[SIZE=18px]تيار الاستخلاف: نحو تيار فكرى اسلامى انسانى/ روحى/ مستنير ينطلق من مفهوم الاستخلاف
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
Sabri.m.khalil@gmail.com
اولا: تيار الاستخلاف:
ا/ تعريفه: تهدف الدراسة إلى التأسيس لتيار فكرى اسلامى ، ينطلق من الأبعاد المعرفية ( الحكمية " الفلسفيه" والمنهجية والمذهبية ) لمفهوم الاستخلاف القرانى، الذي أشارت إليه العديد من النصوص ، كقوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ليَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) .
ب/ خصائصه: وهذا التيار الفكرى الاسلامى ذو طابع:
1/ انسانى – روحي: لان مفهوم الاستخلاف- الذى يستند الي ابعاده المعرفيه – يلزم منه تأكيد قيمة الوجود الانسانى، وإثبات هذا الوجود بأبعاده المتعددة، وهو ما يتسق مع ما قررته العديد من النصوص كقوله تعالى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).وفى ذات الوقت يؤكد على أن الوجود الانسانى هو وجود محدود تكليفيا "بالسنن الالهيه"، و تكليفيا "بالوحي "، وبالتالي يجعل العلاقة بين الوجود الالهى والوجود الانسانى علاقة تحديد وتكامل، وليست علاقة إلغاء وتناقض ، كما في النزعة الانسانيه الغربية.
2/ مستنير " طبقا للمفهوم الاسلامى للتنوير": والذي أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى:(وأنزلنا إليكم نورا مبينا) ، لان هذا التيار الفكرى الاسلامى يهدف ذاتيا إلى تحرير عقل الإنسان المسلم من القيود التي تعوق فعاليته كوسيلة للمعرفة ، باعتبار أن ذلك هو شرط ذاتي لنقل المجتمعات المسلمة من تخلف النمو الحضاري إلي التقدم الحضاري. كما يهدف موضوعيا إلى حل المشاكل التي يطرحها واقع المجتمعات ألمسلمه المعين زمانا ومكانا.
ج/ اهدافه: هذا التيار الفكرى يهدف - على المستوى المذهبى - إلى الانتقال بالمسلمين من الواقع القائم على ثنائيه "الاستضعاف- الاستكبار"بكل أبعادها، والتي تمثل ما هو كائن ، إلى الاستخلاف بكل أبعاده (السياسيه ، الاقتصاديه، الاجتماعيه...)- وبالتالى لايختزل الاستخلاف فى بعده السياسى ، كما يفعل مذهب التفسير السياسى للدين ، الذى يعبر عنه البعض خطا بمصطلح "الاسلام السياسى" - والذي يمثل- اى الاستخلاف- ما ينبغي آن يكون، والذي بشرت به الايه:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...)(النور:55).
د/ وظيفتة: ووظيفه هذا التيار الفكري - على المستوى الفكري - ذات بعدين: البعد الاول نافى،ومضمونه تحرير العقل المسلم من نمط التفكير البدعى(المتضمن لانماط التفكير شبه الخرافى وشبه الاسطورى)، والبعد الثانى مثبت ، ومضمونه الالتزام بنمط التفكير الاجتهادي (المتضمن لانماط التفكير العلمى والعقلانى غير المتناقضه مع اصول الدين النصيه الثابته ).
ثانيا:الابعاد المعرفيه لمفهوم الاستخلاف: وتتضمن الابعاد المعرفيه لمفهوم الاستخلاف- والتى ينطلق منها هذا التيار الفكرى الاسلامى- الاتى:
ا/ البعد الحكمي"الفلسفى" لمفهوم الاستخلاف: ويتمثل في حكمه"فلسفه" الاستخلاف ، التي تقوم على محاوله تحديد العلاقة بين المستخلف بكسر اللام” الله تعالى” ، والمستخلف بفتح اللام”الإنسان” ،والمستخلف فيه "الكون”- اى محاوله تحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف – وذلك باتخاذ المفاهيم ألقرانيه الكلية ( التوحيد والاستخلاف والتسخير) مسلمات أولى ، ثم محاوله استنباط النتائج الحكمية "الفلسفية" لهذه المفاهيم الكلية، متخذه من اجتهادات أهل السنة- بمذاهبهم العقدية “الكلامية ” المتعددة – نقطه بداية- وليس نقطه نهاية – لهذا الاجتهاد. فمصطلح "اهل السنه " يستخدم هنا طبقا لمذهب الشمول الشرعى للمصطلح ، وليس طبقا لمذهب التضييق المذهبى له، والذى يقصره بعض مذاهب اهل السنه دون غيرها من مذاهبها .
ب/ البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف : ويتمثل في الاستخلاف كمنهج للمعرفة ، ومضمونه أن صفات الربوبية (اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) تظهر في عالم الشهادة على شكلين:الشكل الأول : تكويني: يتمثل في السنن إلالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى ، الشكل الثاني : تكليفي : يتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي مصدرها الوحي ، وهو يحدد الشكل التكويني كما يحدد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.
ج/ البعد المذهبي لمفهوم الاستخلاف : ويتمثل في الاستخلاف كمذهب“اى كمجموعه من الحلول للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين”، يتم التوصل اليها من خلال البحث فى شروط الاستخلاف النصيه المطلقه ، والاجتهاديه المقيده.
