في إحدى تداعيات الشاعرة والكاتبة أريج محمد أحمد تقول ( أن تكون فارغاً من كل شئ) وهذه الجملة هي موضوع النص لتصف بعدها حالة الفراغ بأفكار غير مألوفة تذكرنا الفنان رائد المدرسة السريالية سلفادور دالي فهي تملك ما يكفي من رفض وتمرد للكثير من اللحظات التي تمر بنا عادة ولا نعطيها إهتمام، كحال الفنان القلق الذي لا يهدأ له بال إلا عند إكتمال العمل الفني، تلك اللحظات تعيشها أريج بكل بساطة وتفجر إبداعها دون معاناة لحظة ولادة العمل لأنها مشبعة بثقافات وبيئات مختلفة عاشت فيها واستلهمت منها الكثير من المعاني والمفردات.
نعود لذاك الفراغ ( أن تكون فارغاً من كل شئ) ... (كزجاجة خمر ملقاة أسفل فراش اللذة)
دوماً في الصورة الذهنية نجد أن زجاجة الخمر ملقاة على (حافة الطريق) أو (ركام من القمامة) ولكن هنا في النص موجودة (أسفل فراش اللذة) في هذه الحالة التي اقتربت كثيرا من وصف ذاك الفراغ. (كرسالة لم تقرأ ،،، وكلمة لن تفارق الشفاه) ربما تكون الحقيقة صادمة حينما ننتظر فرح مؤجل وربما لا نجد ذاك الإهتمام الكافي الذي نعتقد بأنه الخلاص! نجد القدرة الفائقة على الإبتكار والمقارنة بين الرسالة التي لم تقرأ والكلمة التي تظل حبيسه كفّتان تحملان الثقل الإبداعي والقيمة الفنية العالية.
نواصل في النص ( كخطوة ترافق إرتباك المضي والعودة،،، وورقةٍ يفاجئها الخريف مِن كلِ عام) وهنا توظيف الخطوة مع حالة الإرتباك إنها حالة التوقف أو التردد أو التفكير في ما تحمله تفاصيل الطريق ذهاباً وإياباً وربما يكون الإرتباك متواصلاً برغم أن الخطوات تتبعها أمنيات وأحلام ولكن هنا الخطوات مرافقة لحالة تصف وتؤكد ذالك الفراغ الذي يبدو أن أريج قد وصفته بأعظم الصور والتعبيرات المختلفة. رغماً عن ذلك نجد بعضاً من الفرح حينما تذدهر أوراق الأشجار مرة أخرى حتى في حالة المفاجأة يظل الفراغ موجوداً عندها!
(كفقاعة ضخمة تخاف مس الأصابع ،،، وساعة بلا أرقام) ينتهي كل شئ عندما يقصد الإنسان دمار وخراب الأشياء بأيادينا نلطخها ونعود محبطين لأننا لم نشبع بقية رغباتنا، نعم عندما قصدت أريج الفراغ وصفته بمفردات مختلفة أعمق من الفراغ في معناه الحسي، ذكرت أن وصفها يرجعنا إلى المدرسة السريالية وبالتحديد لعمل سلفادور دالي (إصرار الذاكرة، لوحة الزمن، إلحاح الذاكرة، ساعات لينة) وهي أكثر الأعمال شهرة للفنان وهو عمل مشبع بالتحدي للمنطق المعتاد أو الترتيب الطبيعي للأشياء فقد أصبحت اللوحة رمزاً للتغيير وعدم أهمية الزمن. وهنا أقصد أن أريج تستمد قوة نصوصها من التعبيرات المختلفة التي لا تصادفنا في الشعر الرمزي الحديث، تعتمد على التفكير في ما بعد الحالة التي تقصدها، بالأدق اصطياد اللحظة والكتابة عنها بصورة مختلفة قد تكون أقرب لمفاجأة المتلقي.
وختاماً تقول (فارغاً ... كذاكرة عصفور في قفص ... يتفقد جناحيه بإستغراب ودهشة) ليس للجناحين وظيفة داخل القفص لا داعي لكل هذا فقد صرت (منسياً مطحوناًً مقهوراً، كفتاة ليل تعود كل مرة برحم مملوء بلزوجة العابرين)
د. إسماعيل حسن
فبراير 2021
النص
تداعيات..
أن تكون فارغاً من كُلِ شيء ...
كزُجاجةِ خمرٍ مُلقاة أسفلَ فِراش اللذة ...
كرسِالةٍ لم تُقرأْ ...
وكلمةٍ لن تفارق الشفاه ...
كخطوةٍ تُرافق إرتباك المُضِي والعودةِ ...
وورقةٍ يُفاجِئُها الخريفُ مِنْ كلِ عام ...
كفقاعةٍ ضخمة تخافُ مس الأصابِع ...
