محمد عباس محمد عرابي - البنية السردية في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني رسالة ماجستير للباحثة ميّادة العامري/ عرض

البنية السردية في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني رسالة علمية تقدمت بها الباحثة ميّادة عبد الأمير كريم العامري إلى مجلس كلية التربية / جامعة ذي قار، وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها بإشراف الأستاذ المساعد د/ ضياء غني العبودي عام 2011م ،وفيما يلى عرض لهذه الدراسة من خلال نص مقدمة الدراسة ومكوناتها ونتائجها كما ذكرتها الباحثة ميّادة العامري، وهي على النحو التالي:

مقدمة :

تقول الباحثة ميّادة عبد الأمير كريم العامري في مقدمة الدراسة :"تعد الدراسة السردية واحدة من الموضوعات التي لاقت اهتمام كثير من الدارسين وكانت محطّ انظارهم وموضع عنايتهم ، وقد استطاعت أنْ تسجل لها حضوراً فاعلاً في ال أوساط الأدبية فُكتبت فيها العديد من الكتب والرسائل الجامعية متناولة السرد في قطبي الادب (شعره ونثره) .

وكان أنْ دأبت بعض الدراسات الحديثة منها (الدراسة السردية) على دراسة التراث العربي القديم ومحاولة قراءتهِ قراءةً جديدة على وفق المصطلحات النقدية الحديثة, و هذه الدراسة إنّما هي محاولة لاستجلاء بنية السرد القصصي في واحدة من كبريات المدونات العربية المتمثلة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني .

دراسات علمية حول كتاب الأغاني:

وقد دُرس كتاب الأغاني دراسات متعددة منها ما درس مؤلُّفه أمثال دراسة محمد أحمد خلف الله - في كتابه ((صاحب الأغاني أبو الفرج الأصبهاني الر اوية)) ومنها أيضاً دراسة طانيوس فرنسيس في كتابه (( أبو الفرج الأصبهاني – أديبٌ شهرهُ كتاب)), ومن الدراسات ما درس منهج الكتاب منها دراسة د. د أود سلّوم الموسومة ((كتاب الأغاني مصادره وأاسانيده)) ، ودراسة د. أميل بديع يعقوب المعنونة ((منهج أبي الفرج في كتاب الأغاني)) .

وهناك دراسات أخرى درست أخبار الأغاني ، و هناك أطروحة دكتوراه بعنوان ((الخبر الهزلي في كتاب الأغاني – دراسة أدبية)) تقدم بها الباحث ((ناجح سالم موسى المهنا)) إلى مجلس كلية الآداب – جامعة البصرة ، اقتصرت على دراسة أخبار الأغاني من الجانب الهزلي ،وأشارت إلى الجوانب البلاغية فيها أمثال الانسجام والتعارض ، إخفاء المعنى وإظهاره ، المبالغة ، التدرج في المسألة .. الخ .

ومن هذه الدراسات أيضاً رسالة ماجستير حملت عنوان ((أخبار عمر بن أبي ربيعة في كتاب الأغاني – دراسة في ملامح السرد القصصي)) تقدم بها الباحث ((خالد صكبان حسن)) إلى مجلس كلية الآداب – جامعة البصرة ، اقتصر فيها الباحث على دراسة أخبار الشاعر عمر بن أبي ربيعه فقط من دون التعرض إلى بقية أخبار الأغاني الاخرى ،مما كان سببا في قلة الشواهد المُمثل بها فضلاً عن القصور الكبير في عناصر السرد إذ لم يتطرق الباحث مثلا إلى(المروي له), إلى جانب تكرار الأمثلة في أكثر من موضع مما يوحي بقلة عينة البحث فكانت الرسالة بسبعين صفحة " . (1)

مكونات الدراسة :

اقتضت خطة الدراسة أنْ يُشّيد بناؤها على وفق أربعة فصول تسبقها مقدمة وتمهيد، وتليها خاتمة وثبت بالمصادر والمراجع .

