منقول - النخلـــــــــة

عُرفت في العالم القديم بـ “الشجرة الطيبة” و”شجرة الحياة”، و”شجرة العذراء”. وعكست صفاتها المتعددة التقاء الشعوب والأديان والحضارات في احترامها، على نحوٍ لم يتكرر مع أيٍّ من نباتات الأرض. وتقاطعت الكثير من المقولات الدينية بالكثير من المقولات العلمية في شأنها. وارتبطت بوجودها حياة كثير من شعوب العالم القديم، وما زال العالم الجديد معنيّـاً برعايتها، وحريصاً على انتشارها. فريق التحرير فتّش أوراق “النخلة” وخرج بهذا الملف..

كل قامة نخلة
لا تطالع شجرة إنساناً كما تطالعه النخلة. مرتفعة شامخة فاردة أجنحتها بتنسيق بديع في كل اتجاه. إنها الشجرة الوحيدة التي ترتفع فيها كتلة أغصانها مع كل ارتفاع للجذع. ويصبح الجذع أشبه بيد قابضة على مجموعة الأغصان ترفعها عالياً في الفضاء ثابتة في مركزها متمايلة مع نسمات الريح كلمّا هبّت وكأنها تلوّح لصديق آتٍ من بعيد. ومن أعجب ما في النخلة تحوّل ألوانها وتلاعب اتجاه الظل مع انحناءات السعف. فأنت تارة تراها خضراء نضرة، وتارة خضراء قاتمة تتخللها ظلال حمراء غير محددة وكأنها انعكاس للون الجذع البني أو إناء رطب لذيذ سوف تحمر وجناته باقتراب موعد القطاف..

يا للنخلة!

فارعة الطولِ، ممتدة القامة، يعلوها فرعٌ مجللٌ بسعفاتٍ كثيفة تأخذ شكل الأقواس، بعضها فوق بعض، صانعة إحساساً مفعماً بالمهابة.. تلك هي الملامح الأساسية التي تنطبق على نخلة التمر، وعشرات أنواع النخيل المنتشرة في بلاد العالم.

نخلة التمر نوع فريدٌ بين الأجناس والفصائل النخلية المعروفة على وجه الأرض. ذلك أن أنثاها لا تنتج الثمار إلا بواسطة التلقيحٍ، وتتخلق منها فسائل أخرى في عملية تشبه الولادة، وتتعدد أصناف ثمارها حتى تقترب من الخمسمائة، ويمتدّ عمرها إلى 150 عاماً أو أكثر، وقد يصل طول الواحدة منها إلى 25 متراً، وفضلاً عن ذلك لا يتساقط ورقها حتى عند موت النخلة نفسها..!

مثل هذه السمات ألهمت عالماً عربياً مبالغة وصفية؛ فوضع النخلة والإنسان في سلة واحدة، حيث رصد كمال الدين القاهري صفاتٍ مشتركة فالنخلة: “ذات جذعٍ منتصبٍ، ومنها الذكر والأنثى، ولا تُثمر إلا إذا لُقّحت، وإذا قـُطع رأسها ماتت، وإذا قُطع سعفها لا تستطيع تعويضه من محله كما لا يستطيع الإنسان تعويض مفاصله، والنخلة مغشّاة بالليف الشبيه بشعر الجسم في الإنسان”.

أجزاء النخلة:
- 
الجذع: الساق الذي يمتد من “القصْر” أو “القصَر” الذي يمثل قاعدة الجذور حتى الرأس “البرعم الرئيس”. ويحيط “الكَرَب” بالجذع إحاطة كاملة، ويمثّل الكرب شبه سلّم لركوب النخلة. كما يشير إلى عمرها.
- 
الرأس: هو الموقع الذي يجمع أهم أجزاء النخلة: القلب، الليف، السعف، العذوق.. الخ..:
- ا
لقلب: هو المعروف بـ “الجمّار”، ومنه تنبت الأجزاء الأخرى.
- ا
لليف: نسيج يحيط بالقلب، والسعف، والعذوق، مكوناً تماسكاً صلباً.
- ا
لسعف: يقوم مقام الأغصان، وهو ينبت من القلب وينمو في شكل قوس، وينبت
فيه الورق “الخوص” والشوك.
- ا
لطلع: غلاف العرجون (العذق) ينمو في بداية الموسم، وهو الذي يتلقى اللقاح.
- ا
لعذق: يخرج من الطلع ليكون منبت الثمر. وفيه تنبت أغصان صغيرة “شماريخ”، وفي الشماريخ يتدلّى الرطب.

