غازي الصوراني - نشأة الحداثة وتطورها التاريخي

حديثي اليوم عن نشأة الحداثة وتطورها التاريخي يصادف مرور 67 عاماً على اصدار "الاعلان العالمي لحقوق الانسان"، في ظروفنا الفلسطينية والعربية الراهنة المحكومة عبر أنظمتها بكل أدوات ومفاهيم الاستبداد والقهر وقمع الرأي والرأي الآخر بما يتناقض مع كافة معاني ومضامين الاعلان العالمي لحقوق الانسان.
إذن حديثنا اليوم هو حديث عن النور والتنوير ضد الظلام والتخلف.. عن الحرية ضد كل مظاهر وأساليب الاستبداد والقمع.. حديث عن الديمقراطية والنهضة ضد التخلف والجمود، ومن أجل مواصلة النضال الديمقراطي لتحقيق وتطبيق مفاهيم الحداثة ومنطلقاتها العقلانية الديمقراطية ، الكفيلة وحدها بضمان حرية الانسان العربي كشرط رئيسي لنهوض مجتمعاتنا وتحررها وتطورها السياسي والمجتمعي.
كلمة حداثة لفظ أوربي المنشأ، ففي الإنجليزية لفظان: Modernism وmodernity ،والترجمة العربية لهذين المصطلحين تختلف من حداثة إلى عصرية إلى معاصرة.
وللمصطلح جذر عربي له دلالة من حيث مشتقاته فهو يعني: الجدة - الشباب - أول الأمر وبداءته – حدوث شيء لم يكن.
تعريف الحداثة:
يمكن القول ان الحداثة هي ذلك الانقلاب الفكري الذي حصل في الغرب، وفي الغرب وحده، على مدار القرون الأربعة المنصرمة. انها رؤية جديدة قامت على أنقاض الرؤية القديمة للعالم ومن خلال الصراع الجدلي الخلاق معها.
ويعرف الفيلسوف الألماني " كانط " الحداثة في سياق إجابته عن سؤال ما الأنوار فيقول: "الأنوار أن يخرج الإنسان من حالة الوصاية التي تتمثل في استخدام فكره دون توجيه من غيره".. بمعنى أن العقل يجب أن يتحرر من سلطة المقدس ورجال الكهنوت والكنيسة وأصنام العقل".
ففي ضوء الحداثة والتنوير دخلت أوروبا إلى عصر الليبرالية وحرية الرأي والمعتقد وحقوق الإنسان وعدم سجن الناس على آرائهم السياسية في إطار راسخ من الديمقراطية وتداول السلطة بحيث يعرف الرئيس المنتخب أنه سيعود مواطناً عادياً بعد انتهاء مدته.
إن الأساس الذي تقوم عليه فكرة الحداثة هو العقل والعقلانية ، فالعقل المتحرر من كل سلطان هو معيار أهل الحداثة بل هو السلطان الحاكم على الأشياء.
والحداثة بهذا المعنى إما ان تكون شاملة، كلية، واما لا تكون. فلا يمكن الفصل بين الحداثة الدينية، والحداثة العلمية، والحداثة الفلسفية، والحداثة الصناعية أو التكنولوجية، والحداثة السياسية، بل وحتى الحداثة الشعرية أو الأدبية والفنية.. انها كل ذلك دفعة واحدة على الرغم من اختلاف هذه المجالات أو تمايزها عن بعضها البعض الى حد ما.
ولكنها كلها ناتجة عن انطلاقة واحدة من اجل حرية الانسان وتحقيق ذاته الانسانية على هذه الأرض بعيداً عن كل أشكال الارهاب الفكري والأمني وعن كل أشكال الاستبداد والاستدعاءات والرقابة.
نشأة الحداثة :
نشأت الحداثة بعد أن تخلى الفكر الفلسفي عن الارث الاقطاعي وموروثاته وافكاره الغيبية الرجعية، من خلال ثلاث إشراقات رئيسية -كما يقول د. هاشم صالح- :
الاشراقة الأولى حصلت في القرن السادس عشر، أو ما يطلق عليه عصر النهضة والإصلاح الديني، عصر لوثر.
