الشعر العامى – كما أسميه - " أدب الشعب الجميل " ، الذى يواشج الروح الشاعرة لدى العامة، ويبسط لهم الرؤى والمفاهيم، يعلو بهم ويسمو، ويوجه ذائقتهم، بل وبعض الجوانب في حياتهم العامة والخاصة.
وشعر العامية المصرى هو أحد روافد الشعر الجميل، فالغناء بالعامية، والزجل، والشعر العامى مكونات جميلة للرقى بالذوق العام، وتقديم جوانب الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسيساسية، وغير ذلك، لأنه يخاطب كافة شرائح المجتمع، عبر لغته / لهجته التى يتقنها، ويعرف جذورها، ويفهم مراميها، ومن هنا قلنا عن الشعر العامى : " أدب اشعب".
وربما ساد كساد في قاموس الشعر العامى في العقدين الأخيرين، وتشابهت لهجة الكتابة، والموضوعات، وغدا التجديد سمة تفرضها مقومات العصر، وذائقته، وهو ما نطمح أن نقدمه هنا لدى الشاعرة المتميزة د. / سماح أحمد اسماعيل والتي نشأت في بيت أدبى: والدها الشاعر / أحمد اسماعيل اسماعيل، ووالدتها الروائية / فاطة البيك، فلا غرو أن تتأثر بجو الإبداع، مع أنها اتخذت طريقاً مغايرة ، فهى طبيبة تعيش بين المشرط والسماعة، وتنفذ إلى القلب والجسد، ولقد أرادت أن تنفذ لهما كذلك من خلال تجربتها الشاعرة السامقة الجميلة عبر ديوانها : " مفردات من قاموسى الطبى " ، ولعلنا نلحظ اصرارها – منذ البداية – إلى تقديم عنوان يرتبط بمهنتها، لكنها نجحت في الولوج إلى أرواحنا عبر سماعة الطبيبة التى تعرف أدق تفاصيل الجسد والقلب، وتعالجهما على المستوى الطبى، وكذلك التخييلى الشاعرى كذلك كما سنرى.
أقول : إن تجديدية أراها دفعتنى للكتابة بشوق عن هذا الديوان الشاهق، المغاير، وإن كتب بلهجة مبسطة، إلا أن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب دون وسيط، ولقد اتخذت اللهجة العامية المصرية كوسيط يصل إلى عامة الشعب ، وكل شرائحه المثقفة وغيرها، وهذه خصيصة أولى تضاف إلى الديوان الجميل .
لقد أبدعت الشاعرة تجديدية مغايرة في ادخال مفردات من القاموس الطبى إلى الشعر لترفد العامية بوهج مغاير كذلك، مع علمنا بأن علاقة الشعر بالأطباء عميقة، فكثير من الشعراء أطباء وعلى رأسهم شاعر الفصحى الكبير / ابراهيم ناجى، إلا أن هناك أطباء كبار اتجهوا إلى الكتابة العامية لكنهم لم يتوجهوا بمقصودية- في ادخال مفردات طبية إلى الشعر – بقصدية – وهذا ما ما أعطى الديوان خصيصة جديدة كذلك، وطرافة، وتغايرية كذلك .
ولعلنا نلمح ذلك في العنوان – كما أسلفنا – ثم في الإهداء المغاير، الذى تختطف به عقل وقلب القارىء، تقول : ( إلى سماعتىن ومقياس الحرارة ، لعلنا - حقاً – نصل إلى الأعماق ) .ولعلنا نلحظ طرافة العنوان، وتوجهاته التى تريد أن تصل بالعلم إلى أعماق المشاعر الإنسانية عبر الوسائط الطبية ، ولعمرى فهو اهداء فارق وجميل، تتقصَّد من خلاله الولوج إلى قلب وعقل القارىء لتجذبه من الوهلة الأولى لمتابعة هذه اللهجة الرشيقة ، السيميائية، تقول عبر قصيدتها : " سماعة " – وكاننا داخل مستشفى شعرى لمداوة وجع الشعب ، تقول :
مين بيدق ...؟
بسمع صوت الدقة
شهقة .. زقة
جوع
بيجر وريد من شعره
صوت انذار
وعشان طبي مالوش تفسير
برجع انصت واسمع
يمكن افهم وجع الغير
يمكن اعرف إيه الفرق
في صوت الدق
بين الباشا وعبد فقير.
