أمل الكردفاني - مؤتمرات ندوات تعليم وسيستم...

يعج الانترنت بإعلانات الدورات التدريبية مدفوعة الاجر، بالمؤتمرات مدفوعة الاجر، بالتعليم مدفوع الأجر، بل حتى بالمجلات العلمية التي تنشر الابحاث بعد دفع الأجر. إن العالم رأسمالي بالكامل. رسملة المعرفة تضعف موثوقية تلك المؤسسات. والأكثر ضبابية، هو مدى جدوى كل تلك المليارات المدفوعة لنيل شهادة (ورقية أو رقمية) من مؤسسة دفعت لها مسبقاً ثمن تلك الورقة. ما هو العائد المكافئ لتلك المليارات على أرض التطبيق العملي؟.. دورات التنمية البشرية تدفع فيها ملايين الدولارات، فهل تمت تلك التنمية حقيقية بحيث انعكست على انتاج الفرد الذي دفع المال؟.. هناك شك كبير حول ذلك..مع ذلك لا نستطيع أن نقول بأنها عمليات نصب واحتيال، لأنها مقبولة من الطرف الذي يدفع، وثانياً لأن هناك خدمة قدمت بالفعل، وثالثاً، لأنه لا توجد وسائل إحتيالية..إن الجميع سعداء. حتى لو كان واقع ما بعد استلام تلك الورقة لم يتغير.
إن التجارة او البزنس تحتاج لذكاء، إذ يجب أن تخلق العرض المحرك لإرادة دفع المال، ولذلك يجب أن يمس العرض حاجة نفسية قبل أن تكون حاجة مادية. المؤسسات التعليمية الكبيرة، تقيَّم جودتها بضخامة ما يجب دفعه. الأصغر تضع سعراً أقل. المبتدؤون يبدأون طوعياً.. إن كل الشكل الرأسمالي مقزز جداً. ولكنه يأكل نفسه، إذ لا يمكن للأكاذيب أن تستمر طويلاً. فبعد قليل، ستفقد كل الشهادات قيمتها، كل تلك الأوراق المزينة بالإطارات الذهبية سوف لن تعطي أي قيمة تأكيدية على المؤهلات..وأستطيع أن اتخيل أن الشهادات ستختفي بعد بضع سنوات، بل وستختفي حتى تلك المؤسسات الإحتيالية، ليحل محلها العرض الذاتي أو الجماعي عبر عروض الفيديو في قنوات الانترنت المختلفة. يجب ان يكون كل شيء على الملأ..قدراتك لن تحددها ورقة، بل عرضاً مباشراً، وسيبدأ عصر جديد من التسويق الذاتي.
هناك سيستم كامل رسمته أمريكا للعالم، حتى على مستوى ما يجب أن تقوله وما لا يجب ان تقوله، ولو كنت غير مقتنع بما تقوله فعليك أن تقتنع بما تقوله. عليك أن تبارك للمرأة في اليوم العالمي للمرأة وتحدثها دائما عن ضرورة النضال من أجل انتزاع حقوقها من العالم الذكوري؛ حتى لو كنت أنت كذكر مضطهداً أكثر من أي امرأة في العالم. يجب أن تدافع عن حماية البيئة وعليك أن تعترف بوجود ما يسمى بالاحتباس الحراري حتى لو كنت لا تفهم معنى الاحتباس أو غير مقتنع به، يجب أن تؤكد على ضرورة استخدام الكمامات لأنك يجب دائماً أن تعترف بفيروس كورونا..يجب أن لا تطعن في الدموقراطية الأمريكية لأنها مثالية، يجب أن تؤكد أن ثقافة مجتمعك الافريقي ثقافة متخلفة في مقابل الثقافة الأورو-أمريكية، يجب ألا تحاول التفكير في نظرية التطور بشكل منطقي لأنها تحولت لدين جديد..