د. خالد محمد عبدالغني - الحس الفكاهي واللغة : عمرو بركات على خطى الجاحظ

لقد استثارت ظاهرة الضحك من قديم الزمان اهتمام الفلاسفة وعلماء النفس، فعنى بدراستها كل من أفلاطون وأرسطو وديكارت وبرجسون وفرويد ومكدوجال وهوفدنج وغير هؤلاء. وليس في وسعنا أن نأتي في هذه الدراسة على تاريخ مفصل لتطور النظريات الفلسفية والسيكولوجية في تعليل الضحك.
يروي العلامة المحلل النفسي الأشهر مصطفى صفوان أن اتجاهه لدراسة التحليل النفسي وبخاصة انتمائه لمدرسة جاك لاكان النفسية - اللغوية إنما تعود أصوله لما كان يسمعه من ظرفاء عصره وهو طفل صغير من أصدقاء والده المشايخ الأزاهرة في الربع الأول وبداية الربع الثاني من القرن العشرين ويحكي عدة وقائع لغوية فكاهية كانت قد شكلت توجهه اللاحق فيما بعد عندما ذهب للدراسة والإقامة في فرنسا تقريبا طوال عمره من بعد التخرج إلى الرحيل أي قرابة ما يزيد عن 70 عاما ، ولعل المتابع لنشاط الأديب اللواء شرطة متقاعد عمرو بركات سوف يلحظ بسهولة ويسر امتلاكه لزمام اللغة الفكاهية وإن كنت احسبه من ظرفاء العصر على غرار من سمعنا عنهم وقرأنا عنهم ولهم ، وللبحث في جذور تكوين هذه الخاصة المميزة أتصور أن علاقته بوالده الأديب والمفكر التربوي الراحل "على بركات" وما عاصره من أحداث سياسية وثقافية وفكرية للمفكر الوالد قد طبعت الطفل الصغير يومها بذلك الطابع الفكاهي ولربما كان الطفل عمرو بركات يطالع بعينيه إحداث فكاهية ويسمع بأذنيه ما يعله يستمتع بالدعابة سواء كانت سياسية أو اجتماعية في أوساط المثقفين والكتاب من أصدقاء الوالد ، ولعل هذا التكوين الأولي للطفل عمرو آنذاك هو ما حببه في دنيا الفكر والثقافة والفن وهو ضابط الشرطة فيما هو قادم وكيف سوف يتعامل مع تلك الصورة الذهنية المأخوذة عن رجال الشرطة من الجفاف والشدة والعبوس والظلم والقسوة الى نهاية ذلك القاموس اللغوي المعروف ، وهذه مشكلة لابد وأن اظهار واستثمار ذلك الحس الفكاهي اللغوي ما سوف يعينه على تحمل تلك الرحلة الشاقة من العمل في المجال الشرطي ولابد أنها سوف تزيد مع المواقف والأحداث اذ قدر عليه العمل بعيدا عن بورسعيد موطنه ومسقط رأسه ، ولسوف يسافر خارج الوطن فكيف ستمر عليه الأيام فلابد وأن يستعين عليها بذلك الحس الفكاهي اللغوي .. وللحديث بقية لتحليل بعض النماذج من إنتاجه الفكاهي اللغوي
وفي مجموعة مقالاته الثلاثة المنشورة بمجلة الجديدة في عام 1930 حول فلسفة الضحك وطبيعته والصور المضحكة عند برجسون كان نجيب محفوظ سابقا على محاولات الدراسة السيكولوجية والفلسفية للضحك والدعابة وتأثيرهما على حياة الإنسان، واعتبر إرنست كريس أن استجابة الضحك ترجع بالإنسان لعمليات العودة أو النكوص الخاصة التي يقوم بها الضاحك إلى مناطق معينة من النشاط النفسي شبيهة بما كان يحدث خلال الطفولة من نشاطات وأفكار مرحة ترتبط بالبهجة والمتعة والضحك، ولقد نظر فرويد للفكاهة باعتبارها واحدة من أرقى الانجازات النفسية للإنسان وتصدر عن آلية نفسية دفاعية في مواجهة العالم الخارجي المهدد للذات وتقوم على تحويل حالة الضيق أو عدم الشعور بالمتعة إلى حالة من الشعور الخاص بالمتعة واللذة، وقدم فرويد في هذا الصدد كتابان هما النكات وعلاقتها باللاشعور والفكاهة ، ويؤثر الضحك في مواجهة الضغوط النفسية وتنشيط الجهاز المناعي والحد من آثار الشيخوخة والتقليل من احتمالات الإصابة بالأزمات القلبية وتحسين الوضع النفسي والجسمي بوجه عام للإنسان مما يجعله أكثر تفاؤلا وإقبالا على العمل والحياة . ثم تمت ترجمة كتاب الضحك لبرجسون - لاحقا على مقالات نجيب محفوظ بسنوات طويلة - وهي في المضحك بعامة "مضحك الأشكال ومضحك الحركات وقوة الامتداد في المضحك، ومضحك الظروف ومضحك الكلمات ، ومضحك الطباع. ويعد تصور برجسون من أهم التصورات