ثالثا: الاستخلاف وانواعه المتعدده :اشار القران الكريم إلى الوعد الالهى باستخلاف أمه التكليف " اى الامه الاسلاميه باممها وشعوبها وقبائلها... المتعدده " في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...)(النور:55). وتتضمن الايه الاشاره إلى أنواع متعددة من الاستخلاف هي :
أولا: الاستخلاف الاصلى"المثال" : ويتضمن أيضا نوعين من أنواع الاستخلاف:
ا/ الاستخلاف النبوي(المثال الاتباعى): وهو قسم من أقسام الاستخلاف الخاص ،الذي مضمونه استخلاف الله تعالى لفرد معين، و ينفرد به الرسل والأنبياء ، ولا يجوز نسبته إلى غيرهم . وهو مثال(نموذج) اتباعى لاى استخلاف للامه ،اى مثال (نموذج) واجب الإتباع لتحقيق الاستخلاف الاسلامى في اى زمان ومكان، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ (آل عمران: 31، 32)، ومضمون هذا الإتباع أن السنة النبوية هي احد المصادر الاصليه للتشريع الاسلامى" بالاضافه إلى القران الكريم " ، وان الأحاديث اليقينية الورود القطعية الدلالة مصدر لأصول الدين ، والأحاديث الظنية الورود والدلالة مصدره لفروعه
ب/الاستخلاف الراشدي(المثال الاقتدائى): وهذا الاستخلاف هو اعلي درجات الاستخلاف العام ، وهو مثال ( نموذج ) اقتدائي لاى استخلاف للامه، اى مثال(نموذج) واجب الاقتداء لتحقيق الاستخلاف الاسلامى في اى زمان ومكان،قال تعالى (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)(البقرة: 137). ومضمون هذا الاقتداء – على مستوى أصول الدين - الالتزام بفهم السلف الصالح للنصوص ، وما تتضمنه من عقائد وعبادات وأصول معاملات، كما أنها قائمه على إلغاء الإضافات التي طرأت علي فهم السلف لهذه الأصول .أما على مستوى فروع الدين فمضمون هذا الاقتداء هو اعتبار اجتهاد السلف الصالح في وضع قواعد فرعيه لتنظيم مجتمعاتهم استجابة للمشاكل التي عاشوها، ، تجسيد لماضي الامه وخبرتها، وبالتالي اتخاذه نقطه بداية لاجتهادنا فى وضع قواعد فرعيه لتنظيم مجتمعاتنا استجابة للمشاكل التي نعيشها ، وليس نقطه نهاية له، وذلك بالالتزام بالقواعد الفرعية التي وضعوها كما هي ، أو بعد الترجيح بينها ، أو وضع قواعد جديدة استجابة لمشاكل جديدة لم يعايشوها..
ثانيا:الاستخلاف التبعى (استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة): ويتضمن هذا الاستخلاف أيضا أنواع متعددة من الاستخلاف:
ا/الاستخلاف العام الاول للامه : وهو استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة،وقد كان قائما على الاتصال الزمانى بالاستخلاف المثال بنوعيه النبوي”والاقتدائى”الراشدي”، كما كان قائما على الاتصال المتناقص بالاستخلاف المثال بنوعيه ، بمعنى انه تضمن انقطاع قيمي تدريجي عنه.
ب/ الاستخلاف العام الثانى للامه: وهو استخلاف الامه في الحاضر ، وتحققه يكون بعد انقطاع زماني وقيمي عن الاستخلاف المثال بنوعيه . وأدله هذا النمط من أنماط الاستخلاف تشير إلى عدد غير معلوم من أنماط الاستخلاف .
ج/ استخلاف العام الاخير للامه : وهو استخلاف الامه آخر الزمان- والذي هو ممكن الوقوع في كل زمان- وهو مرتبط بظهور اشراط الساعة الكبرى ، اى الظهور الأكبر لاشراط الساعة .
ويهدف هذا التيار الفكرى الاسلامى (الذى يمكن التعبير عنه بمصطلح " تيارالاستخلاف ") الى المساهمه فى تحقيق الاستخلاف العام الثانى للامه.
رابعا: مراحل التغيير: و هناك مرحلتين أساسيتين للتغير:[/SIZE]
مرحله الاستطاعة: وهي مرحله الانتقال مما هو كائن، إلى ما هو ممكن ، والتي يمكن التعبير عنها بمصطلح الاستطاعة، ومن أدلتها: تقرير النصوص لقواعد متعددة مها قاعدة الاستطاعة (فَاتّقُوا ْاللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ)، ولهذه المرحلة مستويين :
مستوى أصلى: وهو مستواها الاعتقادى- الفكري، ومضمونه النافي هو تحرير العقل المسلم - كما اشرنا اعلاه - من نمط التفكير البدعى "المتضمن لنمطي التفكير شبه الخرافي والاسطورى" ، أما مضمونه المثبت فهو تبنى نمط التفكير الاجتهادي " المتضمن لنمطي التفكير العلمي والعقلاني الغير متناقضين مع الوحي" ( على المستوى الفكري)،والاجتهاد في وضع الحلول النظرية للمشاكل التي يطرحها هذا الواقع(على المستوى الاشكالى)،والتحديد النظري لأهداف الامه (على المستوى الغائي) .
مستوى فرعى: وهو مستواها العملي ، ومضمونه الانتقال مما هو كائن إلى ما هو ممكن، اى تنفيذ ما يتيح الواقع تنفيذه من حلول نظريه للمشاكل التي يطرحها الواقع ،وبعبارة أخرى اتخاذ كل الخطوات الممكنة في اتجاه تحقيق أهداف الامه .
مرحله العزم: وهي مرحله الانتقال مما هو ممكن إلى ما ينبغي أن يكون ، ويمكن التعبير عنها بمصطلح العزم ، و من أدلتها مفهوم العزم الذي يرتبط بما ينبغي أن يكون كما في قوله ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )( الشورى: 43 ) ، ولهذه المرحلة مستويين:
مستوى أصلى: وهو مستواها العملي، ومضمونه مما هو ممكن إلى مرحله ما ينبغي أن يكون ،وما ينبغي أن يكون هنا هو تنفيذ كل الحلول النظرية للمشاكل التي يطرحها الواقع ، وبعبارة أخرى التحقيق الكامل لكل أهداف الامه.
مستوى فرعي: و هو مستواها الاعتقادى- الفكري،ومضمونه هو الاجتهاد في وضع حلول للمشاكل الجديدة التي يطرحها الواقع بعد تغييره، أو تحديد الأهداف الجديدة للامه بعد تحقق الأهداف السابقة.
