د. محمد الهادي الطاهري - قراءة في نص "رجل سلبي" للقاص جمعة شنب

1. النصّ:
اقتنعتُ، ليلة أمس فقط، بأنّني مواطن سلبيٌّ و (نقّاق)!
فالمذيعة التي بدت متحمّسة ومتأنّقة وإيجابيّة، والتي تعمل في قناة فضائيّة محليّة، اتّصلت بناطق إعلامي في وزارة غير سياديّة، وحاورته في قضيّة الكلب الذي أصيب بفيروس كورونا المستجدّ، وتمّ حجره، والسيّد الناطق الإعلامي قال كلامًا وثوقيًّا جدًّا حول الوباء، كلامًا لا تجرؤ على التفوّه به مختبرات برلين وكاليفورنيا ووهان، وأكّد لها ولنا، نحن المشاهدين: أنّ الإنسان هو من ينقل العدوى إلى الحيوان، وليس العكس.
النّاطق الإعلامي الذي لطالما قلت إنّه غير ضروري، وغير مهمّ، ولا حاجة لأحد به، غير معالي الوزير، غير المهمّ أيضًا، ردّد مفردة "حقيقةً" أربعة آلاف مرّة تقريبًا، في أقلَّ من أربع دقائق، وصحّح للمذيعة المتحمّسة الخطأ الإعلامي المتداول، في قضيّة السيّد الكلب المصاب، الذي حوّل مجتمعنا إلى مجتمع رفيق جدًّا بالحيوان، ما إن شاع خبر إصابته بكورونا، مؤكّدًا أنّ عليها استبدال كلمة الحُرْجيّ بالحِجريّ، ما لاقى استجابة كبيرة من السيّدة المذيعة، المتفهّمة بالطّبع، والديمقراطيّة جدًّا، على العكس من مذيعات القنوات الخليجيّة والإيرانيّة المتنمّرات.
"حقيقةً" كانت مقابلةً مهمّةً جدًّا، أفدت منها كثيرًا، وخلصت إلى أنّني مواطنٌ كثير التذمّر، وأنّ عليّ أن أغيّر كلامي عن البيروقراطيّة والترهّل الإداري في قطاع الخدمة العامّة، وأن عليّ أن أقتنع أيضًا، بأنّ الناطقين الإعلاميّين مهمّون جدًّا، حتّى لو كانوا منتسبين إلى وزارات غير مهمّة، على شاشات غير مهمّة، وفي موضوعات غير مهمّة بالمرّة، بالمرّة!

جمعة شنب


===============


2. تقديم:
• يُعتبر جمعة شنب من أبرز كتّاب القصّة القصيرة جدّا في الوطن العربيّ، والغالب على قصصه كما يقول إبراهيم السعافين في مقال له عن المجموعة القصصيّة قهوة رديئة أنّها "أشبه بالمرايا التي تعكس ما جرى ويجري في محيط الكاتب الإنساني على أكثر من مستوى". وقد اخترنا هذا النصّ على حداثته لما وجدنا فيه من ظواهر فنّية تساعد القارئ على اكتشاف أهمّ ما يميّز القصّة القصيرة جدّا من حيث البناء والأسلوب فضلا عن كونه حقّا مرآة تعكس ما يجري في محيطنا اليوم على أكثر من صعيد. وسنعتني في شرح هذا النص/ القصّة بتقنيات الوصف خصوصا لفهم جملة الصور التي رسمها الكاتب للتعبير عمّا أصاب الإنسانيّة من بلايا كثيرة بعضها طبيعي مثل وباء كورونا وبعضها الآخر ثقافي مثل وباء الإعلام وآثاره البليغة في العقول والنفوس.
• يقوم النص الوصفيّ أساسا على ركنين اثنين وهما الواصف والموصوف. أمّا الواصف فهو المتلفّظ يتولّى بما أتيح له من أدوات الوصف بناء صورة ونقلها إلى المتلقّي لغايات عديدة تتراوح بين مجرّد التعريف بالموصوف والتأثير في الموصوف له والتعبير عمّا يجده الواصف في موضوع الوصف من معان جذبته إليه وأثارت مشاعره وحيّرت فكره. وأمّا الموصوف فهو موضوع الخطاب يلتقطه الواصف من موضعه في نظام الوجود ويعيد إنتاجه ليجد له موضعا في نظام اللغة، وذلك هو معنى الوصف الفنّي باعتباره إعادة بناء العالم ذهنيّا. وليس للنصّ الوصفي في الخطاب النقديّ بنية تميّزه، لذلك يتحدّث النقاد في تحليل هذا النمط من النصوص عن النظام بدل البنية، والمقصود من نظام الوصف الطريقة التي توخّاها الواصف في ترتيب عناصر الموصوف وتوزيعها في فضاء النصّ أو إطار الصورة. ويكون ذلك في العادة حركة من الداخل إلى الخارج أو العكس، أو حركة من القريب إلى البعيد أو العكس، أو حركة من الأعلى إلى الأسفل أو العكس، أو حركة من الكلّ إلى الجزء أو العكس.

