(١)
بلا شك أن وباء كورونا غيَّر جدا في أسلوب حياتنا، حتى أحاديثنا لا تخلو من الشكوى والخوف من القادم.. وقد قرأتُ وسمعتُ الكثير عن معاناة الناس المصابون وغير المصابين، فالوجع طال الجميع..
جاء دوري لأحكي عن يومياتي (القيمة) مع هذا المرض.
بمَ أن حاستيّ الشم والتذوق غادرتا ولا أعلم موعد عودتهما فكان اتكالي الرئيسي على السمع والبصر في كل أموري...
شرفة المنزل هي المتنفس الأجلّ عندي أقف فيها أراقب وأسمع، أتابع مسيرة بائع ال(كااعِععِعِككك) وهو ينادي أو يصرخ بين الحواري، ينظر تجاهي أن (تعالي واشتري) ولا يجد مني إلا ابتسامة مشجعة وإشارة اللايك الشهيرة بالإبهام إذا (جبر خاطره) أحدهم واشترى من كعكاته المكدسة...
أتفحص العمل المضني الذي يقوم به حارس السكن من كنس ومسح المداخل، أتعاطف معه وجدانيا كل يوم وبفضول أقوم بعدِّ أكياس النفايات التي يحملها متوجها لرميها، (لا تسألوني عن سبب اهتمامي.. فأنا لا أعرف)؛ أُخمن أنني أغبطه على قوته في تحمل كل تلك الأعباء بصبر رغم عمره المتقدم..كما أنني أطمئن على الجيران وفائض احتياجاتهم من خلال قمامتهم..
أما المتعة فهي في مراقبة طلاب مراهقون يحضرون دورات تدريبية يوميا _أستغرب ذلك مع وجود محظورات التجمع_في السكن المقابل للشرفة، كلما همّوا بالخروج أحدثوا ضوضاء كبيرة؛ وكأنهم يتعمدون لفت الأنظار إليهم بضحكاتهم المجلجلة وتدخينهم المستفز، أرفع لهم حاجبي وأرمقهم بنظرات الغضب والدهشة_ أغالب رغبتي بالتسكع معهم ههه_ إلا أنهم كلما لمحوني في الشرفة رفعوا أصواتهم أكثر وزادوا وتيرة التدخين.. وفي لحظة سريعة قد تنقلب أجواؤهم إلى سباب وصياح وتشابك بالأيدي؛ إلى أن يباغتهم أحد الكبار (ويفزع بينهم).. الغريب أن مشاهد القتال في الشارع أصبحت محببة لدي؛ فهي تعطي إحساسا بالحيوية وأن الناس لازالت تتفاعل فيما بينها؛ أو ربما هي نزعة شريرة خفية بدأتُ أكتشفها مؤخرا..
على أي حال التسلية الأكبر لم أخبركم عنها بعد، حتى لا أطيل عليكم؛ لنا لقاء في العدد القادم بمشيئة الرحمن... (إذا عشنا).
****
(٢)
أكثر ما يخيف المصاب بفايروس الكورونا؛ أن تنتقل العدوى لآخرين، يصبح هاجسه الابتعاد قدر المستطاع عمن حوله، فيكون عزله في حجرة منفردا هو القاطع لتلك المخاوف.
عادةً نافذة حجرتي تطل على أشجار كثيفة مرتفعة جدا، خلفها مباشرة مبنى سكني متعدد الطوابق، تلك الأشجار تحجب عني تماما الطابق الأول والثاني ولا أكاد أرى من خلالها إلا بصيص إنارة الحجرات المقابلة والمنخفضة لنافذتي.
أثناء العاصفة الثلجية مذ شهر تقريبا؛ تجردت الأشجار من أوراقها وتكسرت عدة فروع منها، والستر الذي كانت تتحلى به الشُقق ذاب وولّى مع ما ذاب من ثلوج..
في صغري كنت أعتز بناظور أحمله معي وأتباهى به أمام نظرائي من الجيران أو في المدرسة، أدّعي بأنني أعرف كل شيء من خلاله وحتى أنه يكشف لي ما تحت الملابس
، وكنت شديدة الحرص ألا يجربه أحدهم حتى لا أفقد السيطرة والهالة العظيمة التي أُحاطتني بسببه. إلى أن كادوا لي بشكوى عند مديرة المدرسة وتمت مصادرته تعسفيا (مع شماتة الأعداء)؛ لم أره بعدها أو أحظى بغيره.
