أقبض على قلمي , ألملم أوراقي البيضاء , أتحسس أناملي وقد صارت إلى جفاف , كلما مر بي أحدهم يضغط بإبهامه على زجاجة المطهر , يرش أناملي , ملابسي , أفرك يدي ونعومة قد رحلت عنها , أحاول أن يصل إليها بعض من دفء , جفاف حل بها , كورورنا لا زالت غائبة وهاجس الخوف منها حاضر في كل قلب يمر بي ....
*** ***
هي الكورونا رأيتها على شاشة التلفاز , كرة مستديرة , تبرز في أنحائها أجسام ناتئة , تنغز كل جسم تصل إليه , لكن العين لا تراها إن كانت تحوم من حولها , كرة بنواجذ حادة , تفتك وتقتل , كرة صغيرة لا نراها بأعيننا لكنها تكبر وتكبر , تلون كوكبنا بدمعات الخوف , تصل كل بيت , كل نافذة , كل شارع , كرة تعيش على أجسادنا وتميتها , تصل إلى كل قارات العالم دون تأشيرة دخول , أراها في الرشاشات المطهرة , حتى قطعة الصابون حين تلف في راحة يدي تبحث عن كورونا , أنفض الماء عنها , ألتقط منديل لأجففها , ألقيه في السل , وكأن كورونا ذهبت دون عودة , هي دقائق وأراها في التلفاز لا زالت تلف , تدور , تبحث عنا ونحن قد نجيد الهروب ....
****
" زمن الكورونا ... " "2 "
آخذ مجلسي , أرنو لمن حولي , وصمت حائر مجدول بروح القلق , الجميع تعلقت عيونهم على شاشة التلفاز , في يدي جهاز صغير أدير من خلاله القنوات , كل قناة يظهر عليها صور الكمامات , عربات على مسطحها ميكروفونات تحذر الناس من التواجد في الشوارع , تحثهم على العودة إلى بيوتهم , تناشدهم لأجل سلامتهم , أدرت على قناة أخرى رأيت سيارات الشرطة في شوارع " أسبانيا " يصلني صوت صفارات الإنذار , الشوارع خاوية , لا أحد , تقف العربات في نهر الطريق الضيق , يترجل منها رجال الشرطة وفي يد أحدهم آلة تعزف الموسيقى , يعزفون , يترنمون , يخرج إليهم الجميع حيث نوافذ بيوتهم وشرفاتهم , يرددوا معهم الأناشيد , هم ورجال الشرطة في ترنيمة واحدة , هي مؤازرة وشحذ الهمم لأن يصيروا إلى الأحسن في فترة العزل وتوقف الحركة وغد سيكون الأجمل , ما رأيته عبر شاشة التلفاز أثار في نفسي حزن دفين , ترنيمة الجيتار وترديد الأناشيد التي لم أفهم منها شيء أعادتني لعقود بعيدة , حيث السادس من حزيران 67 , كنا هناك حيث " غزة " كانت طائراتهم تلاحق مدينتنا بالقصف والموت , أبي يحوط نوافذ بيتنا بالبطاطين الثقيلة كي لا تكشف طائراتهم ذؤابة نور تزيح عتمة صرنا إليها , منع التجوال من طقوس يومنا , يجلسنا أبي بين الحجرات في ممر معتم كي لا تطالنا قذائف طائراتهم , تصرخ شقيقتي , يضمها أبي , يهدهد خوفها , لم يتبق لنا إلا صمت نلوذ اليه , صمت دون كمامات الكورونا , حبس الأنفاس دون مطهرات , ودقات قلوب واجفة دون أجهزة التنفس الصناعي , لم يأت إلينا أحدا مؤازرا , لم يصلنا صوت أنشودة من فرح ولا ترنيمة جيتار , كان صوت الرصاص هو العابر بين الجدران , مكبرات الصوت لا تناشدنا , بل ترهبنا لأن نبقى ننتظر الجديد القادم إلينا , أصوات ذلك الزمن لم تغادر أذني , ترهيب قد يعقبه الفتك والتنكيل , صرنا جميعنا نعيش ترنيمة خوف عصية , هناك لم نعرف زمن الكورونا , هناك صرنا في زمن المجهول , وريح صرر لعاصفة مدوية تلقينا حيث الجحيم , آه يازمن الكورونا !!!!... بيوت , نوافذ , أنوار , برج إيفل يضج بنوره مؤازرا , والوقت هو الوقت والتلفاز لا زال على مساحته , والخوف لا زال ساكنا عقارب ساعة لن تغادر وقتها .....
