المنتقم، الجبار.. إن الله منتقم، وإذا كان الله منتقماً، فلا عيب أن يقتدي الإنسان بعمل الله في حدود الإستطاعة.
(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وهنا ليس الحديث عن الدفاع عن النفس، بل عن الإنتقام بالمثل. فليست أغراض العقوبة مرتبطة فقط بالردع الخاص (أي منع المجرم من العودة للجريمة) ولا الردع العام (أي تخويف الآخرين من تتبع خطى الجاني)، وليست أغراض العقوبة، تلك الرؤية المثالية التي دعا لها جراماتيكا و مدرسة الدفاع الإجتماعي، بالنظر للمجرم كضحية للمجتمع، ومحاولة إعادة تأهيله ليعود ويندمج في مجتمعه كفرد صالح. لا ليس ذلك ما سبق فقط، بل للعقوبة أغراض أخرى، أقل مثالية، وأكثر تغلغلاً في روح الإنسان. فالعقوبة إيلام للجاني يجب أن يساوي اللذة التي تحققت له بإقترافه للجريمة. والعقوبة يجب أن تحقق إشباع الشعور العام بالعدالة. وأضيف؛ إن العقوبة يجب أن تحقق الراحة التي تبلغها نفس المجني عليه برد الصاع صاعين على من هدد سلامه النفسي، وأعني بذلك (الإنتقام).
الأخلاقيون، دائما ما ينظرون للمتهم نظرة المجني عليه، ولا يكترثون بآلام المجني عليه الحقيقي..هذه النظرة المثالية هددت الأفراد المسالمين، الذين يلتزمون بحدود القانون، وهددت سلام المجتمعات الحرة، وأصبح الأخلاقيون المثاليون ينادون بتخفيف ألم العقاب، وهم يدللون المجرمين. ضاربين بالسلام البشري والحريات الإنسانية عرض الحائط. بتنا نسمع عن عقوبات وحشية، وتمتهن الكرامة. وكأنما من يغتصب طفلاً لا يمتهن كرامة ذلك الطفل بل ويدمره نفسياً مدى حياته، وعن عقوبات لا إنسانية كالإعدام، وكأنما من يذبح إنساناً آخر قد قام بفعل إنساني. وضج هؤلاء المثاليون وهم يختلقون أسباباً أقل مثالية لدعم موقفهم المتهافت ضد الحرية الإنسانية، حتى ارتفعت معدلات الجريمة بسبب التهاون مع المجرمين. والمجرمون، لا يملكون وازعاً أخلاقياً ولا إنسانياً، بل يرون في ذلك التهاون فرصة للعودة للإنقضاض على المسالمين من الناس، فيهددون الأرواح والأعراض والممتلكات، ويقلقون السلام المجتمعي، ويجعلون الأحرار يسيرون في الطرقات وهم خائفون من العدوان عليهم. تخاف النسوة من الخروج ليلاً، ويخاف الآباء من خروج أطفالهم إلى الشارع وحدهم، ويخاف الرجل على ما يحمله من مال في جيبه أو هاتفه، إذا سار ليلاً. ولا زال أولئك المثاليون يتحدثون عن كرامة المجرم والشفقة عليه..
لقد أجازت التوراة لصاحب المنزل قتل من يحاول سرقته، وذهب العرف الأمريكي القديم إلى أن من يحاول سرقة بقرتك فاقتله فوراً.
Kill those who try to steal your cow.
وبالفعل كان نهب الأبقار أحد أسباب نشوب الحرب بين الولايات المتحدة والمكسيك.
فالجريمة التي تبدو صغيرة، يمكنها أن توقع ملايين القتلى كما حدث إبان اغتيال الأرشيدوق فرانز فيرديناند على يد الغافريلو برينسيب.
أطلق برينسيب رصاصتين اصابت الأولى المغدور، وأصابت الثانية زوجته.
ثم أصابت الملايين بعد ذلك.
ومع ذلك فاصحاب القلوب الرحيمة الشفوقة، يحمون برنسيب، بل يمنحونه فرصة النجاة مرة تلو الأخرى.