المهم.. ذكرته الآن من باب رغبتي الشديدة بوجوده معي؛ بعد أن أصبحت أكشف المطابخ وغرف المعيشة وأراقب الناس تتحرك وتتكلم والصغار يلعبون في الباحة الخلفية للمبنى... مراقبة الجدة(على ما أظن) وهي تطبخ وتنقل الصحون والقدور وتُنقي الحبوب من الشوائب ممتعة جدا، والرجل وهو يمسك متحكم القنوات بيده لساعات؛ يقلب بالمحطات دون توقف وهو غائب تماما عن أحاديث وضحكات الصغار من حوله، وتلك المرأة التي تتنقل بين الغُرف حاملة أكواما من الملابس تصُفُها في الخزانات والجوارير....
كان مشهدا مسليا وفاتحا للشهية عندما تَحلّقوا يوم الجمعة حول طاولة في الباحة؛ عليها أطباقا منوعة، وملأت الأجواء أحاديثهم وأصواتهم المختلطة، أصابتني عدوى الأكل بشراهة والضحك؛ لم يفارقا بصري وسمعي مكانهم مع فائق التركيز...
كانت تلك الغصة تعلو وتخفت بداخلي، (آاااخ يا ناظوري... لو.. ) كنتُ سأعرف الأصناف المنثورة أمامهم وهم يتناولونها بفرح.
كثيرا ما أشعر بالشفقة عند مراقبة الحمائم وهي تأكل ما نثرته من خبز على رف النافذة، وكأنها عانت أياما طويلة من الجوع.. رغم أني حريصة على إطعامها يوميا، ولمَ العجب! فهم ليسوا من أصحاب الدايت أو مشجعي الكيتو...
(العزلة تفتح عينك الثالثة) ..
بهذه الجملة أختم عدد اليوم... إلى لقاء آخر مع المزيد من الأخبار المبهرة والدهشة
****
(٣)
ظهرتْ أعراضُ الحمى في العزلة على صيغة كتابات بأفكار مركبة، سائحة بلا حدود ولا روابط؛ بعد قرائتي لعدة كتب مختلفة في الفكر والتوجه...
سأرويها لكم.. وأعانكم الله عليها
هلوسات الحُمّى تتشبث بخلايا الدماغ وتتلاعب بالكلمات والصور التي تنقلها الإشارات العصبية في ممرات ضيقة جدا، قد تقلب الحقائق أو تخلقها، هي غريبة ولكنها متفردة... أتساءل كثيرا كيف تستوعب الممرات هذا الحجم الهائل من تأثير فكرة أو ذكرى أو ربما ضحكة؟ ...
رواية (هيبتا) ومراحل الحب السبعة تتوالى شخصياتها وعلاقاتهم فيما بينهم كشريط اخباري يمر سريعا في ذاكرتي مع إضاءات (عاجل) كلما تدبرت بكلمات الكاتب الكردي إميل سيوران في كتابه (مثالب الولادة) "نحن لا نركض نحو الموت، نحن نفرُ من كارثة الولادة ونتخبط مثل ناجين يحاولون نسيانها"...
رقم ٧ من الأرقام المقدسة في الحضارة الإغريقية أفرد لها الكاتب محمد صادق رواية كاملة ليتعمق بتفاصيل اللقاءات في كل مرحلة من المراحل السبعة المختلفة؛ التي يمر بها كل اثنين دخلا في علاقة، سواءً استمرت أو توقفت.
كل مرحلة تدعم فكرة الإحتياج النفسي والسببي لكل شخص؛ بينما تختلف الدوافع من واحد لآخر كي يصل إلى سعادة ما أو إشباع روحي يغذي احتياجه.. إلى أن يتضخم بفعل الأنانية البشرية حتى تطال سطوته حياة الآخر؛ لتبدأ مشادات فرض القيود وحب التملك والتي بدورها تزعزع ثقة الآخر في نفسه وفي تلك العلاقة، فيشعر بما أسماه يوما نعيما أنه طوقٌ يلتفُ حول عنقه يسحب أنفاسه تدريجيا، ويراوح مكانه حيث الألم والخوف والحرمان...
