إنه يضع قدمه على الإفريز الحديدي، ليقفز من الجسر..يمتد ظله أمامه والشمس ساخنة خلف ظهره، ويموج الماء أسفله، وفي تلك اللحظة، يسمع صوت عدوه ساخراً:
- تريد أن تنتحر؟
ينزع قدمه عن الإفريز ويلتفت نحو الصوت، ثم يقتلع عدوه من الأرض ويلقي به من الجسر وهو يصيح:
- بل لأقتلك...
وكما يقول نيتشه؛ السعادة هي الشعور بتنامي القوة. لذلك يسير فوق الجسر، وهو يرى الوجود جميلاً كخدود الورد.
لقد ظل الكذبة ، أمثال افلاطون وكتبة الأديان، يؤسسون للضعف الإنساني، ويمنحونه القداسة، تحت مسمى الضمير. وهكذا أصبح الإنسان عدو كينونته، أي عدو طبيعته برمتها. تلك الطبيعة الرائعة، والتي يشوهونها بلصقها بالحيوانية. فلتكن كذلك أو لا تكن. لكنها الطبيعة التي تتسق مع الفرد، تكسبه الرغبة في الحياة، وتلغي مفردات كاذبة عديدة، كالتضحية، والأخلاق، والدين، والضمير، والعدالة، والوطنية...الخ (المعززات الزائفة). كيف انتصر الضعف على القوة، حينما امتلك ناصية الصوابية المطلقة؟ لقد انتصر لأن الأقوياء أرادوا له أن ينتصر عبر التاريخ، أولئك الذين يزرعون افيون الضمير في كل مساحة داخل العقل الإنساني ليحافظوا هم على قوتهم. إن زوكربيج الذي باع حسابات الفيسبوك لاجهزة المخابرات، وتمت محاسبته محاسبة هزلية كوميدية في الكونجرس، هو نفسه الذي يفرض قيماً اخلاقية ويسميها قيم مجتمع الفيس بوك. وهو نفسه الذي أخفى ملياراته داخل منظماته الإنسانية لكي يتجنب الضرائب، وهي نفسها أمريكا التي تحارب الإرهاب، وفي نفس الوقت، تمنح لجوءً سياسياً للإهاربيين بل وتمنحهم حماية طائرات الأباتشي، وهي نفسها بريطانيا التي ترفض دوماً تسليم الإرهابيين لدولهم بحجة الخوف عليهم من التعذيب، وهي نفسها التي تفتح لهم مطاراتها ليتنقلوا حول العالم ويقوموا بذبح المدنيين الأبرياء، وهي نفسها فرنسا التي تعتبر صحيفة شارل إبدو قد مارست حرية التعبير، وفي المقابل، قضت محكمة فرنسية، بتغريم إدارة مجلة "كلوزر" الفرنسية ومنعها من توزيع عدد المجلة الذي تضمن الصور سواء المطبوع أو الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت، وذلك لنشرها صورًا "عارية الصدر" لدوقة كامبريدج والملكة المحتملة القادمة لبريطانيا، كيت ميدلتون. وهي نفسها فرنسا التي جرمت التعبير عن انكار الهولوكوست أو مجازر الآرمن.
ولو تتبعنا ما قد يراه البعض تناقضات في الضمير، فلن نتوقف، وكلما عدنا بالتاريخ إلى الوراء يوما قبل يوم، سنعرف كيف أن الاقوياء يمأسسون للضمير الإنساني حتى تخوم مصالحهم التي لا يجب أن تُمس.
إن الضمير، كذبة، أسس لها الملوك، لإخضاع الشعوب، ودعموها الكهنة، ليجذروا لذلك الضمير، ويرفعوه إلى قيم متعالية، ثم دعموا فلاسفة العصور القديمة، الذين ظلوا طوال أكثر من خمسة وعشرين قرناً يحرفون العقل عن مساره العقلاني، عبر فلسفة المُثُل الافلاطونية. إن القوى العظيمة، ظلت تدرك أن الإيمان بالضمير يحمي قوتها ومصالحها التي اكتسبتها بالمخالفة للضمير. لقد قال الليبراليون ذلك دوماً، وأكدوا على صواب رؤيتهم عملياً، حين انتصرت البرجوازية على الإرستوقراطية، وبدأ الفكر الإمبريالي يتسع، وتدار مستعمراتهم من وراء البحار. لذلك ليس من المستغرب، أن تنتج الدول الداعمة لحرية التعبير، قوانينها المنتهكة لحرية التعبير. فهناك حدود لكل شيء. وإذا كان لكل قاعدة إستثناء، فما الذي سيميز بين القاعدة الأصل والإستثناء؛ غير الكم (الماصدق) لا النوع.