والثانية حصلت في القرن السابع عشر: وهو عصر الثورة العلمية الأولى، أي عصر غاليليو وديكارت وكيبلر وكذلك عصر سبينوزا ولايبنتز ، وكل أولئك الذين مهدوا الطريق للتنوير الكبير والثورة الفرنسية. باختصار إنها ثلاثة قرون حاسمة في تاريخ الغرب والعالم كله.
أما الاشراقة الثالثة ، فقد حصلت في القرن الثامن عشر، عصر التنوير.
ولهذا السبب أجمع المفكرون الأوروبيون على تقسيم تاريخهم إلى ثلاث حقبات رئيسية:
1- العصور اليونانية- الرومانية القديمة، امتدت من القرن الخامس قبل الميلاد إلى القرن الرابع أو الخامس بعده أي طيلة ألف سنة (المرحلة العبودية).
2- فالعصور الوسطى المسيحية، امتدت من القرن الخامس بعد الميلاد وحتى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر أي طيلة ألف سنة أيضا (قبل عصر النهضة كانت ثقافة العرب وتقنياتهم تتفوق على ثقافة الأوروبيين وتقنياتهم كما يقول المؤرخ الفرنسي جان دوليمو. ولكن بدءا من عام 1600 أصبح التفوق الأوروبي على العرب والصينيين وسواهم واضحا لا لبس فيه ولا غموض).
أشير هنا إلى أننا كعرب خسرنا المعركة منذ ان كانت حركة العلم والفلسفة قد توقفت عندنا ودخلنا في عصور الانحطاط الطويلة المتصلة حتى اللحظة.
أنواع الحداثة: أولاً: الحداثة المادية أو العلمية والتكنولوجية.. ثانياً: الحداثة الفلسفية.. ثالثاً: الحداثة الاقتصادية .. رابعاً: الحداثة السياسية المتمثلة بالثورات الثلاث: الإنجليزية (1680)، فالأميركية (1776)، فالفرنسية (1789). خامساً: الحداثة الدينية: مدشن حركة الإصلاح الديني في أوروبا، مارتن لوثر. ثم جاء التنوير بعده لكي يطرح القشور من الدين ولا يبقي إلا على الجوهر الروحي والأخلاقي فقط ولكي يقدم البديل المقنع عن التزمت الأصولي السائد والنزعات الطائفية البغيضة التي تفتك الآن بكل مجتمعات العرب والإسلام فتكا ذريعاً.
من الواضح أنه يوجد بين كل هذه الحداثات شيء مشترك: ولادة الذاتية والاستقلال المضطرد للفرد، وحرية التفكير، والقدرة على النقد والنقد الذاتي، والدفاع عن حقوق الإنسان، فالحداثة هي الرؤية الثقافية والفلسفية الجديدة للعالم، الحداثة آذنت بميلاد نظام معرفي ليبرالي جديد في أوربا الحديثة.
- إن انتقال مجتمع أوروبا الغربية من النمط الزراعي الإقطاعي البدائي محدود الأفق إلى المجتمع الصناعي الرأسمالي المتطور لانهائي الأفق.
لكن هذا الانتقال لم يكن عملية سهلة ولم يتم دفعة واحدة، وإنما احتاج إلى أربعة قرون على الأقل من المعاناة الممضة على جميع الصعد. وبالتحديد، فقد استلزم ثلاثة أنماط من الثورات الجذرية لكي يكتمل:
(1) الثورات الاقتصادية (الثورة التجارية وما صاحبها من توسع جغرافي، الثورة الزراعية التي بدأت في إنجلترا في منتصف القرن السابع عشر، الثورة الصناعية التي بدأت في إنجلترا في منتصف القرن الثامن عشر)؛
(2) الثورات السياسية البرجوازية التي حققت كثيراً من المهمات الديموقراطية لمجتمعات أوروبا الغربية (الثورة الهولندية في مطلع القرن السابع عشر، الثورة الإنجليزية منذ 1641-1688، الثورة الفرنسية الكبرى من 1789 – 1815، والثورة الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر)؛
(3) الثورات الثقافية الكبرى (النهضة الأوروبية والإصلاح الديني في القرن السادس عشر، الثورة العلمية الكبرى في القرن السابع عشر، والثورة الفلسفية التنويرية في القرنين السابع عشر والثامن عشر).
