لا تُؤجِّلُ الطَّبيعة فُصُولَها كما أجَّلت كورونا فصول حياتنا، أجَّلتْ أشياءنا البسيطة التي تُعتبر في نظر من سرقوا أيامنا وباعوا المستقبل، مُجرد أحلام تافهة يتوسَّدها الأغبياء، لا اُلقي باللوم على كل ما رفعوه فوق عاتقنا من شِعارات كانت رنانة واتَّضَح مع الوقت أنَّها مَحْضُ طنين لا يُتقنه إلا ذباب الموائد، لا ألوم الشِّعارات التي رفعوها على عواتق الحالمين مِمَّنْ فطنوا مُتأخِّرا بعد أن أصبح الحِمْل ثقيلا، أنها مجرد حجارة كالتي جَرَتْ على سواعد من شيَّدوا الأهرام، مع فرق أنَّها اليوم لفراعنة طغاة من زمننا مَحْشُوِّين قبل التَّحْنيط بالأوهام !
يا لَوَعْينا الشَّقي الذي نضَج بالمِحن على صفيح واقعٍ ساخن، أمَا كان أفضل أن يحتفظ بنُعومة أفكاره عِوض أن يترك عودها يشتدُّ حطبا مُشتعلا تحْتنا، لم نكن لنكتشف اليوم أنَّ (لَقْطَاطْعِي) بِلُغتنا الدَّارِجة، ليس بالضرورة ذلك الصعلوك قاطع الطريق المتربِّص بالمارة في الزوايا المتوارية عن الأنظار، ولكنها كلمة تسْتند بكل اشتقاقاتها واحتراقاتها أيضا لمرجعية الصراع الطبقي، وتعني (الإقطاعي)، كان الأهالي في البيوت يُرْهِبون الأطفال من بطْشه كي لا يخرجوا للعب في الشارع، وليتهم تركونا نُقارع الوحش صغار اً لِنُجيد اللعب مع هؤلاء الذئاب في الكِبر !
لَكَمْ أُشْفِق اليوم على (لَقْطَاطْعي) البسيط الذي أساء فهمَه التفكيرُ الشَّعبي، كان فقط يُعوِّض عملا لم يجده في سوق الشُّغل الكاسدة بآخر يتعيَّش منه ولكن بقوة السيف، وما أشبهه اليوم ولو نَصَبَ المكيدة بَدَلَ القصيدة، بالشُّعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، أولئك الذين كانوا يُداهمون القوافل في البيداء، ولم يكونوا للمُروءة يحْتكرون تجارتها لأنفسهم أموالا تستقر بأرصِدةٍ بنكية سرية داخل وخارج البلاد، إنما يتبرعون بغنيمتها لفائدة المُعْوزين الفقراء، لَكَمْ ظلم التفكير الشعبي (لَقْطَاطْعي) بهذه التَّسْمية التي حَرَّفت الأدوار بكل ما أوتِيتْ من أقنعة على خشبة المجتمع، وكأنها تُلبِسُ الذئب وبر الحَمَل الوديع، إنما أصل الجريمة في (لَقْطَاطعي) يتحمَّل تُهمتها الإقطاعي الذي تماهى بيننا هو وأشباهه من الفاسدين فقسَّموا البلد إلى إقطاعيات تستغل البر والبحر والجو، وليس الإقطاعي بقاطع طريق على المارة، ولا يعترض القوافل في طريق الحرير، ولكنَّه يعترض حلم النَّائم كلما وجد سبيلا يسلكه للتَّخلص من الدُّيون، يَعْترض الطُّمُوح لِشدَّة ما يهوى إحباط الشباب، وتحْسبُه قدْ يَعْترض حتى اللذة لكي تتحقَّق بفضل يديه الكريمتين مُنغِّصاً على الأزواج السرير !