بشرى أبو شرار
*** ***
هي الكورونا رأيتها على شاشة التلفاز , كرة مستديرة , تبرز في أنحائها أجسام ناتئة , تنغز كل جسم تصل إليه , لكن العين لا تراها إن كانت تحوم من حولها , كرة بنواجذ حادة , تفتك وتقتل , كرة صغيرة لا نراها بأعيننا لكنها تكبر وتكبر , تلون كوكبنا بدمعات الخوف , تصل كل بيت , كل نافذة , كل شارع , كرة تعيش على أجسادنا وتميتها , تصل إلى كل قارات العالم دون تأشيرة دخول , أراها في الرشاشات المطهرة , حتى قطعة الصابون حين تلف في راحة يدي تبحث عن كورونا , أنفض الماء عنها , ألتقط منديل لأجففها , ألقيه في السل , وكأن كورونا ذهبت دون عودة , هي دقائق وأراها في التلفاز لا زالت تلف , تدور , تبحث عنا ونحن قد نجيد الهروب ....
****
" زمن الكورونا ... " "2 "
آخذ مجلسي , أرنو لمن حولي , وصمت حائر مجدول بروح القلق , الجميع تعلقت عيونهم على شاشة التلفاز , في يدي جهاز صغير أدير من خلاله القنوات , كل قناة يظهر عليها صور الكمامات , عربات على مسطحها ميكروفونات تحذر الناس من التواجد في الشوارع , تحثهم على العودة إلى بيوتهم , تناشدهم لأجل سلامتهم , أدرت على قناة أخرى رأيت سيارات الشرطة في شوارع " أسبانيا " يصلني صوت صفارات الإنذار , الشوارع خاوية , لا أحد , تقف العربات في نهر الطريق الضيق , يترجل منها رجال الشرطة وفي يد أحدهم آلة تعزف الموسيقى , يعزفون , يترنمون , يخرج إليهم الجميع حيث نوافذ بيوتهم وشرفاتهم , يرددوا معهم الأناشيد , هم ورجال الشرطة في ترنيمة واحدة , هي مؤازرة وشحذ الهمم لأن يصيروا إلى الأحسن في فترة العزل وتوقف الحركة وغد سيكون الأجمل , ما رأيته عبر شاشة التلفاز أثار في نفسي حزن دفين , ترنيمة الجيتار وترديد الأناشيد التي لم أفهم منها شيء أعادتني لعقود بعيدة , حيث السادس من حزيران 67 , كنا هناك حيث " غزة " كانت طائراتهم تلاحق مدينتنا بالقصف والموت , أبي يحوط نوافذ بيتنا بالبطاطين الثقيلة كي لا تكشف طائراتهم ذؤابة نور تزيح عتمة صرنا إليها , منع التجوال من طقوس يومنا , يجلسنا أبي بين الحجرات في ممر معتم كي لا تطالنا قذائف طائراتهم , تصرخ شقيقتي , يضمها أبي , يهدهد خوفها , لم يتبق لنا إلا صمت نلوذ اليه , صمت دون كمامات الكورونا , حبس الأنفاس دون مطهرات , ودقات قلوب واجفة دون أجهزة التنفس الصناعي , لم يأت إلينا أحدا مؤازرا , لم يصلنا صوت أنشودة من فرح ولا ترنيمة جيتار , كان صوت الرصاص هو العابر بين الجدران , مكبرات الصوت لا تناشدنا , بل ترهبنا لأن نبقى ننتظر الجديد القادم إلينا , أصوات ذلك الزمن لم تغادر أذني , ترهيب قد يعقبه الفتك والتنكيل , صرنا جميعنا نعيش ترنيمة خوف عصية , هناك لم نعرف زمن الكورونا , هناك صرنا في زمن المجهول , وريح صرر لعاصفة مدوية تلقينا حيث الجحيم , آه يازمن الكورونا !!!!... بيوت , نوافذ , أنوار , برج إيفل يضج بنوره مؤازرا , والوقت هو الوقت والتلفاز لا زال على مساحته , والخوف لا زال ساكنا عقارب ساعة لن تغادر وقتها .....
بشرى أبو شرار