بهذه الثورات حققت أوروبا الغربية انتقالها التحديثي من مجتمع الطبيعة إلى المجتمع المدني. وبالطبع، فقد أدت هذه الثورات جميعاً دوراً في بناء فكر الحداثة، ومن ثم رفض قدسية الأفكار ووضعها جميعا ضمن دائرة الشك المنهجي والتحليل والاختبار.
إن أبرز سمات الحداثة أو هذه العقيدة الجديدة هي:
(1) المادية، أي اعتبار الطبيعة كيانا مادياً مستقلا وقائماً في ذاته، تحكمه مبادىء وقوانين ونظم قابلة لأن تعرف، واعتبار الإنسان جزءاً من الطبيعة ؛
(2) الروح النقدي المتواصل، أي رفض سلطة المألوف وسلطة السلف وسلطة الغيب، ونزع هالة القدسية عن الأشياء والعلاقات، والالتزام بالعقل العلمي سلطة رئيسية للأحكام.
(3) الثورية، أي إدراك تاريخية الطبيعة والمجتمع البشري، وإدراك الذات المدركة بصفتها قوة اجتماعية في مناخ من الحرية والديمقراطية.
(4) اللاغيبية التي تصل أوجها في العلمانية.
(5) اعتبار المعرفة العلمية قيمة قائمة في ذاتها ومطلقة الاستقلالية. فهي لا تقبل أي سلطة أو قيد يفرض عليها من خارجها.
(6) الإنسانوية، أي الإيمان بالإنسان وقدرته الخلاقة واستقلاليته وحريته الذاتية واعتباره مصدراً وأساساً لكل قيمة.
إذن الحداثة بالمعنى النبيل والقوي للكلمة هي وليدة هذه الحركة التحريرية الهائلة التي كشفت عن تاريخية كل ما كان يقدم نفسه وكأنه مقدس، معصوم، يقف فوق التاريخ. هنا يكمن جوهر الحداثة ولبها.. فلا حداثة بدون تعرية، بدون تفكيك لموروث الماضي.
عصر النهضة وتطور الفلسفة الأوروبية والتنوير :
كان نجاح الثورات السياسية البرجوازية في هولندا في مطلع القرن السابع عشر ، وفي بريطانيا من 1641 _1688 ، ثم الثورة الفرنسية الكبرى 1789 _ 1815 ، والثورة الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر، بمثابة الإعلان الحقيقي لميلاد عصر النهضة والتنوير أو عصر الحداثة، ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية الحق الإلهي إلى المجتمع المدني، مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية الكبرى التي أحدثت زلزالاً في الفكر الأوروبي الحديث كان من نتائجه الرئيسية " انتقال موضوع الفلسفة من العلاقة بين الله والعالم، إلى العلاقة بين الإنسان والعالم وبين العقل والمادة.
- والسؤال .. ما هي المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو ولادة عصر النهضة ؟
ان الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( الإقطاعية ) لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بما يدفع نحو الانتقال من حالة الجمود أو الثبات إلى حالة النهوض والحركة الصاعدة .
ذلك أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عن الحقيقة بل عن وسائل البرهان على صحة العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبلاء الإقطاعيين ورجال الدين . كان لابد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه الأسس أن تسير في درب الانحطاط.
مقدمات عصر النهضة : كان بداية ذلك التشكل عبر إطارين وهما : إطار التعاونيات، وإطار المانيفاكتوره التي كانت البدايات التمهيدية نحو ولادة المجتمع الرأسمالي .
ترافق كل ذلك مع تغيرات ثقافية وفكرية رحبة كسرت الجمود الفكري اللاهوتي السائد ، وأدت إلى " تهاوي استبداد الكنيسة في عقول الناس "، وظهور مجموعات من المثقفين البرجوازيين قطعوا كل صلة لهم بالكنيسة واللاهوت الديني المذهبي ، وارتبطوا مباشرة بالعلم والفن ، وقد سمي هؤلاء بأصحاب النزعة الإنسانية.
أهم مرتكزات ومنطلقات النزعة الإنسانية:
1- فردية الإنسان وتغليب وجهة النظر العلمية الموضوعية الدنيوية والنظر إلى العالم بالتركيز على أهمية الإنسان ومكانه فى الكون.
2- يجب على الإنسان أن يبحث دائماً على معنى وجوده وحياته.
3- الحياة فى حد ذاتها شئ رائع ويستحق أن يعيشها الإنسان مهما احتوت على صراعات وتناقضات.