3. الشرح التفصيلي:
• مكوّنات النص: يتكوّن هذا النص باعتباره وصفيّا من ثلاث صور أساسيّة وهي صورة الواصف وصورة المذيعة وصورة الناطق الإعلاميّ، وتنتشر بين هذه الصور الثلاث صور أخرى هامشيّة مثل صورة الكلب وصورة الوزير وصورة قطاع الخدمة العامّة. والمعيار في تصنيف هذه الصور إلى صور أساسيّة وأخرى عرضيّة هو نسبة ظهورها في المشهد وكمّية الخطاب المتعلّق بها. لقد تعلّق الخطاب في مجمله بصور الواصف والمذيعة والناطق الإعلامي، ولم تظهر صور الكلب والوزير وقطاع الخدمة العامّة إلاّ في سياق الحديث عن إحدى الصور الأساسيّة الثلاث، وهو ما يجعلها صورا تكميلية تدعم الصور الأساسيّة لتمثّل مشهد عامّ يمكن أن نسميّه مشهد التفاهة الذي بات يخيّم على الإنسانيّة.

• صورة الواصف:
 ظهرت هذه الصورة في أوّل النص وآخره، وهو ما يجعلها صورة إطارا تحيط بلوحة التفاهة، وقد صيغت هذه الصورة في خطاب سرديّ ينقل صنفين من الأفعال المسندة إلى ضمير المتكلّم بعضها في صيغة الماضي الدالّة على حدوث الفعل وانقضائه في الزمن الماضي( اقتنعتُ، أفدتُ، خلُصت)، وبعضها الآخر في صيغة المضارع المنصوب الدالّة على توقّع حدوث الفعل في الزمن المستقبل (أن أقتنعَ، أن أغيّرَ). في هذا السرد كما نرى حدث نفسيّ واحد جرى في ذهن المتكلّم وهو الوعي بحقيقة ذاته، وقد تمّ الحديث عن هذا الوعي بثلاثة أفعال ظهر الأوّل منها في مطلع النص وهو فعل ( اقتنعتُ)، وظهر الآخران في نهايته ( أفدتُ، خلُصت). ويعبّر هذا التوزيع عن العلاقة السببيّة بين الأفعال الثلاثة، ففعل الاقتناع المعلن عنه في البدء كان في الواقع نتيجة الفعلين الأخيرين، إذ كانت الفائدة التي حصلت للواصف من حديث المذيعة والناطق الإعلاميّ سببا مباشرا في ما طرأ على المتكلّم من وعي بحقيقة ذاته، وقد نشأ عن ذلك كلّه استعداد ذاتيّ لتغيير رؤيته للعالم من حوله بتغيير موقفه من قطاع الخدمة العامّة ومن خطّة الناطق الإعلاميّ في الوزارات كلّها.