متكيِّفة.. متطلِّبة..!!
تتمتع النخلة بدرجة عالية من التكيـّف، فهي قادرة على الصمود في المناخ الشديد الحرارة، والتربة الرملية الجافة، وتتمكن من الإثمار مع ملوحة تصل نسبتها إلى 12 ألف جزء من المليون، وتقاوم الملوحة حتى ضعف هذه النسبة. علاوة على أنها تتمتع بذكاء عضوي، فتنشر جذورها أفقياً ورأسياً في أعماق تؤمن لها الماء والثبات الذي يضمن شموخها أمام الرياح والأعاصير.

ومع ذلك للنخلة متطلبات بيئية، أيضاً، فهي تكره المناخ البارد، وتتضرر من الأمطار في فترات التلقيح والإثمار ونضج التمر..! ويصل دلالها وتطلّبها حداً “مزاجياً” في علاقتها بأخواتها النخيل. إنها كائن اجتماعيٌّ، تفضّل أن تنشأ ضمن مجموعات. في الوقت نفسه لا تنمو جيداً حين تقل المسافة بينها وبين النخلة الأخرى عن خمسة أمتار، بحيث لا يسقط ظلّ نخلة على ظل نخلة أخرى..!

هذه الرغبة الاستقلالية لا تشمل “بناتها” الفسائل اللاتي لهنّ متطلبات من نوع آخر. وهناك قائمة شروط يعرفها المزارعون عند فصل الفسيلة عن النخلة الأمّ لغرض الغرس في مكان آخر. إنهم يفضلون أواخر الصيف لهذه المهمة، ويتخذون احتياطات دقيقة ويُكرمون النخلة وفسائلها عند هذه العملية التكاثرية..!

ثلاث طرق للتكاثر
الفسائل الصغيرة تنمو متصلة بنخلة أم، وتتخذ من آباط السعف رحماً. وفي عامها الثالث يمكن فصلها، ومن ثمّ تُغرس في مكان آخر. وهذه إحدى طرق التكاثر. وهناك طريقة أخرى أكثر سهولة. فبذرة النخلة هي النواة الموجودة في حشوة الرطبة أو التمرة. وهي لا تعني ـ لمن يتناول التمر ـ أكثر من نفاية يتخلص منها. غير أن الأمر لا يحتاج إلا إلى دفن هذه النفاية في عمق 2 سنتمتر لتبدأ نخلة جديدةٌ حياتها من هذا العمق الضئيل. هذا النوع من التكاثر يُسمّى “النشو”، وهو غير مفضّل لدى المزارعين لاحتمال أن يكون “النشو” ذكراً، وإذا جاءت أنثى فلن تكون نسخة من أمها. والعرب يعرفون ذكر النخلة بـ “الفحّـال” وهو ينتج اللقاح..!!

الطريقة الأخيرة في الإكثار جاءت بها المختبرات ومراكز الأبحاث الحديثة، إنها طريقة الزراعة النسيجية، وتتم عادة في وسط غذائي صناعي، وبالتالي لا يمكن تطبيقها إلا عبر مشاريع إكثار متطورة تقنياً. وقد عرف العالم العربي هذه التقنية منذ بداية السبعينيات الميلادية من القرن العشرين، وشهدت تقدماً حقيقياً في مصر والعراق والمغرب والسعودية والكويت والإمارات. وتقوم كثير من مشاريع إكثار النخيل الحديثة على هذه التقنية.

تُـؤتي أُكُلها..!
وتثمر النخلة مرة واحدة كل صيف، ويبلغ متوسط إنتاج النخلة الواحدة 50 كلجم. ويُعتبر ثمر النخلة ناضجاً في أي من المراحل الثلاث: مرحلة الرُّطـَب البـِسْـر، الرطب الناضج، والتَّـمْر الناضج. ويمكن تناول أي منها، لكن بعض أصنافها يُفضل بسراً سلوقاً (مطبوخاً)، وبعضها يفضل رطباً، وبعضها جودته تكمن في كونه تمراً جافاً، أو رطباً.