التمهيد:

وقد خُصص التمهيد للوقوف عند محورين ، الأول :مؤلف الأغاني ونبذة مختصرة عن حياته ومؤلفاته ، أما المحور الثاني فقد درس صلاحية الأخبار للدرس السردي ، وفيه ح أول الباحث أنْ يسجل أمراً هو أنّ الخبر يأتي مرادفاً للسرد والقصة والحكاية ، ليكون ذلك منطلقاً نحو دراسة أخبار الأغاني دراسة سردية , ونظراً لأن تاريخ السرد وتحديد مصطلحه لم يعد بالأمر الخافي بل ذكرته عشرات الرسائل والكتب فقد أعرض الباحث عن ذكره في التمهيد (2).

نتائج الدراسة :

سعت هذه الدراسة إلى تن أول كتاب الأغاني و رصد أبرز ملامح السرد القصصي في أخباره ، وقد تمخضت عن جملة من النتائج أجملها الباحث فيما يلي : (3).

إنّ الاسترجاعات الواردة في أخبار الأغاني شغلت مساحة نصية كبيرة إذا ما وزنت بحجم الاستباقات المعروضة فيه ، ولعل ذلك كان ناتجاً عن أنّ اغلب الأخبار المروية هي أخبار واقعية مما تسمح بدورها لرجحان كفة الاسترجاع على الاستباق .

وقد تجلت الاستباقات التي قدمها أبو الفرج الأصبهاني في أشكال متعددة ، فمنها ما كان على شكل حلم أو رؤيا منامية، ومنها ما كان في صورة نبوءة أو فراسة وأخرى جاءت في مظهر أمنية أو دعاء صادر على لسان إحدى الشخصيات الإخبارية ، وقد لاحظت أنّ هذه الاستباقات عموماً هي استباقات متحققة الوقوع سواءً أكان ذلك المدى القريب أو البعيد.

أما الأماكن الواردة فيمكن القول: أنها كانت متأتية من كونها أماكن لاجتماع الأحبة وإنشاد الأشعار وتلحين الأصوات وغنائها وهذا ما جاء منسجماً مع موضوع كتاب الأغاني .

وقد شاع توظيف الأصبهاني لتقنية الحذف لمدة زمنية قد تطول أو تقصر ذلك أن المؤلف كان محكوماً بهدف سعى من ورائه إلى تأليف كتابه وهو الحديث عن الغناء والمغنين ، فكل ما وجد فسحة لحذف مدة زمنية لا مساس لها لموضوعه الأصل سعى إلى توظيفه في رواياته .



الأمر نفسه نلحظه في كثرة اعتماده تقنية الخلاصة، ولعل ذلك كان ناتجاً عن كثرة الشخصيات التي يتعرض لها الأصبهاني من شخصيات دينية وسياسية وشعراء ومغنين ، فتكون الخلاصة وسيلة المؤلف ليشمل كتابه ما أمكنه وسعه من هذه الشخصيات .

شيوع الحوار الخارجي في أخبار الأغاني وتأسيس معظمها على وفق البنية الحوارية ، وكأن الأصبهاني كان يدرك تماماً أن كتاباً بهذه السعة سيكون مدعاة لملل القارئ مما دفعه إلى توظيف هذه التقنية دفعاً للتقريرية والأسلوب المباشر الرتيب .

وممّا لاحظه أيضاً تعدد الساردين في كتاب الأغاني بين سارد قريب من المحكي وقد تمثل في مجموعة الرواة الذي ينقل عنهم الأصبهاني ، وبين سارد متأخر الرتبة بعيد عن المحكي ،وقد تمثل في الأصبهاني نفسه الذي أخذ عن أولئك الرواة أخباره ، وإلى جانب تعدد الساردين كان هناك أيضاً تعدد للمروي لهم الذين توزعوا بين مروي له عام وهو الشخص الذي طلب من أبي الفرج تأليف الكتاب وبين مروي له خاص تمثل في إحدى شخصيات هذا الخبر أو ذاك ليطلب من الطرف الآخر بدأه للحكي .

وقد جاءت أخبار الأغاني على وفق مستويي السرد : الموضوعي والذاتي ، وكان نصيب الموضوعي منهما يفوق الذاتي ، إذ وردت كثير من الاخبار على لسان ر او عليم بما يقدم من أحداث وشخصيات ، إلا أنّ ذلك لم يمنع من ورود السرد الذاتي ليتنحى الر أوي في هذا الخبر أو ذاك فاسحاً المجال امام إحدى الشخصيات لتتولى بنفسها مهمة سرد الأحداث .



