شهدت فلسطين نهضة فنية واسعة في مختلف الفنون خلال سنوات عقدي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ولكن وقوع كارثة العام 1948 وما نجم عنها من هجرة ولجوء وانهيار للمجتمع كان لها تأثير كبير في عرقلة هذه النهضة وتعطيل مسيرتها، إلا أنّ اللاجئ الفلسطيني سرعان ما استعاد حيويته ليبعث الحياة فيها ويستأنفها من جديد عبر عدة مشاريع فنية، لعل أشهرها فرقة العاشقين.
من مخيم اليرموك كانت البداية
من مخيم اللجوء في دمشق، اليرموك، تشكلّت النواة الأولى للفرقة على يد الوالد الهباش وأبنائه الستة: محمد وخليل وخالد وفاطمة وآمنة وعائشة؛ حيث قرّر الوالد أن تحكي العائلة قصة اللجوء والبعد عن الوطن من خلال الأغنية، وهكذا بدأت الفرقة العائلية الصغيرة، وانطلقت تؤدي الحفلات في المناسبات التي تُدعى إليها، وأخذت تكسب صيتها شيئاً فشيئاً بين أهالي المخيم.
وكان الابن محمد الهباش قد نبغ في الغناء مبكراً؛ حيث شارك وهو في سن السادسة في أداء أغاني برنامج الأطفال التعليمي الشهير "افتح يا سمسم"، التي كان يتم تسجيلها في دمشق، وكان يقوم بتلحينها الملحن الفلسطيني حسين نازك المقيم في دمشق.
وفي العام 1977 كان حسين نازك يشارك في وضع ألحان الأغاني التي ستؤدى في مسرحية من إعداد دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير، وكانت بعنوان "المؤسسة الوطنية للجنون"، وهي من تأليف الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم، وقد كُلّف الشاعر الفلسطيني الراحل -المقيم آنذاك في دمشق أيضاً- أحمد دحبور، وهو أحد أهم شعراء الثورة الفلسطينية، بوضع نصوص المشاهد الغنائية في المسرحية، وكان مما كتبه نص الأغنية الشهيرة "والله لزرعك بالدار يا عود اللوز الأخضر" التي اختيرت كمدخل للعمل؛ حيث دُعيت فرقة عائلة الهباش لأدائها، وقد نال أداء الفرقة إعجاب حسين نازك فقرر الارتباط بها وتلحين كل ما تغنيه، ليصبح ملحِّن الفرقة الأول الذي أبدع موسيقى غالبية ما غنّت، وهو الذي أطلق عليها اسم "فرقة أغاني العاشقين"، وأراد بالعشق أعلى مراتب الحب والتوق والتعلق بالأرض والوطن السليب.
وهكذا أصبح للفرقة اسمها (أغاني العاشقين، أو كما عرفت لاحقاً: العاشقين)، وملحنها (حسين نازك)، وكاتبها (أحمد دحبور)، أما أعضاؤها، فكانوا أفراد العائلة: الطفل محمد، سارد المواويل، الذي لُقب بعد شُهرة الفرقة بـ"الطفل المعجزة"؛ حيث اختصّ بأداء دور الراوي الذي يربط بين الأغنية وما يسبقها ويليها، وخالد عازف القانون والشبابة، وخليل عازف آلات الإيقاع (الطبل والدف)، إضافة إلى: فاطمة، وآمنة وعائشة، منشدات الكورال في الفرقة، كما اشتهر من أعضاء الفرقة: حسين المنذر، صاحب الصوت الجبلي الذي أصبح مغني الفرقة الرئيسي، وهو المنحدر من أصل لبناني، وكان رفض عرضاً نهاية السبعينيات من الأخوين الرحباني للغناء مع فيروز؛ لشدة إيمانه بالفرقة ورسالتها.
الفن في سبيل القضية
ارتبطت الفرقة منذ بدايتها بأسماء بارزة في الفن المقاوم، من حسين نازك إلى أحمد دحبور، وسميح القاسم، ولم تتوقف عند الارتباط بشعر أحمد دحبور، وإنما غنّت لأبرز شعراء القضية والثورة ممن عاصروها كتوفيق زيّاد، وصلاح الحسيني، ويوسف الحسون، كما عادت إلى ما قبل النكبة من خلال إحياء أشعار الشهيد نوح إبراهيم، شاعر ثورة الـ36.