تَجِدُ هذا الإقطاعي بهندامه الحداثي وخطابِه المُضلِّل حول الديمقراطية في الجامعات والمستشفيات والوزارات والحكومة، تجده في معامل الخياطة ومخافر الشرطة والمدارس والمقاطعات والأبناك، تجده في المحاكم والمجالس البلدية والهيئات الإستشارية، تجده بين اللحم والظفر، تجده حين ينقضي الأجر في الأسبوع الأول من الشهر، تجده في حقوق الإنسان، تجده حين تغيب حاضراً وحين تحضر غائباً، تجده في الكوارث يُسبِّبها ويهرع باكيا إلى نشرات الأخبار، تجده في التعازي هو الميت وفي الأفراح هو العريس، وما من إقطاعي حطَّ قدمه أو دقَّ وتده في أحد هذه القطاعات المقطوعة من لحم المواطن، إلا حوَّله ضيْعةً يستغل مواردها البشرية والمادية أبشع استغلال، ويُصارع من يراه وما لا يراه من أشباح لِيُعمِّر في الكرسي ما عمَّرتِ الروح في الجسد، إنَّه ليس فقط قاطع طريق بل قاطع أنفاس يقف بين الزفير والشهيق !
أعلم أنَّ الطبيعة لا تؤجِّل فُصُولَها، وقدْ وصلتْ هذه الأيام إلى فصلها الأجمل ألا وهو الربيع، وأعلم أنَّ الأرض تكشف ثمرة ما اقتَرفَتْه الكائنات سراً في جوفها من شهوات، ولكن بعض الطبائع البشرية للأسف تُضيف فصلا خامسا وليته كالذي كتبه الشاعر آرثر رامبو في الجحيم، وقد تؤجِّلُ إنْعَاش الروح لِتفْقِد الشُّعور بِمنْ يُشاطرونها نفس مساحة العيش، وما جدوى أن تكون موجوداً بِعدم الآخرين، ما نفْع أنفاسٍ تحتكرها لرئتيك الباليتين ولا تستطيع أن تَصدَّ الريح عن أشرعة في إقلاع مستمر، قد تقطف الوردة ولكن لن تُسيِّج عطرها في الهواء ، قد تلْعق كل العسل الذي أنتجه مجتمع النَّحل بِعَرق رحيقه ليل نهار، ولكنَّك عاجزٌ عن نيل شرف الموت الذي يناله اليعْسُوب في الأعالي بعد أن يُلقِّح الملكة، عاجزٌ عن إيقاف زحْف الفصول التي تقترح في كل مرحلة من القهر أجمل ربيع!
..........................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 11 مارس 2021.
محمد بشكار
www.facebook.com
يا لَوَعْينا الشَّقي الذي نضَج بالمِحن على صفيح واقعٍ ساخن، أمَا كان أفضل أن يحتفظ بنُعومة أفكاره عِوض أن يترك عودها يشتدُّ حطبا مُشتعلا تحْتنا، لم نكن لنكتشف اليوم أنَّ (لَقْطَاطْعِي) بِلُغتنا الدَّارِجة، ليس بالضرورة ذلك الصعلوك قاطع الطريق المتربِّص بالمارة في الزوايا المتوارية عن الأنظار، ولكنها كلمة تسْتند بكل اشتقاقاتها واحتراقاتها أيضا لمرجعية الصراع الطبقي، وتعني (الإقطاعي)، كان الأهالي في البيوت يُرْهِبون الأطفال من بطْشه كي لا يخرجوا للعب في الشارع، وليتهم تركونا نُقارع الوحش صغار اً لِنُجيد اللعب مع هؤلاء الذئاب في الكِبر !