تقفز أمامي جملة ملعونة من شدة منطقيتها لإميل "لم يكن الفردوس مكانا يمكن تحمله؛ وإلا لاستطاع الإنسان الأول أن يتلائم معه، وليس هذا العالم أكثر قابلية للتحمل بما أننا نفتقد الفردوس أو نطمح إلى آخر. ما العمل؟ إلى أين نذهب؟ لنمتنع ببساطة عن عمل أي شيء وعن الذهاب إلى أي مكان).
النهاية في هيبتا حللْتُها على أنها جرس إنذار لأي مسيرة علاقة؛ تستحثها أن تعيد النظر في خطواتها السريعة وتتحسس إذا ما كانت متوازنة تحمل شغف الإستمرار أم أنها تسير بسبب خوفها من التوقف والعودة إلى نقطة الصفر.
المرحلة السابعة والأخيرة عنت ليَ الكثير، ربما لكوني من أنصار التوقف الفجائي مع مراجعة الذات وتقييم أشواط الرحلة قبل الحصاد الأخير من جهة، والثانية لأن تاريخ ميلادي في شهر سبعة أشعر وكأنه إشارة كونية توجهني إلى البدايات لأجد القيمة المقنعة للنهاية... أو لنقُل أنها مرحلة التنوير الفكري والوجداني على أعتاب الرضا المنشود. هو كالضوء الأخضر لفتح كافة الصناديق المغلقة وفرز مافيها إما موت أو حياة، فهما نقطة واحدة والدائرة تعيد نفسها... نحن مجرد ظلال يحركها شعور الذنب بالأنانية والواجب للآخر، نحتاج إلى بوصلة تأخذنا إلى نقطتنا بسلام.
"بداياتي لا تهمني، ما يهمني هو البداية وإذا اصطدمت بولادتي بهذا الهوس التافه، فلأني عاجز عن الإجتماع باللحظة الأولى للزمن. كل قلق فردي مرده في آخر المطاف إلى قلق كوني، يقوم فيه كل إحساس من أحاسيسنا بالتكفير عن ذنب الإحساس الأولي؛ الذي تسلل الكائن عن طريقه من لا ندري أين... " عبارات للمجنون سيوران تُلخص أنفاسنا في تعقل.
دخلتُ كهف تضاد الكلمات حتى امتزجتْ بين عينيَّ في لحظات هلوسة.
الحمدلله على نعمة الإفاقة.
ودمتم سالمين
****
بلا شك أن وباء كورونا غيَّر جدا في أسلوب حياتنا، حتى أحاديثنا لا تخلو من الشكوى والخوف من القادم.. وقد قرأتُ وسمعتُ الكثير عن معاناة الناس المصابون وغير المصابين، فالوجع طال الجميع..
جاء دوري لأحكي عن يومياتي (القيمة) مع هذا المرض.
بمَ أن حاستيّ الشم والتذوق غادرتا ولا أعلم موعد عودتهما فكان اتكالي الرئيسي على السمع والبصر في كل أموري...
شرفة المنزل هي المتنفس الأجلّ عندي أقف فيها أراقب وأسمع، أتابع مسيرة بائع ال(كااعِععِعِككك) وهو ينادي أو يصرخ بين الحواري، ينظر تجاهي أن (تعالي واشتري) ولا يجد مني إلا ابتسامة مشجعة وإشارة اللايك الشهيرة بالإبهام إذا (جبر خاطره) أحدهم واشترى من كعكاته المكدسة...
أتفحص العمل المضني الذي يقوم به حارس السكن من كنس ومسح المداخل، أتعاطف معه وجدانيا كل يوم وبفضول أقوم بعدِّ أكياس النفايات التي يحملها متوجها لرميها، (لا تسألوني عن سبب اهتمامي.. فأنا لا أعرف)؛ أُخمن أنني أغبطه على قوته في تحمل كل تلك الأعباء بصبر رغم عمره المتقدم..كما أنني أطمئن على الجيران وفائض احتياجاتهم من خلال قمامتهم..