4- على الإنسان أن يواجه الألم ويتسلح بالأمل فى نفس الوقت.
5- على الإنسان أن يهتم بالمادة قبل الروح لأنها الشئ الوحيد الذي يستطيع إدراكه والسيطرة عليه

ما هي المنطلقات الأولية أو العناصر الجوهرية التي دفعت نحو عصر النهضة ؟؟
أولاً : المرحلة التاريخية الأولى لعصر النهضة :
أعتقد أن كافة الدراسات التي تناولت المرحلة التاريخية الأولى من عصر النهضة تتفق على أن العنصر الرئيسي لهذا العصر بكل معطياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هو: "الفردية أو الإقرار باهتمامات الشخصية الإنسانية وحقوقها ومصالحها كموقف نقيض للكنيسة ، دون أن نغفل إطلاقا دور التجارة التي شكلت العماد الاقتصادي للطبقة البرجوازية"؛
أما أبرز المفكرين الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأولى لهذه المرحلة هم:-
نيقولا ميكافيللي ( 1469 م. _ 1527 م. ) من أوائل المنظرين السياسيين البرجوازيين ، إن السمة الفردية والمصلحة عنده هما أساس الطبيعة الإنسانية؛ ومن جانب آخر فقد رأى أن القوة هي أساس الحق في سياق حديثه عن ضرورة قيام الدولة الزمنية المضادة ( البديلة ) لدولة الكنيسة؛
نيقولا كوبرنيكس ( 1473 م. _ 1532 م. ) ساهم هذا المفكر في تحطيم الإيديولوجية اللاهوتية القائمة على القول بمركزية الأرض في الكون وذلك عبر اكتشافه لنظرية مركزية الشمس.
جوردانو برونو ( 1548 م. _ 1600 م. ) قام بتطوير وتصحيح نظرية كوبرنيكس، آمن بـ "لا نهائية" المكان أو لانهائية الطبيعة، ورفض مركزية الشمس في الكون مؤكداُ على أن لا وجود لهذا المركز إلا كمركز نسبي فقط "فشمسنا ليست النجم الوحيد الذي له أقمار تدور حوله" فالنجوم البعيدة هي شموس أيضاً لها توابعها.
العلماء الطبيعيون:-
1- ليوناردو دافنشي ( 1452 م. _ 1519 م.)كان فناناً وعالماً موسوعياً ومصمماً تكنيكياً قام بوضع عدد من التصاميم لبعض الأجهزة أو الأجسام الطائرة والمظلات، وهو من أوائل المفكرين الذي استخدموا المنهج التجريبي الرياضي في دراسة الطبيعة ، كان ليوناردودافنشي من أوائل المفكرين الذين قَدَّروا عالياً افكار ابن رشد.
2- جاليليو ( 1564 م. _ 1642 م. ) وهو من الرموز الخالدة في علوم الفلك .
ثانياً: المرحلة التاريخية الثانية أو تطور الفلسفة الأوروبية في عصر الثورات البرجوازية أواخر القرن السادس عشر ونهاية القرن الثامن عشر :-
رفع فلاسفة هذا العصر شعار "العلم" من أجل تدعيم سيطرة الإنسان على الطبيعة ورفض شعار العلم من أجل العلم.. لقد أصبحت التجربة هي الصيغة الأساسية للاختراعات والأبحاث العلمية التطبيقية في هذا العصر من أجل التغيير والتقدم التي عبر عنها فلاسفة عصر النهضة في أوروبا أمثال فرنسيس بيكون، ديكارت، هوبس، لايبنتز، سبينوزا.
_ فرنسيس بيكون ( 1561 م. _ 1626 م. ) فيلسوف انجليزي "أول من حاول إقامة منهج علمي جديد يرتكز إلى الفهم المادي للطبيعة وظواهرها".
لقد شك بيكون في كل ما كان يظن "أنه يقين حق" غير أن الشك عنده لم يكن هدفاً بذاته بل وسيلة لمعرفة الحقيقة؛ وأول خطوة على هذا الطريق تنظيف العقل من الأوهام.
لقد كان بيكون –كما يقول "ول ديورانت" "أعظم عقل في العصور الحديثة.. قام بقرع الجرس الذي جمع العقل والذكاء.. وأعلن أن أوروبا قد أقبلت على عصر جديــــد.!!
