علجية عيش - إشكالية الكتابة في الحرب و الحرب الأهلية و ثقافة المقاومة

من خلال كتاب "الكتابة تَحَوُّلٌ في التَّحَوُّلِ" للناقدة اللبنانية يمنى العيد

(خطاب الإسترداد و الدفاع يخفي حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي)

في كتاب لها حمل عنوان: "الكتابة تَحَوُّلٌ في التَّحَوُّلِ" سلطت الناقدة اللبنانية يمنى العيد الضوء على الظاهرة الحربية و علاقتها بالثقافة، و دور الإستعمار في الإستيلاء على أراضي الآخر و سلب حريته و محو هويته مقدمة في ذلك مثال عن القضية الفلسطينية ومشاهد الإجتياح الإسرائيلي للقدس و للبنان في ظل الحرب الأهلية و ما لحق بالشعوب من دمار و خراب للمدن، سعى فيه الخطاب الإسرائيلي إلى التعتيم على هذه المشاهد و تحوير معناه و وظيفته من منظور يخدم العدوان الإسرائيلي و من ثم معرفة كيف يمكن صيانة الذاكرة الثقافية من الإعتداء على كل ما يشكل تاريخها



و الكاتبة اللبنانية يمنى العيد ناقدة أدبية، أستاذة في النقد العربيّ من مواليد 1935 بصيدا، اسمها الحقيقي حكمت المجذوب الصباغ، و تعرف أيضًا باسم حكمت الخطيب ، حائزة على عدة شهادات تقدير و جوائز عربية منها جائزة سلطان العويس، أما عن انتمائها السياسي فهي يسارية، انتسبت في بدايات حياتها الثقافية والفكرية إلى الحزب الشيوعي اللبناني، في كتابها السالف الذكر ، قسمت المؤلفة الكتاب إلى سبعة فصول تطرقت فيه إلى الأعمال الأدبية التي لها صلة بالحرب، لاسيما رواية العطل و الفرق: (الظل و الصدى) للروائي اللبناني يوسف حبشي الأشقر ، الذي تحدث عن السقوط اثناء الحرب باعتباره علامة مختلفة في مسار الكتابة الأدبية اللبنانية، و رواية العطل الآخر: (أيام زائدة) لحسن داوود، و قد خصصت الكاتبة لكل رواية فصل خاص ( الفصل الثالث و الرابع)، كذلك رواية "ميرامار" لنجيب محفوظ التي تناولت الوضع السياسي و أخطائه أيام الحكم الناصري، مشيرة أنه من الضروري الأخذ بعين الإعتبار ما يعتري التناول الروائي للأمور السياسية من غموض، و كيفية الخروج منه لتحديد الهُمْ و النَّحْنُ، أي بين القاتل و الضحية، بين المُتَسَلِّطِ و المُخَلِّصِ، حتى لا تتحول الحروب إلى تدمير ذاتي، فتردم الأحلام تحت ركام الحاجة إلى أولويات العيش .

كما عرضت التجربة الشعرية خلال الحرب حددت فيها المفاهيم المتعلقة بالشعر المقاوم و شعر التجريب، و كيف تتأثر الكتابة باعتبارها تعبيرا بالواقع المعيش، كما تطرقت إلى الحرب من وجهة نظر ثقافية و إعلامية، فالحرب كما قالت هي خارج الثقافة و ضدها، لأن الحرب تدمير و خراب و الثقافة بناء و حياة ، أي مقاومة، و بالرغم من الإختلاف بينهما ، و الحرب تترك أثرها في الثقافة، و قدمت صاحبة الكتاب أمثلة حية عن الحروب التي عاشتها الإنسانية،لاسيما احتلال فرنسا البلاد العربية، كذلك حروب نابليون بونابرت و حرب أمريكا ضد الفيتنام، و حروب المغول... وغيرها، رغم اختلاف أساليبها و أهدافها، و عليه فإن للثقافة خطابها المقاوم، لكن لا يعني أنها تدعو إلى حرب أخرى، بل فضح إيديولوجيا الحرب، فثقافة المقاومة هي إحلال الحوار مقابل القمع و العقل مكان القتل، أما في الجانب الإعلامي اشارت الكاتبة كيف استخدم الإعلام التكنولوجيا الحديثة محولا في ذلك المعلومة المرسلة التي يقدمها خطاب الحرب، هذا الخطاب طالما استخدم علم الإشارات و عالم الصورة لصنع المعلومة التي يتوجه بها إلى الجماهير.

