على لفتة سعيد - خالد عبدالغني يحلل الشخصية الروائية لمبدعي جيل الستينيات وما قبله

في كتابه الجديد الذي حمل عنوان (الشخصية المحورية في الرواية العربية) ربما يدخل الناقد والمحلل والمختص بعلم النفس والنقد النفسي والتحليل النفسي الاكلينيكي الدكتور خالد عبد الغني منعطفا آخر في النقدية العربية.. هذا الكتاب الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة والذي يقع بنحو (260 ) صفحة من القطع (المتوسط) هو امتداد لكتابه الأول في هذا المجال والذي خصصه عن نجيب محفوظ والذي حمل عنوان (نجيب محفوظ وسردياته العجائبية ) عام 2011 والصادر عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة في احتفالية المئوية الأولى لنجيب محفوظ وهو ايضا الكتاب الثالث في سلسلة كتابته الأدبية من منظور نفسي اكلينيكي بعد كتابه (الذات والموضوع دراسات في سيكولوجية الأدب) والذي تناول أبرز كتاب القصة والرواية والشعر من جيل الستينيات وحتى الجيل الحالي من المبدعين المصريين والعرب. الكتاب الجديد يحاول او يسعى الكاتب عبد الغني الى رسم مشهدية جديدة في النقد أو علم النفس النقدي أو علم النفس الادبي . وهو أمر في غاية الصعوبة لأن الخوض في هذه المجال قد لا يقترب من النقد وقد يبتعد عن علم النفس إذا ما أخطأ أو لم يحسن استخدام الأدوات.. ولكنه امسك ليس العصا من المنتصف بل الصولجان لكي يطبق ما يحمله ليس من نظرية أدبية او منهجا علميا خالصا بل برؤية من يريد الحفر في شعب وبساتين جديدة ربما لا يقترب منها كفعل كتابي إلا من كان بيده صولجانه الخاص الذي يمكن به أن يحدد الخط الذي يفصل ما بين الأدب وعلم النفس.. هذا الكتاب محاولة لتقديم قراءة تطبيقية للنص الروائي.. النص الذي أثار مكنونات الناقد واقترب من علم النفس ولذا هدف الدكتور عبد الغني إلى إضاءة النص وإبراز الجوانب التي تتعلق بعلم النفس، حيث التعريف أولاً بالمصطلحات والمفاهيم النفسية التي ستدور حولها عملية النقد ومن ثم محاولة ما توصل اليه ليطبقه على النصوص المختارة التي وجد فيها الشخصيات المحورية هي اساس العمل مستندا على عملية تقديم التطبيق التحليلي للنص من خلال الشخصية المحورية متكئا على المصطلحات حتى لا تكون عملية البحث مجرد شرح وتفسير للنص بمجموعة من المفردات العبارات البلاغية المغرقة في الغرابة. الكتاب يبحث في الشخصيات التي تحتويها الروايات باعتبارها نماذج مختارة من كبار الروائيين المبدعين لتوفرها على مقومات يقبلها منهجه الذي يمتلك أدواته المتعلقة بعلم النفس بمدارسه وتياراته المختلفة.. وكانت المحاولة بهدف إيضاح أن المبدع قد يسبق العالم في التنظير للكثير من الحالات ذات الطابع المرضي أو شبه المرضي الموجودة في الواقع . فالدكتور خالد عبدالغني يرى ان المبدع الأديب يبتكر او يحمل رؤية ورؤيا في حين العالم الذي لديه رؤيا خاصة يحلل.. وهو كما يقول ان سوفوكليس سبق فرويد في إبراز ملامح الأوديبية التي صاغها فرويد في نظريته التحليل النفسي، وأن نجيب محفوظ سبق المنظرين والمحللين النفسيين لقضية البغاء في روايته (بداية ونهاية) وكذلك الأبوية الذكورية ودور المرأة فيها وتأثيرها على الأبناء في الثلاثية و(قلب الليل) . ان اغلب ما جاء في كتابه تمت مناقشته كبحوث في المؤتمرات الخاصة بالرواية او نشرت في مجلات ودوريات أدبية وثقافية كبرى على امتداد الوطن العربي، وهو ما شجعه لكي يواصل الطريق لان الطريق لديه مختلف عن الآخرين.. رغم انه ليس جديدا في الحقل النقدي لكنه لا يساير الآخرين بل يحاول ان يرسم له طريقه الخاص وان تكون دراساته النفسية للأدب هي محط الرحال في التدوين النقدي. وهو يعترف بهذا حين يقول انا قادم من علم النفس بمنهجه السيكومتري الجاف واحصائياته وجداوله صعبة الفهم، وقضاياه التي لا تهم المجتمع في أغلبها ولهذا فانه ربما يتعجب البعض حين لا يجد البلاغة عنده كما هي في حوارات النقاد او ندواتهم حتى انه يطالب بالمغفرة لانه اقتحم عالم النقد كونه ليس من دارسي الأدب، ولا من معتادي ندواته، ولا من عاشقي الظهور في مناسباته.. الكتاب يضم فصولاً تدور حول الشخصيات التالية رادوبيس بطلة رواية نجيب محفوظ الشهيرة والتي سميت الرواية باسمها وفيها تتجلى النرجسية بأبعادها الثلاثة "الحب والعزلة والموت". و"أَدِيب" في رواية طه حسين التي سميت أيضاَ باسمه وفيها رؤية إكلينيكية وتحليلية عميقة للبناء النفسي لأعراض اضطراب جنون الاضطهاد والعظمة المعروف بالبارانويا. والشيخ عصفور في يوميات نائب في الأرياف لـتوفيق الحكيم، والمجذوب هو الذي ينطق بالحكمة والهذيان وأبو صفارة الذي يمثل ضحايا الحروب في مجموعة حوريات الضوء لإبراهيم عطية. والدكتور شوقي الذي توحد بالمعتدي، وعباس الزنفلي ذلك العسكري السود (الجلاد) الذي أصيب بالجنون في قصة العسكري الأسود لـيوسف إدريس. وفاطمة تعلبة الأم المصرية الحاكمة للأسرة والمتمرسة في العلاج النفسي كونها تحمل خبرات وتاريخ المرأة الريفية الأصيلة في رواية الوتد لخيري شلبي. وأحمد الرجل الذي أصابته أزمة منتصف العمر وهو على مشارف الستين عاماً، ودنيا تلك الزوجة التي خانت زوجها فكان جزاؤها الإنتحار في عتبات البهجة لإبراهيم عبد المجيد. وخليل الموظف الذي بلغ سن المعاش ويعاني من أعراض الشيخوخة، وإحسان زوجته التي توفيت وتركته وحيداً في "حجرتان وصالة" لإبراهيم أصلان. وخديجة الأم المتسلطة وتمرد ابنتها سوسن عليها في رواية خديجة وسوسن لرضوى عاشور.


على لفتة سعيد
أديب وصحفي عراقي





تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...