[SIZE=18px]ويهدف هذا التيار الفكرى الاسلامى(الذى يمكن التعبير عنه بمصطلح " تيارالاستخلاف ") الى المساهمه فى تحقيق المستوى الاصلى (العقدى - الفكرى)، للمرحله الاولى للتغيير( مرحله ماهو ممكن "الاستطاعه").
خامسا: الاستخلاف و تفعيل الاراده الشعبية: ويلزم من الاستخلاف تفعيل الاراده الشعبية ، اتساقا مع إثبات المنظور السياسي الاسلامى للاراده الشعبية ، استنادا إلى تقريره أن الحاكم نائب ووكيل عن الجماعة ،لها حق تعيينه ومراقبته وعزله ،يقول أبو يعلي (الخليفة وكيل للمسلمين ). أما ثنائيه الاستكبار / الاستضعاف فيلزم منها إلغاء الاراده الشعبيه .
اشكال تفعيل وتعطيل الاراده الشعبيه: وقد تضمنت مراحل استخلاف امه التكوين " الامه العربية المسلمه "، طبقا لبعده التكويني "السياسي" - وكذلك مراحل ثنائيه " الاستكبار / الاستضعاف"- اشكال متعدده لتفعيل وتعطيل الاراده الشعبية العربية وتتضمن:
أولا: في مرحله الاستخلاف العام الأول للامه : تضمنت هذه المرحلة اشكال تعطيل وتفعيل الاراده الشعبية التالية: ا/ التعطيل الاستبدادي"الداخلي": ويتمثل في عدم الالتزام – بدرجات متفاوتة – بقيمه الشورى ،التي كانت متحققة في مرحلتي الاستخلاف النبوي والراشدي. ب/ التعطيل الغزوى “الخارجي” : ويتمثل في تعرض الامه لغزوات متتالية(المغول والتتار، الصليبين، الاستعمار القديم ).…. ج/ التفعيل الزعامي : ويتمثل في نجاح الاراده الشعبية العربية في تحقيق أهدافها- والتي تتضمن نجاحها في مقاومه ودحر الغزوات المتتالية - من خلال توحدها خلف زعمائها التاريخيين - واخرهم الزعيم جمال عبد الناصر"رحمه الله تعالى"-
ثانيا: في مرحله الاستخلاف العام الثاني للامه : وهذه المرحلة هي مرحله الانتهاء "الفعلي " للاستخلاف العام الأول للامه- طبقا لبعده التكوينى "السياسى" – وفى ذات الوقت تتضمن مؤشرات لبداية الاستخلاف العام الثاني للامه – طبقا لهذا البعد ايضا- وتتضمن :
مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي: وهى مرحله التي بدأت باتخاذ الرئيس المصري / محمد أنور السادات سياسات تتعارض مع أهداف الاراده الشعبية العربية في الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة ، بدعم من الغرب بقياده الولايات المتحدة الامريكيه والكيان الصهيوني ، ومضمونها الارتداد "السياسي" عن سياسات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، والتى جسدت - على وجه الاجمال وليس التفصيل – اهداف الاراده الشعبيه العربيه، ممثله فى مواقفه الوطنيه والقوميه والعالميه ،التى كانت محل قبول الاراده الشعبيه العربيه- دون انكار ما شاب تجربته من بعض الاخطاء- والتى اقر بها هو شخصيا وحاول تصحيحها- بانتقال الرئيس السادات من مناهضه الاستعمار بكافه أشكاله، إلى التبعية للولايات المتحدة "شعار 99 فى المائه من اوراق اللعب فى يد امريكا" . ومن مناهضه الكيان الصهيوني إلى توقيع معاهده سلام معه- ما يعنى إعطاء شرعيه للاغتصاب الصهيوني لفلسطين"اتفاقيه كامدبفيد" . ومن التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية إلى تطبيق النظام الراسمالى الربوى تحت شعار الانفتاح الاقتصادي ، ومن التضامن العربيوالسعى لتحقيق الوحده العربيه إلى القطيعة مع الدول العربية… ثم سير عدد من الانظمه العربية في نفس هذا الخط . وفى هذه المرحلة تعطلت الاراده الشعبية العربية على المستوى السياسي ، نتيجة لتردى النظام السياسي العربي من التجزئة” الشعوبية ” إلى التفتيت”الطائفي “، فضلا عن انزلاق بعض أجزاء النظام السياسي العربي نحو الفوضى .
مرحله ظهور الاراده الشعبيه العربيه: غير أن تعطيل الاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي ، أدى إلى ظهور الاراده الشعبية العربية على مستوى آخر هو المستوى الشعبي ، فضلا عن انه مهد الطريق أمام انتقال الاراده الشعبية العربية من مرحله التفعيل الزعامي، إلى مرحله التفعيل الجماهيري لها (التى يمكن وصفها ايضا بعصر ظهور الاراده الشعبيه العربيه )، والتي يدعمها تطور وسائل الإعلام والاتصال وظهور الخاصية التفاعلية للإعلام. ، وتشمل هذه المرحلة مرحلتين من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربيةعلى المستوى الشعبي وهما :[/SIZE]
ا/ مرحله التفعيل التلقائي: و قد أخذت هذه المرحلة شكل رد فعل انفعالى "عاطفي" ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي ، ومراحل تطبيق المشاريع ، التي تهدف إلى إلغاء الإرادة الشعبية العربية"كمشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالي - الصهيوني" ، وقد حققت الاراده الشعبية العربية في هذه المرحلة العديد من الانتصارات، بدون ان يمثلها او يعبر عنها نظام سياسى معين، وتتضمن ثوره الشباب العربى بموجتيها: الموجه الأولى ، والتي نجحت في إسقاط عدد من الانظمه العربية الاستبدادية سلميا ،وبأساليب التغيير السياسي الديموقراطى، قبل أن تنجح القوى والنظم العالميه والاقليميه والمحليه ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية ، في تحويل مسارها في دول عربية أخرى ، من المسار الجماهيري السلمي ،إلى مسار طائفي مسلح "دموي ، بهدف تشويه صوره هذه الثورة الشعبية السلمية، ومن ثم منع انتقالها إلى دول أخرى. والموجه الثانيه والتى تتمثل فى الحراك الشعبي السلمي (السياسى او المطلبى) والذي طليعته الشباب أيضا، الحادث الان في العديد من الدول العربية ، والذى تعمل القوى والنظم " العالميه والاقليميه والمحليه"، ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية الحريه والعداله الاجتماعيه والوحده، على اجهاضه وافراغه من مضمونه، من خلال العديد من الاساليب ، واهمها اجراء تغيير شكلى يشمل تغيير الاشخاص ، دون اى تغيير حقيقى للسياسات الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه.. التى تتعارض مع اهداف الاراده الشعبيه العربيه. وهذه المرحله بمثابة مؤشر لبداية عصر ظهور الاراده الشعبيه العربيه.