إذا كان المجرم لا يملك وازعاً، فلماذا يملك ضحاياه ومشروع الضحايا المستقبليين ذلك الوازع. إن القانون يجب أن يتيح للمجني عليه أن ينتقم من المجني إنتقاماً يريح نفسه التي أُنتزعت من هدأتها وسلامها، بلا ذنب جناه. (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).
يذهب القانون الجنائي لسنة ١٩٩١ ومعه باقي قوانين الدول الأخرى إلى اشتراط (أن يدفع _المجني عليه-الخطر بقدر ما يلزم لرده وبالوسيلة المناسبة) وبالتالي لو اعتدى عليك شخص بالضرب بالعصا ليسرق مالك أو جوالك فأطلقت عليه الرصاص أعتبر تصرفك هذا متجاوزاً لحق الدفاع الشرعي وتعاقب عليه مع تخفيف للعقوبة. في إحدى القضايا، تسور مجرم مسلح منزل أحدهم، وعندما لاحقه صاحب المنزل، وخرج المجرم، سقط مجندلاً إذ جندله صاحب المنزل برصاصات قاتلة. وتم إعدام صاحب المنزل لانتفاء حق الدفاع الشرعي، إذ أن المجرم فر دون أن يتمكن من السرقة. ولم يراعِ القانون تلك الصدمة التي واجهها صاحب المنزل وزوجته وأطفاله، من مجرم مسلح يقفز عليهم من فوق السور. لا يراعي القانون، أن الجريمة ليست هي التي تكتمل فقط بل، الجريمة هي ذلك التهديد العنيف الذي يطال الأسر وهي داخل منازلها التي كانوا يعتقدون أنها آمنة تحصنهم وتحميهم. ويتجاهل الخطورة الإجرامية، ويتجاهل أن اللص لو تمكن من الفرار فسيرتكب جريمة ثانية في مكان آخر. إن حجج المثاليين ضعيفة جداً، أمام حقيقة واضحة كالشمس، وهي أن المجرم هو الذي يبدد سكنة الهواء، ويعكر صفو السماء، فإن أكمل مشروعه، عانى ضحاياه، وإن أفلت أضحى هناك آلاف آخرون مهددون بأن يكونوا ضحايا مستقبليين.
ما هو الإنتقام؟ إنه رد فعل عنيف، هكذا يعرفه المثاليون، عاكسين التعريف الحقيقي، وهو أن الإنتقام، محاولة لإزالة ألم جريمة سابقة. ألم نفسي. أكثر خطورة من الألم الجسدي. ويتجاهلون أن المجني عليه لم يبادر بالعدوان، بل وقع عليه عدوان في ساعة نحس، لم يكن يتوقعها. ساعة قوضت صفاءه الروحي، وانتزعته من سكينته، وألقت به في الفزع..بلا أي مبرر سوى روح المجرم المظلمة الحقود، تلك الروح التي لا تكترث لآلام الآخرين.
في إحدى القضايا، كان المجرم قد اغتصب طفلاً، بعدها فر الطفل بعائلته خوفاً من العار إلى منطقة أخرى، ومضت السنوات وكبر الطفل ليضحى شاباً. عاد الشاب لقريته القديمة، وهناك رآه المجرم، وبدأ في ملاحقة الشاب مذكراً إياه بما فعله به أيام طفولته، طالباً من الشاب أن يسلمه جسده ليفعل به ما فعله به سابقاً مرة أخرى، تجاهله الشاب (لكن روح المجرمين المظلمة لا تستنير) فقد لاحق الشاب، وألح في استفزازه، فما كان من الشاب إلا أن أخرج سكينه من عضده، وسدد طعنات قاتلة للمجرم.
