إبراهيم محمود - النسخة المفقودة:أمل الكردفاني في حِمى النقد الأدبي "7"

سأحاول هنا أن أكتب نصي بناء على نص أمل الكردفاني الذي يمكنني غض النظر عن " تجاوزاته" اللافتة في محاولة توسيع حدود المعنى، ما لا يهمس به، حيث يبدو لي أن هناك من يبتسم، من يضحك، من يقهقه خلف ستارة متحركة، ناظراً إلي، مصغياً إلى صوتي الداخلي، مدققاً في كلماتي المسطورة، منتظراً ما يمكنني قوله عبر نصي، في نص أقرأه هنا، وما لا ليس " هنا" جهة الإحالات التي تنفَّسها النص المقروء، واستملاكات الآخرين فيه، وقد ذوّبت في محمية نصه الذي يحمل اسمه، أي التداخلات التي تعجز أي سلطة، مهما أوتيت قوة، عن الحيلولة دون انتشارها، والسياحة العميقة في " أراضي الغير" : أمم الكتاب وطلائعهم، بِدعهم، ترهاتهم، سجالاتهم، رياداتهم، فذلكاتهم، مغامراتهم السندبادية في سرديات رافضة انتسابها إلى أي أبوة محددة، ولعبة تجاذباتهم في القول المعلوم والصامت ...الخ.

وقولي هذا يتاخم حدود الإمتاع والمؤانسة، حيث تكون المتعة متكلّمةَ الفردية، ولكنها، لن تكون متعة إلا بحضور، بوجود شريك ما، في القرب أو البعد، بكفالة متخيل مجْد ٍ، فتكون عالية النبرة الحوارية، وهنا تكون المؤانسة شاهدة بيان فصيحة في الدلالة على المحقَّق في المتعة عينها، وهي في حراكها البيني، لأحسب نص الآخر واهب متعة، مفجّرها، أو مؤثّرها، وهو يرتد إلى الذات، حيث يُعترَف بأمره، إن أريد للتشارك في القراءة وفي النقد كذلك أن يؤكد وجاهته.

ولأمل، ومع أمل، وفي كتابة أمل، حيث يعيش " تجاوزاته"، وهو يستهدي بالتنوع برغبة لافتة، ما يشد على هذا الجانب في النقد الأدبي، ويلوّح به، تبعاً لإرادة المنشود لديه.

وحين أتكلم بهذه الطريقة، فإشعاراً مني طبعاً بحقيقة أدبية، قبل كل شيء، وهي أن المقروء بين دفتيُ نص هنا، هو الذي يبلغ سقْف نصاب المعنى المستجد، ويعزّز موقعه الأدبي، كون أمل الكاتب دائماً، وليس الآخر الذي لا علْم لي بواقعه الشخصي، وليس في وارد القول أي شيء يخرج عن جادة المكتوب، أو في سياق مقتضى المثار، هو من يشدّد على النظر في أكثر من اتجاه، حتى وإن بدا كاتب اتجاه أدبي، نقدي، فكري واحد، وثمة مسوّغات لهذا الإشعار المثبت أعلاه، وهي عائدة إلى لائحة كتاباته، فأن يكتب قصة مثلاً، أجد أنه من الصعوبة بمكان قراءتها بذاتها، وإن كان في ذلك ما يبرّر هذا، ولكن المحفّز على النشاط البحثي، يزداد اقتداراً، لحظة أخذ كتابات أخرى، بعين الاعتبار، وإن لم تُسمّ، أي كيفية مراعاة خاصية التقارب الإشاري، ما يعبُر إلى داخل قصته من إشارة معينة، ولو بتعبير مختلف، من مقال تاريخي، بحثي، أو فلسفي.