ومنذ انطلاقها، ارتبطت "العاشقين" باللون الذي عُرف آنذاك بـ"الفن المقاوم"، وهو الفن الذي ظهر وتطوّر مع تصاعد مسارات النضال والثورة الفلسطينية؛ فلم يكن فناً مجرداً، وإنما ارتبط بالهمّ النضالي وكان داعماً ومؤازراً له، وتعبيراً عن هذه الرسالة التزم أعضاء فرقة العاشقين بالزيّ العسكري الذي كان يرتديه الفدائيون، وقد استطاعت أن تتحول مع الزمن إلى واحدة من رموز النضال والثورة الفلسطينية وأيقوناتها.
اللباس العسكري ميّز الفرقة وعبّر عن ارتباطها بالمسيرة النضالية والثورة
اللباس العسكري ميّز الفرقة وعبّر عن ارتباطها بالمسيرة النضالية والثورة
العودة إلى ثورة الـ36
بدأت الفرقة تنال شهرتها على نحو واسع من خلال أدائها المشاهد الغنائية في المسلسلات التلفزيونية التي كانت تنتجها دائرة الثقافة والفنون في منظمة التحرير خلال فترة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، ابتداءً من مسلسل "بأمّ عيني"، الذي يحكي قصصاً عن نضال الطلائع الفلسطينية الفدائية، ولمّا كان حسين نازك هو واضع الموسيقى للمسلسل، فقد دعا الفرقة لتشارك في أداء الأغاني، وكان الشاعر صلاح الدين الحسيني هو من كتب نصوص الأغاني.
وتضاعفت شهرة الفرقة مع أغاني المسلسل الأشهر "عز الدين القسام" الذي أنتجته أيضاً دائرة الثقافة والإعلام، وعُرض العام 1980 على غالبية شاشات التلفزة العربية، واشتهرت من أغاني المسلسل: "من سجن عكا"، و"أبو إبراهيم ما مات"، وغيرها من الأغاني التي أعادت صياغة شكل ومضمون الفن المقاوم.
وكان أحمد دحبور هو من كتب المسلسل، معتمداً في ذلك على التواريخ المدوّنة والشفوية، وقد استعاد فيه الشاعر نوح إبراهيم وأعاد تقديمه للجمهور؛ حيث قام حسين المنذر بأداء دوره في المسلسل، ومع أن العمل من تأليف دحبور إلا أن معظم الأغاني فيه كانت من كلمات الشاعر صلاح الدين الحسيني (أبو الصادق)، ونوح إبراهيم.
أما أغنية "من سجن عكا" الشهيرة، فتُخلّد حادثة صدور حكم الإعدام وتنفيذه في سجن عكا بحق ثلاث مناضلين فلسطينيين من قادة ثورة البراق العام 1929، وهم: محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، فكتب الشاعر نوح إبراهيم هذه القصيدة وغنّتها "العاشقين" على لحن تراثي أعاد توزيعه ملحن الفرقة ومؤسّسها حسين نازك. وأما أغنية "أبو إبراهيم ما مات"، فقد خلدت "أبو إبراهيم الكبير"، أحد رفاق عز الدين القسام ومقاتلي معركة يعبد، وأحد القادة البارزين في ثورة الـ36، وهي من كتابة أحمد دحبور.
اشهد يا عالم علينا وع بيروت
وحين جاء حصار بيروت العام 1982 كان أعضاء الفرقة مجندين في "جيش التحرير الفلسطيني"، وبعد خروج قوات المنظمة من بيروت كتب أحمد دحبور أغنية الفرقة الأشهر "اشهد يا عالم علينا وع بيروت"، التي اشتهرت بها الفرقة وعَبَرت بها إلى الأجيال اللاحقة، وقد غنيت في الحفل الذي أقيم العام 1983 في عدن، عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية (اليمن الجنوبي) آنذاك، بحضور عدد من قيادات منظمة التحرير، يتقدمهم ياسر عرفات وصلاح خلف (أبو إياد)، وقد تناولت الأغنية صمود وبطولات المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة جيش الاحتلال.