لقد برأت المحكمة الشاب، لكن الحال ما كان ليكون كذلك، لو عاد الشاب خصيصاً لينتقم من المجرم. فالقانون لا يعترف بالإنتقام. حتى لو كانت جريمة المعتدي ثابتة أمام سلطات الدولة. دعونا نسأل: كم طفلاً اعتدى عليهم ذلك المجرم قبل وبعد اعتدائه على الطفل الشاب؟ ورغم كل ذلك، يرفض علماء الإجرام والعقاب إعتبار الإنتقام غرضا للعقوبة، بل وينضم إليهم علماء السياسة الجنائية الذين يرفضون الإعتراف بالإنتقام كسبب للإباحة أو حتى مجرد عذر مخفف للعقاب بل الآن نجد أصحاب منظمات حقوق الإنسان يرفعون أصواتهم رافضين عقوبة الخصي الكيميائي للمغتصب لأنها (بشعة). ويستمرون في الدفاع عن المجرمين؛ فليتخيل أي منكم، أنه جالس في منزله وسط أبنائه بكل سلام وسعادة ودخل مجرم وقتل أحد أبنائه أو اغتصب زوجته وسرق ماله تحت التهديد، وتخيل معي أنه على الرغم من ذلك سنجد دعاة حقوق المجرمين، يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام. لماذا؟ لأنها لا إنسانية.
يا سلام..
ثم يدعمون مزاعمهم بأن عقوبة الإعدام لا يمكن الرجوع عنها بعد تنفيذها، وقد يخطئ القاضي.
وهذه مزاعم بالغة التلفيق...فلا توجد أي عقوبة قابلة للرجوع عنها بعد تنفيذها لو ثبت خطأ الحكم. فمن يسجن لعشرة أعوام، هل يمكن إعادة الأعوام العشرة إليه مرة أخرى. وأما حجتهم أن الحكم قد يكون خاطئ فحجة تجعل الإستثناء أصلاً والأصل استثناءً، فالغالب أن الأحكام لا تكون خاطئة إذا مرت بضوابطها القانونية، من حكم موضوع واستئناف ونقض. ووفقا، للضوابط الإجرائية التي تضمن عدالة المحاكمة. فالغالب أن الأحكام تكون صحيحة، أما الخاطئ منها فاستثناء، وهم يريدون الإستناد إلى حالات قليلة وقد تكون نادرة، كحجة لمنع عقوبة الإعدام. والمشكلة في حجتهم هذه هي أنها تشكك في الأحكام القضائية. فإذا كنا نشك في صحة الأحكام القضائية لهذه الدرجة، فلماذا تُبقي الدولة على المحاكم ولا تلغيها؟
ويحتجون بحجج أخرى شبيهة الوهن بما ذكرناه.
ويستمر هؤلاء المثاليون في حماية المجرمين، ولكن هناك لحظة سيقعوا فيها في الحرج، ولنأخذ على ذلك مثالاً، ففي إحدى القضايا - في الولايات المتحدة الأمريكية- قام الجاني وهو شاب، باغتصاب امرأة تبلغ من العمر تسعين عاماً من قبلها ودبرها، ثم ضربها وحطم أضلاعها، بعد ذلك حطم جمجمتها بحجر ضخم.
اقترفت الشرطة أخطاء إجرائية عديدة، من ضمنها أخذ عينات من الحمض النووي للجاني دون إذنه، وقد تطابقت العينات مع العينات التي وجدت على جثة المجني عليها. وهكذا كان على القضاء أن يقضي ببراءته، لأن بينة الحمض النووي، تم التحصل عليها بإجراء غير مشروع (بدون إذن المجرم) وحين بلغت القضية المحكمة الفدرالية العليا، رفضت هذه الأخيرة الأخذ بقاعدة بطلان الدليل المستمد من إجراء باطل وأدانت المجرم وعاقبته. بعدها عادت المحكمة نفسها وأخذت بمبدأ بطلان الإستناد إلى دليل مستمد من إجراء باطل في القضايا الأخرى. فلماذا إذاً ألغت المحكمة في قضية الشاب والقتيلة العجوز مبدأ البطلان؟ إن المحكمة لا تستطيع أن تقول كل شيء، ولكن القاضي إنسان، يقيم الواقع ويأخذ بروح القانون لا بشكلانيته، عندما يكون الإنتهاك بشعاً. ما كان أمام المحكمة إلا أن تحكم بإدانة المجرم، وهي ترى بأم عينيها أن الحمض النووي قد أثبت أنه الفاعل الحقيقي، وأنه بالفعل من اغتصب وضرب وقتل عجوزاً في التسعين من عمرها بلا رأفة ولا رحمة.
فليس المنطقي إذاً أن يتم رفض الإنتقام كعلاج لآلام الجريمة التي وقعت على الشخص. ولكن من يقنع المثاليين.
