إبراهيم أبوحماد - العبقرية اليهودية –قراءة أخرى-

يناقش مالك بن نبي في مصنفه وجهة العالم الإسلامي الجزء الثاني (المسألة اليهودية)العلاقة الخفية بين الحضارة المسيحية والعبقرية اليهودية. وبتحليله للبنية العميقة. يؤكد أن السر الخفي للعالم الحديث يختزل بهذه العبقرية(42). بينما ينفي عبدالوهاب المسيري هذه العبقرية وفق منظور الجماعات الوظيفية. فالنشاط التفسيري لكليهما يدلل على جدل فكري من حيث توجهاتهم لمفاهيم الشعب واستمرارية التاريخ اليهودي والشعب اليهودي (56) والجيتو ومركزية اليهودي (44،72،73) والتخلص من العبودية(49) على الرغم من البحث في سؤال النهضة والحضارة والحداثة العربية والإسلامية. وتوظيف المنهج التفكيكي لمعرفة الأخر الغربي. وانطلاقا من فلسفة مثالية(شروط النهضة 21) لتحليل المادية الغربية. خاصة في ضوء معركة التحرر العربي والاحتلال الصهيوني للأراضي العربية. ويناقش هذا المقال افتراض أن الصهيونية من بنات أفكار الكولونيالية والامبريالية الغربية. ومرحلة التوافق الصهيوني الغربي الذي يبلغ حد الزواج الكاثوليكي. وإن للإبداع بيئة حاضنة ونظريات تؤخذ بعين الاعتبار.

أولا: العبقرية اليهودية عند مالك بن نبي.
إن التفسير الحضاري لمالك بن نبي مشكلاتي. بحيث يبني منظومة فكرية لدراسة بناء حضارة إسلامية؛ بعلاقتها بالأخر. ويوظف مجازات لغوية في بناء تطور الإنسان العربي المعاصر. وبيان اشتباكه مع ولادة العالم الحديث الغربي المسيحي اليهودي(42). وفي تقديم المسألة اليهودية يذكر رضوان السيد أن السطوة اليهودية جليه في عالمي الأفكار والمال. إلا أن مالك بن نبي يطرح تساؤلا حول التحرر من هذه الهيمنة. وبذلك فإن مالك بن نبي يعالج العقل والفعل الإسلامي دون قطيعة مع الماضي أو الموروث الجمعي. والمعيار لذلك بالتحرر من فكر الأخر. والانتصار على القابلية للاستعمار(شروط النهضة. 229). إلا أن مقولة التفوق اليهودي العبقري. لا تستقيم مع الدعوة للتحرر من القابلية للاستعمار. فمصطلح القابلية للاستعمار يتضمن في ثناياه السقوط في وحل الانبهار بالغرب. وهذا ما يتنافى مع معركة التحرر المستمرة التي ما زال الشعب العربي يسعى لنيلها. على الرغم من محاولات اطفاء مشكاتها من القوى المرتبطة وظيفيا بالغرب. إلا أن ما ذكرته بحق مالك بن نبي نسبي. ويدلل عليه فهم الواقع العربي الإسلامي. والقدرة على التشخيص والنقد والدعوة للتجاوز بالتحرر العربي الإسلامي. فنصوص مالك بن نبي نصوص تأسيسيه مناضلة.
وبتفكيك النص المالكي فإنه يتضمن نقيضه. إذ يبين تتلمذ موسى بن ميمون في الأندلس والمغرب ومصر. إذ اقتبس موسى بن ميمون عنوان الغزالي في (المنقذ من الضلال). بإصدار كتابه مرشد الحيران. وتأثر بابن رشد(59) وتأثر اليهود بالحضارة الغربية ومنهم سبينوزا بالفكر العربي الإسلامي. فاللغة العبرية لعبت دورا وسيطا بين اللغة اللاتينية والعربية لترجمت ونقل المعارف الحضارية العربية الإسلامية للحضارة الغربية المسيحية(59). وعلاوة على ذلك فإن اليهود لم يتوجهوا للغرب بالمطلق بالدياسبورا(49). إذ إن اليهود المشرقيون شكلوا جزء هام من الاحتلال الصهيوني في عملية مساعدتهم على الهجرة إلى الكيان. فنسبة العرب اليهود المتولدين في الكيان الاحتلالي يبلغ (300)الف. خاصة من العراق والمغرب ومصر. وأخير يهود الفلاشا من أثيوبيا. ولا تزال الهجرة غير الشرعية على قدم وساق في ظل مؤسسات صهيونية برلمانية ووزارية. تنظم برامج للهجرة والسياحة والتواصل مع يهود العالم. إذ إن المؤسسات الصهيونية غربية عنصرية إحلاليه. ولذا ومع ذلك؛ فإن حمل عبارات مالك بن نبي على المطلق لا يتفق والتأويل السليم للواقع الذي عايشه وتدارسه. إذ لا شك بأنه لا يقصد التعبير بالألفاظ المطلقة. إلا أنه من الجدير بالذكر. بأن التقارب المسيحي الصهيوني حديث العهد. وذلك على ضوء عصر الأنوار وترجمت الكتاب المقدس والتعرف على اللغة العبرية. ولا يمكن اغفال وجود اتفاق صهيوني نازي على الهجرة اليهودية بما يعرف باتفاق هعبرا(موسوعة اليهود. ج1. 203) والتي تقارب الهجرة العربية اليهودية للكيان.
وبذات الوقت فإن مالك بن نبي يطرح مسألة الاندماج اليهودي؛ فيفترض أن الذوبان والانصهار في المجتمع الإسلامي. لن يترك أي موقع للعبقرية المادية اليهودية(57). إلا أن هذا الافتراض يتناقض مع عبارة أنهم أبدعوا بصنع المؤمرات التي هزت المجتمع الإسلامي. كمقتل الخلفاء عمر ... الحروب الصليبية. ولذا فإن مالك بن نبي بالغ في عبقرية اليهود أكثر من اللازم. وناقض نفسه في عدد من المواطن.