مرحله التفعيل ألقصدي: إن تردى النظام السياسي العربي نحو مزيد من التجزئة "التفتيت"- بدرجه تزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى - فضلا عن محاولات النظم والقوى ذات المصالح المتعارضه مع اهداف الاراده الشعبيه العربيه ،اجهاض الانتصارات التى حققتها فى مرحله التفعيل التلقائى ، يقتضى ضرورة انتقالها إلى مرحله جديدة من مراحل تفعيلها، وهى المرحلة ألقصديه ، والتي يجب ان تتجاوز رد الفعل
العاطفي- التلقائي/ المؤقت- إلى الفعل العقلاني- المستمر – المنظم / المؤسساتي " اى القائم على تأسيس مؤسسات ،هيئات ، منظمات،لجان، مبادارات ….شعبيه ، تعبر عن الاراده الشعبية في كل المستويات "، والذي يهدف إلى تحقيق ما هو ممكن من خطوات ، تجاه أهداف الاراده الشعبية العربية ، بأساليب سلميه. والانتقال الى هذه المرحلة سيمثل التحقق الفعلى لعصر ظهور الاراده الشعبية العربية.
[SIZE=18px]شروط الاستخلاف: تشير ايه الاستخلاف الى ان تحققه متوقف على الالتزام بشروطه(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ وهناك نوعين من انواع شروط الاستخلاف:
اولا: شروطه النصية المطلقة : وتتضمن مفاهيم وقيم وقواعد الوحي كلية، التى تحدد – ولا تلغى - الابعاد المتعدده (السياسيه ، الاقتصاديه ، الاجتماعيه ... للاستخلاف).
شروطه الاجتهادية المقيدة : وتتضمن أهداف الاراده الشعبية العربية - بما هي حلول للمشاكل المشتركه التى يطرحها الواقع العربي المعاصر- وهى:
ا/الحرية كشرط للبعد السياسى للاستخلاف.
ب/العدالة الاجتماعية كشرط للبعد الاقتصادى للاستخلاف.
ج/الوحدة كشرط للبعد الاجتماعى للاستخلاف.
د/ الجمع بين الاصاله والمعاصرة كشرط للبعد الحضارى للاستخلاف ،من خلال الالتزام بمفهوم التجديد طبقا لضوابطه الشرعية . ويتضمن تأصيل هذه الاهداف من خلال تقرير:
أولا: أن هذه الاهداف هى تطبيق لقيم دعا إليها الإسلام :
ا/ فقد أكد المنظور القيمى الإسلامى على قيمه الحرية بأبعادها المتعددة قال عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه )( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً) (فتوح مصر ، ص 290 )
ب/ كما اعتبر المنظور الاجتماعي والاقتصادى الاسلامى أن العدل الاجتماعي غاية للنشاط الاقتصادي للفرد والدولة ”كممثل للمجتمع” ، وذلك من خلال تقريره لشرطي العدل الاجتماعي: الشرط الاول هو تكافؤ الفرص، ومثال له قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ( والله ما احد أحق بهذا المال من احد ،وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته)، والشرط الثاني هو عدالة توزيع الثروة ،ومثال له روي أن ابوعبيدة تحدث يوماً مع عمر(رضي الله عنه) في استخدام الصحابة في العمل فقال ( أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة ) .
ج/ كما حثت النصوص المسلمين على الوحدة- بشكليها التكليفى "الديني" والتكويني" السياسي" ، كما في قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) . وهو ما يتضح من خلال اقرار هذه النصوص بنمطا الامه:
النمط الاول: أمه التكليف والتي مناط الانتماء إليها العقيدة.
النمط الثانى: أمه التكوين التي مناط الانتماء إليها: معياران
المعيارالاول : اللسان"اللغه" : قال تعالى( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)( الروم:22)، تشير الايه إلى معيار الانتماء إلى الأطوار القبلية "النسب المتضمن للون" .
المعيار الثانى : الديار " الاستقرار في الأرض الخاصة ": قال تعالى:﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾( الممتحنة:8).
د/ كما أشارت العديد من النصوص إلى مفهوم التجديد– بضوابط اشارت اليها نصوص اخرى - ومنها الحديث: روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )(قال البيروتي في أسني المطالب : رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم ).[/SIZE]
ثانيا:تقرير علماء اهل السنه أن السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص : يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ))ابن القيم/ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية)
[SIZE=18px]----------------------------------------[/SIZE]
- للاطلاع على دراسات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن اشترك فى:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات: الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري
2/ القناه الرسميه للدكتور صبرى محمد خليل على اليوتيوب:
د.صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم
Sabri.m.khalil@gmail.com
اولا: تيار الاستخلاف:
ا/ تعريفه: تهدف الدراسة إلى التأسيس لتيار فكرى اسلامى ، ينطلق من الأبعاد المعرفية ( الحكمية " الفلسفيه" والمنهجية والمذهبية ) لمفهوم الاستخلاف القرانى، الذي أشارت إليه العديد من النصوص ، كقوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ليَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ) .
