ياسين الخراساني - ظلال الصنوبر

أشتهي اليومَ ظِلَّ الصنوبرِ.
ليس لِلَمْسِ الظِّلالِ حفيفٌ،
ولا يخْمُش الذّكرياتَ كما يفعلُ
الشّوكُ في حُمْرةِ الوردِ.
يَحمِلني.. أحملُ الضّوءَ عنهُ،
يسيرُ إلى بلْدتي في الشّتاءِ الأخيرِ.
أنا معهُ، لا أبارح ريحًا تداعبهُ.
هو في داخلي مثلَ حُب قديمٍ تَشَابكَ بالشَّعْرِ.
قلتُ أمشِّط أطرافَه بالرُّموشِ.
ولكنّ ظلَّ الصنوبرِ أعلى من الأرضِ...
كيف أعودُ إليَّ إذا طِرْتُ في نَشْوةِ الظلّ؟

في تُخومِ الضّياءِ أُعَرِّف نفسي على نفسِها:
لَونُها شاحبٌ من طباعِ السّماءِ،
كأن تَبزغَ الشمسُ في يومِ عيدٍ.
ولستُ طويلا ولكنّ ظِلي بطولِ الصنوبرِ،
تَسكنهُ عُقدة الإرتقاءِ. أراهُ يُحاسبني
إن أطَلْتُ المُكوثَ قريبًا من الشّمسِ:
من قال لي أنَّ أجْنِحتي من شموع وطين؟

وتَحْملني في الربيع نَسائمُ عِطرٍ.
أنا واحدٌ بكثيرٍ من الانزياحِ.
ضعيفٌ على وزنِ هذي الحجارةِ.
ألمُسُ أرضي بخفّة قطٍ. أزيل الغبارَ عنِ الوهمِ:
فلتكنِ اليوم مثلي،
تزور خفيفا إذا طُلب الغيمُ في كلماتِ المجازِ،
وتُلقي بنفسِك في البحر ما دامتِ الأغنياتُ
وصيفةَ لحظتنا في السعادةِ.
هل تنْزوي في شروخِ الأنا فُطرياتُ الحَكايا؟
أريدُ خروجا من النّفسِ،
في داخلي وردةٌ لم تر الضّوءَ منذ انتحار المجرّةِ.
اليومَ تترك أرض الغيابِ،
وتهجُر نرْجِسة في سهوب الحياةِ.
ستبكي طويلا فأنت ككلبٍ شريدٍ رأى عَظْمة الحُبِّ،
أو ربّما سار في عَقِبِ الكلماتِ
يحاول فتح الكتاب على صفحة الذكريات القديمةِ.
هل أنت في قُوّة العُمْرِ مثل مصارعِ وحشٍ
وحاملِ رُمحٍ؟ فسدِّدْ إلى جهة القلبِ،
تعرفه جيدا موضع الألم المُتَكَلِّسِ،
ألقِ به نحوَ ظِلّ الصنوبر، هل تعرف الظلَّ؟
أطول من عُمرنا هو أعلى من الأرضِ،
في يده يأكل الفَيْنقُ النورَ، يغسلُ
ريش الأساطير، ثم يعود إلى وَهَجٍ.
لن تنام وحيدا،
فأنتَ وديعة أمٍ لنهر البدايةِ،
أو نَمَشٌ في وجوه الطفولةِ،
أنت كجَدْي الهضاب يُعيقُك صخرُ السفوحِ
وليس لقمة رأسك خوفٌ من الإنحدارِ،
ستختارُ فَصْلكَ في مسرحيةِ هزْلٍ
فلا تكثرت للشّخوصِ،
فأنت الأمير وساقي النبيذِ،
سترقصُ خوفا من الصّمتِ:
-أنتَ إذن ضيفُنا اليوم في سنةِ الهدْمِ
أو لحظة الإنعتاقِ؟
-أنا مثلما قلتَ: أتبعُ قافلةَ الغَجَرِ الطّيبين
يُريحونَ حزن المدينةِ
في لعبة الفرح المُسْتعارِ.
-سنمضي معًا؟ قلتُ لي.
و سنحلُم بالانتشاءِ؟
أجِبني بِحَقِّ الطريق الطويلِ ...
-أجلْ، نَشْوة الظلِّ،
في دَيْرِ صفصافةٍ،
أو ظِلالِ صنوبرةٍ لا تُبالي ...
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

أعرف من شعرك الراقي ذائقة-بوصلة نحو شمال الدهشة التي لا تخيب،
فتربو كلماتك بفرح لا نهائي
دمت في كل خير أخي العزيز
 
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...