الحادي عشر من شهر اللوز،ذلك التاريخ الذي صادف مساء السبت الماطر من سنة 1978،إعتاد ابي رحمه الله أن يشق الفجر يوميا إلى العمل في حيفانا المحتلة،صحوت كعادتي للذهاب للمدرسة،لم أسمع صوت أمي التي كانت معتادة على الموشح الصباحي،بل إنتهبت لصوت المذياع الصادر من غرفة أبي...
سألت :- ما بالي أبي لم يذهب للعمل هذا اليوم ؟؟
أجابت أمي هناك عملية .... الفدائيين اقتحموا الساحل...
شعرت بالنشوة التي منحتني نشاطا غير معتاد،كيف لا وأنا المغتبط سأكون بعد ساعات سيد الحديث في ساحة المدرسة...وبقيت أنهل من قصة الواقعة، وأحدث فيها أشهرا وسنوات... لقد ثأروا للقادة القادة كمال ناصر، وكمال عدوان ،وأبو يوسف النجار
هكذا كان ظل دلال ومن معها،يغشانا فرحا وحبا ونشوة وعزة وكبرياء وإرادة وتفاعلا، كان ذلك قبل ثلاثة وأربعين عاما... كان لكل شيء طعم مختلف،ولم يعد مذاق تلك الذكرى في وقتها كما هو الآن....لقد بهت اللون التي صبغت تلك الحادثة أنفسها فيه مع مرور الوقت حتى بليّ وتلاشى، حتى طعم اللوز، ونصاعة بياض نواره تغيرت... والسر أن القيادة وقتها كانت ، واليوم القيادة للأسف هانت وهان معها كل شيء له علاقة بالثورة...
أن الحب الكامن في أزقة مخيم شاتيلا...والدفيء الذي كان في ثنايا الكوفية المطوقة للرقاب الحرة.... والطلقات الساخنة المحشوة في البنادق التي كانت تعتمر الاكتاف الحاملة لوفاء الوطن والقضية....وأمواج البحر التي سهرت لتحمل القاربين... وجبهات الرياح التي عبرت "بأحد عشر إماما وفاطمة "...والرمال التي احتضنتهم رغما عن بنو الشجرة الملعونة.... كل هذه وذاك كانت مداد لكلمات نشيدهم العابر للحب والفداء والتضحية...لأن النوايا كانت تماثل في صفائها صفاء الجداول....والسواعد السمر كانت تناغم شقيقتها التي تعانق المعاول... جدائل تلك الماجدة التي صحت فجر ذلك اليوم في سردا لتغذي الطابون.... كانت حقيقة تُؤمن على دعاء أمهاتهم في البرج الشمالي وصبرا والاوزاعي وسعد نايل...
كانوا راية بيضاء مغسولة بالثلج والبرد....فكتب الله لهم رفع الذكر والسرد الحسن....
اما اليوم،فأين أصبحت ظلالهم في واقعنا؟؟
لقد ذبلت صفحات التاريخ،فلم يعودوا أيقونة كما كانوا....لأن السيد أخذنا لتلك الزاوية وقال : لا ترون إلا ما أرى...لأن السيد الذي كان هو أيضا يخوض عباب البحر بربطة عنقه إلى نيقوسيا، كان يراهن على نصر كاسح يأتيه من خلف جلسات " الفرمايكا " والمقاعد الفارهة.... يكسر الفكر والثقافة في عقولهم ....يقنعهم أن لنا حق في حقنا... أن وطننا الناطق بالعربية يمكن أن يتحدث بلغتين .... أن جرحنا النازف منذ نكبتنا ممكن ان يداوى بمرهم من عينان مخضرتين ..كان ينبذ " العنف ".. ولا زال ينبذ "العنف "....فسار وسار وسار ...وَقَّع... المنقذ.... وتسيد خارطة رسمت على الريح.. وظل يضرب بقدمه الحلم ومن حوله أناس يُّكَّبِرون... تعرفهم بحجم المرهم الذي تلمع بفعله شعورهم وجباههم ...كل شيء فيهم يلمع..بزاتهم...أحذيتهم..سياراتهم الفارهة....كلماتهم المنمقة....كل شيء حولهم فاخر.. المكتب.. البيت.. القصر .. الفيلا... ما عادوا مثل أولئك الذي ودعوا دلال عندما حفظت بعينيها أزقة شاتيلا لتقول لربها يوم القيامة :"يا رب لقد خرجت وخلفي أطفال المخيم ينامون على فراش التشرد والغربة ولم يبقى من أحلامهم المسروقة إلا كسرة خبز"....
اليوم،إنتهى زمان القيادة " الدلالية "....لم يعد هناك رائحة أو بقايا لرائحة زعفران الثورة... أو مسك الطهارة...لقد هدم البيت الذي كان.. وشد مكانه وكالة تتناغم مع نفاق هذا الزمان...
أتراني أستثني أحدا من هذه المقارنة؟؟ لا والله....حتى في جل الفصائل....
