ثمة أسئلة لابد من طرحها من هو الأكثر فسادا المواطن أم الدولة أم كلاهما معًا؟ .، حقيقة سمعتها من أحد التجار من الجنس "الأصفر"، و صاحبنا هذا عرف كيف يتأقلم مع الجزائريين و تعلم مخاطبتهم باللغة العربية ، وكان هذا الأخير قد استضافه أحد المواطنين في بيته، فوقف على حقيقة أنّ الجزائريين يكرهون "النظام"، بدليل أن بيوتهم من الداخل نظيفة و منظمة، و شوارعهم تأكلها الفوضى والأوساخ، و كان رد الصيني : أنتم تنتقمون من النظام الذي لم يوفر لكم العيش الكريم ، ربما هذه الملاحظة فيها نوع من الصدق
وردت كلمة الفساد في القرآن الكريم على لسان الملائكة عندما خاطبهم الله تعالى بأنه سيجعل خليفة في الأرض، وكان ردهم مالتالي: ( أتجعل فيها من يفسد فيها و يُسفِكُ الدماء و نحن نسبح بحمدك ونقدس لك..الخ )، لقد تنبأت الملائكة بأن"الفساد" سيظهر بمجيء "البشر" و يكون على أيديهم، و هذا ما يؤكد على أن ظاهرة الفساد "حتمية" لا مفر منها، و لا يوجد لها علاج..، كان "الحقد" و "الغيرة" المنطلق الأول للفساد، تمثل في "القتل"، عندما تمكن الحقد و الغيرة من "قابيل" و دفعته إلى قتل أخيه "هابيل"، و من هنا بدأت كذلك عملية سفك "الدماء" وهي أول جريمة في تاريخ البشرية، فإذا أردت أن تفسد أمة فعليك بأخلاقها، و النظم إذا أرادت أن تذل شعبا ، تزيد الأسعار و تسلط عليه القوانين، وهو ضرب من الفساد، و ما أكثرهم المفسدين، و الفساد يعني هدم ما بناه الآخر حتى لو كان له طابع إيجابي، و هو يعني الفساد أيضا، و هذا النوع من الفساد له أثر سلبي على الإنسان في نفسه و ماله، ، لنا أن نقف وقفة تأمل للآثار التي يتركها "الهدم"، هذا العملاق الذي بقرار، و في مدة زمنية قصيرة جدا يقضى على "جيل" بل "أجيال" بكاملها، و يبعدها عن كل ما يربطها بالإنسانية.
قد نزرع فكرة أو نصنع لعبة نهدم بها عقول أطفال صغار و مراهقين، كما نشهده اليوم في اللعب الإلكترونية ( الحوت الأزرق و لعبة مرية مريم) ، و لا يتوقف الأمر عند اللعب الإلكتروني بل المواقع الإباحية التي يشاهدها بعض الشواذ، و أمثلة أخرى من الواقع، أولها الإضرابات المتكررة التي تعرقل سير المنظومة التربوية، و تؤخر برنامج التلاميذ الدراسي، و قد تخلق لهم عقدة الخوف من عدم إتمام البرنامج أو الخوف من الرسوب، لأن المضربين لم يفكروا في مستقبل هذا الجيل، و نتحدث عن المشاريع المجمدة لغياب التخصص و الخبرة و الكفاءة و انعدام الرقابة و المتابعة الميدانية، إذا قلنا أن هذه المشاريع كلفت الخزينة العمومية الملايير من الأموال، هي في الحقيقة أموال الشعب، تعود بي الذاكرة إلى قصة "ابن بطوطة" عن العصور الماضية ، كانت في بعض البلاد الفقيرة حتى اليوم – المواصلات ونقل الأحمال على ظهور الحيوانات كالجمال و البغال، وكانت الحمير لصبرها و قوة تحملها، و هدوء طبعها، و قلة كلفة علفها و طعامها أكثر الحيوانات استخداما للنقل و التنقل، و كان الحَمَّارَةُ يقتنون الحمير و يعتنون بها، لتأجيرها لأصحاب الحاجة و يعيشون من مردود هذه الحمير، لذلك كان صاحب الحمار يحرص يوميا على العناية بالحمار في طعامه و شرابه و نظافته و موضع نومه، حتى يحافظ عليه و على صحته للعمل اليومي الشاق ، و قد لا يعتني صاحب الحمار بنفسه قدر عنايته بحماره، لأنه لو هلك حِمَاره ضاع معه رأس ماله و مصدر رزقه.
لا أحد يمكنه أن يجزم إذا كان استنتاج هذا الصيني حقيقة أم لا، لكن من أراد الوقوف على الحقيقة عليه بزيارة المحاكم ليشهد الفساد و أهله، و إن كان بعض المتورطون في قضايا الفساد هم اليوم أمام العدالة، إلا أن هذا العدد لا يشكل إلا نسبة قليلة جدا (قطرة من ماء البحر) من المفسدين الحقيقيين الذين هم أحرارا خارج الأسوار، و يتمتعون بالحقوق المدنية و السياسية و بالحصانة البرلمانية، (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون)
و كما قال الشاعر:
أيها الغارقونَ في وحْلِ دُنياكمْ
وفيهِ جميعُكم شهداء
لستُ أهجوكمُ فأنتمْ ذئابٌ
وكثيرٌ على الذئابِ الهجاء
أيها الغارقونَ في وحْلِ دُنياكمْ
وفيهِ جميعُكم شهداء
لستُ أهجوكمُ فأنتمْ ذئابٌ
وكثيرٌ على الذئابِ الهجاء
علجية عيش
٢٢