علجية عيش - حديث الصباح.. الشيخ أحمد سحنون رجل "حوار"

في ذكرى وفاته.. وصايا الشيخ أحمد سحنون لحكام الجزائر

لا يزال معتقلون سياسيون داخل السجون إلى اليوم، بمعنى أن الأزمة في الجزائر لا تزال قائمة، و قد تحرك الجماهير من جديد، في ظل الصراعات الداخلية و الخارجية، و ما يحيط بالجزائر من تهديدات و مخاطر، و يكون من الإفتراء أن نقرأ المشهد قبل وقوعه، خاصة في الظرف الصحي الذي يمرّ به العالم، قد يفسح المجال للعابثين بثورة نوفمبر و يعيثون فيها فسادا


في الجزائر علماء و دعاة كانوا باستطاعتهم تطهير الساحة من الفساد و من ثمّ تعديل الأمور و تحسينها لولا وقوف النظام ضدهم بالمرصاد ، في فترة عرفت فيها الجزائر حالة من التوتر أو الرّهاب السياسي إن صَحَّ القول، بسبب القرارات التي كانت ( وما تزال) تتخذ بصفة فرادية، لم تؤخذ فيها برأي مجموع العلماء و الدعاة، و هو ما أوصل البلاد إلى هذه الحال، ففي مثل هذا الشهر ( ديسمبر) رحل واحد من علماء الجزائر و دعاتها و هو رئيس رابطة الدعوة الإسلامية في الجزائر، إنه الشيخ أحمد سحنون ابن مدينة ليشانة ولاية بسكرة جنوب الجزائر، ينتمي الشيخ سحنون إلى جيل الصحوة الإسلامية في الجزائر من أمثال الشيخ عبد اللطيف سلطاني و الشيخ عمر العرباوي ، و هو يعد من ابرز رجال الحركة الإسلامية في الجزائر، حين عاشت الجزائر أوضاعا متفجرة، فمان عليه أن يقوم بمبادرة التواصل مع رئيس الجمهورية.

ففي رسالة وجهها الشيخ أحمد سحنون إلى رئيس الجمهورية في فترة أجهضت فيها الثورة ( الثمانينيات) قال فيها: " ما وددت أن يطول عمري حتى أرى حُمَاة الوطن يقتلون أبناء الوطن" و شرح الشيخ سحنون في رسالته للرئيس كيف تمكن من إقناع شباب غيور على دينه أن يعدلوا عن رأيهم، و العودة إلى بيوتهم، لكن قوات الجيش اعترضتهم و هم عائدون إلى بيوتهم، بعضهم قتل و آخرون أصيبوا بجروح، هكذا فشلت عملية الصلح بين الجزائريين، لكن مساعي الشيخ أحمد سحنون لم تفشل في ربط جسور الأخوة بين أبناء البلد الواحد، و لرجاحة عقله و رزانته و اعتداله الفكري في معالجة المشكلات و استعمال كذلك أسلوب " الحوار" مع الأخر، كتب رسالة ثانية إلى رئيس الجمهورية مريدا بها أن تكون مساهمة في "الحوار الوطني" و إيقاف النزيف الدموي و إعطاء فرصة تاريخية للإنطلاقة الحضارية ، و التخلي عن سياسة عمّقت الهُوّة بين فئات الشعب، و خلقت في المجتمع طبقات، طبقة تنعم بخيرات البلاد و طبقة تعيش البؤس و تأكل من القمامة، تعيش على القمع و التنكيل فأثبتت هذه السياسة فشلها لأنها لم تنبثق من إرادة الشعب، الرسالة طويلة و لا يسع الحديث عنها في هذه الورقة، لكنه الشيخ سحنون رحمه الله أكد في رسالته على أن ساعة التغيير الذي تُعْطىَ فيه الإرادة للشعب قد حانت.