إن الإنسان اليوم يعيش تناقضات مفزعة، وكلما تحدثت إلى بشري، كلما رأيت فيه ذلك التناقض، ذلك الذي يكشف عن حيرته وضياعه ما بين حقيقة رغباته وبين ما رسخ من أكاذيب الضمير.
ليس غريباً، ولا نفاقاً، عندما قال وزراء اليوم بالأمس، أن من يضع يده مع العسكر خائن للثورة، ثم كانوا هم أول من سارع فأصبح عبداً تحميه قوة سيده العسكري. فهم كانوا صادقين عندما كانوا بلا قوة، وصادقين عندما امتلكوا القوة. فقبل القوة، وعند الضعف يكون الضمير، وبعد القوة يختفي الضمير. يمحق الحقُّ الباطلَ ويدمغه. يعود الإنسان لطبيعته النقية، الخالية من التزييف الأخلاقي، بمسمى الضمير. وكذلك كان الإخوان المسلمون قبل القوة (الحكم)، وبعد القوة.
وفي الأزمات، والكوارث، يختفي الضمير، ويعود الإنسان لحقيقته النقية، مسترداً كامل كينونته. متجاهلاً الوعظ من تجار المخدرات. في صفوف الخبز تدور المعارك، وفي ازمنة القحط والجوع تكون المعارك أكثر وضوحاً. وذلك هو التطابق ما بين الصورة والجوهر البشري، والذي يجب أن نعترف به. إن اي سياسي يحدثك عن مصلحة الوطن، وكل رجل دين يحدثك عن حب الله، وكل مومس تحدثك عن العفة، ولكن رجل السياسة لن يعمل إلا لمصلحته، ورجل الدين لا يكترث لحب الله، وأما المومس فلها مفهوم مختلف للعفة فقط، وقد تكون أكثر الناس طهارة.
لماذا يبدو الناس كمجانين، حينما يتناقضون باستمرار؟ حديثهم مع أفعالهم، وأفعالهم مع أفعالهم!!!، لأن القوى التي تؤسس للضمير، تربك فهمهم لذواتهم. وتغذي فيهم ذلك التناقض، وتزرع داخلهم الشكوك باستمرار، الشكوك حول صوابية أن يكونوا (هم انفسهم) وكما يريدون، وأن يتبعوا رغباتهم، وشغفهم، وأن يتطابقوا تطابقاً كاملاً مع حقيقتهم. وهكذا تتشوه ذواتهم، وتسبغ على رغباتهم الحقيقية الكامنة صفة الجريمة. ليعيش المرء في حالة شعور مستمر بالذنب.