لقد لخصت عبر هذا المقطع الإحالى كافة أوجاع وقضايا الشعب الفقير، وتعرضت للطبقية وآلام الشعوب المقهورة، وكأنه " فانتازيا طبية " تعبر إلى قلوبنا عبر دقات القلب الآتية خلف السماعة لطبيبة القلوب التى تحاول رتق أوجاع الشعب، وعرض قضاياه، عبر فنتازيا القصيدة الرامزة، وعبر بساطة لغوية وعمق كذلك، وطرافة طرح سيميائى يصل إلى الجميع برفق، ودون ضجيج، فهى تعرض وتشرح لنا مجترحات المجتمع : جراحه، وقروحه، آلامه وآماله، وتنتقد في هدوء، وتطرح الهموم المجتمعية لهذا الشعب المصاب بأمراض : الجهل، الفقر، الأمية، والأمراض الجسدية، فهى تشخص لتعالج، وتنتقد لتبنى، وتعزز من الإيجابيات، وتعرض للامراض المجتمعية عبر مبضع الجمال ، وعبر لهجة تناشد الروح، وتعلو بالعام على الخاص، وتنشد فضيلة وقيمة للنظر إلى هؤلاء البسطاء، ولعلها لخصت حالة الشعب بالكامل، عبر " سارينة الإسعاف" في قصيدتها : " اسعاف " التى تحاول فيها اللحاق لمداوة الوطن قبل أن يموت، فهى تريد له الحياة ، عبر قلبها الدافق والهادلر بالحب الممتد، تقول:
وسع لسارينة الاسعاف
خليه يعدي
بسرعة يفوت
يامواطن الحالة تعبانة
احنا معانا وطن بيموت
سيبنا نحاول يمكن نلحق
وايمانا بربنا موجود
لو مكتوبله يعيش هيعيش
بس أنا نفسي
يعيش
مبسوط.
ولعلنا نلحظ جمالية المعنى والموضوع الذى ترصده، " بس أنا نفسى يعيش مبسوط " ، ولعل هذه الروح المنتقدة، الفنتازية، الساخرة، وغير الزاعقة هى ما يؤثر بعمق في القارىء، المواطن البسيط، عبر ادهاشية الصورة المعبرة الدافقة، والجلال للحروف التى تمكيجها بالجمال الباذخ، عبر عناوين قصائدها الجديدة على ذائقة الشعر، لكنها العادية والمألوفة لديها، وربما لدى المرضى ممن يتوافدون على المستشفى ، وهى عناوين لافتة تشير إلى أمراض مجتمعيةن وإلى الأطباء وما يتعرضون له من تحمل وسهر مع الممرضات " ملائكة الرحمة" والأطباء والأطباء طواويس المحبة لعلاج الشعب ، وهى هنا أرادت تعريفهم من خلال مدخل معروف لديهم، او تنويرى تثقيفى كذلك، لكنها مفارقات العناوين الإدهاشية للموضوعات المجتمعية التى تعالجها في المجتمع، فهى تشخص الداء، وتصف الدواء وتضعه أمام المسئولين ومن بيدهم الأمر ليقوموا بدورهم في علاج المجتمع من آلامه، ومما يتعبه ويشقيه ، ولقد جاءت عناوين القصائد دالة ومعبرة عبر سيمولوجيا العناوين التى تكشف من خلالها عن روح طبيبة محبة، تنشد السعادة الإنسانية لكل أفراد مجتمعها المصرى والعربى، بل والإنسانى في كافة ربوع الكون والعالم والحياة .
