د. سيد شعبان - رضوى عاشور وإبداع التفرد

يحفل الأدب العربي بقامات شامخة؛ هانحن على موعد مع أديبة تناولت الشأن العام بروح القلم المتمرد ذلك الذي يرفض الصمت ويتأبى على الحجر والمنع؛ ولدت في عائلة أدبية متميزة، فجدها لأمها الدكتور عبدالوهاب عزام أحد أعلام الدراسات الشرقية، تزوجت من الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي؛ أنجبا تميما فجاء الشعر والأدب من زواج باعد بين ركنيه قرار الطرد والنفي؛ ظلا سبعة عشر عاما في ترحال واغتراب؛ هذه ملامح حياة عاشتها رضوى فأنتجت إبداعا مقاوما لعوامل الاستلاب وفقدان الهوية وتشظي القرار العربي!
فلايستطيع القاريء أن يفصل بين الخاص والعام في حياة تلك المرأة التي تعد صورة متفردة للمثقف المنتمي لأمته والمتشبع بروح المقاومة.
قدمت للمكتبة العربية روائع لايمر عليها الناقد إلا ويقف عندها متلبثا متأنيا حتى يشرع قلمه يخط ملامح من سيرة قل أن توجد في زمن التيه العربي!
مترجمة قديرة امتلكت ناصية الفكر فلم تكن مجرد دارس يشرح دروسه وينصرف إلى تبعات أسرته بل مفكرا يشارك هموم الوطن وقضاياه؛ عرفت بشخصيتها القوية وعروبتها التي تجاوزت أطر الإقليمية؛ في ثنائية المثقف المقاوم.
فرضوى الأم لاتنفصل عن رضوى الأديبة المفكرة في جديلة يحوطها السرد المختال بين يدي الفن المقاوم.
لم تكن ثقيلة حتى يقال أثقل من رضوى بل يحق لك أن تكتب لاأجمل من رضوى التي عاشت مرارة النفي والارتحال وفقدان الوطن في الأندلس فكتبت "ثلاثية غرناطة" لتشارك زوجها مريد البرغوثي نكبة فلسطين وتشظي الوجود العربي؛ تعاود الكتابة عن "الطنطورية" في ملمح يربط كما أسلفت بين الهم الخاص والهم القومي؛ تقاوم بالقلم تشتهي أن تمسك بالبندقية حتى تدافع عن الأرض؛ أستاذة جامعية لم تنعزل في برجها العاجي تردد مفردات ومصطلحات النقد الأدبي وتتقول النظريات واحدة وراء الأخرى!
تستطيع أن تخص حياتها بميزة الرفض، الكتابة بروح مغايرة، هل كانت تشاغب في مواقفها ليقال عنها رافضة لأجل ذلك العناد أم تراها تحمل قضية الوجود تراه يتقلص ويزوى ويفترسه عدو ماكر تسلح بكل صور الغدر والخيانة؟
مؤكد أن رضوى كانت تعرف وجهتها منذ نعومة أظفارها، خافت الوأد الأنثوي لتتحول منه إلى رفض الضياع؛ ولدت نهاية الخمسينيات من القرن الماضي فعاصرت فترة التحرر وزمن مابعد الاستعمار ولتشهد صعود المد القومي تختلف مع السادات رافضة اتفاقية كامب ديفيد تكون مع المسيري وآخرين حركة الخامس من مارس ومن بعد ضد مبارك تكون نواة حركة كفاية؛ أنت هنا مع مصرية منتمية إلى حد تقديس ثرى الوطن والدفاع عنه بأقصى درجات الحب والفداء.
تستطيع أن تصف رضوى عاشور بأنها حالة استثناء في الثقافة العربية؛ قاومت لكنها لم تفعل من أجل الرفض بل حبا في الحياة.
استطاعت أن تسطر أيامها في سيرتها الذاتية من خلال مجمل كتاباتها تقرأ وجهها في فرح وأيام الرحلة، أستاذة النقد الأدبي في جامعة عين شمس ورئيس قسم تحظى بتقدير علمي.
قدمت إلى المكتبة الأكاديمية أعمالا رائدة مؤسسة.
وحين سطرت سردها المخايل كانت متلبسة بالواقع في صورة تجمع بين الذات والمتخيل؛ كل كتاباتها تستطيع أن تعتبرها تأريخ للسيرة الذاتية؛ قل من الأقلام النسائية من استطاعت أن تتخلص من مفردات العويل والتشنج والبكاء لتتماهى مع واقع مثقل بكل أعباء الوطن.
فالشعر في هذه الأسرة يقاوم مع رهق الهزيمة واستلاب الوطن؛ هانحن نكتب مع رحيل مريد البرغوثي لتنتهي معاناة النفي والاغتراب بين زوجين عشقا الكلمة وقاوما بها؛ تقاوم رضوى المرض اللعين فتعجز وينال منها حتى تسلم الروح لخالقها وقد أدت ما عليها وعيا ونضالا.
رحلت لكنها بقيت روحا مصرية حملت عبء القضية؛ فتستطيع أن تصفها بالأديب صاحب الموقف؛ لتظل كتاباتها استلهاما للتغيير والبحث الفكري المغاير.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...