أما المتعة فهي في مراقبة طلاب مراهقون يحضرون دورات تدريبية يوميا _أستغرب ذلك مع وجود محظورات التجمع_في السكن المقابل للشرفة، كلما همّوا بالخروج أحدثوا ضوضاء كبيرة؛ وكأنهم يتعمدون لفت الأنظار إليهم بضحكاتهم المجلجلة وتدخينهم المستفز، أرفع لهم حاجبي وأرمقهم بنظرات الغضب والدهشة_ أغالب رغبتي بالتسكع معهم ههه_ إلا أنهم كلما لمحوني في الشرفة رفعوا أصواتهم أكثر وزادوا وتيرة التدخين.. وفي لحظة سريعة قد تنقلب أجواؤهم إلى سباب وصياح وتشابك بالأيدي؛ إلى أن يباغتهم أحد الكبار (ويفزع بينهم).. الغريب أن مشاهد القتال في الشارع أصبحت محببة لدي؛ فهي تعطي إحساسا بالحيوية وأن الناس لازالت تتفاعل فيما بينها؛ أو ربما هي نزعة شريرة خفية بدأتُ أكتشفها مؤخرا..
على أي حال التسلية الأكبر لم أخبركم عنها بعد، حتى لا أطيل عليكم؛ لنا لقاء في العدد القادم بمشيئة الرحمن... (إذا عشنا).
****
(٢)
أكثر ما يخيف المصاب بفايروس الكورونا؛ أن تنتقل العدوى لآخرين، يصبح هاجسه الابتعاد قدر المستطاع عمن حوله، فيكون عزله في حجرة منفردا هو القاطع لتلك المخاوف.
عادةً نافذة حجرتي تطل على أشجار كثيفة مرتفعة جدا، خلفها مباشرة مبنى سكني متعدد الطوابق، تلك الأشجار تحجب عني تماما الطابق الأول والثاني ولا أكاد أرى من خلالها إلا بصيص إنارة الحجرات المقابلة والمنخفضة لنافذتي.
أثناء العاصفة الثلجية مذ شهر تقريبا؛ تجردت الأشجار من أوراقها وتكسرت عدة فروع منها، والستر الذي كانت تتحلى به الشُقق ذاب وولّى مع ما ذاب من ثلوج..
في صغري كنت أعتز بناظور أحمله معي وأتباهى به أمام نظرائي من الجيران أو في المدرسة، أدّعي بأنني أعرف كل شيء من خلاله وحتى أنه يكشف لي ما تحت الملابس
المهم.. ذكرته الآن من باب رغبتي الشديدة بوجوده معي؛ بعد أن أصبحت أكشف المطابخ وغرف المعيشة وأراقب الناس تتحرك وتتكلم والصغار يلعبون في الباحة الخلفية للمبنى... مراقبة الجدة(على ما أظن) وهي تطبخ وتنقل الصحون والقدور وتُنقي الحبوب من الشوائب ممتعة جدا، والرجل وهو يمسك متحكم القنوات بيده لساعات؛ يقلب بالمحطات دون توقف وهو غائب تماما عن أحاديث وضحكات الصغار من حوله، وتلك المرأة التي تتنقل بين الغُرف حاملة أكواما من الملابس تصُفُها في الخزانات والجوارير....
كان مشهدا مسليا وفاتحا للشهية عندما تَحلّقوا يوم الجمعة حول طاولة في الباحة؛ عليها أطباقا منوعة، وملأت الأجواء أحاديثهم وأصواتهم المختلطة، أصابتني عدوى الأكل بشراهة والضحك؛ لم يفارقا بصري وسمعي مكانهم مع فائق التركيز...
كانت تلك الغصة تعلو وتخفت بداخلي، (آاااخ يا ناظوري... لو.. ) كنتُ سأعرف الأصناف المنثورة أمامهم وهم يتناولونها بفرح.
كثيرا ما أشعر بالشفقة عند مراقبة الحمائم وهي تأكل ما نثرته من خبز على رف النافذة، وكأنها عانت أياما طويلة من الجوع.. رغم أني حريصة على إطعامها يوميا، ولمَ العجب! فهم ليسوا من أصحاب الدايت أو مشجعي الكيتو...
(العزلة تفتح عينك الثالثة) ..
بهذه الجملة أختم عدد اليوم... إلى لقاء آخر مع المزيد من الأخبار المبهرة والدهشة
****
(٣)
ظهرتْ أعراضُ الحمى في العزلة على صيغة كتابات بأفكار مركبة، سائحة بلا حدود ولا روابط؛ بعد قرائتي لعدة كتب مختلفة في الفكر والتوجه...