 إنّ هذا الخطاب السرديّ المتمركز حول ما جرى في ذهن المتكلّم ينقل للقارئ حدثا نفسيّا يصوّر حالة الوعي التي طرأت على الواصف فجأة. وهو إذن خطاب وصفيّ يرسم بالأفعال صورة معنوية بلا أساس مادّي ظاهر حين اكتشف أنّه مواطن سلبيّ ونقّاق. نعتان اثنان تعلّقا بمنعوت هو نفسه صفة تخبر عن هويّة الموصوف، فهو أوّلا مواطن، وهذه صفة تكشف عن وجود أوسع من الوجود الفرديّ الخاص وهو الوجود في جماعة إذ تقتضي المواطنة وطنا، ويقتضي الوطن دولة تسوسه. ولكنّ هذا المواطن بدا سلبيّا ونقّاقا الأمر الذي يوحي بما بين المواطن والدولة التي ينتمي إليها من علاقات توتّر. ولئن بدت صفة السلبيّة عامّة جدّا تشير من بعيد إلى معاني السوداويّة والتشاؤم واليأس، فقد كانت صفة النقّاق، وهو كثير التذمّر كما ظهر في آخر النص، دقيقة جدّا إذ كشفت عن علاقة هذا المواطن بالدولة وموقفه منها. إنّه مواطن غير راض عن حاله وحال دولته، وهو إلى ذلك يعلن عن حالة الاستياء ويصوغها في خطاب نقّاق أي خطاب تذمّر وشكوى وهو ما يجعله في عين الدولة معارضا لا مواليا ومتمرّدا لا خاضعا وثائرا لا مستكينا. ولكنّ صورة المعارض المتمرّد الثائر بكلّ محمولاتها الإيجابيّة سرعان ما تبخّرت لاقترانها في النص بالسلبيّة أوّلا وبما طرأ على صاحبها من وعي بالذات ثانيا. لقد كان هذا المواطن قبل ليلة فقط يرى في نفسه شخصّية أخرى غير هذه، وهي في التقدير شخصيّة المواطن الإيجابي الناقد البصير بأحوال دولته الساعي إلى الارتقاء بها نحو الأفضل، ولكن ها هو يتنازل فجأة عن ذلك كلّه وبات ينظر إلى ذاته القديمة نظرة سلبيّة. حالة وعي بائس ستقوده إلى تغيير رؤيته للعالم وستحمله على الاعتراف بنظام التفاهة الذي كان من قبل معترضا عليه. فكيف حدث هذا التحوّل العميق في نظرة الواصف إلى نفسه وإلى العالم من حوله؟ لابدّ أنّه بسبب من صورة المذيعة وصورة الناطق الإعلاميّ، وهما الصورتان اللتان أحاطت بهما صورة الواصف بما في الإحاطة من معاني الإدراك والوعي. وبهذا تكون الصورة الإطار المحيطة بالصورتين المضمّنتين علامة على حالة الوعي التي ألمّت بالواصف فألمّ بحقيقة ذاته وحقيقة العالم من حوله.

