إبراهيم محمود - وداعاً أبدياً يا صديقي رياض الريس



أسمّيه صديقاً، الصديق الراحل، الكاتب، الصحفي، الناشر، والباحث الكبير رياض الريس، وتوقيت رحيله الأبدي اليوم، عن عمر ناهز الـ" 83 " عاماً، وقد خلّف وراءه إرثاً مهيباً من عشرات المؤلفات ذات الميزة الخاصة الجامعة بين الأسلوب الصحفي، والرؤية الثقافية الرحبة، إلى جانب القدرة اللماحة في التوصيف والطرافة بالمقابل. أسمّيه الصديق الراحل: الريس، وقد طبع لي في شركته ذات الصيت العالمي بين لندن- بيروت " 11 كتاباً " منِع أكثرها في البلاد العربية، لكن أغلبية هذه المطبوعات لاقت صدى، واهتماماً، يمكن التأكد من ذلك، لمن يريد.
كان اسم " الريس " الناشر " وصاحب المجلة الأشهر عربياً" الناقد " وقد كنت أكتب، مثلما في التالية " النقاد " بمثابة " لوغو " أو ماركة، يكفي أن ينشر أحدهم في شركته/ دار نشره، حتى يجد من يهتم به، أو يكون محل حسد من لم يحظ بمثل هذه الفرصة الفريدة من نوعها.



(صورتي وأنا جالس، في حفل توقيع كتاب لي في معرض للكتاب العربي ببيروت، والراحل الريس واقف وهو بشموخه)


كان له مزاج خاص، وتصور خاص للثقافة، وقد أسهم في نشر مئات الكتاب صدمت ذائقة الملايين، ممن تربوا في مناخ محافظ، أو متشدد، أومتخوف من الحداثي والمتنور عربياً، ولم تفلح أي قوة سياسية أو دينية قائمة في صدّه، وقد استقر في بيروت في تسعينيات القرن الماضي، ولم يكن يطبع إلا الكتاب الذي يتناسب وتقديره للثقافة المغايرة، رغم المغريات، ومن خلال طاقم عمل مختلف، حيث الجرأة علامة الثقافة المغايرة هذه، وعن طريقه، كان تعرُّفي على عشرات المثقفين العرب في طول العالم العربي وعرضه، إلى درجة أنني اعتبرت نفسي ولِدت ولادة فعلية ثقافياً في بيروت، وعبر شركته .
كان لكتبي : الجنس في القرآن، أثمة وسحرة، جغرافية الملذات، الشبق المحرَّم، الفتنة المقدسة، الضلع الأعوج، تقديس الشهوة، الجسد المخلوع، القبيلة الضائعة : الأكراد في الأدبيات العربية- الإسلامية، الإسلام مدخل جنسي، كما أعتقد ذلك الانتشار اللافت في الصحافة العربية، وفي الأوساط الثقافية والأكاديمية العربية، عرفت باحثاً سورياً، وباحثاً كردياً سورياً.
وبغض النظر عما يتردد حول هذا الراحل الكبير الذي يستحق الكثير من الكتابة عنه والاحتفاء به، من أقاويل، تخص طبيعته النفسية وعلاقاته السياسية وغيرها مع الآخرين، إلا أنه كان عملاقاً في ميدانه، تنويرياً في الصميم، المشبع بالثقافة المحيطية، والضليع في العربية والانكليزية، والمقيم علاقات مع مختلف مفكري عصره ومثقفيه وكتابه، وقد كافأ هؤلاء من خلال نشره لمقالاتهم وكتبهم، ربما ما لم يكافئهم مثله أحد، كطرف ثقافي مستقل.
كانت أحاديثنا تطول لحظة اللقاء، وهو بتقبله للفكاهة، وخفة دمه، وكان – وهو في أوج صحته، يسألني في كل مرة عن جديدي، عند لقائه في مكتبه الفسيح، وهو الذي عرض علي إمكان تأليف كتاب عن الكرد، وكما أريد، بعد انتفاضة قامشلو12 آذار 2004، مثلما أنه عرض علي بعد 2013، إمكان تأليف كتاب عن الأدب الكردي، فكتبته، ولكن مرضه أقعده من ذلك الحين، وسُلّمت إدارة الشركة لغيره، فكان أن نشرته في دار تموز " دمشق " .




لا أستطيع أن أسرد طبيعة علاقاتنا معاً، ونوعية اهتمامه بي، وتقديره لي، خصوصاً في المعرض السنوي للكتاب في بيروت، وكنت أُدعى إلى هناك، لتتنوع اللقاءات في أروقة المعرض، وفي جناح الريس وأبهته، وكرم ضيافته، وطابعه الأضوائي، وما أكثر الذين التقيتهم ناشري كتب لديه وخارج الشركة في جناحه، من أهم النقاد والكتاب والمثقفين العرب، وكان لي متنفس كبير هناك، حيث يكون رياض الريس موجوداً، وهو بهيبته وتواضعه في آن
لقد حاولت المستحيل في الفترة الأخيرة أن ألتقي به، وأنا في دهوك، وهو يصارع الموت، ولم أفلح، لأسباب أعجز عن ذكرها ووصفها.
تحية لروحك أيها الكبير رياض الريس، عزائي لعائلتك، لأهلك، لأحبتك، وأنا من بينهم. كنت عظيماً، ورحلت وأنت عظيم، أيها المعلم الكبير باسمه وأثره وبقيته التي لا تنتهي عظَمةً.
ملاحظة: وردتني عبارة واتسابية أعلاها صورة كاريكاتيرية فذة للصديق حسن ادلبي تخص الراحل الريس، ادلبي الذي عمل طويلاً في شركة الراحل الكبير، ومن جهة الصديق إبراهيم يوسف، وهو يعلِمني بوفاة رياض الريس، لم أنتبه إلى اسمه، إنما إلى راسم الصورة الصديق حسن ادلبي، والمقيم الآن في الإمارات، أعلمت الصديق يوسف، أنه صدمني بهذا النبأ، ليتبين لي أن المرسل هو وليس ادلبي، تحت تأثير الصدمة تلك.

تعليقات

الأستاذ الكبير إبراهيم محمود
عظم الله اجركم ، وتعازينا الحارة وأصدق مواساتنا لكم في فقدان صديقكم ورفيق الكلمة الصحافي والكاتب والناشر الأستاذ المتعدد رياض الريس ، على روحه الطاهرة المطمئنة الرحمة والمغفرة والسكينة
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...