ولعمرى – لم أر عناوين قصائد لإى ديوان قرأته –بحسب علمى – قد جمع كل هذه العناوين عبر قصائد احالية، واسقاطية على مجتمعاتنا، وكأنها تشرح الواقع بمبضع الطبيبة الماهرة، وتحاول أن تصارع المرض المجتمعى، وتحصره، ليقوم كل منا بدوره في معالجة آلام الوطن الممتدة عبر شرائحه الإجتماعية، ولعل قاموسها الطبى قد تداخل مع قاموسها / قاموسنا الشعرى لتصنع عالماً جديداً ، لشعرية غاية في الروعة والإبهار، ولنلاحظ دلالات العناوين المختارة ومدلولاتها السياقية والإحالية كذلك، والتي اختارتها من القاموس الطبى لديها كطبيبة : صورة أشعة ، بلهارسيا ، نزيف ،ضغط، غيبوبة ،تقرير طبى، في الوريد، حساسية، قلب مفتوح، رمد عاطفى،فحص، غرفة الإنعاش، بنج موضعى، صورة دم كاملة، تخدير ،المشرحة، رسم قلب ، ولادة، ادمان، نقل دم، جلسةأكسجين،فحص،احترازى، حجر صحى، هشاشة، كمامة، تعقيم، غسل شرعى، كحل ،اغسل ايديك،اصابة، سلبى وايجابى،سرعة ترسيب ،حمى، طنين،حظر،المسحة، ميزان،بيتادين ،أخصائية، كورونا ،طوارىء ،أشعة مقطعية،العيادة،فيتامين c ،كارت التطعيمات، التهابات ،كساح، فقر دم ،ارتجاج ،إفاقة ،تصريح دفن،أنسولين، رسالة الماجستير، والسؤال الآن : هل تطرح هذه العناوين شعرية جديدة تضاف إلى قاموسنا الشعرى؟ وهل ستندغم المفردات الطبيبة في قاموس الشعر لتحرك الماء الراكد ، وتخرجنا إلى آفاق اكثر تشويقاً ، عبر عناوين قد لا تصلح مطلقاً لتكون عنواناً لقصيدةن وقد استطاعت بحصافتها – كما رأينا – أن تدخلها – عنوة – لتصنع لنفسها رقماً فارقاً ، او نقطة للتحول في المضامينية والأفق الشعرى كذلك ؟! .
أقول : بكل اعجاب، ومصداقية، وإدهاش : لقد استطاعت الدكتورة / سماح أحمد اسماعيل أن تعبر بنا ماهو خاص طبى، لإلى ما هو عام شعرى / مجتمعى حياتى، عبر قاموسها، وطريقتها في معالجة قضايا الواقع من جانب طبى، وعبر مفردات طبيبة باهرة لتكتسب " شرعنة شاعرة " ، او شعرية وآفاق عبر سيموطيقا الترميز ودلالاتها الفائقة، وأراها قد نجحت بإمتياز، وقدمت الجديد، واللطيف، والفنتازى، والجوهرى العميق ، عبر لغة تخش إلى أرواحنا من أقرب طريق، وعبر مفردات ما كنا نظن انها تصلح إلا لقاموس الطب، فدخلت إلى قاموس الشعر لتهبها حياة جديدة ومدلولات مغايرة، وجميلة ، وشاهقة كذلك .
ولعلنا نلمح " ابيحراما الشعر " عبر كبسولاتها الشعرية، أو ومضاتها التى تكثف المعنى وتراكميته، وتحيله إلى سياقاته الدالة، فالقصائد في الديوان لا تتعدى صفحة أو بالأحرى صفحتين، وكأنها اشاريات رامزة لمعان وقضايا تطرحها، ونعيشها، فهى تنتقد الواقع – دون مباشرة – تجهر أحياناً من عمق الجراح، وتُرَمَّزْ أحيانا كى لا يطاولها السوط، تشتبك وتهرب، تقدم وتؤخر، لكنها تقدم الجمال من خلال سماعة طبيبة تشعر بنبض المواطن وتشاركه الألم والأمل ، تقول في قصيدتها الشاهقة الإبيجرامية " ضغط ":
ومهما تدوس
وتخنق في الوريد بالضغط
وتربط حبل ع الشريان
هينطق زئبق الحرمان
بحجم الجوع
ومش هيفيدك التسكين
لأنك مفرد الموضوع
أناني النبض.
إنها تنقد، تسخر، توارب اللغة لتلج إلى ما ورائيات المعنى، لكنها انتقادات ايجابية، لتضميد جراح المجتمع بعد أن شخصت المرض، ودلتنا إلى روشتة النجاة .
إننى أثمن هذا الديوان الفارق، والذى يحتاج إلى اكثر من دراسة متعمقة في جوهر القصائد الإبيجرامية الشاهقة، ولكننى اكتفيت باشاريات العناوين ودللت إلى بعض الموضوعات، عسى دراسة أخرى مستفيضة تكشف عن جوانب الجماللا والعمق في جوهر هذا الديوان، ولقد قدمنا اضاءات تعريفية لم تشبع نهمى كناقد، لكنها تضىء جوانب متعددة في جماليات هذا الديوان الجميل الفارق في شعر العامية والمجدد كذلك .