• صورة المذيعة:
 ظهرت صورة المذيعة أوّلا في مستهلّ الفقرة الثانية (متحمّسة ومتأنّقة وإيجابيّة، تعمل في قناة فضائيّة محليّة) ثم ظهرت بعد ذلك في آخر الفقرة الثالثة (السيّدة المذيعة، المتفهّمة بالطّبع، والديمقراطيّة جدًّا، على العكس من مذيعات القنوات الخليجيّة والإيرانيّة المتنمّرات). وقد اعتمد الواصف في بناء هذه الصورة على سلسلة من المركّبات النحوية بعضها حال مركّب بواو العطف (بدت متحمّسة ومتأنّقة وإيجابيّة) وبعضها نعت مركّب بواو العطف (المذيعة، المتفهّمة بالطّبع، والديمقراطيّة جدًّا ) وبعضها الآخر حال مركّب بحرف الجرّ (على العكس من مذيعات القنوات الخليجيّة والإيرانيّة المتنمّرات).
 لقد كشفت هذه المركّبات النحوية، بما حوته من صفات معطوف بعضها على بعض، عن صورتي المذيعة المادّية والمعنويّة، وهما صورتان غير متكافئتين حيث اكتفى الواصف في حديثه عن الصورة الماديّة بلفظ مجمل (متأنّقة) يمنح القارئ فرصة لتخيّل هذه الأناقة سواء كانت أناقة في المظهر أي في اللباس وتسريحة الشعر والزينة، أو أناقة في السلوك مثل حركة الرأس واليدين وهيئة الجلوس ونبرة الصوت وهي تحاور ضيفها. وصف كثيف يختزل صورة مادّية في لفظة واحدة كان يمكن أن يتولّد منها كلام كثير ولكن الواصف اختزله التزاما بالجنس الأدبي الذي أنشأ النصّ فيه وهو القصّة القصيرة جدّا، وإشراكا للقارئ في بناء هذه الصورة المتخيّلة كما يطيب له. أمّا الصورة المعنوية فقد توسّع الواصف في تشكيلها واستدعى صفات كثيرة بعضها فوق بعض ( متحمّسة، إيجابيّة، متفهّمة، ديمقراطيّة)، وهي على ما فيها من توسّع في التصوير تظلّ صفات يغلب عليها الإجمال، ففي كلمة متحمّسة مثلا معان كثيرة نبرة لنا أن نتخيّلها في الصوت وحركة الجسد عند الحديث، وهي إذن صفة معنويّة تخفي صورة جسديّة لم يرغب الواصف في الكشف عنها مباشرة واكتفى بالإشارة إليها من بعيد. وكذلك الشأن في كلمة إيجابيّة، حيث يذهب القارئ في تمثّل ما تشير إليه مذاهب شتّى. ونرجّح أن تكون لهذه الصفة دلالة عمّا تشير إليه الأناقة من ابتهاج بالحياة وإقبال عليها خصوصا أنّها وردت مباشرة بعد نعت المذيعة بالمتأنّقة، وهي حينئذ صفة معنويّة ناشئة من صفة مادّية.
 عاد الواصف في نهاية الفقرة الثالثة لاستكمال صورة المذيعة بالأدوات نفسها مع إضافة أداة أخرى من أدوات الوصف وهي المقارنة. وقد أثبت للمذيعة ثلاث صفات جديدة فوق الأناقة والحماس والإيجابية وهي ( المتفهّمة بالطبع، الديمقراطية جدّا، على العكس من مذيعات القنوات الخليجية والإيرانية المتنمّرة). في هذا الوصف كما نرى عناية بصفة أساسيّة في هذه المذيعة وهي أنّها سيّدة نشأت على التساهل والتسامح (متفهّمة بالطبع) وتشبّعت بثقافة الاختلاف والتعدّد (ديمقراطية جدّا). ولكنّ هذه الصفات الإيجابيّة الظاهرة سرعان ما تتراجع إلى الوراء ليدرك القارئ من خلال مقارنتها بمذيعات أخريات أنّ ما حسبه تساهلا وانفتاحا وتسامحا إنّما هو في الحقيقة شيء آخر. إنّ وصف المذيعات الخليجيات والإيرانيات بالمتنمّرات يستدعي إلى الذهن رمزية النمر في الثقافة العربيّة وهو حيوان تجتمع في صورته معاني الأناقة والرشاقة من جهة والشراسة والقسوة من جهة أخرى. ولبناء صورة هذه المذيعة عبر المقارنة لابدّ من استحضار رمزية أخرى غير رمزية النمر وهي على الأقرب صورة الأرنب أو صورة الحَمل بما فيهما من معاني الوداعة والجبن في الوقت نفسه. لقد أفضت المقارنة إلى تقويض كلّ الصفات الإيجابيّة التي راكمها الواصف ولا معنى حينئذ للأناقة والإيجابية والتفهّم والديمقراطية غير الجبن والضعف والعجز. إنّها مذيعة بلا موقف ولا شخصيّة ولا رؤية لأنّها كانت طوال حديثها مع الناطق الإعلاميّ مسايرة له غير جريئة على مناقشته والاعتراض عليه. ويتأكّد هذا المعنى إذا ربطنا صورة المذيعة بصورة الواصف الذي بدا سلبيّا ونقّاقا وهي كما قلنا صورة تكتنز معاني التمرّد والاستياء والرفض.