وبصفته عضو في جمعية العلماء المسلمين عبّر الشيخ سحنون عن تضامنه مع الشعب في مطالبه المشروعة و قدم في رسالته بعض المطالب، من أهمها إصدار العفو الشامل على كل المعتقلين من أجل آرائهم، بغض النظر عن الوسيلة التي استعملوها و فرضتها عليهم أجواء مصادرة الحريات، وتوفير فرص العمل للشباب و تشغيل الطاقات المعطلة في الشعب مع إعادة الإعتبار للجهد و الكفاءة و محاربة السبل الغير مشروعة للترقي و الثراء، كالمحسوبية و الرشوة و الغش و استغلال النفوذ و الإقطاع الإداري، كما شملت الشروط ضمان الحريات الأساسية لكل أفراد الشعب و غيرها من الشروط التي سنعود إليها في ورقة أخرى، يقول الشيخ سحنون أن الشعب الجزائري ناضل نضالا متواصلا من أجل المحافظة على أصالته الإسلامية و دفع تضحيات جسيمة لإحباط المؤامرات الصليبية، و ثورة نوفمبر كانت إسلامية في روحها.

إن الأمم لا تبني حضارات إلا في دول يسودها القانون و العدالة الإجتماعية، دول توفر حرية النقد و الرأي، لم يكن الشيخ سحنون شيخ زاوية ( طرقي) بل كان عالما و داعية للحق ، مناصرا له، لا يجامل حَاكِمًا و لا مسؤولا مهما كان نفوذه، و لم يكن ينصر ظالما حتى لو كان من المقربين إليه، لم تكن الشروط التي ذكرها شروطا بل كانت "وصايا"، لو طبقت بحذافيرها في أرض الواقع، لما شهدت الجزائر ما شهدته من اضطرابات و صدامات قادتها إلى حرب أهلية ( 1990) ، اتسمت بالعنف و التطرف، لتعود الأمور إلى ما كانت عليه، تمثلت في ثورة 22 فبراير 2019 عندما خرجت الجماهير في مسيرات سلمية تطالب بالتغيير الجذري للنظام و محاكمة المتورطين في الفساد.

و الشيخ أحمد سحنون الملقب بـ: "أبو الصحوة" من مواليد 1906 بمدينة ليشانة ولاية بسكرة جنوب الجزائر، اتحق بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين و كان من بين الكتاب في صحفها لاسيما صحيفة الشهاب و البصائر و هذا نع بداية الأربعينيات، دخل السجن في فترلاة الإحتلال الفرنسي، ترأس الشيخ سحنون رابطة الدعوة الإسلامية في الجزائر، استطاع أن يصون الشخصية الجزائرية ذات البعدين العربي الإسلامي، ظل يناضل بفكرة و مواقفه عندما دخلت الجزائر في مستنقع العنف، إلى أن توفي في 08 ديسمبر 2003 ، و تكون قد مرت على وفاته 17 سنة، رحل الشيخ أحمد سجنون و من كانوا معه على الحق، و لم يتحقق الحلم، والآن وجب ان يطرح السؤال التالي: هل تغير شيئ ؟ ، لن نكون متشائمين طبعا، تغيرت بعض الأمور وهي تحريك بعض ملفات الفساد أمام العدالة و كشف أصحابها أمام الرأي العام، لكن الممارسات التي يمارسها النظام لم تتغير، بحيث ما زال النظام الجزائري يصادر الحريات و يقمع حرية التعبير، لا يزال معتقلون سياسيون داخل السجون إلى اليوم، بمعنى أن الأزمة في الجزائر لا تزال قائمة، و قد تحرك الجماهير من جديد، في ظل الصراعات الداخلية و الخارجية، و ما يحيط بالجزائر من تهديدات و مخاطر، و يكون من الإفتراء أن نقرأ المشهد قبل وقوعه، خاصة في الظرف الصحي الذي يمرّ به العالم، قد يفسح المجال للعابثين بثورة نوفمبر و يعيثون فيها فسادا.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...