د. سليمة مسعودي - خواطر من تداعيات القراءة.. و الكتابة أيضا

" لا أحد يستطيع تعليم الحياة للآخرين" غابرييل غارسيا ماركيز
المبدع و نصه : سؤال يلح علي منذ طفولتي و منذ مطالعاتي الأولى.. و أنا أفتح كل يوم رواية لأجاثا كريستي.. و أطويها ذات اليوم قراءة بدهشة وحيرة.. من أين تأتي الكاتبة بكل تلك الشخوص و الجرائم و الألغاز؟ كيف تستطيع أن تختلق في كل رواية شخوصا جديدة و جرائم مختلفة و أحداثا متغايرة؟ أين هي أجاثا كريستي من نصوصها التي أنجبتها من مخاض كتاباتها و لا شك معاناتها و آلامها و أحلامها و كوابيسها أيضا؟ و أين النصوص من حياة مؤلفتها؟
هل نختبئ دائما وراء نصوصنا..و هل تقولنا نصوصنا؟ هل نحن من نسكن النصوص.. ؟ أم نحن من نتوق أن نكون كائنات نصوصنا.. ؟ هل النصوص تجاربنا الجمالية الوجودية؟ هل نندم يوما على نصوص كتبناها كتجارب عشناها؟ هل سهل أن نتخلى عنها و نمحوها؟
إذا كانت النصوص شعرا و راوية هي سردياتنا الصغرى.. فهذا يعني أننا لا يمكن أن نأتي بها من بعيد.. من خارج عنا، و لكن في الآن نفسه هي مبنية على العقل التخييلي الذي يجوب شتى الآفاق ليخلق ما يشاء من كائنات و حالات..
هل الكلب الذئبي في نداء البراري " باك " يمثل بشكل أو بآخر جاك لندن مؤلف روايته؟
هل " جودي أبوت " في رواية صاحب الظل الطويل تمثل جانبا من شخصية جين ويبستر ؟ هل جين هي التي كانت تخط تلك الرسائل للطرفين في إيقاع حلمي.. يمظهر في شغف ما تتوق إليه؟
ما علاقة آنا كارنينا بتولستوي؟ بل كيف استطاع بشخصيته الذكورية أن يتلبس حالات نفسية أنثوية على تلك الدرجة الحادة من التعقيد؟ أم أن آنا كارنينا شخصية قاربها تولستوي بمنطق المعايشة الواقعية و لو من بعيد ، و لملم أجزاءها و مركباتها و ما شهدته الرواية من أحداث مما اطلع عليه من وقائع في عصره؟
عندما عجز الساحر هيرمان هسه عن تغييب جسده عن أنظار الناس و الاختفاء بقوة السحر قرر التخفي في شخصيات رواياته، لقد عجز عن معرفة من يكون.. إلى أن خلّق شخوص رواياته.. لقد استطاع أن يكون هاري هالر في ذئب البوادي، آن ذئب البراري ليس إلا هو و ما يتوق إليه أن يكون.. من انغماس في عزلة تبحر داخل أسرار الروح و إيقاع الموسيقى و شغف السحر.. العزلة التي تذوب و تتلاشى في عالم الروح السرمدي .. لقد تماهى إلى حد ما في ه. ه. في كتاب رحلة الشرق و هو الذي عاش طفولته بالهند، ثم سافر إليها في شبابه.. هو الباحث عن الذات و الروح مقصده و غايته... و هيرمان هالنر في رواية " تحت العجلة".. لقد اعترف أن حياته توزعت في رواياته...
لقد كان نيكوس كازانتزاكي يصارع ليخطو وراء الكائن المرئي الغارق في الوحل.. يحفر فماذا يرى؟.. يرى رجالا و طيورا و أشجارا و أحجارا.. ثم يحفر فيشاهد أفكارا و أحلاما و بعض الضوء.. ثم يحفر لكنه لا يرى غير عتمة ليل.. لعله الموت.. بل إنه الموت - يقول... ثم يحفر أكثر ليسمع أصواتا و نحيب بكاء .. و حفيف أجنحة على الضفة الأخرى من الجدار... إن البكاء و الأصوات و الأجنحة.. ليست إلا قلبه.. على الضفة الأخرى.. لا يوجد غير القلب...
الصورة من مكتبي في الجامعة.. و أصدقكم قولا.. لا أقرأ فيه.. بل فقط أستقبل الطلبة.. راحتي في مكتبي بالبيت.. و لكل منا طقوس قراءة كما طقوس كتابة..








تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...