في تفسير وفهم عملية الضحك وعليه سارت معظم الجهود التالية له ، وقدم صلاح مخيمر دراسته وتحليله النفسي لسلوك الضحك في الحياة العسكرية وانتهى إلى أن المجتمع العسكري أغزر منبع يفيض بشتى صور المضحك، فهو من هذه الوجهة دعوة متصلة لكل ملتحق وملحق أن يضحك، كما أن الحياة العسكرية الدامية تيارا فريدا من العمل يتصل حينا فيتعب ويجهد ويتمهل حينا فيمل ويسئم ويتهدده الخطر دوما فيخيف ويقلق، فهو من هذه الوجهة دفع بكل محارب إلى طلب الضحك، ومعنى هذا أن المجتمع العسكري باعث لا يطاوله على الضحك باعث ومفتقر لا يدانيه إلى الضحك مفتقر، ونشر زكريا إبراهيم كتابه سيكولوجية الفكاهة والضحك ليقول فيه "ولكننا سنعرض لدراسة هذه الظاهرة في ذاتها مع الإشارة بين الحين والآخر إلى بعض النظريات التي قد تعيننا على فهم الدلالة الإنسانية للضحك بصفة عامة. وليس يكفي لمثل هذه الدراسة أن تقف عند حد تعليل الضحك، أو تحديد العوامل الاجتماعية المؤثرة على نمو روح الفكاهة، أو التعرض للبحث في صميم الوظيفة النفسية التي تقوم بها الفكاهة في حياة الأفراد والجماعات، وإنما لابد لها أيضاً من أن تمتد إلى وصف وتصنيف شتى الاتجاهات الذهنية التي ترتبط في العادة بهذه الظاهرة السيكوفسيولوجية المعقدة. ولما كان المنهج التجريبي قد أصبح هو المنهج السائد في شتى ميادين علم النفس الحديث، فقد حاول بعض الباحثين الاستعانة بطرق التجريب المتنوعة في دراسة مظاهر الفكاهة والضحك عند الأطفال والبالغين، والعمل على تحديد شتى العوامل النفسية التى تدخل في تركيب المواقف الهزلية لدى كل جماعة من الجماعات، وليس في وسعنا- بطبيعة الحال- أن نلم في هذه العجالة القصيرة بكل تلك البحوث العلمية الدقيقة التي تعرض أصحابها لحصر هذه العوامل النفسية والاجتماعية العديدة أو بيان تلك الفروق الفردية والجماعية الكثيرة، مما يعمل عمله في إشاعة روح الفكاهة بين الناس، أو في تمايز الأفراد والجماعات من حيث مدى إقبالهم على الضحك، ويمكن القول بأن الضحك يؤدي في حياة الأفراد والجماعات وظيفة نفسية هامة من وظائف الاتزان العاطفي، وكيف أنه السبيل إلى تحقيق ضرب من التكامل النفسي- الاجتماعي. وقامت عزيزة السيد بدراسة العدوانية واستجابة الضحك من خلال استخدام مجموعة من رسوم الكاريكاتير لدى عينة من الشباب والراشدين من الجنسين وانتهت في دراستها إلى أن استجابة الضحك بعد رية الكاريكاتير تكون موجودة لنقطة معينة وبعدها يكون العدوان مرتفعا نتيجة إدراك المعنى العميق للرسوم وتعبيرها عن مشكلات واقعية مؤلمة فيصاحب ذلك نقص في الضحك، وقدم سيد أحمد عثمان تحليلا عميقا للدعابة السياسية لدى المصريين وربطها بمكونات الشخصية القادرة على المواجهة والصمود والنجاح والايجابية ودورها في زيادة المناعة النفسية الدافعة للمقاومة والتي لا تفرط في حق الشعب في الحرية ، كما أن الفكاهة السياسية لا تختلف عن الفكاهة في عمومها الا في موضوعها المتصل بالسلطة من بعيد أو من قريب ويؤكد علي أن الفكاهة السياسية لها عديد من الوظائف أهمها التفريج الانفعالي واستشراف المستقبل وتوجيه السلطة، واهتم شعبان عبدالصمد بمجال علم النفس السياسي عن طريق فهم دلالة الفكاهة السياسية نفسيا ، وأعد في هذا الصدد دراسة عن الصورة الذهنية لإريل شارون رئيس وزراء إسرائيل المعروف بجرائمه التي لا تحصى ضد العرب فتاريخه حافل بالدموية والعنصرية والصهيونية من خلال تحليل بعض رسوم الكاريكاتير السياسي على اعتبار أن للكاريكاتير مضمونا نفسيا واجتماعيا وسياسيا وأنه لم يغب عن تفاعلات النفس وحركة المجتمع . وحديثا قدم شاكر عبدالحميد كتابه الضخم عن "الفكاهة الضحك" جمع فيه كل ما يتصل بالضحك من تفسيرات ونظريات ومجالاته الأدبية والنفسية والفنون التشكيلية وأمراض الضحك وأساليب العلاج النفسي به.