رينيه ديكارت ( 1596 م. _ 1650 م. ) كان ديكارت اول من أسس فكرة الحداثة الفلسفية بعد ان وضع مبدأ الذاتية (الكوجيتو): "أنا افكر اذن أنا موجود" كاساس للحقيقة وكقيمة مطلقة.
لقد بدأ "ديكارت" من "التشكيك بيقينية جميع المعارف التي كانت تعتبر حقيقة لا يرقى إليها الشك" .
إن المهمة الاساسية للمعرفة عند ديكارت ، هي ضمان رفاهية الانسان وسعادته عبر سيطرته على الطبيعة وتسخير قواها لصالحه.
توماس هوبز ( 1588 م. _ 1679 م. ) أحد فلاسفة القرن السابع عشر ، تأثرت فلسفته المادية بالثورة البرجوازية الإنجليزية ضد الأرستقراطية الإقطاعية في تلك المرحلة؛ رفض هوبز في مذهبه في القانون والدولة نظريات الأصل الإلهي للمجتمع ، وقدم أول محاولة في نظرية العقد الاجتماعي.
لايبنتز (1646م.- 1716م.) فهو أول من اسس الحداثة الفلسفية على مبدأ العقلانية، حيث قال "ان لكل شيء سبب معقول" وبهذه المقولة تفتحت ابواب العالم الحديث التي ساعدت الانسان على معرفة اسرار الكون.
باروخ سبينوزا (1632م. – 1677م. ) وهو يهودي هولندي.. أكد على أن الفلسفة يجب أن تعزز سيطرة الإنسان على الطبيعة.. دحض سبينوزا افتراءات رجال الدين اليهود عن "قدم التوراة" وأصلها الإلهي.. فهي ، أي "التوراة" كما يقول ليست وحياً إلهياً بل مجموعة من الكتب وضعها أناس مثلنا وهي تتلاءم مع المستوى الأخلاقي للعصر الذي وضعت فيه.. وأنها "سمة لكل الأديان" .
حول الحكم يعتبر "سبينوزا" أن الحكم الديمقراطي هو أرفع أشكال الحكم.
جون لــوك ( 1632م. – 1704م. ) من كبار فلاسفة المادية الإنجليزية، رفض وجود أية أفكار نظرية في الذهن.. فالتجربة بالنسبة له هي المصدر الوحيد لكافة الأفكار..!
ومن آرائه الاجتماعية والسياسية قوله: "بأن مهمة الدولة هي صيانة الحرية والملكية الفردية، وعلى الدولة أن تسن القوانين لحماية المواطن ومعاقبة الخارجين عن القانون".
التنويـــر الفرنسي والفلسفة الألمانية في القرن الثامن عشر:-
في آخر مقابلة له، يقول الفيلسوف بول ريكور (توفي في مايو 2005) بأنه تجول في شتى أنحاء العالم من الصين إلى اليابان إلى مناطق اخرى، ووجد ان الحضارة الأوروبية هي وحدها التي تسمح بحرية الفكر والنقد بالمعنى الواسع والجذري للكلمة.
شارل مونتسكيو ( 1689م. – 1755م. ) وهو من أوائل رجال التنوير الفرنسي.. وصاحب كتاب "روح القوانين" . وفي جميع أشكال الحكم يدرس مونتسكيو الشروط التي تكفل له تأدية المهمة المناطة به ، مهمة ضمان حرية الفرد. ومن أهم آرائه ، رأيه في الحكم المطلق الذي يعتبره شكلاً مناقضاً للطبيعة الإنسانية ومناقضاً للحقوق الشخصية وحصانتها وأمنها.
فرانسوا فولتير ( 1694م. – 1778م. ) لقد خلد تاريخ الثقافة اسم فولتير.. فهو الكاتب الكبير والعالم السيكولوجي وفيلسوف الحضارة والتاريخ؛ عاش كل حياته مناضلاً ضد الكنيسة والتعصب الديني وضد الأنظمة الملكية وطغيانها؛
جان جاك روسو ( 1712 – 1778 ) :-
إن أهميته ليست في أفكاره الفلسفية النظرية.. ، بل في تلك الأفكار الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والتربوية التي طرحها ، وكان أكثر وضوحاً من كل المنورين الفرنسيين في عهده.