ومثّل أبو الفرج الأصبهاني باعتباره مؤلف الكتاب متلقياً قبل أنْ يكون ر أوياً، من خلال تلقيه أخبار الأغاني ونقلها من غيره من رواة معاصرين أو نسخها من كتب اخرى سبقته ليعمد ببراعة ادبية إلى صياغتها صياغة جيدة تحمل لمساته الخاصة .

وقد اعتمد الأصبهاني في أخباره على النظام الإسنادي متبعاً في ذلك أسلوبي السند العادي والسند الممزوج ، إذ لا يخلو خبرٌـ إلا النادر منها ـ من دون سلسلة سند تسبقه ، سعياً لإضفاء المصداقية على أخباره وعدم التشكيك في تلفيقها أو زيفها ..

شخصيات الأغاني:

تنوعت شخصيات الأغاني بين شخصيات رئيسة شكلّت المحور الذي تدور حوله الأحداث وبين شخصيات ثانوية ذات دور تكميلي مساعد تدور في الإطار الذي تدور فيه الشخصيات الرئيسة ، وقد وردت هذه الشخصيات بنوعيها على وفق أنماط متعددة منها ما كانت ذات طابع جدّي سعى الأصبهاني إلى تقديمها برزانة واعتدال ومنها ما كانت ذات هزل وفكاهة عُرضت على وفق هذا الجانب فضلاً عن شخصيات أخرى غلب عليها الطابع الاسطوري . بناء الأحداث:

وأما على مستوى بناء الأحداث فإنّ أغلبها جاء على وفق بناء متتابع ذي نسق متسلسل الوقوع ، يليه بناء آخر تضميني عمد فيه الر أوي إلى تضمين أخباره حكاية أخرى أو أكثر كانت تشترك مع الحكاية ال أولى في ذات المضمون أو تفترق عنها ، وإلى جانب هذه البنائين كان هناك بناءً آخر صيغت بعض أخبار الأغاني على وفقه وهو البناء الدائري إذ تبدأ الأحداث بنقطة ما ثم تعود لتنتهي حيث ما ابتدأت ، وهذا البناء ورد قليلاً قياساً بالبنائَين الأولين .

شيوع السرد المفرد في أخبار الأغاني:

وكان مما برز جلياً شيوع السرد المفرد في أخبار الأغاني، فغالباً ما كان أبو الفرج يروي مرة واحدة ، يليه السرد الاختزالي الذي يعمد فيه الر أوي إلى اختزال روايته للأحداث ليقوم مرة واحدة برواية ما وقع اكثر من مرة ، ويتبع ذلك السرد المكرّر ، إذ لاحظت الباحثة أنّ الأصبهاني كان يكرر رواية هذا الخبر أو ذاك ، ليسرد لنا أكثر من مرة ما وقع لمرة واحدة لا سيّما إنْ كان الخبر المروي يخص بالذكر اكثر من شخصية غنائية أو شعرية ، فيكون التكرار أسلوب الأصبهاني وهو يكرر ذلك الخبر الواحد - مع اختلاف بسيط في الصياغة اللفظية - مع ترجمته لكل شخصية من هؤلاء .

وقد انمازت المادة السردية التي عرضها الأصبهاني وصاغها في شكل أخبار ، بجملة من الخصائص أجملتها الباحثة في ست خصائص هي اعتماد الأصبهاني على السرد الطلبي أولاً والنظام الإسنادي ثانياً ، إلى جانب الاشتغال على آلية التضمين الحكائي ثالثاً وحضور النزعة الغرائبية في الأخبار فضلاً عن الاشتغال على آلية المفارقة وأخيراً تنوع المادة السردية بين قرآن وحديث ، وشعر وغناء ، ومثل ونادرة .

(1)ميّادة عبد الأمير كريم العامري، البنية السردية في كتاب الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني رسالة ماجستير ، كلية التربية / جامعة ذي قار ، شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها ، 2011م،ص 8-9

(2)ميّادة عبد الأمير كريم العامري، البنية السردية في كتاب الأغاني لأبي الفرج الاصبهاني رسالة ماجستير ، كلية التربية / جامعة ذي قار ، شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها ، 2011م،ص 9- 10

(3)المرجع السابق ،ص 232-236

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...