ويختلف شكل الثمرة ولونها وحجمها وطعمها ونكهتها تبعاً لصنف الثمرة. فهناك الأحمر والأصفر والأخضر والبنيّ والبرتقاليّ. ومن حيث الشكل هناك: الأسطواني، والكروي، والبيضاوي المستطيل، والبيضاوي المنعكس، والمحدّب المستطيل، والكروي المسطّح القطبين. ومثلما تختلف الألوان والأشكال، تتفاوت الأحجام بين ثمرة يقترب حجمها من حجم كرة الطاولة، وأخرى لا يتجاوز حجمها ثمرة الزيتون..!

ولا يتحدد صنف الرطب باللون وحده، ولا الحجم، ولا الشكل، بل عبر كل ذلك مجتمعاً إضافة إلى موعد النضج وكذلك الطعم والنكهة. وهذا يعني أن هناك سلسلة من السمات الخاصة بكل صنف من الأصناف.

على سبيل المثال صنف “الغر” (الغرّة) له موطنان: الأحساء والقطيف، ولون رطبة هذا الصنف أصفر، وشكلها بيضاوي مستطيل، وحجمها متوسط. وهذه الصفات تنطبق تماماً على صنف آخر موطنه القطيف؛ هو “الحلاّو الأبيض”، باستثناء أن هذا الأخير لونه يجمع بين البرتقالي والوردي. وهذا الفرق البسيط واحدٌ من فروق كثيرة جداً بين الصنفين، فـ “الغر” ينضج في أول الموسم، شهر يوليو، في حين لا ينضج “الحلاّوْ الأبيض” إلا في أواخر أغسطس..!

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فنخلة “الغر” تختلف كثيراً عن نخلة “الحلاّو الأبيض”. الأولى لها جذع متوسط محيطه 180 سم، والثانية 155 سم، وطول سعفة “الغر” يتجاوز 4 أمتار، لكنه في “الحلاّوْ الأبيض” لا يتجاوز 3.75م. “الغر” تنتج 13 عذقاً في المتوسط، مقابل 11 عذقاً لدى نخلة “الحلاّوْ الأبيض”..! وهناك المزيد: فعدد الشوك في السعفة الكاملة النمو لدى “الغر” 21، لكن هذا العدد يقفز في سعفة “الحلاّو الأبيض” إلى 26 شوكة..!!

الإشارات الشكلية الأولية قد تنبئ عن فروق حقيقية بين صنفين متشابهين، كما تتساوى الجودة بين الأصناف، وتختلف المواصفات أيضاً فمثلاً تمرة “دقلة نور” تعيش في المغرب العربي، وهي تعادل جودة “السكري” في القصيم السعودية، و “زغلول” المصرية، و”الخلاص” في الأحساء. ولكن لا يجمع بينها جامع لا في الشكل، ولا الحجم..!

بلاد النخل والخيل
لم يتمكن الباحثون حتى اليوم من تحديد مسقط رأس النخلة. فبعضهم ذهب إلى بلاد ما بين النهرين وحضارة بابل، ومعظمهم تطلع إلى شبه الجزيرة العربيّة وخاصة إلى شرقها، ومن هؤلاء عالم النخيل الإيطالي إدواردو بَكاري الذي يعتبر منطقة الخليج العربي موطناً أصلياً لنخلة التمر. وهناك نظريات تسعى إلى مزيد من الدقة، فتحدد جزيرة صغيرة في البحرين اسمها “هارقان” أو “حارقان”. وتعزز هذه الترجيحات الكتابات المسمارية التي تتحدث عن تصدير تمور من ديلمون إلى العراق، وديلمون في التاريخ القديم هي بلاد البحرين التي امتدت من جنوبي العراق حتى حدود عمان.

المؤكد أن زراعة نخيل التمر كانت معروفة منذ سبعة آلاف سنة عند كل الحضارات التي قامت في الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين وما جاورها. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم كانت النخلة حاضرة دائماً، لا في البساتين والواحات فحسب، بل في ثقافات الشعوب واقتصادياتها وحضارتها ككل.

الشواهد الأثرية ليست قليلة. منها العملات الفينيقية والإغريقية التي وصلتنا من الساحل الشرقي للمتوسط، والتي نقشت عليها صورة النخلة.