وكان متقدماً في أفكاره ، فهو يرى أن أصل الشرور والتفاوت بين البشر يعود إلى الملكية الخاصة باعتبارها سبب العداء والأنانية بين البشر .
روسو قال لنا ما معناه: لا يهمني هل هذا الشخص من طائفتي أم لا؟ هل هو متدين أم لا؟ ما يهمني هو الشيء التالي: هل هو أخلاقي وعنده ضمير يحاسبه أم لا؟ هل هو حسن التعامل، مستقيم السلوك أم لا؟ هل يحب الخير للآخرين ويؤلمه جوع الجائعين وحاجة المحتاجين أم لا؟ إذ حتى لو كان متدينا ويصلي ألف ركعة في اليوم، ولكنه غشاش أو غدار فإن إيمانه أو تدينه لا يساوي قشرة بصلة.
ديني ديدرو ( 1713 - 1784 ):-
ينطلق في أفكاره من القول بأزلية الطبيعة وخلودها ؛ وقف ضد التفسير المثالي اللاهوتي للتاريخ الإنساني.
برز دوره الكبير لتحقيق هذا الهدف في مشروعه العظيم "الإنسكلوبيديا".
ثانياً : الفلسفة الألمانية :
عمانويل كانت ( 1724 - 1804 ):-
لم يكن فيلسوفاً فحسب.. بل كان عالماً طبيعياً كبيراً أيضاً في مجالات الأنثروبولوجيا ، والجغرافية الفيزيائية وعلم أصل الكون أو الكسموجونيا.
صاغ "كانت" فلسفته في مؤلفات عدة أبرزها: 1. نقد العقل المحض. 2. نقد العقل العملي.
يرى "كانت" أن التناقض بين الضرورة والحرية ليس تناقضاً حقيقياً، فالإنسان حر في بعض تصرفاته ومقيد في بعضها الأخر.
يعتبر "كانت" رائد الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ومن الأركان الأساسية لأفكاره أنه "اعتبر التاريخ تطوراً للحرية البشرية وبلوغاً لحالة قائمة على العقل.
كانط لم يكن يحلف إلا بشخصين: إسحاق نيوتن وجان جاك روسو، بل وكان يعتبر روسو "نيوتن العالم الأخلاقي". فكما أن نيوتن اكتشف القوانين الفيزيائية – الفلكية التي تمسك الكون، فإن روسو اكتشف القوانين الأخلاقية والضميرية التي لا معنى للوجود البشري من دونها.
جورج ويلهلم فريدريك هيجل (1770 - 1831 )
كان أول فيلسوف وضع مفهوما واضحا للحداثة واستخدمه في سياقات تاريخية للدلالة على حقبة زمنية معينة، حيث ذكر بان الحداثة بدأت مع عصر التنوير.
هو من أبرز ممثلي الفلسفة الكلاسيكية الألمانية.
"لقد بلغت الفلسفة الألمانية الجديدة ذروتها في مذهب "هيجل" والذي تكمن مأثرته التاريخية العظيمة في أنه كان أول من نظر إلى العالم الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية؛ أي في حركة دائمة وفي تغير وتطور..
لقد صاغت فلسفة "هيجل" بشكل منظم النظرة "الديالكيتكية" إلى العالم؛ وما يوافق ذلك من منهج ديالكتيكي في البحث.
وعملية التناقض هذه أو هذا النضال هو منبع كل نمو.. إنها عملية تغير لا نهائي؛ إن هذه العملية جوهر ديالكتيك هيجــل.
الواقع الاجتماعي للعقل يحتل مكانة بارزة أو مركزية في فلسفته ، فهو يقول وما أروعه في قوله : "كل ما ليس بعقلي يجب أن يصبح عقلياً.. فمتى نؤمن بالعقل؟؟ إن الواقع العربي يجب أن يتحول إلى واقع عقلاني.. ذلك هو المدخل الضروري نحو التغيير الديمقراطي المنشود .
لودفيج فيورباخ (1804 – 1872 ):- كان هدف فيورباخ تحرير الإنسان من الوعي الديني؛ وفي رأيه إذا كان الدين يعد الإنسان بالنجاة بعد الموت فإن الفلسفة مدعوه لتحقق على الأرض.
فالإنسان _الطبيعي_ السوي الذي يتكلم عنه فيورباخ ويرى أنه إنسان المستقبل المتحرر من كل ما يشوه فرديته..