فلنتخيل أن شخصاً حصل على معاشه بعد عمل دام لأكثر من أربعين عاماً، وهو أثناء عودته لمنزله هجم عليه مسلحان وسرقا شقاء عمره وفرا. أو فلنتخيل شخصاً إستدان مالاً لعلاج طفله المريض فسرقه مجرم. ومات الطفل. وبعد سنوات وجد الأب المكلوم نفسه وجهاً لوجه أمام اللص، فقتله. لا يعتد القانون بكل ذلك البلاء الذي أوقعه ذلك اللص بذلك الأب، وسيحكم على الأب بالإعدام شنقاً حتى الموت. لأن القانون لا يعترف بالحق في الإنتقام.
تخيل أن من تعرض للتعذيب، في زنازين الأنظمة القمعية، خرج منها، ثم عاد بعد سنوات، وقتل من عذبه، سيتم إعدامه. فالقانون لا يعترف بالإنتقام.
ومن هذه الأمثلة الكثير.
إن المثاليين، يريدوننا أن نعيش داخل مسلسل تركي، كشخصيات حمقاء، في حين تحمي المجرمين بمزاعم عقيمة.
من منا لا يشفي الإنتقام غله من المعتدين.
ولكن..
ورغم كل ما سبق...
ماذا لو سمحنا لأنفسنا بالإنتقام؟ ماذا لو بات من حق كل فرد فينا أن يخرج سلاحه ويردي عدوه برصاصات قاتلة؟ فمن سيبقى على وجه الأرض؟
نحن أيضاً سنقع ضحايا لروح الإنتقام...
إن الحياة غريبة جداً، ومن الصعب علينا أن نضعها داخل معايير ثابتة، لا قانونية ولا دينية ولا فلسفية ولا آيدولوجية. إن حياتنا معقدة بحيث لا يمكن أن نواجهها بأسلحة المنطق او العاطفة. ولذلك، فكما فشلت كل الفلسفات في خلق اليوتوبيا، فشلت كذلك الأديان، وفشلت معها القوانين. ونحن نمضي لنواجه وجودنا بلا هدى ولا كتاب منير...
(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وهنا ليس الحديث عن الدفاع عن النفس، بل عن الإنتقام بالمثل. فليست أغراض العقوبة مرتبطة فقط بالردع الخاص (أي منع المجرم من العودة للجريمة) ولا الردع العام (أي تخويف الآخرين من تتبع خطى الجاني)، وليست أغراض العقوبة، تلك الرؤية المثالية التي دعا لها جراماتيكا و مدرسة الدفاع الإجتماعي، بالنظر للمجرم كضحية للمجتمع، ومحاولة إعادة تأهيله ليعود ويندمج في مجتمعه كفرد صالح. لا ليس ذلك ما سبق فقط، بل للعقوبة أغراض أخرى، أقل مثالية، وأكثر تغلغلاً في روح الإنسان. فالعقوبة إيلام للجاني يجب أن يساوي اللذة التي تحققت له بإقترافه للجريمة. والعقوبة يجب أن تحقق إشباع الشعور العام بالعدالة. وأضيف؛ إن العقوبة يجب أن تحقق الراحة التي تبلغها نفس المجني عليه برد الصاع صاعين على من هدد سلامه النفسي، وأعني بذلك (الإنتقام).