ومن مصر الفرعونية وصلتنا نخلة صغيرة كاملة عثر عليها في أحد مقابر سقارة وتعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. كما عثر الباحثون مؤخراً على مومياء فرعونية في مقبرة الزريقات ملفوفة في حصير من سعف النخيل.

ومن بلاد ما بين النهرين وصلتنا آثار المعابد والقصور التي شكل النخيل جزءاً رئيساً منها، إضافة إلى التيجان الملكية التي حملت نقش النخلة.

غير أن أهم ما وصلنا في هذا المجال مجموعة القوانين المسماة “شريعة حمورابي” التي تضمنت ثلاث مواد تتعلق بشراء النخيل وبيعه وتلقيحه، إضافة إلى مادة عقابية خاصة بالاعتداء على النخيل، تحدد غرامة فضية على كل من تسول له نفسه اقتلاع نخلة.

وضعت مجموعة القوانين هذه قبل نحو 3800 سنة من عصرنا. وعلى امتداد آلاف السنين، حافظت النخلة على موقعها في حياة الشعوب التي عرفت زراعتها وازدهارها. وبسبب تعدد أوجه الاستفادة منها، حافظت الشعوب عليها حفاظها على أغلى ما تملك، وعملت على إكثارها من دون انقطاع. ولكن أين؟

تسمى المناطق الجغرافية الصالحة لزراعة نخيل التمر بـ “حزام النخيل”. ويمتد هذا الحزام من باكستان شرقاً ثم إيران والجزيرة العربية برمتها فالأردن وساحل بلاد الشام والساحل الإفريقي كله وصولاً إلى موريتانيا غرباً، ويضاف إلى هذه الخريطة السودان والصومال جنوباً.

وبسبب القيمة الغالية لهذه الشجرة، توسعت رقعة حزام النخيل في القرن العشرين الميلادي. إذ بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بزراعته قبل خمسين سنة تقريباً. ونجحت في جعله منتجاً زراعياً مجدياً. كما أن ناميبيا مددت هذا الحزام جنوباً عندما أدخلت إليها زراعة نخيل التمر منذ عام 1995م.

نخيل اليوم
في العالم اليوم أكثر من 104 ملايين نخلة، تنتج ما يزيد على 2.7 مليون طن من التمور المختلفة سنوياً، وهو رقم يؤكد الأهمية البالغة لهذه الشجرة على صعيد المسألة الغذائية في العالم بأسره.

بقي أن نشير إلى أن أكبر غابات النخل وواحاته في العالم وأجود أنواعه لا تزال حيث ازدهرت زراعته منذ آلاف السنين: في العراق حيث يبلغ عددها أكثر من ثلاثين مليون نخلة يتركز العدد الأكبر منها في شط العرب. وتحتل المملكة العربيّة السعودية المرتبة الثانية عالمياً بفضل 23 مليون نخله تتوزع على مناطقها الشرقية والوسطى والغربيّة. ولكن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة الإنتاج، فبسبب الاضطرابات التي عرفها العراق تدنى فيه مستوى الإنتاج في السنوات الأخيرة لتحتل المملكة المرتبة الأولى عالميا ًبإنتاج يصل إلى نحو 850 ألف طن سنوياً. واقتصار المنافسة على المراكز الأولى زراعة وإنتاجاً ما بين المملكة والعراق، يؤكد أن النخلة كانت ولا تزال شجرة عربية الهوية. يتأكد ذلك من اعتزازنا بها، وإحلال صورتها على نقودنا الحديثة. تماماً كما كانت على العملات الفينيقية والإغريقية في غابر الأزمان.

جدران وأعمدة
وزخارف السعفة الذهبيّة
مثلما كانت النخلة من مواد البناء بجذعها وسعفها، كانت أيضاً ذات حضور جمالي من خلال الزخرف المستوحى منها ليزين هذا البناء. فللنخلة شكل فريد في أناقته يقوم على بساطة التكوين وتجرده شبه الهندسي المتمثل في جذع اسطواني طويل يحمل في رأسه كتلة شبه كروية من السعف. وعندما نضيف التكرار الذي نلحظه في العناصر التي تؤلف كل سعفة على حدة وتلك التي تغطي جذع النخلة أيضاً، نعرف مدى قابلية هذه الشجرة لأن تكون نبعاً لا ينضب لفن الزخرفة، هذا الفن الذي يقوم عموماً على قابلية عنصر واحد للتكرار كي يغطي مساحة كبيرة.