والفكاهة عنصر هام من عناصر الأدب، لأن الضحك جزء من حياتنا يؤدي وظيفة روحية وفسيولوجية فيجب أن يكون له في سائر الفنون ما يغذّيه ويبعث عليه، ولأن الفكاهة تؤدي وظيفة اجتماعية كبيرة في تسلية النفوس وتقويم الأخلاق والعمل بتقاليد المجتمعات ، فأنا أعتدل في مشيي وأنظم حركاتي وأنتظم في هندامي وأتخير ألفاظي وأطلب الكمال في كل شيء حذر أن يسخر الناس مني ويتخذوني موضوع فكاهتهم ودعابتهم وسخريتهم.
والأديب الماهر لا بد أن يكون لديه القدرة على الفكاهة، سواء كان شاعرًا أو خطيبًا أو كاتبًا أو قصّاصًا أو روائيًّا، فهو بهذه الملَكَة يستطيع أن يصل إلى نفوس سامعيه، ويفتحها لآرائه، ويدسّ في ثنايا فكاهته ما يريد من المبادئ والنظريات فيتقبّلها القارئ أو السامع في لذة ومتعة ويكون ذلك أفعل في نفسه، ولهذا ينجح الأديب الفكِه أكثر مما ينجح الأديب العابس.
وقد أدرك هذا مؤلفو العرب من قديم فكانوا يعمدون إلى خلط الهزل بالجد والفكاهة بالعلم، وقد قال ابن قتيبة في كتاب «عيون الأخبار»: «ولم أخل هذا الكتاب من نادرة طريفة، وفطنة لطيفة، وكلمة معجبة، وأخرى مضحكة، لأروّح بذلك عن القارئ من كدّ الجدّ، وإتعاب الحق، فإن الأذن مجّاجة وللنفس حَمْضة، والمزح إذا كان حقًا أو مقاربًا ليس من القبيح ولا من المنكر».
وكذلك نوّه الجاحظ بهذا وجرى على هذا المبدأ في تآليفه، خالطًا الجد بالفكاهة وجرى على أثرهما المؤلفون.
ويؤكد عمرو بركات على معنى الفكاهية اللغوية بقوله :" انا السخرية عندى سخرية ناقدة لاذعة متحررة من قيود الواقع بالكشف عن مفارقاته المتناقضة... زى صديقى فى بيت الدعارة قال للداعرة زوجينى نفسك... وطلقها الصبح ودفع اتعابها..؟! فهى نقد للنفاق الدينى المتفشى فى المجتمع... كمن يصرحون بالزواج بطفلة دون التسع سنوات... ولا يعدونه اغتصاب.. بينما يطعنون فتاة بدون حجاب فى الطريق؟!
وتعالوا بنا نقرأ لمجموعة متأخرة من تعبيراته الفكاهية اللغوية اللاذعة فيقول :
واحد صاحبى الروح بالروح... أول ما عرف ان الصين بتعمل تجارب على مسحات كورونا.. من فتحة الشرج.. اتصل بالحاج.. "مى را زن ".. وسأله :"اللى بيعملوا له ماسحة الشرج..بياخد كام؟".. فقاله:"بياخد ١٠٠٠ دولار"..
ففوجئت بصاحبى الروح بالروح عاوز يسافر الصين يعمل المسحة ام ١٠٠٠ دولار؟!