الأخلاقيون، دائما ما ينظرون للمتهم نظرة المجني عليه، ولا يكترثون بآلام المجني عليه الحقيقي..هذه النظرة المثالية هددت الأفراد المسالمين، الذين يلتزمون بحدود القانون، وهددت سلام المجتمعات الحرة، وأصبح الأخلاقيون المثاليون ينادون بتخفيف ألم العقاب، وهم يدللون المجرمين. ضاربين بالسلام البشري والحريات الإنسانية عرض الحائط. بتنا نسمع عن عقوبات وحشية، وتمتهن الكرامة. وكأنما من يغتصب طفلاً لا يمتهن كرامة ذلك الطفل بل ويدمره نفسياً مدى حياته، وعن عقوبات لا إنسانية كالإعدام، وكأنما من يذبح إنساناً آخر قد قام بفعل إنساني. وضج هؤلاء المثاليون وهم يختلقون أسباباً أقل مثالية لدعم موقفهم المتهافت ضد الحرية الإنسانية، حتى ارتفعت معدلات الجريمة بسبب التهاون مع المجرمين. والمجرمون، لا يملكون وازعاً أخلاقياً ولا إنسانياً، بل يرون في ذلك التهاون فرصة للعودة للإنقضاض على المسالمين من الناس، فيهددون الأرواح والأعراض والممتلكات، ويقلقون السلام المجتمعي، ويجعلون الأحرار يسيرون في الطرقات وهم خائفون من العدوان عليهم. تخاف النسوة من الخروج ليلاً، ويخاف الآباء من خروج أطفالهم إلى الشارع وحدهم، ويخاف الرجل على ما يحمله من مال في جيبه أو هاتفه، إذا سار ليلاً. ولا زال أولئك المثاليون يتحدثون عن كرامة المجرم والشفقة عليه..
لقد أجازت التوراة لصاحب المنزل قتل من يحاول سرقته، وذهب العرف الأمريكي القديم إلى أن من يحاول سرقة بقرتك فاقتله فوراً.
Kill those who try to steal your cow.
وبالفعل كان نهب الأبقار أحد أسباب نشوب الحرب بين الولايات المتحدة والمكسيك.
فالجريمة التي تبدو صغيرة، يمكنها أن توقع ملايين القتلى كما حدث إبان اغتيال الأرشيدوق فرانز فيرديناند على يد الغافريلو برينسيب.
أطلق برينسيب رصاصتين اصابت الأولى المغدور، وأصابت الثانية زوجته.
ثم أصابت الملايين بعد ذلك.
ومع ذلك فاصحاب القلوب الرحيمة الشفوقة، يحمون برنسيب، بل يمنحونه فرصة النجاة مرة تلو الأخرى.
إذا كان المجرم لا يملك وازعاً، فلماذا يملك ضحاياه ومشروع الضحايا المستقبليين ذلك الوازع. إن القانون يجب أن يتيح للمجني عليه أن ينتقم من المجني إنتقاماً يريح نفسه التي أُنتزعت من هدأتها وسلامها، بلا ذنب جناه. (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).
يذهب القانون الجنائي لسنة ١٩٩١ ومعه باقي قوانين الدول الأخرى إلى اشتراط (أن يدفع _المجني عليه-الخطر بقدر ما يلزم لرده وبالوسيلة المناسبة) وبالتالي لو اعتدى عليك شخص بالضرب بالعصا ليسرق مالك أو جوالك فأطلقت عليه الرصاص أعتبر تصرفك هذا متجاوزاً لحق الدفاع الشرعي وتعاقب عليه مع تخفيف للعقوبة. في إحدى القضايا، تسور مجرم مسلح منزل أحدهم، وعندما لاحقه صاحب المنزل، وخرج المجرم، سقط مجندلاً إذ جندله صاحب المنزل برصاصات قاتلة. وتم إعدام صاحب المنزل لانتفاء حق الدفاع الشرعي، إذ أن المجرم فر دون أن يتمكن من السرقة. ولم يراعِ القانون تلك الصدمة التي واجهها صاحب المنزل وزوجته وأطفاله، من مجرم مسلح يقفز عليهم من فوق السور. لا يراعي القانون، أن الجريمة ليست هي التي تكتمل فقط بل، الجريمة هي ذلك التهديد العنيف الذي يطال الأسر وهي داخل منازلها التي كانوا يعتقدون أنها آمنة تحصنهم وتحميهم. ويتجاهل الخطورة الإجرامية، ويتجاهل أن اللص لو تمكن من الفرار فسيرتكب جريمة ثانية في مكان آخر. إن حجج المثاليين ضعيفة جداً، أمام حقيقة واضحة كالشمس، وهي أن المجرم هو الذي يبدد سكنة الهواء، ويعكر صفو السماء، فإن أكمل مشروعه، عانى ضحاياه، وإن أفلت أضحى هناك آلاف آخرون مهددون بأن يكونوا ضحايا مستقبليين.