ب/ خصائصه: وهذا التيار الفكرى الاسلامى ذو طابع:
1/ انسانى – روحي: لان مفهوم الاستخلاف- الذى يستند الي ابعاده المعرفيه – يلزم منه تأكيد قيمة الوجود الانسانى، وإثبات هذا الوجود بأبعاده المتعددة، وهو ما يتسق مع ما قررته العديد من النصوص كقوله تعالى(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).وفى ذات الوقت يؤكد على أن الوجود الانسانى هو وجود محدود تكليفيا "بالسنن الالهيه"، و تكليفيا "بالوحي "، وبالتالي يجعل العلاقة بين الوجود الالهى والوجود الانسانى علاقة تحديد وتكامل، وليست علاقة إلغاء وتناقض ، كما في النزعة الانسانيه الغربية.
2/ مستنير " طبقا للمفهوم الاسلامى للتنوير": والذي أشارت إليه العديد من النصوص كقوله تعالى:(وأنزلنا إليكم نورا مبينا) ، لان هذا التيار الفكرى الاسلامى يهدف ذاتيا إلى تحرير عقل الإنسان المسلم من القيود التي تعوق فعاليته كوسيلة للمعرفة ، باعتبار أن ذلك هو شرط ذاتي لنقل المجتمعات المسلمة من تخلف النمو الحضاري إلي التقدم الحضاري. كما يهدف موضوعيا إلى حل المشاكل التي يطرحها واقع المجتمعات ألمسلمه المعين زمانا ومكانا.
ج/ اهدافه: هذا التيار الفكرى يهدف - على المستوى المذهبى - إلى الانتقال بالمسلمين من الواقع القائم على ثنائيه "الاستضعاف- الاستكبار"بكل أبعادها، والتي تمثل ما هو كائن ، إلى الاستخلاف بكل أبعاده (السياسيه ، الاقتصاديه، الاجتماعيه...)- وبالتالى لايختزل الاستخلاف فى بعده السياسى ، كما يفعل مذهب التفسير السياسى للدين ، الذى يعبر عنه البعض خطا بمصطلح "الاسلام السياسى" - والذي يمثل- اى الاستخلاف- ما ينبغي آن يكون، والذي بشرت به الايه:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...)(النور:55).
د/ وظيفتة: ووظيفه هذا التيار الفكري - على المستوى الفكري - ذات بعدين: البعد الاول نافى،ومضمونه تحرير العقل المسلم من نمط التفكير البدعى(المتضمن لانماط التفكير شبه الخرافى وشبه الاسطورى)، والبعد الثانى مثبت ، ومضمونه الالتزام بنمط التفكير الاجتهادي (المتضمن لانماط التفكير العلمى والعقلانى غير المتناقضه مع اصول الدين النصيه الثابته ).
ثانيا:الابعاد المعرفيه لمفهوم الاستخلاف: وتتضمن الابعاد المعرفيه لمفهوم الاستخلاف- والتى ينطلق منها هذا التيار الفكرى الاسلامى- الاتى:
ا/ البعد الحكمي"الفلسفى" لمفهوم الاستخلاف: ويتمثل في حكمه"فلسفه" الاستخلاف ، التي تقوم على محاوله تحديد العلاقة بين المستخلف بكسر اللام” الله تعالى” ، والمستخلف بفتح اللام”الإنسان” ،والمستخلف فيه "الكون”- اى محاوله تحديد العلاقة بين أطراف علاقة الاستخلاف – وذلك باتخاذ المفاهيم ألقرانيه الكلية ( التوحيد والاستخلاف والتسخير) مسلمات أولى ، ثم محاوله استنباط النتائج الحكمية "الفلسفية" لهذه المفاهيم الكلية، متخذه من اجتهادات أهل السنة- بمذاهبهم العقدية “الكلامية ” المتعددة – نقطه بداية- وليس نقطه نهاية – لهذا الاجتهاد. فمصطلح "اهل السنه " يستخدم هنا طبقا لمذهب الشمول الشرعى للمصطلح ، وليس طبقا لمذهب التضييق المذهبى له، والذى يقصره بعض مذاهب اهل السنه دون غيرها من مذاهبها .
ب/ البعد المنهجي لمفهوم الاستخلاف : ويتمثل في الاستخلاف كمنهج للمعرفة ، ومضمونه أن صفات الربوبية (اى ما دل على الفعل المطلق لله تعالى) تظهر في عالم الشهادة على شكلين:الشكل الأول : تكويني: يتمثل في السنن إلالهيه التي تضبط حركه الوجود الشهادى ، الشكل الثاني : تكليفي : يتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكلية التي مصدرها الوحي ، وهو يحدد الشكل التكويني كما يحدد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه.
ج/ البعد المذهبي لمفهوم الاستخلاف : ويتمثل في الاستخلاف كمذهب“اى كمجموعه من الحلول للمشاكل التي يطرحها الواقع المعين”، يتم التوصل اليها من خلال البحث فى شروط الاستخلاف النصيه المطلقه ، والاجتهاديه المقيده.