• صورة الناطق الإعلاميّ:
 بنيت هذه الصورة خلافا للصورتين السابقتين بتوظيف الجمل الفعليّة ( قال كلاما وثوقيّا، أكّد لنا، ردّد مفردة حقيقة، صحّح للمذيعة). وهي عموما جمل تنقل للقارئ أحداثا لفظيّة كثيرة أنجزها الناطق الإعلاميّ في مدّة وجيزة، بل هي أحداث قد بلغت من الكثرة ما لا يخطر على بال حيث ردّد مفردة "حقيقة" أربعة آلاف مرة في أقلّ من أربع دقائق. ولا يكون كلام من هذا النوع إلاّ ثرثرة وتكرارا وهو إذن من اللغو ولا معنى له، بل هو كلام مخالف لمقتضى العقل والمنطق لأنّه وثوقيّ جدّا ولأنّه غير مطابق لما يقوله العلماء الخبراء بوباء كورونا في العالم كلّه. وحين ينطق المرء بما يخالف الواقع ويناقض العقل ويستمرّ في ترديد ما قال يكون كلامه من لغو الحديث بما في اللغو من فراغ المعنى. ومن علامات اللغو الأخرى أن ينشغل الناطق الإعلاميّ بالحديث عن كلب أصابه الفيروس بدل الحديث عن آلاف البشر الموبوئين، والأغرب من ذلك أن تتحمّس المذيعة لمثل هذا الحديث وأن ترضى به وتبدي تفهّمها له.

• التقييم:
بدت صورة الناطق الإعلامي، خلافا للصورتين السابقتين، في غاية الرداءة إذ ألصق الواصف بالناطق الإعلامي كلّ معاني التفاهة واللغو والثرثرة. ومع ذلك تظلّ هذه الصورة محور المشهد كلّه. لقد وردت في وسط النص تماما تحيط بها صورة المذيعة من الجانبين وتحيط بصورة المذيعة صورة الواصف كأنّ النصّ في جملة دوائر بعضها يضم البعض الآخر. وبهذا نكتشف نظام الوصف في النص وهو نظام التناظر بين الصور كأنّ بعضها يعكس البعض الآخر، فصورة الواصف في بداية النص تناظرها صورته في آخره، وصورة المذيعة الأولى تناظرها صورتها الثانية والكلّ يدور حول الصورة المحوريّة وهي صورة الناطق الإعلاميّ. وبما أنّ محور المشهد كلّه مفعم بمعاني الرداءة والتفاهة واللغو تكون بقية الصور التي تدور حوله انتشارا لهذه المعاني. بنية تناظريّة تجعل معنى التفاهة المحوري ينتشر في أطراف النص فتخفّ حدّته شيئا فشيئا حتّى تكاد تتلاشى كما ظهر ذلك في صورة المذيعة التي بدت في الظاهر جذابة وإيجابية وديمقراطية ولكنّها في العمق رديئة وتافهة مثلها مثل الناطق الإعلامي. أمّا صورة الواصف التي أحاطت بالمشهد فلا نحسب أنّها امتداد لمعنى التفاهة الناشئ من عمق المشهد لأنّها في الحقيقة الإطار المحيط بهذا المشهد يحبسه ويقيّد انتشاره. إنّها إذن صورة الوعي المناهض للتفاهة تقف سدّا يمنع انتشارها. وقد اختار الكاتب أن تكون هذه الحركة التي تقاوم انتشار التفاهة حركة هزليّة ساخرة تجلّت في مواقع كثيرة كأنّها اللون الذي يمنح اللوحة مذاقها في عيون القرّاء. سخرية نلمسها في الجملة الأولى بما فيها من تهكّم ظاهر كما نلمسها في أسلوب التكرار عند الحديث عن الناطق الإعلامي وعند الحديث عن اقتناعه بكل ما هو غير مهمّ بالمرّة. هل يعني ذلك أن نظام التفاهة الذي بات سائدا لا سبيل إلى مواجهته بغير الضحك؟ الأرجح أنّ هذا هو اختيار الكاتب، وليس للأديب من سلاح غير أن يسخر من هذا الوجود العابث.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بالكاف السنة الجامعية: 2020 - 2021 الأستاذ: محمد الهادي الطاهري المستوى: الثالثة تربية وتعليم
المادّة: العربية الدرس: شرح نص قصصيّ عدد2



التفاعلات: جمعة شنب

تعليقات

ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...