انتصرت الرأسمالية، وتفكك الإتحاد السوفيتي، وبدأ العالم يتغير أو يتم تغييره، وتغييره يتم بنقله من الثقل إلى الخفة (الهامشانية) أي المذهب الذي يمنح كل ما هو هامشي في هذا العالم، مرتبة الأصالة. ويبدأ ذلك بتهميش الإنسان كقوة حيوية، بنقل المركزية إلى التكنولوجيا، لتنتهي وظائف بشرية وتحل محلها وظائف رقمية: (الترجمة، الجراحة، البناء، القضاء، العزف، الرسم، النحت..الخ) والخطوات حثيثة نحو هذا الإتجاه الذي سيعتمد إعتماداً قوياً على الذكاء الإصطناعي. لقد تم تهميش العالم الواقعي مقابل العالم الإفتراضي. هذا الأخير أصبغت عليه الأصالة، في حين تمت إزاحة الأول عن مرتبته. وإذا كانت الحرب الباردة قد انتجت مفكرين وشعراء ومثقفين وسياسيين عظماء، فإن العالم الجديد ينتج ترامب، وترودو وأوباما وشخصيات أخرى باهتة المفاهيم تعتمد على التلميع الإعلامي وليس الثقل الفكري. عالم اليوم ينتج أشباه آيدولوجيات، وأشباه مطربين، وأشباه موسيقيين وأشباه سياسيين وأشباه رياضيين،...الخ، أي قناع باهت يخفي خلفه مومياء ميتة منذ آلاف السنين. ومن مطربين عظماء ك(مادي ووتر، وارمسترونج، واستيف ووندر، وفرق الأبا وبي جيز، ومايكل جاكسون)؛ وعسكريين كروميل وديجول وسياسيين ككسينجر، ورياضيين كبروس لي،..الخ، لمطربين وسياسيين يتم صناعتهم بدون محتوى حقيقي. وكما أنتج ما قبل التكنولوجيا نظريات كبرى (ماركسية، اناركية، ليبرالية) ومذاهب دينية إصلاحية، ينحدر المنحنى إلى أسفل، بعنف، وكأنما العالم قد استقر تماماً على مفهوم واحد. وهذا غير صحيح لكنه مفروض علينا فرضاً بسبب انتصار الرأسمالية.
الهامشانية الآن مذهب تعمل عليه القوى العظمى، تدعمه وترسخ له، وتحميه، لإلغاء ثقة الإنسان في نفسه، وقدراته، وجعله يعتمد على الآلة والتقنية، ويمتنع عن النقد وإعادة البناء وبالتالي يتحول الإنسان لمتلقي فقط. وهو بهذا يتحول إلى كائن إستهلاكي أو يصبح هو نفسه سلعة، ومن ثم استقطاب أي قدرات استثنائية لخدمة النظام العالمي الجديد، لتفقد القوة الإبداعية الإنسانية طوباويتها القديمة، وعند أقل اعتراض يتم تهميشها بدورها. إن الدول تفقد ثقلها الثقافي، كما حدث لليابان وكوريا الجنوبية، وكما يحدث الآن في بعض الدول العربية، التي تنزع المواطن من تاريخه وثقافته وتعوضه بالأضواء المبهرة، كما تفعل الإمارات، التي تدفع مليارات الدولارات من أجل نسخة مزيفة لمتحف اللوفر، ليس فيها رسمة واحدة لفنان إماراتي. أو تطلق مسباراً فضائياً وهي لا تستطيع صناعة هاتف جوال. وذات ما حدث يراد له أن يحدث في مصر والسودان وإثيوبيا،..الخ. أي منح المزيف قيمة الأصالة، وتهميش الأصيل. وما يحدث الآن في السودان هو ذات ما يحدث في العالم، حيث يتم زرع المزيف من أشخاص لا قدرات لهم، بل ولم يعرفهم أحد من قبل، فعلى المستوى الفني والأدبي، انحدرنا من كرومة وسرور والكابلي وعثمان حسين وابراهيم عوض وسيد خليفة، إلى ما نراه اليوم من مطربين مزيفين يفتقرون إلى الحد الأدنى من الثقافة، ومن إعلاميين كبار إلى إعلاميين مزيفين، ومن سياسيين من أولي الثقل إلى سياسيين مصنوعين صناعة في الخارج وتم نقلهم إلى الداخل لمواصلة تهميش الأصالة. وهكذا يتم الحط من الذوق العام من جهة، وتدمير العقل النقدي من جهة ثانية، ومن ثم يحدث الخضوع التام للمواطن لما تبثه الأجهزة الإعلامية من أكاذيب ومعلومات مغلوطة. وفي مصر من عبد الحليم حافظ وام كلثوم وعبد الوهاب إلى شاكوش ومحمد رمضان، والإنحطاط مستمر.