تراوحت الزخارف النخلية في فن العمارة بين رسم كامل الشجرة أو أجزاء منها، لا سيما السعف ذات الانحناءة الطبيعية التي تجمع الليونة والانسياب إلى الانضباط الذي يعبر عنه إيقاع الورق الذي يشكلها.

وانتشرت الزخارف النخلية بطبيعة الحال في المناطق الغنية بزراعة النخيل. ففي مصر الفرعونية جاورت السعف أزهار اللوتس في تيجان الأعمدة الحجرية الضخمة التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا في الأقصر. بعضها حافظ في زخرفته على الخوص، وبعضها تحول إلى شكل هندسي شبه مجرد من كل شيء ما عدا انحناءة طرف السعفة إلى الخارج.

أما في المباني النجدية فغالباً ما نجد النخل مرسوماً أو منحوتاً بالكامل على الأبواب الخشبية التقليدية، وأحياناً يتكرر الرسم الواحد للنخلة الكاملة عدة مرات. وفي البيوت النجدية الطينية نجد المثلثات المتكررة على سبيل المثال تحتذي في تراكمها شكل النخلة. إذ تستند العناصر الزخرفية المعمارية إلى تفاصيل النخلة بصورة غير مباشرة، في نقوش الجدران والواجهات والأركان والأبواب وحتى الأثاث.

وفي العمارة الإسلامية يلاحظ أن الأعمدة المزخرفة الموزعة على امتداد المباني، تحمل تيجاناً مزخرفة، فتبدو مجتمعة كغابة نخيل.

واللافت أن العرب هم وحدهم الذين لم يكتفوا بزخرفة التيجان، بل غالباً ما عمدوا إلى زخرفة الأعمدة نفسها بأشكال هندسية متكررة. ألا يمكن رد ذلك إلى استيحاء الكَرَب المتداخل على جذوع النخيل؟ وأكثر من ذلك، يجد بعض المهتمين بعلم الجمال، صلة قربى متينة بين شكل النخلة ككل، ومبدأ البناء القائم على أعمدة تحمل في أعلاها أقواساً وعقوداً وقباباً، وهو نمط بناء نشأ على ساحل المتوسط وبقي محصوراً فيه لقرون طويلة، قبل أن يعم العالم بأسره في القرون الخمسة الأخيرة.

جنة من نخيل
في القرآن الكريم 23 موضعاً كانت النخلة جزءاً من مضامينها، أو إشارة من إشاراتها. ويرى بعض المفسّرين أن الآية (24) من سورة إبراهيم ‭}‬أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء| كانت تشير، في هذا التشبيه، إلى النخلة.
وقد تعددت الصور التي برزت فيها النخلة. فقد وصفت سورة الرحمن الأرض: ‭}‬فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ|، ثم وصفت الجنة: ‭}‬فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ| (الآيتان: (11 و 68).
ووردت صفة الجنة مقترنة بوجود النخل في العديد من الآيات، كما في الآية (4) من سورة الرعد: ‭}‬وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ|.

وتضمّنت الآيات القرآنية صوراً جمالية لوجود النخيل والزروع. كما في الآية (10) من سورة (ق): ‭}‬وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ|. وشدّد القرآن الكريم على الجانب الغذائي في النخيل وثمارها، وهذا ما تكشف عنه بوضوح قصة السيّدة مريم (عليها السلام): ‭}‬فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا| (سورة مريم).

ووُجدت النخلة في النار، أيضاً، من خلال تشبيه قرآني صوّرته سورة المرسلات (آية 32)، ‭}‬إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ|، وقد وردت القَصَر – بتحريك الصاد – في إحدى القراءات، وقَصَر النخل هو ما غلُظ من أسفله. وفي تشبيه آخر كانت النخلة جزءاً من صور تشير إلى الموت والفناء مثلما عبرت عنها سورة القمر في قوله تعالى: ‭}‬إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ|. ويرتسم مشهد الخواء والموت في صورة أخرى من سورة الحاقة: ‭}‬وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ|.
وفي قصة فرعون جاء على لسانه متوعداً السحرة الذين آمنوا بدين موسى عليه السلام: ‭}‬فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى|، طه آية (71).