بالرغم من بلوغ الفرقة ذروتها في الأداء والرسالة، فإنه سرعان ما جاءت الانتكاسة عن طريق السياسة وصراعاتها، حيث أدى الصراع داخل حركة فتح إلى انشقاق صفوفها وانفصال تنظيم "فتح الانتفاضة" المقرب من النظام السوري العام 1983، حيث رفض حسين نازك والفرقة أن تحسب "العاشقين" على أي فصيل، ما أدى لإيقاف الطرفين الرواتب والتمويل عنها ونهايتها، حَدَث ذلك وهي في ذروة إبداعها وعطائها.
جذور العاشقين
بعد النهاية بحوالي أربعة أعوام، وبينما كان محمد الهباش مقيماً في تونس، انطلقت الانتفاضة الفلسطينية نهاية العام 1987، فالتقط الهباش اللحظة ورأى أنه لا بُدّ من مواكبة أحداث الانتفاضة وتخليد أحداثها بالأغنية، فكان أن قام بتأسيس الفرقة الجديدة "جذور العاشقين"، التي من من أهم أغانيها: "زغردي يم الجدايل"، و"سبّل عيونه"، و"فلسطين مزيونة"، وقد تعاون معه الشاعر خالد أبو خالد، فكتب للفرقة 14 أغنية، ارتبطت جميعها بالشهادة وانتشر غناؤها في مواكب تشييع شهداء الانتفاضة، قبل أن يتوقف إنتاج فرقة الجذور بسبب نقص الإمكانات المادية العام 1993. لكن إنتاج الهباش لم ينتهِ بذلك؛ فقام بإنتاج ألبومات خاصة بعد معارك مخيم جنين خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005)، فقدّم ألبومين: "ملحمة جنين"، و"أبطال السرايا"، خلدّ فيهما ملاحم وبطولات المقاومة.
هكذا كانت "العاشقين"، خرجت من رحم الألم والمعاناة في الشتات، لتعبر عن قضية الفلسطينيين وتخلد نضالهم، لتبقى ملتزمة بالغناء لفلسطين، لا لتنظيم بعينه، حتى انتهت وهي في أوج عطائها.
خالد بشير
كاتب أردني
من مخيم اليرموك كانت البداية
من مخيم اللجوء في دمشق، اليرموك، تشكلّت النواة الأولى للفرقة على يد الوالد الهباش وأبنائه الستة: محمد وخليل وخالد وفاطمة وآمنة وعائشة؛ حيث قرّر الوالد أن تحكي العائلة قصة اللجوء والبعد عن الوطن من خلال الأغنية، وهكذا بدأت الفرقة العائلية الصغيرة، وانطلقت تؤدي الحفلات في المناسبات التي تُدعى إليها، وأخذت تكسب صيتها شيئاً فشيئاً بين أهالي المخيم.
وكان الابن محمد الهباش قد نبغ في الغناء مبكراً؛ حيث شارك وهو في سن السادسة في أداء أغاني برنامج الأطفال التعليمي الشهير "افتح يا سمسم"، التي كان يتم تسجيلها في دمشق، وكان يقوم بتلحينها الملحن الفلسطيني حسين نازك المقيم في دمشق.
وفي العام 1977 كان حسين نازك يشارك في وضع ألحان الأغاني التي ستؤدى في مسرحية من إعداد دائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير، وكانت بعنوان "المؤسسة الوطنية للجنون"، وهي من تأليف الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم، وقد كُلّف الشاعر الفلسطيني الراحل -المقيم آنذاك في دمشق أيضاً- أحمد دحبور، وهو أحد أهم شعراء الثورة الفلسطينية، بوضع نصوص المشاهد الغنائية في المسرحية، وكان مما كتبه نص الأغنية الشهيرة "والله لزرعك بالدار يا عود اللوز الأخضر" التي اختيرت كمدخل للعمل؛ حيث دُعيت فرقة عائلة الهباش لأدائها، وقد نال أداء الفرقة إعجاب حسين نازك فقرر الارتباط بها وتلحين كل ما تغنيه، ليصبح ملحِّن الفرقة الأول الذي أبدع موسيقى غالبية ما غنّت، وهو الذي أطلق عليها اسم "فرقة أغاني العاشقين"، وأراد بالعشق أعلى مراتب الحب والتوق والتعلق بالأرض والوطن السليب.