هذا ما يستوجبه حاضر اللغة النقدية في معلَم النقد الأدبي، رغم معدودية المنشور هنا" موقع الأنطولوجيا " سوى أن هذه المعدودية تعين قارئها أولاً على أخذ فكرة عن فكرة الكاتب عما يكتب، وعما يعتمده أسلوباً في الكتابة، وثانياً، وعلى مدى تركيزه على النقد كلغة متعدّية لما هو إبداعي بحت، بصدد السرد، وأنماطج الصور وغيرها، حيث الكتابة الطموح ترفض الثبات.


في حِمَى النقد الأدبي

لدى أمل لغة معرّفة بطابعها التحفظي أحياناً، والنقدي الصريح أحياناً أخرى، وطابع المباشرة أحياناً ثالثة، وما في ذلك من تأكيد ذات نقدية، أو ذات تريد نقداً باسمها حقاً مشروعاً لها.

يمكن معاينة ذلك في مقاله " النزعة الفلسفية للرواية -تعقيب صغير 8 نيسان 2018" إذ تكشف القراءة النصية عن هذا الرصيد القرائي لنصوص إبداعية، وما يوازيها من رصيد النقد، وما يعرّف بذائقته قراءة ونقداً كذلك. كما في توضيحه لهذه العلاقة القوية بين الحضور الفلسفي في الرواية، وما يجعل من الرواية نفسه مؤثّرة في مسيرة الفلسفة، على مستوى المعطيات الجمالية والتاريخية التي ترفد بها " جسد" الفلسفة تغذيةً وتروية ( يمكن لسؤال النزعة الفلسفية للرواية أن يوجه لكاتب مبتدئ ، لديه فتوة النرجسية الأولى والشعور العظيم بدوافعه الثورية لاقصاء الجيل الأقدم منه عبر ابداء اطروحات وفرضيات فلسفية مدهشة ، لكن لا يمكن طرح هذا السؤال لمحترفي الرواية. وهذا يقودنا الى عملية الحكم والتقييم للعمل الروائي -من حيث كونه بنية فلسفية- الى مدى قدرة الكاتب على القيام بما قام به كافكا (لاعتبار كافكا نموذجا مثاليا) من دمج عملية التفلسف داخل اقصوصة او حكاية.).

في الرواية الحديثة عموماً، والرواية المعاصرة بشكل خاص، كثيراً ما نقرأ نصاً متخماً بالتصورات الفلسفية، كما لو أن الفلسفة في بنيانها المعرفي العالي المستوى، تمثّل لحمة النص الروائي، وما أثيرَ حول هذه من المحسنات التعبيرية، والقوى المتنفذة في السرد الروائي هنا وهناك، اعترافٌ من الروائي نفسه، أن رفْد الرواية بما هو فلسفي، وبصيغ شتى، من الأدوار المتقدمة التي ينبغي على الروائي أن يتنبه إليها، ويتقن أداءها في محترفه الروائي المفتوح، وما يسهم في تعددية الكاتب نفسه، كما لو أنه كثير في واحد، وهو ما نتلمسه مثلاً، في قراءة باختين في أعمال دوستويفسكي، وفي الكتابات الجامعة بين الفلسفة والأدب الروائي للوجوديين، من سارتر إلى سيمون دي بوفوار، وتطعيم النص الروائي بالجنس، من منظور فلسفي، حال ميلان كونديرا، استجابة للثقافة المركَّبة لإنسان اليوم، أكثر من أي يوم مضى.

بذلك، يسعى أمل إلى صناعة سرده في الكتابة، إذا صح اقتباس جان بول سارتر، وقوله بأن الرجل صانع سرد. طبعاً والسرد نفسه شا راو ٍ لمدى إتقانه لهذه الصنعة، فكونه في تفعيله لهذا المفهوم، إنما يترجم رؤيته لما حوله، ومشروعيته في التمايز، طالما أن لديه المقدرة بذلك.

أعني بالسرد مجدداً، ما يراه، بالطريقة التي يريد، هو هذا المتهندس في مخيلته في معاينته لنصه المقروء، أو في مسعى كتابة نصه المطروح للقراء، وأي قارىء يكون ماثلاً أمام ناظريه، وما في ذلك من اعتبارات جمالية وفكرية وغيرها.