الغذاء.. الدواء
أُعجب الإنسان بالطعم السكّري اللذيذ في ثمار النخيل، وأحب ألوان أصنافها. وتناولها بِسْراً ورُطَباً وتمراً. وقد لا يكون الإنسان القديم قد عرف بشكل علميٍّ قدرة السكريات المركّزة في التمر على مقاومة البكتريا، ولكنه ـ بالتأكيد ـ لاحظ أن التمر يحفظ نفسه بنفسه من التلف إذا حظي بظروف تخزين بسيطة، فاعتاد على تخزينه ليتناوله طيلة العام.

وفرة الرطب والتمر فاقت حصرهما في غذاءٍ أوليٍّ بهذين الشكلين، ففتّق الإنسان القديم حيله لتنويع منتجات ثمار النخيل. وكان “السَّـلُوق” أحد الأشكال الثانوية من الثمار، وهو يُعدُّ من خلال سلق البِـسر ونشره في الشمس وتعليبه. ويبقى السلوق صالحاً للأكل حتى بعد عام، معتمداً على جفافه وتركيز سكّرياته. الدِّبْس (أو عسل التمر) مُنتجٌ ثانوي آخر أمّنته وفرة التمر. ويتم استخلاصه من أصناف خاصة. كما عرف الإنسان، أيضاً، كيف يستخرج الخلّ، والشاي والقهوة من التمر..!

ولكن هل انحصر المأكول من النخلة في الرطب والتمر ومشتقاتهما..؟

المدهش هو أن النخلة لم تكن سخية بعطاء ثمارها فحسب؛ بل إن سخاءها امتدّ إلى آخر لحظة من حياتها. فحين تسقط النخلة، أو تُسقط، لسبب من الأسباب يعمد المزارعون إلى استخراج “جُـمّارها” فيأكلونه. وتُعرف هذه العملية في منطقة الخليج العربي بـ “التجذيب”، والجُمّار المأكول يُسمّى “الجذَبْ”.

في المطبخ.. والمصنع.. والمختبر..!
وقد دخلت ثمار النخيل المطبخ العربيّ منذ القدم، فوفرت عدداً من مقادير الأطعمة للمرأة العربية التي ابتكرت وطورت العديد من الوجبات التي يدخل التمر أوالدبس في إعدادها. مثل: “الممروس”، و “عصيدة الدبس”، و “العفـُّوسة” و “اللُّـقيمات”، و “المعمول” و “الكُـلَيجهْ”، و”الدليكة”، والخبز الأصفر، وغيرها من الوجبات.

وفي العصر الحديث يؤمّن التمر موادّ أولية للعديد من الصناعات الغذائية، كالسكر السائل، والحلويات والمعجنات، وصناعة الألبان، وصناعة التخليل، وزيوت النوى، وأغذية الأطفال، فضلاً عن الأعلاف الحيوانية. وتطاولت الصناعة الحديثة على الرطب في مرحلة (الخـَلال)؛ ليتم إنتاج ما يُعرف بمسحوق الخلال الذي يعتبر مادة غذائية غنية. كما وجدت المختبرات في التمر ميداناً لاستخراج الكحول الطبي والصناعي. كما تُستخلص منه الأحماض الأمينية، والبروتينات، وعناصر غذائية تدخل في مركبات الأغذية والأدوية.

مادة متكاملة
والفضل يعود، في ذلك، إلى غنى التمر بالعناصر التي جعلت منه مادة غذائية متكاملة تقريباً، وتتركّز السكريات، فيه، بنسب تتراوح ما بين 70 و 75% من المادة الجافة لتؤمّن السكروز والفركتوز والجلوكوز. إلى جانب السكريات هناك قائمة متنوعة من الأحماض الأمينية، والفيتامينات، والبروتينات، والحديد والبوتاسيوم والنحاس والكبريت والمنجنيز والكالسيوم والفسفور والكلورين والماغنسيوم.

هذا الغنى يجعل من التمر مادة دوائية أيضاً. وفقر التمر إلى المواد الدهنية يناسب الساعين إلى النحافة، في حين يحتاجه الذين يعانون فقر الدم لاحتوائه على نسبة عالية من الحديد. ويقوّي الاستمرار في تناوله العظام والأسنان لاحتوائه على الفسفور والكالسيوم. وألياف التمر السليلوزية تساعد على حركة الأمعاء الاستدارية الطبيعية. كما أن التمر يعادل حموضة المعدة بسبب غناه بالأملاح القلوية.