ثالثا: الاستخلاف وانواعه المتعدده :اشار القران الكريم إلى الوعد الالهى باستخلاف أمه التكليف " اى الامه الاسلاميه باممها وشعوبها وقبائلها... المتعدده " في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ...)(النور:55). وتتضمن الايه الاشاره إلى أنواع متعددة من الاستخلاف هي :
أولا: الاستخلاف الاصلى"المثال" : ويتضمن أيضا نوعين من أنواع الاستخلاف:
ا/ الاستخلاف النبوي(المثال الاتباعى): وهو قسم من أقسام الاستخلاف الخاص ،الذي مضمونه استخلاف الله تعالى لفرد معين، و ينفرد به الرسل والأنبياء ، ولا يجوز نسبته إلى غيرهم . وهو مثال(نموذج) اتباعى لاى استخلاف للامه ،اى مثال (نموذج) واجب الإتباع لتحقيق الاستخلاف الاسلامى في اى زمان ومكان، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ (آل عمران: 31، 32)، ومضمون هذا الإتباع أن السنة النبوية هي احد المصادر الاصليه للتشريع الاسلامى" بالاضافه إلى القران الكريم " ، وان الأحاديث اليقينية الورود القطعية الدلالة مصدر لأصول الدين ، والأحاديث الظنية الورود والدلالة مصدره لفروعه
ب/الاستخلاف الراشدي(المثال الاقتدائى): وهذا الاستخلاف هو اعلي درجات الاستخلاف العام ، وهو مثال ( نموذج ) اقتدائي لاى استخلاف للامه، اى مثال(نموذج) واجب الاقتداء لتحقيق الاستخلاف الاسلامى في اى زمان ومكان،قال تعالى (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)(البقرة: 137). ومضمون هذا الاقتداء – على مستوى أصول الدين - الالتزام بفهم السلف الصالح للنصوص ، وما تتضمنه من عقائد وعبادات وأصول معاملات، كما أنها قائمه على إلغاء الإضافات التي طرأت علي فهم السلف لهذه الأصول .أما على مستوى فروع الدين فمضمون هذا الاقتداء هو اعتبار اجتهاد السلف الصالح في وضع قواعد فرعيه لتنظيم مجتمعاتهم استجابة للمشاكل التي عاشوها، ، تجسيد لماضي الامه وخبرتها، وبالتالي اتخاذه نقطه بداية لاجتهادنا فى وضع قواعد فرعيه لتنظيم مجتمعاتنا استجابة للمشاكل التي نعيشها ، وليس نقطه نهاية له، وذلك بالالتزام بالقواعد الفرعية التي وضعوها كما هي ، أو بعد الترجيح بينها ، أو وضع قواعد جديدة استجابة لمشاكل جديدة لم يعايشوها..
ثانيا:الاستخلاف التبعى (استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة): ويتضمن هذا الاستخلاف أيضا أنواع متعددة من الاستخلاف:
ا/الاستخلاف العام الاول للامه : وهو استخلاف الامه بعد الخلافة الراشدة،وقد كان قائما على الاتصال الزمانى بالاستخلاف المثال بنوعيه النبوي”والاقتدائى”الراشدي”، كما كان قائما على الاتصال المتناقص بالاستخلاف المثال بنوعيه ، بمعنى انه تضمن انقطاع قيمي تدريجي عنه.
ب/ الاستخلاف العام الثانى للامه: وهو استخلاف الامه في الحاضر ، وتحققه يكون بعد انقطاع زماني وقيمي عن الاستخلاف المثال بنوعيه . وأدله هذا النمط من أنماط الاستخلاف تشير إلى عدد غير معلوم من أنماط الاستخلاف .
ج/ استخلاف العام الاخير للامه : وهو استخلاف الامه آخر الزمان- والذي هو ممكن الوقوع في كل زمان- وهو مرتبط بظهور اشراط الساعة الكبرى ، اى الظهور الأكبر لاشراط الساعة .
ويهدف هذا التيار الفكرى الاسلامى (الذى يمكن التعبير عنه بمصطلح " تيارالاستخلاف ") الى المساهمه فى تحقيق الاستخلاف العام الثانى للامه.
رابعا: مراحل التغيير: و هناك مرحلتين أساسيتين للتغير:[/SIZE]
مرحله الاستطاعة: وهي مرحله الانتقال مما هو كائن، إلى ما هو ممكن ، والتي يمكن التعبير عنها بمصطلح الاستطاعة، ومن أدلتها: تقرير النصوص لقواعد متعددة مها قاعدة الاستطاعة (فَاتّقُوا ْاللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ)، ولهذه المرحلة مستويين :
مستوى أصلى: وهو مستواها الاعتقادى- الفكري، ومضمونه النافي هو تحرير العقل المسلم - كما اشرنا اعلاه - من نمط التفكير البدعى "المتضمن لنمطي التفكير شبه الخرافي والاسطورى" ، أما مضمونه المثبت فهو تبنى نمط التفكير الاجتهادي " المتضمن لنمطي التفكير العلمي والعقلاني الغير متناقضين مع الوحي" ( على المستوى الفكري)،والاجتهاد في وضع الحلول النظرية للمشاكل التي يطرحها هذا الواقع(على المستوى الاشكالى)،والتحديد النظري لأهداف الامه (على المستوى الغائي) .
مستوى فرعى: وهو مستواها العملي ، ومضمونه الانتقال مما هو كائن إلى ما هو ممكن، اى تنفيذ ما يتيح الواقع تنفيذه من حلول نظريه للمشاكل التي يطرحها الواقع ،وبعبارة أخرى اتخاذ كل الخطوات الممكنة في اتجاه تحقيق أهداف الامه .
مرحله العزم: وهي مرحله الانتقال مما هو ممكن إلى ما ينبغي أن يكون ، ويمكن التعبير عنها بمصطلح العزم ، و من أدلتها مفهوم العزم الذي يرتبط بما ينبغي أن يكون كما في قوله ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )( الشورى: 43 ) ، ولهذه المرحلة مستويين:
مستوى أصلى: وهو مستواها العملي، ومضمونه مما هو ممكن إلى مرحله ما ينبغي أن يكون ،وما ينبغي أن يكون هنا هو تنفيذ كل الحلول النظرية للمشاكل التي يطرحها الواقع ، وبعبارة أخرى التحقيق الكامل لكل أهداف الامه.
مستوى فرعي: و هو مستواها الاعتقادى- الفكري،ومضمونه هو الاجتهاد في وضع حلول للمشاكل الجديدة التي يطرحها الواقع بعد تغييره، أو تحديد الأهداف الجديدة للامه بعد تحقق الأهداف السابقة.
[SIZE=18px]ويهدف هذا التيار الفكرى الاسلامى(الذى يمكن التعبير عنه بمصطلح " تيارالاستخلاف ") الى المساهمه فى تحقيق المستوى الاصلى (العقدى - الفكرى)، للمرحله الاولى للتغيير( مرحله ماهو ممكن "الاستطاعه").