هذا المرئي نقدياً، مقابل الوجه المتبصر في النص المقروء، يتجسد في مثال حي، ربما يثير أكثر من تجاذب نقدي، وربما ما يعبُر حدود النقد، أو مسألة الذوق واحترامه كذلك، وذلك في وجهة نظره في مقال للكاتب البيروفي " المتنوبل ": يوسا، وهو صاحب كم وافر من الروايات المترجمة إلى العربية، إلى جانب كتابات نقدية، وترجمان خبرة أدبية وغيرها.

إنه مقال "تعليق على مقال يوسا: لماذا نقرأ الأدب،" وهو قصير " 11 نيسان 2018 " حيث البدء استثارة، إن جاز التوصيف، وأنا أورد فقرتين مما كتبه أمل ( لم يعجبني مقال ماريو فراغاس يوسا عن (لماذا نقرأ الأدب).. اجتهد لايجاد اجابة لكن اجابته كانت شديدة التقليدية ، لماذا نقرأ الأدب سؤال صعب جدا ، لدي صديق خريج كلية الفلسفة ، سأله شخص آخر لا يكاد يفك الخط: ماذا يشتغل الانسان الدارس للفلسفة؟

ما طرحه يوسا من إجابة كانت في الواقع اجابة لسؤال: لماذا نكتب وليس لماذا نقرأ ، اننا في الواقع لا نعرف لماذا نقرأ كإجابة يمكن تعميمها على الكافة ، كما أننا لا نستطيع ان نقول بنرجسية اننا بدون القراءة سنلقى حتفنا ونهلك أو أن الحياة ستتوقف..).

طبعاً، أشدد على أن اقتباساً لفقرة أو أكثر من النص الناقد، أو المقروء، ربما يغفل عن نقاط قد تضيء ساحة القول أكثر، ولهذا، تتيح قراءة النص كاملاً هنا قدرة استبصارية أكثر لخاصية النصين، أو النص المقروء وهو ناقد أساساً.

تحفُّظي المشدد عليه، ليس في أنه انتقد يوسا، أو خلافه، كما لو أنني أعتبر ذلك " تطاولاً " وهو ما نتلمسه أحياناً في بعض الكتابات التي ينبري " أصحابها في موقع المحاماة عن " كتّاب وكأنهم في محميّتهم، فيذودون عن حياضهم، وخاصة في منابر ثقافية عربية مختلفة، وفي حقول فكرية وأدبية وفنية شتى، كما عشتها عن قرب، بالعكس، أعتبر ما يُسمّى بـ" الكبير " في أي مجال من أولى أوليات النقد، لأكثر من حقيقة معرفية، ومنها: كيفية إضاءة أوهام السوق المتجذرة في ذهنية كتاب معينين، إلى جانب أوهام " العصبية " التي تنسّب كاتباً معيناً إلى طوطم مذهبي ما.

وبالتالي، فإن أمل، في معرض مقاله هذا، لم يقم إلا بالصواب، إنما التحفظ المذكور، هو في استخدام العبارة الأولى وما فيها من مزاجية لافتة، وليس رأياً نقدياً، لأن ما تلا العبارة تلك، كان تأكيداً لها، وتوضيحاً كذلك، وبذلك يقلل من فاعلية نقده، وإن كان التالي محل تقدير، حيث الاختلاف بين سؤال القراءة ومن ثم الكتابة، أي بوصف الكاتب انزاح عما كان يجب عليه النظر فيه: سؤال القراءة، لينحصر اهتمامه في سؤال الكتابة، وكاشف هذه المفارقة المتصورة.