كارل ماركس : ( 1818 – 1883 ) : مؤسس فلسفة المادية الجدلية والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي ، تأثر بأفكار هيجل وفيورباخ وآدم سميث .
رفض فهم الفلسفة على إنها علم مطلق ، غريب عن الحياة العملية والنضال ، مؤكداً إن مهمة الفلسفة والفكر الاجتماعي ليست بناء أو إنشاء المستقبل ، ولاوضع نظريات تصلح لجميع العصوروالدهور ، بل إن مهمتها " النقد الذي لايرحم لكل ماهو قائم ، نقد لايرحم بمعنيين ، لايهاب استنتاجاته الذاتية ، ولا يتراجع أمام الاصطدام بالسلطات القائمة، هكذا طرح ماركس مسألة نفي الفلسفة بمعناها القديم ، " حب الحكمة " أو " علم العلوم " ، إنه ضد عزل الفلسفة عن النشاط العملي.
أزمة الحداثة .. وظهور فلسفة ما بعد الحداثة :
تعبر كلمة ما بعد الحداثة عن مرحلة جديدة في تاريخ الحضارة الغربية تتميز بالشعور بالإحباط من الحداثة ومحاولة نقد هذه المرحلة والبحث عن خيارات جديدة.
يحاول المثقفون في اوروبا واميركا تشخيص أزمة الحداثة منذ عدة سنوات، وتختلف التشخيصات والطروحات من مفكر الى آخر، ولكن هناك اجماعا على ان الحضارة الغربية تعاني من أزمة معينة، او حتى من مرض عضال.
ويتجلى هذا المرض على هيئة انحرافات عديدة كالاغراق في الشرب وتعاطي المخدرات، او الانزلاق الى شتى انواع الشذوذ، او السقوط في احضان النزعة العدمية.
فلسفة ما بعد الحداثة لدى بعض المفكرين هي فلسفة شكّية وعدمية تجاه كثير من القيم والافتراضات الفلسفية المستمدة من الحداثة.
تاريخ مصطلح ما بعد الحداثة: انتشر استخدام هذا المصطلح في سبعينيات القرن التاسع عشر في مختلف المجالات، لكن المؤرخ البريطاني "ارنولدتوينبي" أول من استخدمه عام 1959 فجعله يدل على علاقات ثلاث ميزت الفكر والمجتمع الغربيين بعد منتصف هذا القرن وهي: اللاعقلانية والفوضوية والتشويش.
كما نجد ثلة من الفلاسفة أمثال: "ميشيل فوكو" و"جاك دريدا" و"جيل دولوز" تتلخص أطروحتهم في الرفض التام لشعار التنوير واعتباره مجرد وهم ليس إلا، حيث يدعو "فوكو" إلى تطوير أنماط جديدة من السلوك والتفكير والرغبة، أنماط تنبني على التعدد والتنوع، ويتجلى هذا التصور في تفكيك "فوكو" لميكانيزمات السلطة التي اعتبرها لا نهائية.
عصر ما بعد الحداثة لا يحفل بالنظريات أو الحكايات الكبرى، ويتحفظ من كلية وشمولية الخطاب الفلسفي، ويأبه بالتشظي واللاتحديد، وإلى المعرفة بذريعة أننا أصبحنا نرزح تحت وطأة عالم ضخم من التقنية والتكنولوجية، الشيء الذي أدى بالعديد من المفاهيم أن تتوارى وتتهاوى مثل اعتبار الطبيعة مجالا قاصرا، والجسد مرتبطا بالخطأ والخطيئة، ونفس القول يصدق على الخيال والرغبة والعواطف ما هي إلا أشياء مشوشة على العقل.
أما الفيلسوف الألماني الماركسي المعاصر "هابرماس"، فقد قام بنقد الافكار العبثية لدى فلاسفة ما بعد الحداثة، وأقدم في نفس الوقت على نقد الحداثة من منطلق فلسفي ماركسي منحاز لسيرورة الحداثة باعتبارها لم تستغل كل إمكانياتها استغلالا تاماً، حيث أعلن بوضوح بأن الحداثة "مشروع لم يكتمل بعد" وهو قابل للتجدد والتطوير والارتقاء المعرفي المتصل عبر استمرارية أو سيرورة لا متناهية.