ما هو الإنتقام؟ إنه رد فعل عنيف، هكذا يعرفه المثاليون، عاكسين التعريف الحقيقي، وهو أن الإنتقام، محاولة لإزالة ألم جريمة سابقة. ألم نفسي. أكثر خطورة من الألم الجسدي. ويتجاهلون أن المجني عليه لم يبادر بالعدوان، بل وقع عليه عدوان في ساعة نحس، لم يكن يتوقعها. ساعة قوضت صفاءه الروحي، وانتزعته من سكينته، وألقت به في الفزع..بلا أي مبرر سوى روح المجرم المظلمة الحقود، تلك الروح التي لا تكترث لآلام الآخرين.
في إحدى القضايا، كان المجرم قد اغتصب طفلاً، بعدها فر الطفل بعائلته خوفاً من العار إلى منطقة أخرى، ومضت السنوات وكبر الطفل ليضحى شاباً. عاد الشاب لقريته القديمة، وهناك رآه المجرم، وبدأ في ملاحقة الشاب مذكراً إياه بما فعله به أيام طفولته، طالباً من الشاب أن يسلمه جسده ليفعل به ما فعله به سابقاً مرة أخرى، تجاهله الشاب (لكن روح المجرمين المظلمة لا تستنير) فقد لاحق الشاب، وألح في استفزازه، فما كان من الشاب إلا أن أخرج سكينه من عضده، وسدد طعنات قاتلة للمجرم.
لقد برأت المحكمة الشاب، لكن الحال ما كان ليكون كذلك، لو عاد الشاب خصيصاً لينتقم من المجرم. فالقانون لا يعترف بالإنتقام. حتى لو كانت جريمة المعتدي ثابتة أمام سلطات الدولة. دعونا نسأل: كم طفلاً اعتدى عليهم ذلك المجرم قبل وبعد اعتدائه على الطفل الشاب؟ ورغم كل ذلك، يرفض علماء الإجرام والعقاب إعتبار الإنتقام غرضا للعقوبة، بل وينضم إليهم علماء السياسة الجنائية الذين يرفضون الإعتراف بالإنتقام كسبب للإباحة أو حتى مجرد عذر مخفف للعقاب بل الآن نجد أصحاب منظمات حقوق الإنسان يرفعون أصواتهم رافضين عقوبة الخصي الكيميائي للمغتصب لأنها (بشعة). ويستمرون في الدفاع عن المجرمين؛ فليتخيل أي منكم، أنه جالس في منزله وسط أبنائه بكل سلام وسعادة ودخل مجرم وقتل أحد أبنائه أو اغتصب زوجته وسرق ماله تحت التهديد، وتخيل معي أنه على الرغم من ذلك سنجد دعاة حقوق المجرمين، يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام. لماذا؟ لأنها لا إنسانية.
يا سلام..
ثم يدعمون مزاعمهم بأن عقوبة الإعدام لا يمكن الرجوع عنها بعد تنفيذها، وقد يخطئ القاضي.
وهذه مزاعم بالغة التلفيق...فلا توجد أي عقوبة قابلة للرجوع عنها بعد تنفيذها لو ثبت خطأ الحكم. فمن يسجن لعشرة أعوام، هل يمكن إعادة الأعوام العشرة إليه مرة أخرى. وأما حجتهم أن الحكم قد يكون خاطئ فحجة تجعل الإستثناء أصلاً والأصل استثناءً، فالغالب أن الأحكام لا تكون خاطئة إذا مرت بضوابطها القانونية، من حكم موضوع واستئناف ونقض. ووفقا، للضوابط الإجرائية التي تضمن عدالة المحاكمة. فالغالب أن الأحكام تكون صحيحة، أما الخاطئ منها فاستثناء، وهم يريدون الإستناد إلى حالات قليلة وقد تكون نادرة، كحجة لمنع عقوبة الإعدام. والمشكلة في حجتهم هذه هي أنها تشكك في الأحكام القضائية. فإذا كنا نشك في صحة الأحكام القضائية لهذه الدرجة، فلماذا تُبقي الدولة على المحاكم ولا تلغيها؟
ويحتجون بحجج أخرى شبيهة الوهن بما ذكرناه.