قال صديقي الأفغاني، بأن وجوه العاهرات في المجتمعات المتدينة، زرقاء دائماً، لأنهن يشعرن بالعار. ووجوه العاهرات في المجتمعات المنفتحة، تكون مشرقة ومبتهجة لأنهن لا يشعرن بالعار. وبالرغم مما يمكن أن يوجه لحديثه هذا من نقد، لكن الشعور بالعار، أوجدته المؤسسات المسيطرة، الدينية السلطوية، والعلمانية السلطوية، أو السلطوية المتحالفة مع الدين والآيدولوجيا المادية. إنها لعبة الكراسي فقط. لكنها كلها لعبت على ذات الوتر، وتر الضمير. إن كلمة حرية لا معنى لها في الواقع، ولو حاولنا تاصيلها لتوصلنا إلى تلك النتيجة. وذلك الحال لمفردة العدالة، والديموقراطية. ففي داخل كل تلك المفردات الرنانة، ركائز هشة، تنهدم بسرعة حينما تُلمس في العصب. والعصب هو معززاتها الكاذبة. إحد الأصدقاء السلفيين، قال بأنني كافر ولذلك فهو لن يستطيع التعامل معي مرة أخرى، غير أنه في نفس الوقت يجلس إلى أصدقائه من التجار الهنود والصينيين، وأمام مكاتبهم تنتصب تماثيل أصنامهم. وهو نفسه الذي يدخل في غراميات خائناً لزوجته، لكنه رغم ذلك ليس متناقضاً، فالمعزز الديني الكاذب، ينزوي عندما يواجه بالأصل. إنه صادق عندما يكون ذلك المعزز قوياً وصادق أيضاً عندما يكون ضعيفاً، لقد قال فولتير بأنه لو وجد خمسة تجار مختلفي الدين فلن يقول أحدهم للآخر انت كافر، فالكافر عندهم فقط هو التاجر المفلس. كذلك كان أحد المحامين من السلفيين، يصيح "لن ترض عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، ثم لما رمى له بعض الموكلين النصارى رزم المال، قبل الترافع عنهم، مبرراً ذلك "حتى يعرف الناس أن السلفيين غير متطرفين". وهو ليس كاذب، فحتى المجرم لا يرتكب جريمته قبل أن يجد لها مبرراً ولو غير منطقي. كل ما في الأمر أن المعزز للقيم الزائفة قد تقزم أمام الأصل (الإيجو)؛ ذلك الذي تم تشويهه عبر التاريخ من قبل القوى المسيطرة. إن ذات المسلم الذي يلجا لبلاد اليهود والنصارى حماية لنفسه هو من يلعنهم باعتبارهم حفدة القردة والخنازير، وذات الذين يعارضون حكوماتهم بسبب قمعها للمظاهرات، هم من يأمرون بقمع المظاهرات ضدهم عندما يصلوا إلى السلطة. وذات العالم بحكوماته وشعوبه الذين بكوا على قتلى احداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا، هم من لم ينبسوا ببنت شفه عندما قصفت أمريكا نفسها ملجأ العامرية في العراق..ومع ذلك فليس هذا تناقض، رغم أنه قد يعتبر مقوضاً لمفردة النزاهة الإنسانية ومعها -باللزوم- مفردات المساواة والعدالة، لأن كل تلك المفردات زائفة وغير أصيلة. إنها مجرد معززات لمنح الضعف قداسته أمام جبروت القوة.
- تريد أن تنتحر؟
ينزع قدمه عن الإفريز ويلتفت نحو الصوت، ثم يقتلع عدوه من الأرض ويلقي به من الجسر وهو يصيح:
- بل لأقتلك...
وكما يقول نيتشه؛ السعادة هي الشعور بتنامي القوة. لذلك يسير فوق الجسر، وهو يرى الوجود جميلاً كخدود الورد.
لقد ظل الكذبة ، أمثال افلاطون وكتبة الأديان، يؤسسون للضعف الإنساني، ويمنحونه القداسة، تحت مسمى الضمير. وهكذا أصبح الإنسان عدو كينونته، أي عدو طبيعته برمتها. تلك الطبيعة الرائعة، والتي يشوهونها بلصقها بالحيوانية. فلتكن كذلك أو لا تكن. لكنها الطبيعة التي تتسق مع الفرد، تكسبه الرغبة في الحياة، وتلغي مفردات كاذبة عديدة، كالتضحية، والأخلاق، والدين، والضمير، والعدالة، والوطنية...الخ (المعززات الزائفة). كيف انتصر الضعف على القوة، حينما امتلك ناصية الصوابية المطلقة؟ لقد انتصر لأن الأقوياء أرادوا له أن ينتصر عبر التاريخ، أولئك الذين يزرعون افيون الضمير في كل مساحة داخل العقل الإنساني ليحافظوا هم على قوتهم. إن زوكربيج الذي باع حسابات الفيسبوك لاجهزة المخابرات، وتمت محاسبته محاسبة هزلية كوميدية في الكونجرس، هو نفسه الذي يفرض قيماً اخلاقية ويسميها قيم مجتمع الفيس بوك. وهو نفسه الذي أخفى ملياراته داخل منظماته الإنسانية لكي يتجنب الضرائب، وهي نفسها أمريكا التي تحارب الإرهاب، وفي نفس الوقت، تمنح لجوءً سياسياً للإهاربيين بل وتمنحهم حماية طائرات الأباتشي، وهي نفسها بريطانيا التي ترفض دوماً تسليم الإرهابيين لدولهم بحجة الخوف عليهم من التعذيب، وهي نفسها التي تفتح لهم مطاراتها ليتنقلوا حول العالم ويقوموا بذبح المدنيين الأبرياء، وهي نفسها فرنسا التي تعتبر صحيفة شارل إبدو قد مارست حرية التعبير، وفي المقابل، قضت محكمة فرنسية، بتغريم إدارة مجلة "كلوزر" الفرنسية ومنعها من توزيع عدد المجلة الذي تضمن الصور سواء المطبوع أو الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت، وذلك لنشرها صورًا "عارية الصدر" لدوقة كامبريدج والملكة المحتملة القادمة لبريطانيا، كيت ميدلتون. وهي نفسها فرنسا التي جرمت التعبير عن انكار الهولوكوست أو مجازر الآرمن.