حاتم عبدالهادى السيد
رئيس رابطة النقاد العرب
وشعر العامية المصرى هو أحد روافد الشعر الجميل، فالغناء بالعامية، والزجل، والشعر العامى مكونات جميلة للرقى بالذوق العام، وتقديم جوانب الحياة الإجتماعية والإقتصادية والسيساسية، وغير ذلك، لأنه يخاطب كافة شرائح المجتمع، عبر لغته / لهجته التى يتقنها، ويعرف جذورها، ويفهم مراميها، ومن هنا قلنا عن الشعر العامى : " أدب اشعب".
وربما ساد كساد في قاموس الشعر العامى في العقدين الأخيرين، وتشابهت لهجة الكتابة، والموضوعات، وغدا التجديد سمة تفرضها مقومات العصر، وذائقته، وهو ما نطمح أن نقدمه هنا لدى الشاعرة المتميزة د. / سماح أحمد اسماعيل والتي نشأت في بيت أدبى: والدها الشاعر / أحمد اسماعيل اسماعيل، ووالدتها الروائية / فاطة البيك، فلا غرو أن تتأثر بجو الإبداع، مع أنها اتخذت طريقاً مغايرة ، فهى طبيبة تعيش بين المشرط والسماعة، وتنفذ إلى القلب والجسد، ولقد أرادت أن تنفذ لهما كذلك من خلال تجربتها الشاعرة السامقة الجميلة عبر ديوانها : " مفردات من قاموسى الطبى " ، ولعلنا نلحظ اصرارها – منذ البداية – إلى تقديم عنوان يرتبط بمهنتها، لكنها نجحت في الولوج إلى أرواحنا عبر سماعة الطبيبة التى تعرف أدق تفاصيل الجسد والقلب، وتعالجهما على المستوى الطبى، وكذلك التخييلى الشاعرى كذلك كما سنرى.
أقول : إن تجديدية أراها دفعتنى للكتابة بشوق عن هذا الديوان الشاهق، المغاير، وإن كتب بلهجة مبسطة، إلا أن ما يخرج من القلب يصل إلى القلب دون وسيط، ولقد اتخذت اللهجة العامية المصرية كوسيط يصل إلى عامة الشعب ، وكل شرائحه المثقفة وغيرها، وهذه خصيصة أولى تضاف إلى الديوان الجميل .
لقد أبدعت الشاعرة تجديدية مغايرة في ادخال مفردات من القاموس الطبى إلى الشعر لترفد العامية بوهج مغاير كذلك، مع علمنا بأن علاقة الشعر بالأطباء عميقة، فكثير من الشعراء أطباء وعلى رأسهم شاعر الفصحى الكبير / ابراهيم ناجى، إلا أن هناك أطباء كبار اتجهوا إلى الكتابة العامية لكنهم لم يتوجهوا بمقصودية- في ادخال مفردات طبية إلى الشعر – بقصدية – وهذا ما ما أعطى الديوان خصيصة جديدة كذلك، وطرافة، وتغايرية كذلك .
ولعلنا نلمح ذلك في العنوان – كما أسلفنا – ثم في الإهداء المغاير، الذى تختطف به عقل وقلب القارىء، تقول : ( إلى سماعتىن ومقياس الحرارة ، لعلنا - حقاً – نصل إلى الأعماق ) .ولعلنا نلحظ طرافة العنوان، وتوجهاته التى تريد أن تصل بالعلم إلى أعماق المشاعر الإنسانية عبر الوسائط الطبية ، ولعمرى فهو اهداء فارق وجميل، تتقصَّد من خلاله الولوج إلى قلب وعقل القارىء لتجذبه من الوهلة الأولى لمتابعة هذه اللهجة الرشيقة ، السيميائية، تقول عبر قصيدتها : " سماعة " – وكاننا داخل مستشفى شعرى لمداوة وجع الشعب ، تقول :
مين بيدق ...؟
بسمع صوت الدقة
شهقة .. زقة
جوع
بيجر وريد من شعره
صوت انذار
وعشان طبي مالوش تفسير
برجع انصت واسمع
يمكن افهم وجع الغير
يمكن اعرف إيه الفرق
في صوت الدق
بين الباشا وعبد فقير.