ثانيا: العبقرية اليهودية عند عبد الوهاب المسيري.
على النقيض من فكر مالك بن نبي. يضع المسيري نموذج تفسيري غير اختزالي في محاولة تفسير العبقرية والجريمة اليهودية. من خلال دراسة السياق الحضاري والاجتماعي والاقتصادي والديني التي وجد بها العبقري. وبذلك يقدم رؤيته عن كل حالة عبقرية مثل يعقوب صنوع والبرت اينشتاين وماكسويل الذي يصفه بأنه مثل السوبرمان فالفكر النيتشوي الذي يسخر الأخرين لخدمته(50-55). وبذلك يسعى اليهود باعتبارهم أقلية للحفاظ على وجودهم. بالتعويض بالعبقرية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن العربي المسلم تخلف عن الحضارة الغربية (500)عام تقريبا. فمثلا منذ العهد الاليزابيثي عرف الإنكليز الكتاب والطباعة. والتي لم يعرفها العرب إلا على نحو محدود مع الثورة الفرنسية. وعلاوة على ذلك ينسب بعض المفكرين العرب التخلف الصناعي العربي للاستبداد و ويزعم أخرون بأنه عائد للدين أو كليهما أو أحدهما. ومما يلفت الانتباه أن الأقلية النخبوية في الكيان الاحتلالي هي المسيحية العربية (الأقلية النموذجية ويكيبيديا). وإن الدعوة الصهيونية للتميز والتفوق ودراسة مستوى الذكاء للأقلية اليهودية وخاصة في أمريكا يكون لعلة وهدف. مثل دراسة الأقليات. ومستوى ذكائهم. بهدف الوقوف على المشكلات العلاجية للأقليات. من جهة التعليم وبيان الجماعات المهمشة لمحاولة تحقيق العدالة الاجتماعية.
وإن الحفاظ على التفوق اليهودي. بنقاء العرق. يجعل هذا العرق عرضة للأمراض الوراثية. وعلاوة على ذلك فإن الابداع الصهيوني متحقق في ظل الكولونيالية والامبريالي. فالنظام الصهيوني لا يختلف عن النظام الغربي. وإن للإبداع تفسيراته وشروطه ونظرياته(ashkenazi ).
وبالنهاية، فإن الوجود الصهيوني لا ينبثق عن عبقريتهم. وإنما الدعم الغربي لوجودهم كرأس حربة في قلب الوطن العربي. مع وقف الفعل العربي الإسلامي.


المراجع
1- بن نبي،مالك، وجهة العالم الإسلامي مشكلات الحضارة. ج2(المسألة اليهودية). دمشق: دار الفكر،2011.
2-المسيري، عبد الوهاب، الموسوعة الموجزة في جزأين، دار الشروق، ط5، بدون تاريخ.
3-الأقلية النموذجية ويكيبيديا.
4-ashkenazi jewish intelligence. wikipedia


إبراهيم محمد أبو حماد
عمان- الأردن.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...