في مقال يوسا الطويل نسبياً " قرأته في أكثر من موقع، ومن ذلك، موقع maktaba-amma.com " ثمة الكثير الذي يستوجب التأنّي في الإصغاء، وفي تحرّي مقول القول بالذات، حيث توجد نقاط عديدة بشأن الكتابة، والقراءة، وأهمية الأدب في زماننا، وما يمكن للأدب من أدوار مختلفة، كما لو أن هناك دوراً تنويرياً معمماً معطى له، حيث إن الرواية التي شكّلت ساحته الكبرى في منازلة المتغيرات والأخطار المهددة للإنسان، العصب المركزي للأدب راهناً، طالما أنها تستقبل كل المؤثرات الأدبية الأخرى، وحتى ما كان فكرياً وفنياً وماورائياً أيضاً:

نقرأ ( ": دائمًا ما يأتيني شخص حينما أكون في معرض كتاب أو مكتبة، ويسألني توقيعًا. إما لزوجته أو ابنته أو أمه أو غيرهم، ويتعذر بالقول بأنها ” قارئة رائعة ومحبة للأدب”. وعلى الفور أسأله: “وماذا عنك؟ ألا تحب القراءة؟”، وغالبًا ماتكون الإجابة: “بالطبع أحب القراءة، لكني شخص مشغول طوال الوقت.”.

يبدو بشكل واضح أن الأدب شيئًا فشيئًا يتحول إلى نشاط نسوي. في المكتبات، وفي المؤتمرات الخاصة بالكتّاب، وحتى في كليّات العلوم الإنسانية، نرى بوضوح أن النساء أكثر من الرجال.

لاشيء يحمي الإنسان من غباء الكبرياء والتعصب والفصل الديني والسياسي والقومي أفضل من تلك الحقيقة التي تظهر دائمًا في الأدب العظيم:

لايوجد من يعلمنا أفضل من الأدب أننا نرى برغم فروقنا العرقية والاجتماعية ثراء الجنس البشري، ولايوجد ماهو مثل الأدب لكي يجعلنا نكافئ ونمجد فروقنا بوصفها مظهرًا من مظاهر الإبداع الإنساني متعدد الأوجه.

أن نتحدث جيدًا، أن يكون تحت تصرفنا لغة ثرية ومنوعة، أن نجد التعبير الملائم لكل فكرة ولكل شعور نود أن نتواصل به، يعني بالضرورة أن تكون جاهزًا للتفكير، أن تُعلم، أن تتعلم، أن تناقش، وأيضًا لأن تتخيل وتحلم وتشعر. بطريقة خفية، تردد الكلمات صداها في جميع أفعالنا، حتى تلك الأفعال التي لايمكن أن نعبر عنها. وكلما تطورت اللغة، وذلك بفضل الأدب، ووصلت لمستويات عالية من الصقل والأخلاق، زادت من مقدرة الإنسان على عيش حياة أفضل.).

ليس من مهمتى أن أتساءل هنا عن كيفية قراءته لمقال يوسا، وما في التساؤل من اتهام ما" بعدم القراءة المطلوبة، أو بالقصور المعرفي كذلك "، ما يهمني هو أن أشير إلى وجود جماع مؤثرات مجتمعية، وثقافية في مقاله.

الحديث في مجمله عن ضرورة الكتابة ذات الصلة بشريان الحياة، لتنحسن قراءتها تالياً، حيث إن القراءة بدورها تصبح ترموميتراً لمدى أهمية الكتابة، وصورتها في مرآتها الضخمة.

هناك ما يسميه آلين تروفيه بـ" النقطة العمياء point aveugle" وهي التي يبحث فيها أو عنها الكاتب، سعياً إلى ما هو إبداعي. كما لو أن هذا السعي الانخراطي هو الضامن الأوحد لجعل النقطة " متبصرة"، وما أفصح عنه يوسا في حدود مقاله، هو ما انشغل به أدبياً " روائياً، أي بصدد " النقطة العمياء" وهي موجودة في كل نص، مهما كان جنسه، أو نوعه، وهي التي توطّد العلاقة به، ليس بوصف النص أخرق، إنما كون النص يخفي نقطة، أو نقاطاً كهذه، يضيئها قارئه أو ناقده، وعبر هذه النقطة/ النقاط، يجري لقاء الكاتب بالذات، وربما كان سؤال القراءة يشغل بال أمل أكثر، ليثير لديه حافزه، وهو محل اهتمامه، وليس سؤال الكتابة وهي توأمة القرأة، إن أردنا الدقة في التعبير عنهما معاً.