ولو تتبعنا ما قد يراه البعض تناقضات في الضمير، فلن نتوقف، وكلما عدنا بالتاريخ إلى الوراء يوما قبل يوم، سنعرف كيف أن الاقوياء يمأسسون للضمير الإنساني حتى تخوم مصالحهم التي لا يجب أن تُمس.
إن الضمير، كذبة، أسس لها الملوك، لإخضاع الشعوب، ودعموها الكهنة، ليجذروا لذلك الضمير، ويرفعوه إلى قيم متعالية، ثم دعموا فلاسفة العصور القديمة، الذين ظلوا طوال أكثر من خمسة وعشرين قرناً يحرفون العقل عن مساره العقلاني، عبر فلسفة المُثُل الافلاطونية. إن القوى العظيمة، ظلت تدرك أن الإيمان بالضمير يحمي قوتها ومصالحها التي اكتسبتها بالمخالفة للضمير. لقد قال الليبراليون ذلك دوماً، وأكدوا على صواب رؤيتهم عملياً، حين انتصرت البرجوازية على الإرستوقراطية، وبدأ الفكر الإمبريالي يتسع، وتدار مستعمراتهم من وراء البحار. لذلك ليس من المستغرب، أن تنتج الدول الداعمة لحرية التعبير، قوانينها المنتهكة لحرية التعبير. فهناك حدود لكل شيء. وإذا كان لكل قاعدة إستثناء، فما الذي سيميز بين القاعدة الأصل والإستثناء؛ غير الكم (الماصدق) لا النوع.
إن الإنسان اليوم يعيش تناقضات مفزعة، وكلما تحدثت إلى بشري، كلما رأيت فيه ذلك التناقض، ذلك الذي يكشف عن حيرته وضياعه ما بين حقيقة رغباته وبين ما رسخ من أكاذيب الضمير.
ليس غريباً، ولا نفاقاً، عندما قال وزراء اليوم بالأمس، أن من يضع يده مع العسكر خائن للثورة، ثم كانوا هم أول من سارع فأصبح عبداً تحميه قوة سيده العسكري. فهم كانوا صادقين عندما كانوا بلا قوة، وصادقين عندما امتلكوا القوة. فقبل القوة، وعند الضعف يكون الضمير، وبعد القوة يختفي الضمير. يمحق الحقُّ الباطلَ ويدمغه. يعود الإنسان لطبيعته النقية، الخالية من التزييف الأخلاقي، بمسمى الضمير. وكذلك كان الإخوان المسلمون قبل القوة (الحكم)، وبعد القوة.
وفي الأزمات، والكوارث، يختفي الضمير، ويعود الإنسان لحقيقته النقية، مسترداً كامل كينونته. متجاهلاً الوعظ من تجار المخدرات. في صفوف الخبز تدور المعارك، وفي ازمنة القحط والجوع تكون المعارك أكثر وضوحاً. وذلك هو التطابق ما بين الصورة والجوهر البشري، والذي يجب أن نعترف به. إن اي سياسي يحدثك عن مصلحة الوطن، وكل رجل دين يحدثك عن حب الله، وكل مومس تحدثك عن العفة، ولكن رجل السياسة لن يعمل إلا لمصلحته، ورجل الدين لا يكترث لحب الله، وأما المومس فلها مفهوم مختلف للعفة فقط، وقد تكون أكثر الناس طهارة.