ويستمر هؤلاء المثاليون في حماية المجرمين، ولكن هناك لحظة سيقعوا فيها في الحرج، ولنأخذ على ذلك مثالاً، ففي إحدى القضايا - في الولايات المتحدة الأمريكية- قام الجاني وهو شاب، باغتصاب امرأة تبلغ من العمر تسعين عاماً من قبلها ودبرها، ثم ضربها وحطم أضلاعها، بعد ذلك حطم جمجمتها بحجر ضخم.
اقترفت الشرطة أخطاء إجرائية عديدة، من ضمنها أخذ عينات من الحمض النووي للجاني دون إذنه، وقد تطابقت العينات مع العينات التي وجدت على جثة المجني عليها. وهكذا كان على القضاء أن يقضي ببراءته، لأن بينة الحمض النووي، تم التحصل عليها بإجراء غير مشروع (بدون إذن المجرم) وحين بلغت القضية المحكمة الفدرالية العليا، رفضت هذه الأخيرة الأخذ بقاعدة بطلان الدليل المستمد من إجراء باطل وأدانت المجرم وعاقبته. بعدها عادت المحكمة نفسها وأخذت بمبدأ بطلان الإستناد إلى دليل مستمد من إجراء باطل في القضايا الأخرى. فلماذا إذاً ألغت المحكمة في قضية الشاب والقتيلة العجوز مبدأ البطلان؟ إن المحكمة لا تستطيع أن تقول كل شيء، ولكن القاضي إنسان، يقيم الواقع ويأخذ بروح القانون لا بشكلانيته، عندما يكون الإنتهاك بشعاً. ما كان أمام المحكمة إلا أن تحكم بإدانة المجرم، وهي ترى بأم عينيها أن الحمض النووي قد أثبت أنه الفاعل الحقيقي، وأنه بالفعل من اغتصب وضرب وقتل عجوزاً في التسعين من عمرها بلا رأفة ولا رحمة.
فليس المنطقي إذاً أن يتم رفض الإنتقام كعلاج لآلام الجريمة التي وقعت على الشخص. ولكن من يقنع المثاليين.
فلنتخيل أن شخصاً حصل على معاشه بعد عمل دام لأكثر من أربعين عاماً، وهو أثناء عودته لمنزله هجم عليه مسلحان وسرقا شقاء عمره وفرا. أو فلنتخيل شخصاً إستدان مالاً لعلاج طفله المريض فسرقه مجرم. ومات الطفل. وبعد سنوات وجد الأب المكلوم نفسه وجهاً لوجه أمام اللص، فقتله. لا يعتد القانون بكل ذلك البلاء الذي أوقعه ذلك اللص بذلك الأب، وسيحكم على الأب بالإعدام شنقاً حتى الموت. لأن القانون لا يعترف بالحق في الإنتقام.
تخيل أن من تعرض للتعذيب، في زنازين الأنظمة القمعية، خرج منها، ثم عاد بعد سنوات، وقتل من عذبه، سيتم إعدامه. فالقانون لا يعترف بالإنتقام.
ومن هذه الأمثلة الكثير.
إن المثاليين، يريدوننا أن نعيش داخل مسلسل تركي، كشخصيات حمقاء، في حين تحمي المجرمين بمزاعم عقيمة.
من منا لا يشفي الإنتقام غله من المعتدين.
ولكن..
ورغم كل ما سبق...
ماذا لو سمحنا لأنفسنا بالإنتقام؟ ماذا لو بات من حق كل فرد فينا أن يخرج سلاحه ويردي عدوه برصاصات قاتلة؟ فمن سيبقى على وجه الأرض؟
نحن أيضاً سنقع ضحايا لروح الإنتقام...
إن الحياة غريبة جداً، ومن الصعب علينا أن نضعها داخل معايير ثابتة، لا قانونية ولا دينية ولا فلسفية ولا آيدولوجية. إن حياتنا معقدة بحيث لا يمكن أن نواجهها بأسلحة المنطق او العاطفة. ولذلك، فكما فشلت كل الفلسفات في خلق اليوتوبيا، فشلت كذلك الأديان، وفشلت معها القوانين. ونحن نمضي لنواجه وجودنا بلا هدى ولا كتاب منير...