لَكَمْ أُشْفِق اليوم على (لَقْطَاطْعي) البسيط الذي أساء فهمَه التفكيرُ الشَّعبي، كان فقط يُعوِّض عملا لم يجده في سوق الشُّغل الكاسدة بآخر يتعيَّش منه ولكن بقوة السيف، وما أشبهه اليوم ولو نَصَبَ المكيدة بَدَلَ القصيدة، بالشُّعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، أولئك الذين كانوا يُداهمون القوافل في البيداء، ولم يكونوا للمُروءة يحْتكرون تجارتها لأنفسهم أموالا تستقر بأرصِدةٍ بنكية سرية داخل وخارج البلاد، إنما يتبرعون بغنيمتها لفائدة المُعْوزين الفقراء، لَكَمْ ظلم التفكير الشعبي (لَقْطَاطْعي) بهذه التَّسْمية التي حَرَّفت الأدوار بكل ما أوتِيتْ من أقنعة على خشبة المجتمع، وكأنها تُلبِسُ الذئب وبر الحَمَل الوديع، إنما أصل الجريمة في (لَقْطَاطعي) يتحمَّل تُهمتها الإقطاعي الذي تماهى بيننا هو وأشباهه من الفاسدين فقسَّموا البلد إلى إقطاعيات تستغل البر والبحر والجو، وليس الإقطاعي بقاطع طريق على المارة، ولا يعترض القوافل في طريق الحرير، ولكنَّه يعترض حلم النَّائم كلما وجد سبيلا يسلكه للتَّخلص من الدُّيون، يَعْترض الطُّمُوح لِشدَّة ما يهوى إحباط الشباب، وتحْسبُه قدْ يَعْترض حتى اللذة لكي تتحقَّق بفضل يديه الكريمتين مُنغِّصاً على الأزواج السرير !
تَجِدُ هذا الإقطاعي بهندامه الحداثي وخطابِه المُضلِّل حول الديمقراطية في الجامعات والمستشفيات والوزارات والحكومة، تجده في معامل الخياطة ومخافر الشرطة والمدارس والمقاطعات والأبناك، تجده في المحاكم والمجالس البلدية والهيئات الإستشارية، تجده بين اللحم والظفر، تجده حين ينقضي الأجر في الأسبوع الأول من الشهر، تجده في حقوق الإنسان، تجده حين تغيب حاضراً وحين تحضر غائباً، تجده في الكوارث يُسبِّبها ويهرع باكيا إلى نشرات الأخبار، تجده في التعازي هو الميت وفي الأفراح هو العريس، وما من إقطاعي حطَّ قدمه أو دقَّ وتده في أحد هذه القطاعات المقطوعة من لحم المواطن، إلا حوَّله ضيْعةً يستغل مواردها البشرية والمادية أبشع استغلال، ويُصارع من يراه وما لا يراه من أشباح لِيُعمِّر في الكرسي ما عمَّرتِ الروح في الجسد، إنَّه ليس فقط قاطع طريق بل قاطع أنفاس يقف بين الزفير والشهيق !
أعلم أنَّ الطبيعة لا تؤجِّل فُصُولَها، وقدْ وصلتْ هذه الأيام إلى فصلها الأجمل ألا وهو الربيع، وأعلم أنَّ الأرض تكشف ثمرة ما اقتَرفَتْه الكائنات سراً في جوفها من شهوات، ولكن بعض الطبائع البشرية للأسف تُضيف فصلا خامسا وليته كالذي كتبه الشاعر آرثر رامبو في الجحيم، وقد تؤجِّلُ إنْعَاش الروح لِتفْقِد الشُّعور بِمنْ يُشاطرونها نفس مساحة العيش، وما جدوى أن تكون موجوداً بِعدم الآخرين، ما نفْع أنفاسٍ تحتكرها لرئتيك الباليتين ولا تستطيع أن تَصدَّ الريح عن أشرعة في إقلاع مستمر، قد تقطف الوردة ولكن لن تُسيِّج عطرها في الهواء ، قد تلْعق كل العسل الذي أنتجه مجتمع النَّحل بِعَرق رحيقه ليل نهار، ولكنَّك عاجزٌ عن نيل شرف الموت الذي يناله اليعْسُوب في الأعالي بعد أن يُلقِّح الملكة، عاجزٌ عن إيقاف زحْف الفصول التي تقترح في كل مرحلة من القهر أجمل ربيع!
..........................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 11 مارس 2021.
محمد بشكار
Mohamed Bachkar
Mohamed Bachkar is on Facebook. Join Facebook to connect with Mohamed Bachkar and others you may know. Facebook gives people the power to share and makes the world more open and connected.