لقد لخصت عبر هذا المقطع الإحالى كافة أوجاع وقضايا الشعب الفقير، وتعرضت للطبقية وآلام الشعوب المقهورة، وكأنه " فانتازيا طبية " تعبر إلى قلوبنا عبر دقات القلب الآتية خلف السماعة لطبيبة القلوب التى تحاول رتق أوجاع الشعب، وعرض قضاياه، عبر فنتازيا القصيدة الرامزة، وعبر بساطة لغوية وعمق كذلك، وطرافة طرح سيميائى يصل إلى الجميع برفق، ودون ضجيج، فهى تعرض وتشرح لنا مجترحات المجتمع : جراحه، وقروحه، آلامه وآماله، وتنتقد في هدوء، وتطرح الهموم المجتمعية لهذا الشعب المصاب بأمراض : الجهل، الفقر، الأمية، والأمراض الجسدية، فهى تشخص لتعالج، وتنتقد لتبنى، وتعزز من الإيجابيات، وتعرض للامراض المجتمعية عبر مبضع الجمال ، وعبر لهجة تناشد الروح، وتعلو بالعام على الخاص، وتنشد فضيلة وقيمة للنظر إلى هؤلاء البسطاء، ولعلها لخصت حالة الشعب بالكامل، عبر " سارينة الإسعاف" في قصيدتها : " اسعاف " التى تحاول فيها اللحاق لمداوة الوطن قبل أن يموت، فهى تريد له الحياة ، عبر قلبها الدافق والهادلر بالحب الممتد، تقول:
وسع لسارينة الاسعاف
خليه يعدي
بسرعة يفوت
يامواطن الحالة تعبانة
احنا معانا وطن بيموت
سيبنا نحاول يمكن نلحق
وايمانا بربنا موجود
لو مكتوبله يعيش هيعيش
بس أنا نفسي
يعيش
مبسوط.
ولعلنا نلحظ جمالية المعنى والموضوع الذى ترصده، " بس أنا نفسى يعيش مبسوط " ، ولعل هذه الروح المنتقدة، الفنتازية، الساخرة، وغير الزاعقة هى ما يؤثر بعمق في القارىء، المواطن البسيط، عبر ادهاشية الصورة المعبرة الدافقة، والجلال للحروف التى تمكيجها بالجمال الباذخ، عبر عناوين قصائدها الجديدة على ذائقة الشعر، لكنها العادية والمألوفة لديها، وربما لدى المرضى ممن يتوافدون على المستشفى ، وهى عناوين لافتة تشير إلى أمراض مجتمعيةن وإلى الأطباء وما يتعرضون له من تحمل وسهر مع الممرضات " ملائكة الرحمة" والأطباء والأطباء طواويس المحبة لعلاج الشعب ، وهى هنا أرادت تعريفهم من خلال مدخل معروف لديهم، او تنويرى تثقيفى كذلك، لكنها مفارقات العناوين الإدهاشية للموضوعات المجتمعية التى تعالجها في المجتمع، فهى تشخص الداء، وتصف الدواء وتضعه أمام المسئولين ومن بيدهم الأمر ليقوموا بدورهم في علاج المجتمع من آلامه، ومما يتعبه ويشقيه ، ولقد جاءت عناوين القصائد دالة ومعبرة عبر سيمولوجيا العناوين التى تكشف من خلالها عن روح طبيبة محبة، تنشد السعادة الإنسانية لكل أفراد مجتمعها المصرى والعربى، بل والإنسانى في كافة ربوع الكون والعالم والحياة .