وما يقوله عن تميّز الأدب عن العلم، في مقاله " الأدب كفن واختلافه عن العلم" مقال صغير "، 12 نيسان 2018 " كما في قوله ( الأدب كنوع من الفن يعمل نفس ما يفعله العلم وهو اكتشاف الوجود ، غير انه وككل الفن ينقل لنا اكتشافاته عبر المجاز .)، ليس عليه من خلاف، حيث الأدب في عهدة المتخيل، والمتخيل هنا ذو حامل فني، هو الذي يشهد على مدى مقدرة الكاتب على تفهّمه العميق، من خلال مجازاته، وآلية تفعيل أثر الكلمات وترابطاتها في النص.

سوى أن الذي يتعرض له في مقاله " تأملات بسيطة في فن الرواية (التحقيب ، الناص ، سلطة الكتابة) مقال قصير، في 15 نيسان 2018 " فثمة مكاشفة أكثر حيوية، وتشهد بوجود أرضية معرفية تاريخية، وراء هذه العلاقات:

( هذه النزعة المنتقاة من مفاهيم علم الاجتماع نحو تحقيب الرواية ، اي وضعها داخل برادايمات زمانية ، فهناك رواية كلاسيكية وأخرى حديثة واخرى حداثية وثالثة ما بعد حداثية صارت موضة هذه الايام ..انا شخصيا لا اجد ذلك منطقيا ، لسببين ان الحقب نفسها كالحداثة او ما بعد الحداثة فيها الكثير من التصنع ، لأنها تفترض بنيانا جامدا للتطور الانساني وان هذا البنيان تحدث به انقطاعات مفاجئة.. انا لا اؤمن بمسألة الانقطاعات هذه ، او لا استطيع ان اتقبلها بسهولة حتى لو كانت صحيحة ، لأن ما اعرفه اننا نتاج تراكمي وليس فجائي...)

طبعاً يمكن النظر من هذا الزاوية ذاتها، على أن الجاري جهة الفصل بين تاريخ وآخر، هو إجراء حِرَفيّ، لأنه من المستحيل، مثلاً، الحسم في ذلك، فهناك ما يجري إبرازه، ويبقى هناك ما هو خفي، وهناك الظاهر بمأثرة سلطة أو قوة معينة، وتغييب مؤثّر آخر، قد يكون أشد فاعلية من الأول، وفي مجالات معرفية مختلفة، وبصدد الحداثة في الرواية، يبقى التنازع قائماً، إذ تتدخل عوامل لا تنزع عن نفسها مصالح جانبية، أو ميول جبهوية وغيرها، فالحداثة في لحظة مؤرَّخ لها ليس بالأمر " المنزَّل " وهذه الحداثة على الصعيد الجغرافية تختلف من جهة إلى أخرى، حتى في المنطقة الواحدة، في إيطاليا، مثلاً، أو ألمانيا، وكلها مسوغات لما شدّد عليه في المقال.

ولعل الذي توقف عنده أمل في مقاله " الرواية بين الحكمة والبلاغة والتأويل، 30 أيار 2018 " يمثّل مفرداً بصيغة الجمْع، بأكثر من معنى، خصوصاً وأن مفهوم الأدلجة الجهوية ومغذياتها حاضر بقوة هنا، خصوصاً في مجتمعاتنا طبعاً، وأن الحديث عن الجوائز يظهِر البنيان المجتمعي المتداعي كثيراً، وهو امتداد لهذا التداعي بصورة مأسوية.