ومما لا شك فيه أن هناك من يتفق مع وجهة نظر الكاتبة بأن الغزاة و المستعمرون هم أعداء الثقافة و مُدَمِّرُوا الحضارات، و هم يتبنون خطابا يسوغ لهم منطقا قادرا على الإقناع يتوجهون به إلى فئات واسعة من الناس بغية حملهم على الإنتصار لهم، في محاولة منهم تشويه التاريخ و تغليط الرأي العام، و الإعتداء على أراضي عربية معترف دوليا بحدودها ، و معروف تاريخها و هويتها المرتبطة بهذه الأراضي، كما هو الشأن بالنسبة للقضية الفلسطينية ، فإن الخطاب الإسرائيلي يسعى إلى محو تاريخ عاشه الفلسطينيون فوق أرضهم و لا يسمحون لهم بأن يقيموا دولة، و هذا الخطاب الذي قالوا أنه خطاب استرداد و دفاع يهدف إلى تحقيق المشروع الصهيوني الخاص بإقامة دولة إسرائيل الكبرى على حساب مساحة واسعة من الأراضي العربية بالإضافة إلى فلسطين و تدمير قواها، كي تبقى في وضعية الأضعف و التابع لنظمها، إذ كيف للخطاب الإسرائيلي أن يدّعي لنفسه معاني الدفاع و هو يمارس الإعتداء و يستبيح أرواح المدنيين و أرزاقهم، ترى صاحبة الكتاب أن خطاب الإسترداد و الدفاع يخفي حقيقة الصراع العربي الإسرائيلي الذي صارت فيه إسرائيل طرفا قويا، كما توضح في كتابها أن الخطاب الذي يحمل نزعة التدمير لا يمكنه أن يكون خطابا ثقافيا، إلا أنها تدعو إلى وجوب التفرقة بين الصهيونية و اليهودية ، إذ ترى أن الأولى هي إيديولوجيا سياسية و الثانية دينا سماويا، و لذا وجب عدم الإنزلاق وراء خطاب يصنع الصراع على حد الإنتماء الديني.

من جهة أخرى تعرف الدكتورة يمنى العيد الإستعمار على أنه نظام اقتصادي سياسي و سلطة حكم زمنية و ليس هوية قومية و لا انتماءً دينيا ، و من هنا تكتسب الثقافة معنى المقاومة و سمات النضال و المعارضة للحروب، فهي ترتبط بحياة الشعوب و بوعيهم للعالم، و هي بذلك ترمز إلى الثراء البشري، حتى لو كانت الحرب حربا أهلية، لكن ما يميز الحرب الأهلية هنا هو أن هذه الأخيرة تكون فيها ثقافة المقاومة أكثر تعقيدا، لأن الحرب الأهلية هي حرب بين مواطنين، و هنا تقدم يمنى العيد تجربة لبنان كنموذج، عندما تفتتت المدينة و تهاوت أجزاؤها، و من ثم يمكن القول أن الحرب الأهلية تفعل ما يفعله الإستعمار الخارجي من تدمير للمنشآت و تقتيل أبرياء و تعطيل الحياة الثقافية، من هذا المنطلق تطرح الكاتبة إشكالية الكتابة في زمن الحرب ، من خلال طرح بعض الأسئلة حول كيف يتكون النصُّ الكتابي في ظل سلطة تمحو و تهدم كل شيئ، و بأي لغة يكتب النصّ؟ هل باللغة السابقة، أي بالذاكرة؟ بالمرجعي العام؟ و كيف تُنْتَشَلُ الكتابة من الموت لتكون إبداعا يستعيد حضوره، و ليكون لها موقعُ الفاعل في الثقافي نفسه؟، و هل مشكلة الكتابة هي مشكلة وجود؟ أم مشكلة ولادة جديدة، أي لها ديمومة التعبير و حياته؟.

و كما هو في الكتابة الروائية تحدثت يمنى العيد في كتابها عن الكتابة الشعرية، و وصفتها بالحفر على الجسد، عندما يتفتح وعي الشعراء على صوت المدفع و التاريخ يصعقهم في بداية حياتهم، شعراء ذهبوا للقتال دفاعا عن الوطن أو عن الطائفة أو عن الحزب، لكن غالبا ما تنتهي الحرب إلى مستنقع من الدماء، و المعركة التي كان يتبغي ان تستهدف عدوا عند حدود الوطن و يكون للموت فيها معنى للشهادة و الفداء، فإذا بها معارك بين القوميين و المرابطين أو بين البعثيين العراقيين و الإشتراكيين، و بين الشيوعيين، مثلما حدث في معركة طرابلس عام 1985 ضد حركة التوحيد و الفلسطينيين التي دفعت الكثير لترك السلاح عندما وجدوا ان يعضهم يقتل بعضا و شعروا انهم يغطسون في الوحل ، و أضحت الحرب حرب الدمار بين الداخل و الداخل، و ليس بين الداخل و الخارج كما رسمه مشهد الإجتياح الإسرائيلي للبنان.

و تستخلص الكاتبة إلى أن الكتابة تحوّل في التحوّل، و كانت هذه العبارة ملائمة لإختيارها كعنوان لكتابها، حاولت أن تُفْهِمَ القارئ العربي أن الأدب الذي وظّف ذاته للتغيير الإجتماعي في الستينيات يسعى إلى البحث عن لغة جديدة لحياته، من أجل رؤياه لا رؤيته، و ليتحرر بذلك من الواقعية و الإلتزام، إنه الأدب الإيديولوجي الذي يختزل النص و يُحَوِّلُهُ إلى خطاب، ففي رواية "نهاية الوجوه البيضاء" لإلياس خوري تعلق يمنى العيد أنه في الحرب لا جدوى من معرفة من هو القاتل و من هو المقتول ، لأن الجميع معرض للموت و لذا لا يمكن الحديث عن الضحية لأن الكل ضحية ، في الحرب كل شيئ مباح و جائز، التجارة بالسلاح، بالحشيش، تصبح الجريمة أمر عادي و يكون السقوط هو الغالب، لأن اللصوص يحكمون باسم الثورة.

قراءة علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...