ولعمرى – لم أر عناوين قصائد لإى ديوان قرأته –بحسب علمى – قد جمع كل هذه العناوين عبر قصائد احالية، واسقاطية على مجتمعاتنا، وكأنها تشرح الواقع بمبضع الطبيبة الماهرة، وتحاول أن تصارع المرض المجتمعى، وتحصره، ليقوم كل منا بدوره في معالجة آلام الوطن الممتدة عبر شرائحه الإجتماعية، ولعل قاموسها الطبى قد تداخل مع قاموسها / قاموسنا الشعرى لتصنع عالماً جديداً ، لشعرية غاية في الروعة والإبهار، ولنلاحظ دلالات العناوين المختارة ومدلولاتها السياقية والإحالية كذلك، والتي اختارتها من القاموس الطبى لديها كطبيبة : صورة أشعة ، بلهارسيا ، نزيف ،ضغط، غيبوبة ،تقرير طبى، في الوريد، حساسية، قلب مفتوح، رمد عاطفى،فحص، غرفة الإنعاش، بنج موضعى، صورة دم كاملة، تخدير ،المشرحة، رسم قلب ، ولادة، ادمان، نقل دم، جلسةأكسجين،فحص،احترازى، حجر صحى، هشاشة، كمامة، تعقيم، غسل شرعى، كحل ،اغسل ايديك،اصابة، سلبى وايجابى،سرعة ترسيب ،حمى، طنين،حظر،المسحة، ميزان،بيتادين ،أخصائية، كورونا ،طوارىء ،أشعة مقطعية،العيادة،فيتامين c ،كارت التطعيمات، التهابات ،كساح، فقر دم ،ارتجاج ،إفاقة ،تصريح دفن،أنسولين، رسالة الماجستير، والسؤال الآن : هل تطرح هذه العناوين شعرية جديدة تضاف إلى قاموسنا الشعرى؟ وهل ستندغم المفردات الطبيبة في قاموس الشعر لتحرك الماء الراكد ، وتخرجنا إلى آفاق اكثر تشويقاً ، عبر عناوين قد لا تصلح مطلقاً لتكون عنواناً لقصيدةن وقد استطاعت بحصافتها – كما رأينا – أن تدخلها – عنوة – لتصنع لنفسها رقماً فارقاً ، او نقطة للتحول في المضامينية والأفق الشعرى كذلك ؟! .
أقول : بكل اعجاب، ومصداقية، وإدهاش : لقد استطاعت الدكتورة / سماح أحمد اسماعيل أن تعبر بنا ماهو خاص طبى، لإلى ما هو عام شعرى / مجتمعى حياتى، عبر قاموسها، وطريقتها في معالجة قضايا الواقع من جانب طبى، وعبر مفردات طبيبة باهرة لتكتسب " شرعنة شاعرة " ، او شعرية وآفاق عبر سيموطيقا الترميز ودلالاتها الفائقة، وأراها قد نجحت بإمتياز، وقدمت الجديد، واللطيف، والفنتازى، والجوهرى العميق ، عبر لغة تخش إلى أرواحنا من أقرب طريق، وعبر مفردات ما كنا نظن انها تصلح إلا لقاموس الطب، فدخلت إلى قاموس الشعر لتهبها حياة جديدة ومدلولات مغايرة، وجميلة ، وشاهقة كذلك .
ولعلنا نلمح " ابيحراما الشعر " عبر كبسولاتها الشعرية، أو ومضاتها التى تكثف المعنى وتراكميته، وتحيله إلى سياقاته الدالة، فالقصائد في الديوان لا تتعدى صفحة أو بالأحرى صفحتين، وكأنها اشاريات رامزة لمعان وقضايا تطرحها، ونعيشها، فهى تنتقد الواقع – دون مباشرة – تجهر أحياناً من عمق الجراح، وتُرَمَّزْ أحيانا كى لا يطاولها السوط، تشتبك وتهرب، تقدم وتؤخر، لكنها تقدم الجمال من خلال سماعة طبيبة تشعر بنبض المواطن وتشاركه الألم والأمل ، تقول في قصيدتها الشاهقة الإبيجرامية " ضغط ":
ومهما تدوس
وتخنق في الوريد بالضغط
وتربط حبل ع الشريان
هينطق زئبق الحرمان
بحجم الجوع
ومش هيفيدك التسكين
لأنك مفرد الموضوع
أناني النبض.
إنها تنقد، تسخر، توارب اللغة لتلج إلى ما ورائيات المعنى، لكنها انتقادات ايجابية، لتضميد جراح المجتمع بعد أن شخصت المرض، ودلتنا إلى روشتة النجاة .
إننى أثمن هذا الديوان الفارق، والذى يحتاج إلى اكثر من دراسة متعمقة في جوهر القصائد الإبيجرامية الشاهقة، ولكننى اكتفيت باشاريات العناوين ودللت إلى بعض الموضوعات، عسى دراسة أخرى مستفيضة تكشف عن جوانب الجماللا والعمق في جوهر هذا الديوان، ولقد قدمنا اضاءات تعريفية لم تشبع نهمى كناقد، لكنها تضىء جوانب متعددة في جماليات هذا الديوان الجميل الفارق في شعر العامية والمجدد كذلك .
حاتم عبدالهادى السيد
رئيس رابطة النقاد العرب