ولهذا فإن التركيز على عدم تأطير الأدب والدور السلبي للجان التحكيم في المسابقات الأدبية، عبر نماذج مختلفة، كون

( الادب عموما هو تحرر ومحاولات دؤوبة نحو الانفلات من الاشتراطات الثقافية والبرادايمات المعاصرة..)، وقول أمل هذا يستشرف الجرح المجتمعي المنخور، وهيمنة القوى الكابحة لتلك التطلعات التي يسمّيها ثقافياً وبراديماتية ...الخ.

ولا أدري، جهة الاستغراب، ما طبيعة هذه الفلسفة التي يمثّلها " شايع الوقيان " واستخفافه بالرواية، حيث يخصّص أمل حوله مقاله " رأيي حول رأي أستاذ شايع الوقيان حول موت الرواية، 5 نيسان 2020 "وكارثية الاخلاقي فيه:

( أوردت صحيفة الرياض لقاء مع الفيلسوف العربي شايع الوقيان، والذي لخص رأيه حول الرواية بأنها ثرثرة في سبيلها إلى الموت.


واعتقد أن الأستاذ شايع قد وجه هجوماً كاسحاً.. قد يحدث هجوماً عكسياً ..لكن خفف منه تأكيده على أنها مجرد آراء وذائقة. ففي النهاية الأستاذ شايع قد أشار إلى أنه غير مهتم بالرواية.).

طبعاً، يمكن لنقد كهذا أن يعمَّم، بالمقابل، على الذين يستخفون بمأثرة الأدب، وإيقاظ " الأرواح الغافية المتبلدة " هنا وهناك.

ومن جهة أخرى، فإن تقويماً " فلسفياً " كهذا، كما يُزعَم، يمدُّنا بأكثر من شاهد اجتماعي، سياسي، نفسي، ديني، وتاريخي، عما يجري في بنية العلاقات المجتمعية، وأي فلسفة تجهيل قاعية هذه التي تعطي الصورة الأكثر سلبية عن الفلسفة عينها، وفي المنحى المرادف لما تقدم، يمكن التعويل على ما هو بارتي، في " نقد وحقيقة " وهو يشدد على وظيفة النقد بقوله ( يسعى النقد عمومًا إلى اكتشاف معنى العمل ، وهو معنى مخفي إلى حد ما ويتم تخصيصه لمستويات مختلفة ، اعتمادًا على النقاد ؛ يتحدى التحليل النصي فكرة المدلول النهائي: العمل لا يتوقف ، لا يغلق ؛ لذلك فهي ليست مسألة شرح [...] بل هي الدخول في لعبة الدوال).

جائزٌ ذلك، حين تكون الدوال في مقام عظام الجسد وقد كسيت لحماً وجلداً، ومنحت دماء حية، وترددات صوتية بالمقابل، أي ما يكون لأجله العمل، وما يكون العمل باسمه، وبه يتنور الإنسان، وتكون معايشة الحرية والتفاعل عبرها، لأن الحرية وفق هذا التصور، لا تعدو أن تكون الطريق المفتوح أمام الجميع لسلوكه، والسرعات هي المختلفة، ولست بشاكّ على أن أمل بعيد عن هذا التصور، أو بغائب عن سلوك هذا الطريق المضاء من جانبيه حياتياً .

ما يترتب على ما تقدم حتى الآن، هو أن أمل الكردفاني طموح إلى بناء حماه الأدبي " وإذا كان في هذا الحمى ما يتطلب النقد، متا يفتقر إلى الاسم الفعلي، فثمة ما يشد على أنه شاهد على أنه يشير إليه، من خلال حماسه المعرفي المركَّب، وفولكلورية كتاباته المضيئة المؤكدة لهذا الحمى الكتابي: بحثاً، وأدبَ إبداع!



لو أن أمل الكردفاني لم يكن شاعراً " 8 "

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...