خامسا: الاستخلاف و تفعيل الاراده الشعبية: ويلزم من الاستخلاف تفعيل الاراده الشعبية ، اتساقا مع إثبات المنظور السياسي الاسلامى للاراده الشعبية ، استنادا إلى تقريره أن الحاكم نائب ووكيل عن الجماعة ،لها حق تعيينه ومراقبته وعزله ،يقول أبو يعلي (الخليفة وكيل للمسلمين ). أما ثنائيه الاستكبار / الاستضعاف فيلزم منها إلغاء الاراده الشعبيه .
اشكال تفعيل وتعطيل الاراده الشعبيه: وقد تضمنت مراحل استخلاف امه التكوين " الامه العربية المسلمه "، طبقا لبعده التكويني "السياسي" - وكذلك مراحل ثنائيه " الاستكبار / الاستضعاف"- اشكال متعدده لتفعيل وتعطيل الاراده الشعبية العربية وتتضمن:
أولا: في مرحله الاستخلاف العام الأول للامه : تضمنت هذه المرحلة اشكال تعطيل وتفعيل الاراده الشعبية التالية: ا/ التعطيل الاستبدادي"الداخلي": ويتمثل في عدم الالتزام – بدرجات متفاوتة – بقيمه الشورى ،التي كانت متحققة في مرحلتي الاستخلاف النبوي والراشدي. ب/ التعطيل الغزوى “الخارجي” : ويتمثل في تعرض الامه لغزوات متتالية(المغول والتتار، الصليبين، الاستعمار القديم ).…. ج/ التفعيل الزعامي : ويتمثل في نجاح الاراده الشعبية العربية في تحقيق أهدافها- والتي تتضمن نجاحها في مقاومه ودحر الغزوات المتتالية - من خلال توحدها خلف زعمائها التاريخيين - واخرهم الزعيم جمال عبد الناصر"رحمه الله تعالى"-
ثانيا: في مرحله الاستخلاف العام الثاني للامه : وهذه المرحلة هي مرحله الانتهاء "الفعلي " للاستخلاف العام الأول للامه- طبقا لبعده التكوينى "السياسى" – وفى ذات الوقت تتضمن مؤشرات لبداية الاستخلاف العام الثاني للامه – طبقا لهذا البعد ايضا- وتتضمن :
مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي: وهى مرحله التي بدأت باتخاذ الرئيس المصري / محمد أنور السادات سياسات تتعارض مع أهداف الاراده الشعبية العربية في الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة ، بدعم من الغرب بقياده الولايات المتحدة الامريكيه والكيان الصهيوني ، ومضمونها الارتداد "السياسي" عن سياسات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، والتى جسدت - على وجه الاجمال وليس التفصيل – اهداف الاراده الشعبيه العربيه، ممثله فى مواقفه الوطنيه والقوميه والعالميه ،التى كانت محل قبول الاراده الشعبيه العربيه- دون انكار ما شاب تجربته من بعض الاخطاء- والتى اقر بها هو شخصيا وحاول تصحيحها- بانتقال الرئيس السادات من مناهضه الاستعمار بكافه أشكاله، إلى التبعية للولايات المتحدة "شعار 99 فى المائه من اوراق اللعب فى يد امريكا" . ومن مناهضه الكيان الصهيوني إلى توقيع معاهده سلام معه- ما يعنى إعطاء شرعيه للاغتصاب الصهيوني لفلسطين"اتفاقيه كامدبفيد" . ومن التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية إلى تطبيق النظام الراسمالى الربوى تحت شعار الانفتاح الاقتصادي ، ومن التضامن العربيوالسعى لتحقيق الوحده العربيه إلى القطيعة مع الدول العربية… ثم سير عدد من الانظمه العربية في نفس هذا الخط . وفى هذه المرحلة تعطلت الاراده الشعبية العربية على المستوى السياسي ، نتيجة لتردى النظام السياسي العربي من التجزئة” الشعوبية ” إلى التفتيت”الطائفي “، فضلا عن انزلاق بعض أجزاء النظام السياسي العربي نحو الفوضى .
مرحله ظهور الاراده الشعبيه العربيه: غير أن تعطيل الاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي ، أدى إلى ظهور الاراده الشعبية العربية على مستوى آخر هو المستوى الشعبي ، فضلا عن انه مهد الطريق أمام انتقال الاراده الشعبية العربية من مرحله التفعيل الزعامي، إلى مرحله التفعيل الجماهيري لها (التى يمكن وصفها ايضا بعصر ظهور الاراده الشعبيه العربيه )، والتي يدعمها تطور وسائل الإعلام والاتصال وظهور الخاصية التفاعلية للإعلام. ، وتشمل هذه المرحلة مرحلتين من مراحل تفعيل الاراده الشعبية العربيةعلى المستوى الشعبي وهما :[/SIZE]
ا/ مرحله التفعيل التلقائي: و قد أخذت هذه المرحلة شكل رد فعل انفعالى "عاطفي" ضد مظاهر تردى النظام السياسي العربي ، ومراحل تطبيق المشاريع ، التي تهدف إلى إلغاء الإرادة الشعبية العربية"كمشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالي - الصهيوني" ، وقد حققت الاراده الشعبية العربية في هذه المرحلة العديد من الانتصارات، بدون ان يمثلها او يعبر عنها نظام سياسى معين، وتتضمن ثوره الشباب العربى بموجتيها: الموجه الأولى ، والتي نجحت في إسقاط عدد من الانظمه العربية الاستبدادية سلميا ،وبأساليب التغيير السياسي الديموقراطى، قبل أن تنجح القوى والنظم العالميه والاقليميه والمحليه ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية ، في تحويل مسارها في دول عربية أخرى ، من المسار الجماهيري السلمي ،إلى مسار طائفي مسلح "دموي ، بهدف تشويه صوره هذه الثورة الشعبية السلمية، ومن ثم منع انتقالها إلى دول أخرى. والموجه الثانيه والتى تتمثل فى الحراك الشعبي السلمي (السياسى او المطلبى) والذي طليعته الشباب أيضا، الحادث الان في العديد من الدول العربية ، والذى تعمل القوى والنظم " العالميه والاقليميه والمحليه"، ذات المصالح المتعارضة مع أهداف الاراده الشعبية العربية الحريه والعداله الاجتماعيه والوحده، على اجهاضه وافراغه من مضمونه، من خلال العديد من الاساليب ، واهمها اجراء تغيير شكلى يشمل تغيير الاشخاص ، دون اى تغيير حقيقى للسياسات الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه.. التى تتعارض مع اهداف الاراده الشعبيه العربيه. وهذه المرحله بمثابة مؤشر لبداية عصر ظهور الاراده الشعبيه العربيه.