وهكذا أصبح للفرقة اسمها (أغاني العاشقين، أو كما عرفت لاحقاً: العاشقين)، وملحنها (حسين نازك)، وكاتبها (أحمد دحبور)، أما أعضاؤها، فكانوا أفراد العائلة: الطفل محمد، سارد المواويل، الذي لُقب بعد شُهرة الفرقة بـ"الطفل المعجزة"؛ حيث اختصّ بأداء دور الراوي الذي يربط بين الأغنية وما يسبقها ويليها، وخالد عازف القانون والشبابة، وخليل عازف آلات الإيقاع (الطبل والدف)، إضافة إلى: فاطمة، وآمنة وعائشة، منشدات الكورال في الفرقة، كما اشتهر من أعضاء الفرقة: حسين المنذر، صاحب الصوت الجبلي الذي أصبح مغني الفرقة الرئيسي، وهو المنحدر من أصل لبناني، وكان رفض عرضاً نهاية السبعينيات من الأخوين الرحباني للغناء مع فيروز؛ لشدة إيمانه بالفرقة ورسالتها.
الفن في سبيل القضية
ارتبطت الفرقة منذ بدايتها بأسماء بارزة في الفن المقاوم، من حسين نازك إلى أحمد دحبور، وسميح القاسم، ولم تتوقف عند الارتباط بشعر أحمد دحبور، وإنما غنّت لأبرز شعراء القضية والثورة ممن عاصروها كتوفيق زيّاد، وصلاح الحسيني، ويوسف الحسون، كما عادت إلى ما قبل النكبة من خلال إحياء أشعار الشهيد نوح إبراهيم، شاعر ثورة الـ36.
ومنذ انطلاقها، ارتبطت "العاشقين" باللون الذي عُرف آنذاك بـ"الفن المقاوم"، وهو الفن الذي ظهر وتطوّر مع تصاعد مسارات النضال والثورة الفلسطينية؛ فلم يكن فناً مجرداً، وإنما ارتبط بالهمّ النضالي وكان داعماً ومؤازراً له، وتعبيراً عن هذه الرسالة التزم أعضاء فرقة العاشقين بالزيّ العسكري الذي كان يرتديه الفدائيون، وقد استطاعت أن تتحول مع الزمن إلى واحدة من رموز النضال والثورة الفلسطينية وأيقوناتها.
اللباس العسكري ميّز الفرقة وعبّر عن ارتباطها بالمسيرة النضالية والثورة
اللباس العسكري ميّز الفرقة وعبّر عن ارتباطها بالمسيرة النضالية والثورة
العودة إلى ثورة الـ36
بدأت الفرقة تنال شهرتها على نحو واسع من خلال أدائها المشاهد الغنائية في المسلسلات التلفزيونية التي كانت تنتجها دائرة الثقافة والفنون في منظمة التحرير خلال فترة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، ابتداءً من مسلسل "بأمّ عيني"، الذي يحكي قصصاً عن نضال الطلائع الفلسطينية الفدائية، ولمّا كان حسين نازك هو واضع الموسيقى للمسلسل، فقد دعا الفرقة لتشارك في أداء الأغاني، وكان الشاعر صلاح الدين الحسيني هو من كتب نصوص الأغاني.
وتضاعفت شهرة الفرقة مع أغاني المسلسل الأشهر "عز الدين القسام" الذي أنتجته أيضاً دائرة الثقافة والإعلام، وعُرض العام 1980 على غالبية شاشات التلفزة العربية، واشتهرت من أغاني المسلسل: "من سجن عكا"، و"أبو إبراهيم ما مات"، وغيرها من الأغاني التي أعادت صياغة شكل ومضمون الفن المقاوم.