إن ما يحدث ليس تطوراً طبيعياً كما يعتقد البعض، بل هو تقهقر مصنوع. فحتى في حالات التطور التاريخي كان الجديد يملك عناصر إبداعية صلبة، وبالتالي كان تطوراً مهما تخفف من الإشتراطات التاريخية. أما اليوم فالهشاشة تضرب في أعماق كل ما هو جديد على نحو متعمد. وليس ذلك بتمرد عاطفي كما حدث من الدادية، وكما حدث من العبثية بعد الحرب العالمية الثانية، بل هو مذهب حقيقي، يعمد إلى تحويل كل القوة الإنسانية لخدمة قلة مسيطرة، بما يزيد من سيطرتها وتسلطها وبطشها.
الهامشانية الآن مذهب تعمل عليه القوى العظمى، تدعمه وترسخ له، وتحميه، لإلغاء ثقة الإنسان في نفسه، وقدراته، وجعله يعتمد على الآلة والتقنية، ويمتنع عن النقد وإعادة البناء وبالتالي يتحول الإنسان لمتلقي فقط. وهو بهذا يتحول إلى كائن إستهلاكي أو يصبح هو نفسه سلعة، ومن ثم استقطاب أي قدرات استثنائية لخدمة النظام العالمي الجديد، لتفقد القوة الإبداعية الإنسانية طوباويتها القديمة، وعند أقل اعتراض يتم تهميشها بدورها. إن الدول تفقد ثقلها الثقافي، كما حدث لليابان وكوريا الجنوبية، وكما يحدث الآن في بعض الدول العربية، التي تنزع المواطن من تاريخه وثقافته وتعوضه بالأضواء المبهرة، كما تفعل الإمارات، التي تدفع مليارات الدولارات من أجل نسخة مزيفة لمتحف اللوفر، ليس فيها رسمة واحدة لفنان إماراتي. أو تطلق مسباراً فضائياً وهي لا تستطيع صناعة هاتف جوال. وذات ما حدث يراد له أن يحدث في مصر والسودان وإثيوبيا،..الخ. أي منح المزيف قيمة الأصالة، وتهميش الأصيل. وما يحدث الآن في السودان هو ذات ما يحدث في العالم، حيث يتم زرع المزيف من أشخاص لا قدرات لهم، بل ولم يعرفهم أحد من قبل، فعلى المستوى الفني والأدبي، انحدرنا من كرومة وسرور والكابلي وعثمان حسين وابراهيم عوض وسيد خليفة، إلى ما نراه اليوم من مطربين مزيفين يفتقرون إلى الحد الأدنى من الثقافة، ومن إعلاميين كبار إلى إعلاميين مزيفين، ومن سياسيين من أولي الثقل إلى سياسيين مصنوعين صناعة في الخارج وتم نقلهم إلى الداخل لمواصلة تهميش الأصالة. وهكذا يتم الحط من الذوق العام من جهة، وتدمير العقل النقدي من جهة ثانية، ومن ثم يحدث الخضوع التام للمواطن لما تبثه الأجهزة الإعلامية من أكاذيب ومعلومات مغلوطة. وفي مصر من عبد الحليم حافظ وام كلثوم وعبد الوهاب إلى شاكوش ومحمد رمضان، والإنحطاط مستمر.
إن ما يحدث ليس تطوراً طبيعياً كما يعتقد البعض، بل هو تقهقر مصنوع. فحتى في حالات التطور التاريخي كان الجديد يملك عناصر إبداعية صلبة، وبالتالي كان تطوراً مهما تخفف من الإشتراطات التاريخية. أما اليوم فالهشاشة تضرب في أعماق كل ما هو جديد على نحو متعمد. وليس ذلك بتمرد عاطفي كما حدث من الدادية، وكما حدث من العبثية بعد الحرب العالمية الثانية، بل هو مذهب حقيقي، يعمد إلى تحويل كل القوة الإنسانية لخدمة قلة مسيطرة، بما يزيد من سيطرتها وتسلطها وبطشها.