عندما رحلت دلال أخذت معها التاريخ.... وأغلقت الباب... وتركت لنا صورا بلاستيكية نلهوا بها من فرط توهاننا في صحراء الضياع....
عصري فياض
سألت :- ما بالي أبي لم يذهب للعمل هذا اليوم ؟؟
أجابت أمي هناك عملية .... الفدائيين اقتحموا الساحل...
شعرت بالنشوة التي منحتني نشاطا غير معتاد،كيف لا وأنا المغتبط سأكون بعد ساعات سيد الحديث في ساحة المدرسة...وبقيت أنهل من قصة الواقعة، وأحدث فيها أشهرا وسنوات... لقد ثأروا للقادة القادة كمال ناصر، وكمال عدوان ،وأبو يوسف النجار
هكذا كان ظل دلال ومن معها،يغشانا فرحا وحبا ونشوة وعزة وكبرياء وإرادة وتفاعلا، كان ذلك قبل ثلاثة وأربعين عاما... كان لكل شيء طعم مختلف،ولم يعد مذاق تلك الذكرى في وقتها كما هو الآن....لقد بهت اللون التي صبغت تلك الحادثة أنفسها فيه مع مرور الوقت حتى بليّ وتلاشى، حتى طعم اللوز، ونصاعة بياض نواره تغيرت... والسر أن القيادة وقتها كانت ، واليوم القيادة للأسف هانت وهان معها كل شيء له علاقة بالثورة...
أن الحب الكامن في أزقة مخيم شاتيلا...والدفيء الذي كان في ثنايا الكوفية المطوقة للرقاب الحرة.... والطلقات الساخنة المحشوة في البنادق التي كانت تعتمر الاكتاف الحاملة لوفاء الوطن والقضية....وأمواج البحر التي سهرت لتحمل القاربين... وجبهات الرياح التي عبرت "بأحد عشر إماما وفاطمة "...والرمال التي احتضنتهم رغما عن بنو الشجرة الملعونة.... كل هذه وذاك كانت مداد لكلمات نشيدهم العابر للحب والفداء والتضحية...لأن النوايا كانت تماثل في صفائها صفاء الجداول....والسواعد السمر كانت تناغم شقيقتها التي تعانق المعاول... جدائل تلك الماجدة التي صحت فجر ذلك اليوم في سردا لتغذي الطابون.... كانت حقيقة تُؤمن على دعاء أمهاتهم في البرج الشمالي وصبرا والاوزاعي وسعد نايل...
كانوا راية بيضاء مغسولة بالثلج والبرد....فكتب الله لهم رفع الذكر والسرد الحسن....
اما اليوم،فأين أصبحت ظلالهم في واقعنا؟؟
لقد ذبلت صفحات التاريخ،فلم يعودوا أيقونة كما كانوا....لأن السيد أخذنا لتلك الزاوية وقال : لا ترون إلا ما أرى...لأن السيد الذي كان هو أيضا يخوض عباب البحر بربطة عنقه إلى نيقوسيا، كان يراهن على نصر كاسح يأتيه من خلف جلسات " الفرمايكا " والمقاعد الفارهة.... يكسر الفكر والثقافة في عقولهم ....يقنعهم أن لنا حق في حقنا... أن وطننا الناطق بالعربية يمكن أن يتحدث بلغتين .... أن جرحنا النازف منذ نكبتنا ممكن ان يداوى بمرهم من عينان مخضرتين ..كان ينبذ " العنف ".. ولا زال ينبذ "العنف "....فسار وسار وسار ...وَقَّع... المنقذ.... وتسيد خارطة رسمت على الريح.. وظل يضرب بقدمه الحلم ومن حوله أناس يُّكَّبِرون... تعرفهم بحجم المرهم الذي تلمع بفعله شعورهم وجباههم ...كل شيء فيهم يلمع..بزاتهم...أحذيتهم..سياراتهم الفارهة....كلماتهم المنمقة....كل شيء حولهم فاخر.. المكتب.. البيت.. القصر .. الفيلا... ما عادوا مثل أولئك الذي ودعوا دلال عندما حفظت بعينيها أزقة شاتيلا لتقول لربها يوم القيامة :"يا رب لقد خرجت وخلفي أطفال المخيم ينامون على فراش التشرد والغربة ولم يبقى من أحلامهم المسروقة إلا كسرة خبز"....
اليوم،إنتهى زمان القيادة " الدلالية "....لم يعد هناك رائحة أو بقايا لرائحة زعفران الثورة... أو مسك الطهارة...لقد هدم البيت الذي كان.. وشد مكانه وكالة تتناغم مع نفاق هذا الزمان...
أتراني أستثني أحدا من هذه المقارنة؟؟ لا والله....حتى في جل الفصائل....
عندما رحلت دلال أخذت معها التاريخ.... وأغلقت الباب... وتركت لنا صورا بلاستيكية نلهوا بها من فرط توهاننا في صحراء الضياع....
عصري فياض