لماذا يبدو الناس كمجانين، حينما يتناقضون باستمرار؟ حديثهم مع أفعالهم، وأفعالهم مع أفعالهم!!!، لأن القوى التي تؤسس للضمير، تربك فهمهم لذواتهم. وتغذي فيهم ذلك التناقض، وتزرع داخلهم الشكوك باستمرار، الشكوك حول صوابية أن يكونوا (هم انفسهم) وكما يريدون، وأن يتبعوا رغباتهم، وشغفهم، وأن يتطابقوا تطابقاً كاملاً مع حقيقتهم. وهكذا تتشوه ذواتهم، وتسبغ على رغباتهم الحقيقية الكامنة صفة الجريمة. ليعيش المرء في حالة شعور مستمر بالذنب.
قال صديقي الأفغاني، بأن وجوه العاهرات في المجتمعات المتدينة، زرقاء دائماً، لأنهن يشعرن بالعار. ووجوه العاهرات في المجتمعات المنفتحة، تكون مشرقة ومبتهجة لأنهن لا يشعرن بالعار. وبالرغم مما يمكن أن يوجه لحديثه هذا من نقد، لكن الشعور بالعار، أوجدته المؤسسات المسيطرة، الدينية السلطوية، والعلمانية السلطوية، أو السلطوية المتحالفة مع الدين والآيدولوجيا المادية. إنها لعبة الكراسي فقط. لكنها كلها لعبت على ذات الوتر، وتر الضمير. إن كلمة حرية لا معنى لها في الواقع، ولو حاولنا تاصيلها لتوصلنا إلى تلك النتيجة. وذلك الحال لمفردة العدالة، والديموقراطية. ففي داخل كل تلك المفردات الرنانة، ركائز هشة، تنهدم بسرعة حينما تُلمس في العصب. والعصب هو معززاتها الكاذبة. إحد الأصدقاء السلفيين، قال بأنني كافر ولذلك فهو لن يستطيع التعامل معي مرة أخرى، غير أنه في نفس الوقت يجلس إلى أصدقائه من التجار الهنود والصينيين، وأمام مكاتبهم تنتصب تماثيل أصنامهم. وهو نفسه الذي يدخل في غراميات خائناً لزوجته، لكنه رغم ذلك ليس متناقضاً، فالمعزز الديني الكاذب، ينزوي عندما يواجه بالأصل. إنه صادق عندما يكون ذلك المعزز قوياً وصادق أيضاً عندما يكون ضعيفاً، لقد قال فولتير بأنه لو وجد خمسة تجار مختلفي الدين فلن يقول أحدهم للآخر انت كافر، فالكافر عندهم فقط هو التاجر المفلس. كذلك كان أحد المحامين من السلفيين، يصيح "لن ترض عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، ثم لما رمى له بعض الموكلين النصارى رزم المال، قبل الترافع عنهم، مبرراً ذلك "حتى يعرف الناس أن السلفيين غير متطرفين". وهو ليس كاذب، فحتى المجرم لا يرتكب جريمته قبل أن يجد لها مبرراً ولو غير منطقي. كل ما في الأمر أن المعزز للقيم الزائفة قد تقزم أمام الأصل (الإيجو)؛ ذلك الذي تم تشويهه عبر التاريخ من قبل القوى المسيطرة. إن ذات المسلم الذي يلجا لبلاد اليهود والنصارى حماية لنفسه هو من يلعنهم باعتبارهم حفدة القردة والخنازير، وذات الذين يعارضون حكوماتهم بسبب قمعها للمظاهرات، هم من يأمرون بقمع المظاهرات ضدهم عندما يصلوا إلى السلطة. وذات العالم بحكوماته وشعوبه الذين بكوا على قتلى احداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا، هم من لم ينبسوا ببنت شفه عندما قصفت أمريكا نفسها ملجأ العامرية في العراق..ومع ذلك فليس هذا تناقض، رغم أنه قد يعتبر مقوضاً لمفردة النزاهة الإنسانية ومعها -باللزوم- مفردات المساواة والعدالة، لأن كل تلك المفردات زائفة وغير أصيلة. إنها مجرد معززات لمنح الضعف قداسته أمام جبروت القوة.