أما جان فرانسوا ليوتار (1924 إلى 1998 ) الفيلسوف وعالم الإجتماع و المنظر الأدبي الفرنسي، الذي اشتهر بأنه أول من أدخل مصطلح ما بعد الحداثة إلى الفلسفة و العلوم الإجتماعية و عبر عنها في أواخر سبعينيات القرن العشرين.
فقد ارتكز إسهامه الرئيسي في الفلسفة على نقده للحداثة، وكتب عن سقوط الآيدولوجيات الكبرى التي يسميها السرديات الكبرى لأن كل هذه الآيديولوجيات من نتاج التنوير و كلها كان لها هدف واحد هو التحرر و تحقيق سعادة الإنسان ولكنه رأى أن هذه الأيديولوجيات لم تعد ملتزمة –عبر الممارسة- على تطبيق أهدافها التحررية والديمقراطية على طريق سعادة الانسان، والتي اعتبر ليوتار أن هذه الايديولوجيات قد سقطت و فشلت فشلاً ذريعاً، وبالتالي دعا إلى الخروج من هذه الحداثة أو بالأحرى من سلبيات الحداثة التي أدت للهولوكوست ، وهيروشيما و ناجازاكي .

أخيراً، أعتقد أن الحداثة الغربية مزدوجة الوجه، فهي أولاً ذات وجه تحريري، انساني، عقلاني. ولكنها في ذات الوقت حملت في طياتها فلسفات يمينية أو محافظة عززت من الميل الامبريالي للتوسع والهيمنة واستغلال ثروات الشعوب المتخلفة والتابعة (خاصة في ظروف العولمة المتوحشة الراهنة).
وقد تجلى هذان الوجهان المتناقضان للحداثة على مدار التاريخ طيلة المائتي سنة الماضية، حيث نلاحظ العديد من الرؤى والمواقف الفلسفية التي حملت باصرار الوجه التحرري الديمقراطي العقلاني والثوري ضد الممارسات الاستعمارية والامبريالية البشعة للنظام الرأسمالي، فعندما كانت الطائرات الاميركية تقصف فيتنام كان المثقفون في أوروبا وأمريكا يتظاهرون ضد هذه «الحرب القذرة» وينددون بالامبريالية الاميركية، وكذلك الأمر هناك العديد من المواقف التضامنية من الفلاسفة والمثقفين الحداثيين التقدميين في أوروبا والولايات المتحدة واليابان ، اللذين اعلنوا مواقفهم الصريحة ضد ممارسات الامبريالية الامريكية في بلادنا من ناحية وضد ممارسات دولة العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني من ناحية ثانية.
على أي حال، كان من الطبيعي ظهور فلسفة ما بعد الحداثة منذ ثمانينات القرن العشرين بوجهيها، سواء الملتزم بسيرورة التقدم والديمقراطية والتضامن مع الشعوب المضطهده، أو النقيض العبثي/العدمي لأفكار الحداثة والتنوير والعدالة الاجتماعية، وبالتالي ظهور مجموعات متنوعة من الفلسفات الممتدة منذ القرن العشرين حتى اللحظة الراهنة من القرن الحادي والعشرين بلباس "جديد" أو أفكار ورؤى جديدة عبر الفلسفة التفكيكية ، البنيوية إلى جانب الفلسفة الليبرالية والوجودية والوضعية بكل مدارسها، علاوة على الفلسفة البرجماتية الجديدة التي يمثلها اليوم "ريتشارد رورتي" في امريكا، ولكن تظل الفلسفة الماركسية المادية الجدلية هي الفلسفة القادرة على تقديم الاجابات الصحيحة لمجابهة كل أشكال ومظاهر الاستغلال الطبقي، وكافة أشكال العدوان الصهيوني الامبريالي على شعوبنا، وبالتالي فإن الماركسية هي فلسفة الحداثة الدائمة التفتح والإشراق والتجدد، ليس على طريق التنوير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية فحسب، بل أيضاً على طريق الثورات الوطنية/القومية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية في بلادنا العربية وكافة بلدان العالم الثالث.


* (ورقة مقدمة إلى الندوة الفكرية التي أقامها مركز حيدر عبد الشافي للثقافة والتنمية - يوم الأربعاء 9/12/2015)



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...