سأرويها لكم.. وأعانكم الله عليها
هلوسات الحُمّى تتشبث بخلايا الدماغ وتتلاعب بالكلمات والصور التي تنقلها الإشارات العصبية في ممرات ضيقة جدا، قد تقلب الحقائق أو تخلقها، هي غريبة ولكنها متفردة... أتساءل كثيرا كيف تستوعب الممرات هذا الحجم الهائل من تأثير فكرة أو ذكرى أو ربما ضحكة؟ ...
رواية (هيبتا) ومراحل الحب السبعة تتوالى شخصياتها وعلاقاتهم فيما بينهم كشريط اخباري يمر سريعا في ذاكرتي مع إضاءات (عاجل) كلما تدبرت بكلمات الكاتب الكردي إميل سيوران في كتابه (مثالب الولادة) "نحن لا نركض نحو الموت، نحن نفرُ من كارثة الولادة ونتخبط مثل ناجين يحاولون نسيانها"...
رقم ٧ من الأرقام المقدسة في الحضارة الإغريقية أفرد لها الكاتب محمد صادق رواية كاملة ليتعمق بتفاصيل اللقاءات في كل مرحلة من المراحل السبعة المختلفة؛ التي يمر بها كل اثنين دخلا في علاقة، سواءً استمرت أو توقفت.
كل مرحلة تدعم فكرة الإحتياج النفسي والسببي لكل شخص؛ بينما تختلف الدوافع من واحد لآخر كي يصل إلى سعادة ما أو إشباع روحي يغذي احتياجه.. إلى أن يتضخم بفعل الأنانية البشرية حتى تطال سطوته حياة الآخر؛ لتبدأ مشادات فرض القيود وحب التملك والتي بدورها تزعزع ثقة الآخر في نفسه وفي تلك العلاقة، فيشعر بما أسماه يوما نعيما أنه طوقٌ يلتفُ حول عنقه يسحب أنفاسه تدريجيا، ويراوح مكانه حيث الألم والخوف والحرمان...
تقفز أمامي جملة ملعونة من شدة منطقيتها لإميل "لم يكن الفردوس مكانا يمكن تحمله؛ وإلا لاستطاع الإنسان الأول أن يتلائم معه، وليس هذا العالم أكثر قابلية للتحمل بما أننا نفتقد الفردوس أو نطمح إلى آخر. ما العمل؟ إلى أين نذهب؟ لنمتنع ببساطة عن عمل أي شيء وعن الذهاب إلى أي مكان).
النهاية في هيبتا حللْتُها على أنها جرس إنذار لأي مسيرة علاقة؛ تستحثها أن تعيد النظر في خطواتها السريعة وتتحسس إذا ما كانت متوازنة تحمل شغف الإستمرار أم أنها تسير بسبب خوفها من التوقف والعودة إلى نقطة الصفر.
المرحلة السابعة والأخيرة عنت ليَ الكثير، ربما لكوني من أنصار التوقف الفجائي مع مراجعة الذات وتقييم أشواط الرحلة قبل الحصاد الأخير من جهة، والثانية لأن تاريخ ميلادي في شهر سبعة أشعر وكأنه إشارة كونية توجهني إلى البدايات لأجد القيمة المقنعة للنهاية... أو لنقُل أنها مرحلة التنوير الفكري والوجداني على أعتاب الرضا المنشود. هو كالضوء الأخضر لفتح كافة الصناديق المغلقة وفرز مافيها إما موت أو حياة، فهما نقطة واحدة والدائرة تعيد نفسها... نحن مجرد ظلال يحركها شعور الذنب بالأنانية والواجب للآخر، نحتاج إلى بوصلة تأخذنا إلى نقطتنا بسلام.
"بداياتي لا تهمني، ما يهمني هو البداية وإذا اصطدمت بولادتي بهذا الهوس التافه، فلأني عاجز عن الإجتماع باللحظة الأولى للزمن. كل قلق فردي مرده في آخر المطاف إلى قلق كوني، يقوم فيه كل إحساس من أحاسيسنا بالتكفير عن ذنب الإحساس الأولي؛ الذي تسلل الكائن عن طريقه من لا ندري أين... " عبارات للمجنون سيوران تُلخص أنفاسنا في تعقل.
دخلتُ كهف تضاد الكلمات حتى امتزجتْ بين عينيَّ في لحظات هلوسة.
الحمدلله على نعمة الإفاقة.
ودمتم سالمين
****