فقلت له:"بس المسحة مش هتغطى مصاريف السفر؟!..
فقالى:"ما أنا هقولهم... أنا عندى خمس فتحات شرج
"..
واحد مش صاحبى قوى.. كل يوم..يسألنى عن معدلات الإصابة بالكورونا.. والشفاء؟؟
فلما زهقت ..
- قلت له:"أنت خايف من الكورونا ياحاج على؟"
- فقال لى مستنكراً:"لا ياباشا ... أنا خايف من المسحة؟!"
واحد صاحبى معرفش اسمه .. لسه راجع من تركيا.. بيحكى لى انه لم يرتكب معصية واحدة.. وكان بيصلى الفروض كلها فى جامع اسطى نبول الكبير..وقال مستطرداً بذاكرته:" حتى وانا فى بيت الدعارة.. أول ما الولية دخلت علىّ.. قبل م ألمسها.. قلت لها.. زوجينى نفسك.. فردت.. زوجتك نفسى على سنة الله ورسوله... وسلمنا على بعض..وقبل ما انزل الصبح اديتها اللى فيه النصيب بزيادة... وقلت لها.. انت طالق...".. ثم عاد ليسألنى:" والطلاق ده من ابو بينونة كبرى؟ولا بينونة صغرى؟ لإنى النوم كبس علىّ بعد ما سلمنا على بعض؟"
واحد صاحبى ..لسه متعرفوهوش.. بيعترف لى:" أنا الحمد لله كل ما اعمل معصية .. أطلع لله.. يبقى هدخل الجنة ولا النار يوم القيامة؟"..
فقلت له :"الفقهاء أجمعوا على حالتك دى..إنك يوم القيامة هتنزل فى لوكنده على حسابك"...
"على حمدى"...؟بعد ما رجع من تركيا.. بيتصل بى .. بيعترف لىّ علشان افتى له!!.. قالىّ:" أنا عملت المعصية فى تركية"... فقلت له :"هذا يتوقف على سنك... طالما تجاوزت الستين فما ارتكبته لا يعد بمعصية... وإنما معجزة... وإذا كان فى تركيا؟ فأنت منفوح... وإذا كان فى مصر فأنت منفوخ بأمر الله"...
واحد صاحبى من قبل الهجرة، مش هقول إسمه منعاً للفضائح، راح لدكتور علاج العقم والاخصاب المجهرى ..صديق لى، وقاله:" عاوز أحلل حيوانات مئوية"، فالدكتور قاله:" بس عمرو مقاليش انك عاوز تتجوز".. فقاله :"أنا مش هجوز".. عمرو قالى :"ان حضرتك هتدينى مقويات... تخليهم يلعبوا من بعض بس.. لإنى مش سامع لهم حس من زمان".... فقام الدكتور بطرده .. وغادر العيادة.. وقفلها وروح وهو بيقول:" هو أنا فاتح عيادة ولا حديقة حيوانات مئوية!؟"
ذهب الأعضاء المتشددين فى نادى الجزيرة لاستصدار فتوى بخصوص الجاتوه... فكانت على النحو التالى:" الجاتوه اذا كان قليله مثير... فكثيره حرام"..فقرروا.. إستبداله بالسحلب.
"على حمدى"... متفائل من تولى"بايدن"رئاسة امريكا..!!
ولما سألته عن السبب لتفاؤله؟...
قال:" مشفتوش وهو بيحلف على المصحف؟!"
بالصلاة على كل الانبياء.. تأويل الصورة .. كلاهما رمز لأحد الاديان السماوية.. كلاهما يرتدى زياً متميزاً عن زى عموم اتباعهما فكان زيهم رمزاً للسلطة ذات المصدر المجهول.. بتعبير نبييهما.. كلاهما يحمل ملخص لاهوته الخاص.. فالبابا يضع الصليب على صدره.. بينما يمسك الشيخ بالكتاب.. كلاهما مبتسم.. البابا يبتسم ليحتوى الشيخ.. بينما الشيخ يقول له:" والنبى إيه!!"
وكما أن الأمم تختلف في تقويمها للضحك والفكاهة وقدرتها على تذوق النكتة والضحك منها كذلك الآداب تختلف كثرة وقلة في الفكاهة وأنواعها وألوانها، والأمم العربية من أكثر الأمم تقديرًا للفكاهة، وأدبها من أغنى الآداب في هذا الباب.
وها هو عمرو بركات ما أحسبه إلا انه على خطى الجاحظ ولو سبرنا غوره لقال لنا بأنه مفتون بالجاحظ .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...