مرحله التفعيل ألقصدي: إن تردى النظام السياسي العربي نحو مزيد من التجزئة "التفتيت"- بدرجه تزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى - فضلا عن محاولات النظم والقوى ذات المصالح المتعارضه مع اهداف الاراده الشعبيه العربيه ،اجهاض الانتصارات التى حققتها فى مرحله التفعيل التلقائى ، يقتضى ضرورة انتقالها إلى مرحله جديدة من مراحل تفعيلها، وهى المرحلة ألقصديه ، والتي يجب ان تتجاوز رد الفعل
العاطفي- التلقائي/ المؤقت- إلى الفعل العقلاني- المستمر – المنظم / المؤسساتي " اى القائم على تأسيس مؤسسات ،هيئات ، منظمات،لجان، مبادارات ….شعبيه ، تعبر عن الاراده الشعبية في كل المستويات "، والذي يهدف إلى تحقيق ما هو ممكن من خطوات ، تجاه أهداف الاراده الشعبية العربية ، بأساليب سلميه. والانتقال الى هذه المرحلة سيمثل التحقق الفعلى لعصر ظهور الاراده الشعبية العربية.
[SIZE=18px]شروط الاستخلاف: تشير ايه الاستخلاف الى ان تحققه متوقف على الالتزام بشروطه(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ وهناك نوعين من انواع شروط الاستخلاف:
اولا: شروطه النصية المطلقة : وتتضمن مفاهيم وقيم وقواعد الوحي كلية، التى تحدد – ولا تلغى - الابعاد المتعدده (السياسيه ، الاقتصاديه ، الاجتماعيه ... للاستخلاف).
شروطه الاجتهادية المقيدة : وتتضمن أهداف الاراده الشعبية العربية - بما هي حلول للمشاكل المشتركه التى يطرحها الواقع العربي المعاصر- وهى:
ا/الحرية كشرط للبعد السياسى للاستخلاف.
ب/العدالة الاجتماعية كشرط للبعد الاقتصادى للاستخلاف.
ج/الوحدة كشرط للبعد الاجتماعى للاستخلاف.
د/ الجمع بين الاصاله والمعاصرة كشرط للبعد الحضارى للاستخلاف ،من خلال الالتزام بمفهوم التجديد طبقا لضوابطه الشرعية . ويتضمن تأصيل هذه الاهداف من خلال تقرير:
أولا: أن هذه الاهداف هى تطبيق لقيم دعا إليها الإسلام :
ا/ فقد أكد المنظور القيمى الإسلامى على قيمه الحرية بأبعادها المتعددة قال عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه )( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً) (فتوح مصر ، ص 290 )
ب/ كما اعتبر المنظور الاجتماعي والاقتصادى الاسلامى أن العدل الاجتماعي غاية للنشاط الاقتصادي للفرد والدولة ”كممثل للمجتمع” ، وذلك من خلال تقريره لشرطي العدل الاجتماعي: الشرط الاول هو تكافؤ الفرص، ومثال له قول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ( والله ما احد أحق بهذا المال من احد ،وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته)، والشرط الثاني هو عدالة توزيع الثروة ،ومثال له روي أن ابوعبيدة تحدث يوماً مع عمر(رضي الله عنه) في استخدام الصحابة في العمل فقال ( أما إن فعلت فأغنهم بالعمالة عن الخيانة ) .
ج/ كما حثت النصوص المسلمين على الوحدة- بشكليها التكليفى "الديني" والتكويني" السياسي" ، كما في قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) . وهو ما يتضح من خلال اقرار هذه النصوص بنمطا الامه:
النمط الاول: أمه التكليف والتي مناط الانتماء إليها العقيدة.
النمط الثانى: أمه التكوين التي مناط الانتماء إليها: معياران
المعيارالاول : اللسان"اللغه" : قال تعالى( وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ)( الروم:22)، تشير الايه إلى معيار الانتماء إلى الأطوار القبلية "النسب المتضمن للون" .
المعيار الثانى : الديار " الاستقرار في الأرض الخاصة ": قال تعالى:﴿ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾( الممتحنة:8).
د/ كما أشارت العديد من النصوص إلى مفهوم التجديد– بضوابط اشارت اليها نصوص اخرى - ومنها الحديث: روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها )(قال البيروتي في أسني المطالب : رواه أبو داود وغيره وصححه الحاكم ).[/SIZE]
ثانيا:تقرير علماء اهل السنه أن السياسة الشرعية هي ما كل يحقق مصلحه الجماعة ولو لم يرد فيه نص : يقول ابْنُ عَقِيلٍ(السِّيَاسَةُ مَا كَانَ فِعْلاً يَكُونُ مَعَهُ النَّاسُ أَقْرَبَ إلَى الصَّلَاحِ، وَأَبْعَدَ عَنْ الْفَسَادِ، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَزَلَ بِهِ وَحْيٌ))ابن القيم/ الطرق الحكمية في السياسة الشرعية)
[SIZE=18px]----------------------------------------[/SIZE]
- للاطلاع على دراسات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن اشترك فى:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات: الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري
2/ القناه الرسميه للدكتور صبرى محمد خليل على اليوتيوب: