزماً فكرياً وروحياً، فكانت محاولة طعن نجيب محفوظ ومحاولة قتله، التي فشلت، وعانى الرجل من آثارها حتى وفاته. ذلك بعد فتاوى المتشددين بإهدار دمه. الشاب الذي أقدم على قتل محفوظ لم يقرأ من الرواية سطراً، فقط أراد أن ينفذ أوامر شيخه.
تحالف الأزهر والكنيسة
قضايا أخرى وقفت خلفها المؤسسة الدينية، المتمثلة في الأزهر والكنيسة. أشهرها قضية فرج فودة، وقد أهدرت دمه جبهة علماء الأزهر، حتى تم اغتياله عام 1992. وأيضاً لم يقرأ له القاتل حرفاً مما كَتب، لأنه في الحقيقة يجهل القراءة والكتابة، واعتمد على فتاوى شيوخه، خاصة عمر عبد الرحمن. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أن الشيخ محمد الغزالي قدّم شهادته طوعاً عند محاكمة القاتل، وأقرّ باتهام فرج فودة بأنه مُرتد، وأفتى بوجوب قتله، وعدم جواز قتل قاتله! وقضية أخرى حديثة كانت في عام 2014، حيث صدر حكم بسجن الكاتب كرم صابر خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان، بعدما أصدر مجموعة قصصية بعنوان «أين الله»، وقد استندت المحكمة إلى شهادة من الأزهر أدانت المؤلف، وبعد ذلك لاحقته الكنيسة، وكتبت تقريراً آخر أدان الرجل.
التطاول على الذات الإلهية
يعتبر هذا المُسمى هو الأمثل في العديد من الحالات التي سيق أصحابها إلى السجن. منهم الروائي علاء حامد، الذي تم سجنه ثماني سنوات، بعد إصداره روايته المعنونة «مسافة في عقل رجل.. محاكمة الإله»، وتم اتهامه بازدراء الأديان، وتم فصله من عمله، واعتبرت الرواية دعوة صريحة للإلحاد. كان ذلك في عام 1990، ليأتي بعدها بعشرة أعوام اتهام كاتب آخر بالتهمة نفسها، وتم الحكم عليه ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ. وقد تم القبض على الكاتب صلاح محسن بعدما نشر كتابه «ارتعاشات تنويرية». إلا أن الأمر الحقيقي يتمثل في إصداره كتاباً سابقاً بعنوان «لا أحب البيعة»، يعارض فيه تجديد البيعة للرئيس المخلوع، فكان سوء الحظ بالمرصاد للرجل، فمن الصعب محاكمته لهذا السبب، بل الإيقاع به عند تعرضه لعدة قضايا تراثية ودينية، وهو ما تحقق في ارتعاشات دينية، لتصويره إلى الرأي العام بسلسلة التهم المعهودة، الكفر ونشر الإلحاد، بل والترويج بتأسيسه جمعية للإلحاد. ويذكر أشرف العشماوي وكيل نيابة أمن الدولة التي قدمته للمحاكمة أنه «نموذج لمن مرضت قلوبهم، وفسدت عقيدتهم، فعميت بصائرهم، وضلت طريق الهدى أبصارهم، نموذج للعبث والضلال وللفجور والإلحاد». بينما يقول صلاح محسن: «أظهرني الإعلام مجرد شخص مزدر للأديان، وأصف القرآن بأنه كتاب الجهل المقدس، وأدعو لتأسيس جمعية للملحدين، ولا أكثر من ذلك، وكل كتاباتي الدينية كان الأمن على علم بها قبل أن أكتب مطالباً بالديمقراطية وإنهاء الحكم العسكري، هنا فقط أقاموا القيامة ضدي، بتهمة وحيدة .. ازدراء الأديان».
تهمة الرّدة
تعد قضية نصر أبو زيد من القضايا القليلة في تاريخ القضاء المصري التي تنتهي بالتفريق بين زوجين بسبب ردة الزوج. وقد أعد مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر ثلاثة تقارير مختلفة عن مؤلفات نصر أبو زيد، ووصفها بأنها أشد المؤلفات عداوة للإسلام، وأكثرها ضراوة على القرآن، وأوقحها تطاولا على شريعة الله.
واتهم مجمع البحوث المؤلف نصر أبو زيد بالكفر والردة عن الإسلام والزندقة، وأوصى بإبعاده عن التدريس لطلاب الجامعة والمعاهد العلمية، حفاظًاً على عقيدتهم ومنع تداول مؤلفاته بين الطلاب والقراء. واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر أبوزيد وزوجته على أساس «أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم». وفق مبدأ الحِسبة الذي أقره أبو حنيفة، وغادر الرجل وزوجته مصر في عام 1995، ليقيما في هولندا، حتى وفاته.
ليلى مراد وشرفتها
«شرفة ليلى مراد» قصيدة كتبها الشاعر الراحل حلمي سالم، وتم نشرها في مجلة «إبداع» القاهرية، فما كان من مجمع البحوث الإسلامية إلا كتابة تقرير يتهم الرجل بكتابة قصيدة تحمل إلحاداً وكُفراً، وأنها تسيء للذات الإلهية. فما كان من رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب وقتها، إلا إصدار قراره بسحب العدد من الأسواق، وتحت الادعاء نفسه.. «الإساءة للذات الإلهية»، حتى أن محكمة القضاء الإداري طالبت بعدها وزارة الثقافة بسحب جائزة التفوق التي تم منحها إلى حلمي سالم من قبل.
وتتوالى القضايا والمحاكمات وإصدار أحكام السجن، هناك العديد من الأسماء الأخرى، كنوال السعداوي على سبيل المثال، وموقفها من السُلطة الحاكمة، وقضايا الجهل الاجتماعي، وأخيراً وفي أحكام وعقوبات متلاحقة نجد سجن إسلام بحيري، أحمد ناجي، وآخرهم فاطمة ناعوت، ويبدو أن محمد حسان سيلحق بهم، المفارقة أن كلا من بحيري وحسان سيُعاقب من خلال التعرّض للسيرة والسنة المحمدية، فبينما ينفي بحيري بعض ما جاء في صحيح البخاري، يؤكد حسان على ما جاء به، ويستشهد بعدة مصادر مُعترف بها ــ مسألة زواج محمد من خديجة ــ والمصير واحد.. السجن.
لن تخرج مصر من عصورها الوسطى إلا بالتحرر السياسي، وإرساء مبادئ الديمقراطية، ومحاولة التفكير العلمي في أقسى القضايا والمشكلات التي تعطّل عملية التحديث الاجتماعي، ويبدو أن الأمر أصبح بعيداً في ظل النظام السياسي الحالي.
محمد عبد الرحيم
April 7, 2016
القدس العربي
الأمر لا يخرج عن نطاق الاستحواذ على السلطة والحفاظ عليها، تحت أي مُسمى، أو أي قوانين أو أحكام فقهية بالية عديمة المعنى كالحِسبة وازدراء الأديان. ورغم مظاهر التحديث التي طالت المجتمع المصري في النصف الأول من القرن الفائت، إلا أن مفهوم (الحرية) ظل في حالة من التخبّط والتربص، فكانت الملاحقة الدائمة لكل فكر مغاير أو مختلف عما هو سائد، والخوف بل والرعب من أن يبدأ العقل النقدي في التفاعل مع الناس، ليبدأ الوعي في اكتشاف الأسباب الأساسية لكل الموبقات التي تحيط بأغلبية المصريين. وبعيداً عن التباين في الإنتاج الفكري بين المغضوب عليهم من حيث القيمة أو المستوى العلمي والفني، إلا أن جميعهم طالته لعنات حُرّاس الجهل، ما بين قضاء سنوات من عمره داخل السجون، أو تقديم عُمره بالكامل على مذبح أهواء ومصالح هؤلاء. وهذه بعض من الحالات الشهيرة التي واجه فيها المفكرون والأدباء العديد من الأحكام، بداية من المصادرة ووصولاً إلى القتل.
وهم الخلافة
بدأ الأمر سياسياً، وعضده الأزهر وشيوخه، كان ذلك في عام 1925، عندما أصدر الشيخ علي عبد الرازق كتاب «الإسلام وأصول الحُكم»، وفيه نفى عبد الرازق مبدأ الخلافة الإسلامية، وأنها ليست نظاماً دينياً أقرّه النص الديني/القرآن ــ هذه الفكرة التي لم يزل يُصر عليها العديد من المُتأسلمين الآن ــ الفكرة نفسها التي راودت الملك فؤاد، الذي أراد أن يصبح خليفة للمسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية، وكان عبد الرازق قد أطاح بمشروعه، الذي لم يتم بالفعل. هنا تمت مُصادرة الكتاب، وتم عزل الشيخ من وظيفته بالقضاء الشرعي.
في الشعر الجاهلي
تعد هذه القضية من أشهر قضايا الرأي، التي كان ضحيتها طه حسين، عميد الأدب العربي، التي بعدها تكونت لدى العامة عنه صورة ساعدت عليها الشائعات، وحتى وقتنا هذا. «في الشعر الجاهلي» كتاب نقد تاريخي في الأدب العربي، وبالتالي لا يمكن الحكم عليه بعيداً عما أراده له مؤلفه، فكانت التهمة بأنه طعن في كتاب المسلمين المقدس. وتناول هذه اللغة، التي أصبحت مقدسة بدورها، ونفى مقولة الشعر الجاهلي، لاختلاف لغته عن اللغة التي قيل إنها كُتبَت به، فقد تم انتحاله بعد فترة من ثبات لغة قريش. ورغم حفظ التحقيق لدى النيابة العامة، إلا أن هذا الشكل من الإرهاب الفكري عطّل مشروع الرجل، ووجد أن المناخ الذي حاول زحزحته كان أكثر صلابة وجموداً.
أولاد حارتنا
بدأت الضجة ومحاربة الرواية وصاحبها واتهامه بالكفر، بعد نشر عدة حلقات منها مُسلسلة في جريدة «الأهرام» عام 1959، وتوقف نشر الرواية بالفعل. وقد كتب وقتها الشيخ محمد الغزالي تقريراً عن الرواية وطالب بمنعها. ولم يسمح محفوظ أن تتم طباعتها في مصر إلا بعد موافقة الأزهر، إذ أن العديد من طبعاتها ــ خاصة طبعة دار الآداب البيروتية ــ لم تصدر بموافقته. كان ذلك في الستينيات، وكان المناخ الاجتماعي لم يزل يسمح ولو بظل من الاختلاف في الرؤية، ولكن بعد حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام 1988، أصبح العصر أكثر تأزماً فكرياً وروحياً، فكانت محاولة طعن نجيب محفوظ ومحاولة قتله، التي فشلت، وعانى الرجل من آثارها حتى وفاته. ذلك بعد فتاوى المتشددين بإهدار دمه. الشاب الذي أقدم على قتل محفوظ لم يقرأ من الرواية سطراً، فقط أراد أن ينفذ أوامر شيخه.
تحالف الأزهر والكنيسة
قضايا أخرى وقفت خلفها المؤسسة الدينية، المتمثلة في الأزهر والكنيسة. أشهرها قضية فرج فودة، وقد أهدرت دمه جبهة علماء الأزهر، حتى تم اغتياله عام 1992. وأيضاً لم يقرأ له القاتل حرفاً مما كَتب، لأنه في الحقيقة يجهل القراءة والكتابة، واعتمد على فتاوى شيوخه، خاصة عمر عبد الرحمن. لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أن الشيخ محمد الغزالي قدّم شهادته طوعاً عند محاكمة القاتل، وأقرّ باتهام فرج فودة بأنه مُرتد، وأفتى بوجوب قتله، وعدم جواز قتل قاتله! وقضية أخرى حديثة كانت في عام 2014، حيث صدر حكم بسجن الكاتب كرم صابر خمس سنوات بتهمة ازدراء الأديان، بعدما أصدر مجموعة قصصية بعنوان «أين الله»، وقد استندت المحكمة إلى شهادة من الأزهر أدانت المؤلف، وبعد ذلك لاحقته الكنيسة، وكتبت تقريراً آخر أدان الرجل.
التطاول على الذات الإلهية
يعتبر هذا المُسمى هو الأمثل في العديد من الحالات التي سيق أصحابها إلى السجن. منهم الروائي علاء حامد، الذي تم سجنه ثماني سنوات، بعد إصداره روايته المعنونة «مسافة في عقل رجل.. محاكمة الإله»، وتم اتهامه بازدراء الأديان، وتم فصله من عمله، واعتبرت الرواية دعوة صريحة للإلحاد. كان ذلك في عام 1990، ليأتي بعدها بعشرة أعوام اتهام كاتب آخر بالتهمة نفسها، وتم الحكم عليه ستة أشهر مع إيقاف التنفيذ. وقد تم القبض على الكاتب صلاح محسن بعدما نشر كتابه «ارتعاشات تنويرية». إلا أن الأمر الحقيقي يتمثل في إصداره كتاباً سابقاً بعنوان «لا أحب البيعة»، يعارض فيه تجديد البيعة للرئيس المخلوع، فكان سوء الحظ بالمرصاد للرجل، فمن الصعب محاكمته لهذا السبب، بل الإيقاع به عند تعرضه لعدة قضايا تراثية ودينية، وهو ما تحقق في ارتعاشات دينية، لتصويره إلى الرأي العام بسلسلة التهم المعهودة، الكفر ونشر الإلحاد، بل والترويج بتأسيسه جمعية للإلحاد. ويذكر أشرف العشماوي وكيل نيابة أمن الدولة التي قدمته للمحاكمة أنه «نموذج لمن مرضت قلوبهم، وفسدت عقيدتهم، فعميت بصائرهم، وضلت طريق الهدى أبصارهم، نموذج للعبث والضلال وللفجور والإلحاد». بينما يقول صلاح محسن: «أظهرني الإعلام مجرد شخص مزدر للأديان، وأصف القرآن بأنه كتاب الجهل المقدس، وأدعو لتأسيس جمعية للملحدين، ولا أكثر من ذلك، وكل كتاباتي الدينية كان الأمن على علم بها قبل أن أكتب مطالباً بالديمقراطية وإنهاء الحكم العسكري، هنا فقط أقاموا القيامة ضدي، بتهمة وحيدة .. ازدراء الأديان».
تهمة الرّدة
تعد قضية نصر أبو زيد من القضايا القليلة في تاريخ القضاء المصري التي تنتهي بالتفريق بين زوجين بسبب ردة الزوج. وقد أعد مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر ثلاثة تقارير مختلفة عن مؤلفات نصر أبو زيد، ووصفها بأنها أشد المؤلفات عداوة للإسلام، وأكثرها ضراوة على القرآن، وأوقحها تطاولا على شريعة الله.
واتهم مجمع البحوث المؤلف نصر أبو زيد بالكفر والردة عن الإسلام والزندقة، وأوصى بإبعاده عن التدريس لطلاب الجامعة والمعاهد العلمية، حفاظًاً على عقيدتهم ومنع تداول مؤلفاته بين الطلاب والقراء. واستجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر أبوزيد وزوجته على أساس «أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم». وفق مبدأ الحِسبة الذي أقره أبو حنيفة، وغادر الرجل وزوجته مصر في عام 1995، ليقيما في هولندا، حتى وفاته.
ليلى مراد وشرفتها
«شرفة ليلى مراد» قصيدة كتبها الشاعر الراحل حلمي سالم، وتم نشرها في مجلة «إبداع» القاهرية، فما كان من مجمع البحوث الإسلامية إلا كتابة تقرير يتهم الرجل بكتابة قصيدة تحمل إلحاداً وكُفراً، وأنها تسيء للذات الإلهية. فما كان من رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب وقتها، إلا إصدار قراره بسحب العدد من الأسواق، وتحت الادعاء نفسه.. «الإساءة للذات الإلهية»، حتى أن محكمة القضاء الإداري طالبت بعدها وزارة الثقافة بسحب جائزة التفوق التي تم منحها إلى حلمي سالم من قبل.
وتتوالى القضايا والمحاكمات وإصدار أحكام السجن، هناك العديد من الأسماء الأخرى، كنوال السعداوي على سبيل المثال، وموقفها من السُلطة الحاكمة، وقضايا الجهل الاجتماعي، وأخيراً وفي أحكام وعقوبات متلاحقة نجد سجن إسلام بحيري، أحمد ناجي، وآخرهم فاطمة ناعوت، ويبدو أن محمد حسان سيلحق بهم، المفارقة أن كلا من بحيري وحسان سيُعاقب من خلال التعرّض للسيرة والسنة المحمدية، فبينما ينفي بحيري بعض ما جاء في صحيح البخاري، يؤكد حسان على ما جاء به، ويستشهد بعدة مصادر مُعترف بها ــ مسألة زواج محمد من خديجة ــ والمصير واحد.. السجن.
لن تخرج مصر من عصورها الوسطى إلا بالتحرر السياسي، وإرساء مبادئ الديمقراطية، ومحاولة التفكير العلمي في أقسى القضايا والمشكلات التي تعطّل عملية التحديث الاجتماعي، ويبدو أن الأمر أصبح بعيداً في ظل النظام السياسي الحالي.
محمد عبد الرحيم
April 7, 2016
القدس العربي