مازن جميل المناف - النواحي الادراكية والذاتية وقلق مستمر..!!

لاشك ان ما يسهم في الابقاء على واقعية الواقع في ذات الانسان هو التقاليد والعادات والوراثة وما لها اثر في تجميد الفكر والعقل الانساني, مما يجعل الموقف الصحيح الذي ينقد الحقائق السائدة والاوضاع الحاضرة شيئاً فوضوياً وعبثياً لا يرسخ في مخيلة الاخرين, لان سرعة الاحداث واكتسابها لا تترك للتقييمات مجالا يفسر القضايا والامور, ولذلك يزداد الايمان بالواقع كحقيقة غير نسبية . فليس من الحق ان يكون الوجود بدون التزامات وحرص وثقة كما ان التزام الشي لدى الفرد بسبب المعرفة والغاية الخارجية يمزق الانسجام الذاتي وينشر الفوضى في الذهن, لان الاطمئنان العقلي لا يتأتى عن طريق الوضوح واليقين الخارجي فقط, بل عن طريق العالم الذاتي والسلوكيات الفعلية التي تعايش نفس الانسان, فمعرفة العالم الذاتي والاشياء والاحداث الواقعية بشكل واضح وملموس تجعله يثق بنفسه حتى يدب اليها الشك عن طريق الرؤى الداخلية. وربما كان ادراكه للواقع ولذاته, مرحلة من مراحل تطوره الداخلي. لذلك قد تكون مساومته للواقع نوع من الوعي الذي يجعل قابلياته تتحول الى الحيوية الداخلية, وطاقته تضعف في المحيط الخارجي ولهذا فهو بكل تأكيد قد ينحني بوعي امام وقائع دهره واحداث ايامه في الوقت الذي يدرك ان خضوعه لا يسعه القاء نفسه بالعبث, والتخبط . ( حين يصتدم بواقع الاشياء )
ترى هل الوصول الى اليقين الفكري مرتبة ضرورية لاتخاذ موقف ما ؟ وهل مهمة الانسان الاعلان عن نفسه والتخلي عن واقع محيطه اذا كان سديمي فوضوي وعبثي ؟ في نظر الكثير ان التخلي عن الاحداث والتعمق والتمعن غير الصائب فيها يسبب ازمة حياتية للفرد. وان الوضوح اليقيني في الموقف الفكري يجعل القيم بالنسبة للإنسان ليست مجردة, لان الموقف طاقة خلقية تضع التواءات الواقع وتناقضاته في حقيقة نفسية موضوعية تدرك الاحوال الاجتماعية في ذاتها, ولذا فموضوع الموقف يجب ان لا يستثني قياس التجربة لدى الرهوط البشرية المختلفة, الا ان المسألة لا تقتصر على ذلك, فالموقف المحدد يجب ان يدرك ابعاد قضاياه كي لا يبخس قيمتها وجمالها, اذ ان عدم التحديد يعني عدم اتخاذ موقف, وذلك شيء يسيء للإنسان المدرك وفعالياته ونشاطاته ومثله الاعلى. والتحديد لا يأتي بيسر وسهولة لأنه مسؤولية تهدد زيف الواقع لأنه يرى الاشياء بزاوية ميتة, لكن فضيلة الموقف هي عدم الرضوخ للقولبة والطاعة العمياء, لأنه خطر على ذات وجوهر الانسان, اما الاساليب الالتوائية دائما تجعل الامور متوترة تدفع باليقين العقلي الى الشك وفقدان الوضوح والابانة الفكرية والهزيمة التي توصل الوعي الى صعيد العجز والاحباط في موقف ضبابي, لكن هل يستطيع الانسان مواجه احداث ذاته بسهولة وبغير تحد وغضب وتخبط واذى ؟ مؤكد يعرف ذلك ويتغاضى ..!! فيجب عليه عدم الخضوع لاحترام العادات والاخلاق الجاهزة وهنا تنشأ ازمة مستعصية تتجلى عندما يجد الانسان نفسه بين شكلين متناقضين من الفضيلة, الاولى في فكره وهو النواة الاساسية للواقع الذي يعمل له, والثانية في المجتمع الذي يقسره على تبني الاحداث والاحوال. وان يظل الانسان في موقف متأرجح فان اخلاقية موقفه واصالة تفكيره يقرره زيف ادراكه واهماً ودوافع توقه واتصاله في عالم حي, وبالعكس قد يكون موقفه المتذبذب امتحانا له ولقدرته في المواجه, وتطلعه الى قول الحق والعمل والتعامل الصحيح والصريح, تلك قاعدة ترسخ علاقاته بجوهر قضاياه وتصهر كل ما بذاته من تحديات وتجليات في صخب ملحوظ يدفعه الى التأرجح في كل أقواله ولربما افعاله, قد يبدو هذا متناقضا لأول وهلة, لكن ترى هل الانسان من ذوي التطلعات الحادة الصحيحة ولا سيما حين يطلق عنان نفسه ببكاء وتقلبات لا داعي لها .. ؟ لذا فأنه سيعاني هكذا حالة من الخوف والارهاق والارهاصات وازدياد عادة التأمل الباطني دون نتيجة حتمية وفقدان الايمان وانتشار الشكوكية والتملصية والعناد كمقومات للهروبية والصمت اللذان اصبحا ملجأ الكثيرين من لديهم هذه العادة السيئة التي اضحت مبعثرة بسبب تعرضها للكر والفر والردود والاجابات والكذب والتمرد والعصيان في النواحي الادراكية والذاتية في قلق مستمر لربما يتفاعل معه ويتلذذ بذلك. والغريب ان الواقع اخذ يبرز الزجر الذي حل محل التسامح والالفة, وهذا يقتصر على عدم وجود رادع يأبه بالدوافع, الحقيقة ان طبيعة العصر الراهن اعطي مكاناً لهؤلاء الذي باتوا متمردين على ذاتهم, اذ ان العالم الحديث لم يعد طيبا حسب نتائج الافكار الأيديولوجية. ولهذا فان سيلا من القرف لدى الانسان المعاصر بعد موجة التطور التكنولوجي ولاسيما مواقع التواصل الاجتماعي الذي منع الايحاءات والاشارات واخفاء الملامح الحقيقة الذي بات يدل على انتعاش ذاتي والسخرية وعدم الالتزام بروحية التعامل الحقيقي وحتى الهدم والرفض السوداويين اضحت وسائل تكشف عن مغبات فكر الانسان نحو حقائق وتعامل ارحب, لا ريب في ان المجتمعات الراهنة قد اوقعت الفرد في احابيل التكنيك الآلي الذي احاط الالتزامات بهالة من الغلو والتعالي والتصعلك وهكذا تناقصت فرص الاختيار السريع في نواحي هامة من العلاقات الحياتية الجادة واصبح الانسان الذي يعيش في مثل هكذا احداث صاخبة في نفسه يخاف الحرية الوحيدة الصعبة التي لا يستطيع مواجهتها في ما لو اراد ذلك لأنه تقوقع على ذاته الصريعة وعدم تبني الاحداث والتشتت الفكري دون اي التزام حقيقي يخرج منه منتصراً .. ويبقى الفرد الذي يبحث عن ماهيته ويبحث في الوقت نفسه عن ماهية الآخرين هو جدير بانبثاق حي في عالم يمتهن الافكار والتصرفات والسلوكيات التي تنادي بتبني الواقع من خلال الذات والتجربة الانسانية في تعامل حقيقي صريح .


التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...