يجب أن تقول (نعم) باستمرار. عند وضعك تحت اختبار الوظيفة يجب أن تجيب عن سبب اختيارك للعمل مع مؤسستنا، يجب عليك ان تكذب وتصف تلك المؤسسة بصفات مقدسة حتى لو كان سببك الحقيقي هو المال فقط لتدفع اجرة مسكنك..يجب دائماً أن تشعر بالدونية وبأنك غير قادر على التفكير لوحدك، وأن من سيقدمك للعالم هو ذلك السيستم عبر مؤسساته عندما تخضع له خضوعاً تاماً.. إنهم يقتلون داخلك روح المبادرة، وروح التمرد، لأنك لا تملك تلك الإمكانيات التي تؤهلك لمجارات منجزات السيستم الرأسمالي. تعرف أن حكومة دولتك من رئيسها وحتى وزرائها يتلقون رواتبهم من أمريكا والاتحاد الأوروبي، ومع ذلك عليك أن تغمض عينيك عن ذلك، وتعرف أنك مراقب في الانترنت ويتم دراستك دراسة دقيقة جداً لإخضاعك عبر جمع كل المعلومات عنك في فيسبوك وتويتر وغيرها، تمهيداً للسيطرة عليك وبث الإعلانات التجارية التي تناسبك، أو دفعك للتصويت لمرشح معين وكره مرشح آخر..أنت تعرف كل ذلك، لكن عليك أن تؤكد لنفسك -قبل أي أحد آخر- بأن هذا غير صحيح..
لقد انتصرت الرأسمالية لأنها هي التي خلقت الحرب. ظن العديد من الناس أن الولايات المتحدة الأمريكية انهزمت في العراق، بعد دمار العراق، لكنهم لا يعلمون بأن هذا بالفعل هو النصر الذي تحقق لأمريكا. حتى الأوروبيون (كشعوب) تمت عمليات واسعة النطاق من عمليات الضبط العقلي المطلق عليهم. لقد تم اخضاع عقولهم طوال ثلاثة قرون، منذ الثورة الصناعية، فتحولوا إلى آلات تتلقى التعليمات بدون اعتراض..فرضت بريطانيا على البريطانيين غرامة تصل لعشرة آلاف جنيه استرليني في حالة خرق التباعد الإجتماعي. في نفس الوقت الذي تعيش فيه شعوب الدول الفقيرة في حالة التصاق يومي بسبب العمل المرهق، ولا شيء قد تغير. هذا الضبط الاجتماعي الذي خضعت له الشعوب الأوروبية، حتى أنها لا تتساءل أبداً عن كيف يكون هناك حظر اجتماعي بسبب الكورونا، رغم أن كل المصانع تعمل لإطعامهم بكامل طاقتها، ومنعوا الطيران، لكنهم ابقوا على شحن البضائع لأنها تتعلق بمصالح السيستم (رغم أن البضائع تشحن عبر تدخل الأيدي البشرية).. لقد خضع الأوربيون للسيستم خضوعاً كاملاً بعد الترويض الذي استمر لقرون. في حين لا زالت الشعوب الفقيرة عندنا أكثر بوهيمية أي اكثر تحرراً من السيستم. وهذا ما يجب تغييره. النظام العالمي الجديد والنيوليبراليزم، هما أدوات تحقيق ذلك الطموح الراسمالي بضبط شعوب العالم ضبطاً عقلياً على أوسع نطاق ممكن. إن ذلك سيحتاج للتأسيس للغة عالمية، والتي تتمثل في كل المصطلحات التي يقبل بها السيستم ككلمات مفتاحية لتفتح لك مغارة علي بابا.
أذاً؛ فواقعنا اليوم واقع افتراضي. شهادات افتراضية، مفاهيم افتراضية، قوانين افتراضية..حيث تغيب كل الحقيقة..ويكون كل تغيير هو تغيير مصنوع صناعة كاملة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...