وساعةٍ بلا أرقام ...
فارِغاً ... كذاكرةِِ عُصفورٍ في قفص ...
يتفقدُ جناحِيه باستغرابٍ و دهشّة ...
منسياً مطحوناً مقهوراً ...
كفتاةِ ليل ٍ تعودُ كُل مرةٍ ...
برحمٍ مملوء بلزوجةِ العابرين ...
أريج محمد احمد _ السودان
نعود لذاك الفراغ ( أن تكون فارغاً من كل شئ) ... (كزجاجة خمر ملقاة أسفل فراش اللذة)
دوماً في الصورة الذهنية نجد أن زجاجة الخمر ملقاة على (حافة الطريق) أو (ركام من القمامة) ولكن هنا في النص موجودة (أسفل فراش اللذة) في هذه الحالة التي اقتربت كثيرا من وصف ذاك الفراغ. (كرسالة لم تقرأ ،،، وكلمة لن تفارق الشفاه) ربما تكون الحقيقة صادمة حينما ننتظر فرح مؤجل وربما لا نجد ذاك الإهتمام الكافي الذي نعتقد بأنه الخلاص! نجد القدرة الفائقة على الإبتكار والمقارنة بين الرسالة التي لم تقرأ والكلمة التي تظل حبيسه كفّتان تحملان الثقل الإبداعي والقيمة الفنية العالية.
نواصل في النص ( كخطوة ترافق إرتباك المضي والعودة،،، وورقةٍ يفاجئها الخريف مِن كلِ عام) وهنا توظيف الخطوة مع حالة الإرتباك إنها حالة التوقف أو التردد أو التفكير في ما تحمله تفاصيل الطريق ذهاباً وإياباً وربما يكون الإرتباك متواصلاً برغم أن الخطوات تتبعها أمنيات وأحلام ولكن هنا الخطوات مرافقة لحالة تصف وتؤكد ذالك الفراغ الذي يبدو أن أريج قد وصفته بأعظم الصور والتعبيرات المختلفة. رغماً عن ذلك نجد بعضاً من الفرح حينما تذدهر أوراق الأشجار مرة أخرى حتى في حالة المفاجأة يظل الفراغ موجوداً عندها!
(كفقاعة ضخمة تخاف مس الأصابع ،،، وساعة بلا أرقام) ينتهي كل شئ عندما يقصد الإنسان دمار وخراب الأشياء بأيادينا نلطخها ونعود محبطين لأننا لم نشبع بقية رغباتنا، نعم عندما قصدت أريج الفراغ وصفته بمفردات مختلفة أعمق من الفراغ في معناه الحسي، ذكرت أن وصفها يرجعنا إلى المدرسة السريالية وبالتحديد لعمل سلفادور دالي (إصرار الذاكرة، لوحة الزمن، إلحاح الذاكرة، ساعات لينة) وهي أكثر الأعمال شهرة للفنان وهو عمل مشبع بالتحدي للمنطق المعتاد أو الترتيب الطبيعي للأشياء فقد أصبحت اللوحة رمزاً للتغيير وعدم أهمية الزمن. وهنا أقصد أن أريج تستمد قوة نصوصها من التعبيرات المختلفة التي لا تصادفنا في الشعر الرمزي الحديث، تعتمد على التفكير في ما بعد الحالة التي تقصدها، بالأدق اصطياد اللحظة والكتابة عنها بصورة مختلفة قد تكون أقرب لمفاجأة المتلقي.
وختاماً تقول (فارغاً ... كذاكرة عصفور في قفص ... يتفقد جناحيه بإستغراب ودهشة) ليس للجناحين وظيفة داخل القفص لا داعي لكل هذا فقد صرت (منسياً مطحوناًً مقهوراً، كفتاة ليل تعود كل مرة برحم مملوء بلزوجة العابرين)
د. إسماعيل حسن
فبراير 2021
النص
تداعيات..
أن تكون فارغاً من كُلِ شيء ...
كزُجاجةِ خمرٍ مُلقاة أسفلَ فِراش اللذة ...
كرسِالةٍ لم تُقرأْ ...
وكلمةٍ لن تفارق الشفاه ...
كخطوةٍ تُرافق إرتباك المُضِي والعودةِ ...
وورقةٍ يُفاجِئُها الخريفُ مِنْ كلِ عام ...
كفقاعةٍ ضخمة تخافُ مس الأصابِع ...
وساعةٍ بلا أرقام ...
فارِغاً ... كذاكرةِِ عُصفورٍ في قفص ...
يتفقدُ جناحِيه باستغرابٍ و دهشّة ...
منسياً مطحوناً مقهوراً ...
كفتاةِ ليل ٍ تعودُ كُل مرةٍ ...
برحمٍ مملوء بلزوجةِ العابرين ...
أريج محمد احمد _ السودان