وكان أحمد دحبور هو من كتب المسلسل، معتمداً في ذلك على التواريخ المدوّنة والشفوية، وقد استعاد فيه الشاعر نوح إبراهيم وأعاد تقديمه للجمهور؛ حيث قام حسين المنذر بأداء دوره في المسلسل، ومع أن العمل من تأليف دحبور إلا أن معظم الأغاني فيه كانت من كلمات الشاعر صلاح الدين الحسيني (أبو الصادق)، ونوح إبراهيم.
أما أغنية "من سجن عكا" الشهيرة، فتُخلّد حادثة صدور حكم الإعدام وتنفيذه في سجن عكا بحق ثلاث مناضلين فلسطينيين من قادة ثورة البراق العام 1929، وهم: محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير، فكتب الشاعر نوح إبراهيم هذه القصيدة وغنّتها "العاشقين" على لحن تراثي أعاد توزيعه ملحن الفرقة ومؤسّسها حسين نازك. وأما أغنية "أبو إبراهيم ما مات"، فقد خلدت "أبو إبراهيم الكبير"، أحد رفاق عز الدين القسام ومقاتلي معركة يعبد، وأحد القادة البارزين في ثورة الـ36، وهي من كتابة أحمد دحبور.
اشهد يا عالم علينا وع بيروت
وحين جاء حصار بيروت العام 1982 كان أعضاء الفرقة مجندين في "جيش التحرير الفلسطيني"، وبعد خروج قوات المنظمة من بيروت كتب أحمد دحبور أغنية الفرقة الأشهر "اشهد يا عالم علينا وع بيروت"، التي اشتهرت بها الفرقة وعَبَرت بها إلى الأجيال اللاحقة، وقد غنيت في الحفل الذي أقيم العام 1983 في عدن، عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية (اليمن الجنوبي) آنذاك، بحضور عدد من قيادات منظمة التحرير، يتقدمهم ياسر عرفات وصلاح خلف (أبو إياد)، وقد تناولت الأغنية صمود وبطولات المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة جيش الاحتلال.
بالرغم من بلوغ الفرقة ذروتها في الأداء والرسالة، فإنه سرعان ما جاءت الانتكاسة عن طريق السياسة وصراعاتها، حيث أدى الصراع داخل حركة فتح إلى انشقاق صفوفها وانفصال تنظيم "فتح الانتفاضة" المقرب من النظام السوري العام 1983، حيث رفض حسين نازك والفرقة أن تحسب "العاشقين" على أي فصيل، ما أدى لإيقاف الطرفين الرواتب والتمويل عنها ونهايتها، حَدَث ذلك وهي في ذروة إبداعها وعطائها.
جذور العاشقين
بعد النهاية بحوالي أربعة أعوام، وبينما كان محمد الهباش مقيماً في تونس، انطلقت الانتفاضة الفلسطينية نهاية العام 1987، فالتقط الهباش اللحظة ورأى أنه لا بُدّ من مواكبة أحداث الانتفاضة وتخليد أحداثها بالأغنية، فكان أن قام بتأسيس الفرقة الجديدة "جذور العاشقين"، التي من من أهم أغانيها: "زغردي يم الجدايل"، و"سبّل عيونه"، و"فلسطين مزيونة"، وقد تعاون معه الشاعر خالد أبو خالد، فكتب للفرقة 14 أغنية، ارتبطت جميعها بالشهادة وانتشر غناؤها في مواكب تشييع شهداء الانتفاضة، قبل أن يتوقف إنتاج فرقة الجذور بسبب نقص الإمكانات المادية العام 1993. لكن إنتاج الهباش لم ينتهِ بذلك؛ فقام بإنتاج ألبومات خاصة بعد معارك مخيم جنين خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005)، فقدّم ألبومين: "ملحمة جنين"، و"أبطال السرايا"، خلدّ فيهما ملاحم وبطولات المقاومة.
هكذا كانت "العاشقين"، خرجت من رحم الألم والمعاناة في الشتات، لتعبر عن قضية الفلسطينيين وتخلد نضالهم، لتبقى ملتزمة بالغناء لفلسطين، لا لتنظيم بعينه، حتى انتهت وهي في أوج عطائها.
خالد بشير
كاتب أردني