لما كان موضوع المهارات بما يشمله من أسلوب صياغة القرارات وتسبيبها وإصدار الأحكام فيها وغيرها من أهم ما يتسلّح به القاضي في عمله، فإنّ هذا الأمر يتطلب إلقاء نظرة عابرة على العوامل التي من شأنها مساعدة رجال القضاء في إتقان هذا النوع من المهارة. ولعل أهم هذه العوامل هي القدرة على اختيار الكلمة أو العبارة السليمة التي تعبر عن المعنى تعبيراً صادقاً وهو ما يطلق عليه الأدب؛ فالأدب بمعناه الخاص هو فن التعبير بالكلمة سواء كانت مسموعة أو مقروءة عن الأفكار والآراء. وطالما كان الأدب بهذا المعنى يعتمد على الكلمة فهي إذن الأساس في هذا الفن. والكلمة هي اللغة، واللغة هي القاعدة في القدرة على التعبير. فلا يستطيع أي إنسان أن يعبر عن أفكاره ما لم يكن عالما بلغته محيطاً بقواعدها، ويجب على رجال القانون عموماً أن تكون لديهم القدرة اللغوية التي تمكنهم من التعبير السليم عن أفكارهم وهو ما يمكن تسميته في مجال عملنا بالأدب القضائي ذلك أنه إذا كانت اللغة لازمة لكل عمل يتصل بالتعبير عن الأفكار أو الآراء، فإنه ألزم بالنسبة للعمل القانوني بوجه عام والعمل القضائي بوجه خاص. ومن أجل ذلك أولت المعاهد القضائية بالدول العربية،وعلى رأسها المركز القومي للدراسات القضائية بجمهورية مصر العربية أهمية خاصة للغة وأدرجتها في مساق برامجها التعليمية وقامت بتنظيم دراسات في بعض جوانبها. ومن أهم ما نشر بهذا الصدد المحاضرة التي سبق وأن تحدث فيها الأستاذ المستشار/ أحمد فتحي مرسي – نائب رئيس محكمة النقض المصرية بتاريخ 31/8/87 إلى أعضاء إحدى الدورات التدريبية عن موضوع "الأدب القضائي وقواعد اللغة" وبين فيها أهمية وضرورة إلمام رجال القانون بلغتهم أياً كان طبيعة العمل الذي يقومون به،والتي نقتبس هنا بعض ما جاء فيها. فالمشرع يحتاج إلى اللغة في صياغة القانون. ووكيل النيابة يحتاج إليها في المرافعة وكتابة المذكرات. والقاضي يحتاج إلى اللغة في كتابة الأحكام. وليس مبالغةً القولُ أن اللغة تمثل نصف العمل القانوني أو العمل القضائي. فالعمل القضائي نصفه لغة ونصفه قانون. ذلك أن الأفكار القانونية تظل حبيسة في الذهن إلى أن تنتقل إلى السامع أو إلى القارئ عن طريق اللغة. كما يمكن القول أن رجال القضاء لا يتمايزون فيما بينهم بالعلم بالقانون بقدر ما يكون هذا التمايز بالثقافة اللغوية، فالعلم بقواعد اللغة ليس المقصود به التأنق في أسلوب الكاتب أو المتحدث بل التمكن أيضاً من قواعد النحو نظراً لان اللغة العربية تختلف عن غيرها من اللغات في أن قواعد النحو تمثل جزءاً من معنى العبارة وأي خلل فيها يؤدي إلى اختلال المعنى، بل أن الخطأ في علامات الإعراب تقلب المعنى تماماً مما يتطلب معه ضرورة العلم بهذه القواعد التي من شأن العلم بها أن تؤدي العبارة المعنى المطلوب أو المعنى المقصود منها--
"منقول"
"منقول"