وفائدة التمر للأم ورضيعها واضحة جداً، خاصة في فترة النفاس، فهو منبـّه لحركة الرحم وانقباضاته بعد الولادة، كما أنه مهم لتكوين حليب الرضاعة وتعويض الأم ما ينقصها بسبب الولادة، بفضل احتوائه على الحديد والكالسيوم وفيتامين (أ).

أدوية حبوب اللقاح..!!
واكتسبت حبوب لقاح النخيل سمعة جدية في بعض العلاجات عند الأطباء العرب القدماء وفي العلم الحديث أيضاً. فالأطباء العرب قالوا إنه “يقوّي المعدة ويجففها، ويسكن ثائرة الدم، وينفع المحرورين، وينفع من ضيق النفس، والسعال البلغمي، وإذا أضيف إليه العسل قوي الجسم عامة والعمل الجنسي خاصة”..! ووضعه الرازي إلى جانب الجُمّـار وقال عنهما: “ينفعان المحرورين ويسكنان ثائرة الدم”. وأفتى داوود الأنطاكي في أمر لقاح النخيل فقال: “ينفع إذا صُفّي وخلا عن المرارة من التهاب العطش والحميات، والإسهال والنزيف ونفث الدم”.

وحين دخلت حبوب اللقاح المختبرات الحديثة وُجد أنها تحتوي على 17% من سكر القصب و 22% من البروتين، و54% من الكالسيوم وفيتامينات ج، ب6 والفوسفور والحديد. كما يحتوي على هورمون الآيسترون. أما الطب الحديث فقد وجده في مقدمة المقوّيات للجسم لكثرة المواد الدهنية فيه، كما أن هورمون الآيسترون ينشط المبيض وينظم دورة الطمث، ويساعد على تكوين البويضة.

أصناف التمور
لكل صنف من التمر خصائص تميّزه عن الصنف الآخر، ليس في الحجم والشكل واللون فحسب، بل أيضاً في المذاق والنكهة. فضلاً عن ذلك، فإن هناك أصنافاً من التمور تُحسب جودتها على المنطقة التي تُزرع فيها، بحيث لو تمت زراعة الصنف نفسه في منطقة أخرى لما وصلت الجودة إلى الدرجة التي تصل إليها في المنطقة الأصل.. “عجوة” المدينة تكاد تكون جودتها خاصة بالمدينة المنورة، والـ “زغلول” تمتاز بجودته النخيل المصرية، والـ “زاهدي” العراقي كذلك. تنطبق الظاهرة على “خلاص” الأحساء، و”سكري” القصيم، و”خنيزي” القطيف، وغيرها من الأصناف.

ويقترب عدد أصناف التمور من 500 نوع على مستوى العالم. وفي الوطن العربي هناك أصناف من التمور تُعتبر المفضلة، ومنها: العنبرة، الخضيري، البرني، الصقعي، دقلة نور، الصفري، المنيفي، المكتومي، مبروم، الرزيز، الروثانة، نبوت سيف، نبتة علي، ساري، الغر، الماجي، البكيرات، الحجوب، الشيشي، الحلاّو، البرحي، الصبو… وغيرها وغيرها من الأصناف..

من المهد إلى …
وثّق سترابو لسكان العراق القديم أن النخلة “كانت تجهزهم بجميع حاجاتهم ماعدا الحبوب”. و “جميع حاجاتهم” التي أشار إليها المؤرخ القديم تعني أن النخلة كانت مادة حياة دخلت في العديد من خطوط الإنتاج في المجتمع، في العراق وغير العراق. وهناك تعبير آخر انطبق على علاقة الإنسان العربي بالنخلة هو أنها كانت رفيقته “من المهد إلى اللحد”، حيث أمّنت احتياجاته من المأكل والملبس والمسكن، وشاركته حتى قبره بعد موته..!


.../...


نقوس المهدي, ‏23/6/14
#30
نقوس المهدي
نقوس المهدي
مشرف مختارات
طاقم الإدارة

النخلة

تابع

من المهد إلى …
وثّق سترابو لسكان العراق القديم أن النخلة “كانت تجهزهم بجميع حاجاتهم ماعدا الحبوب”. و “جميع حاجاتهم” التي أشار إليها المؤرخ القديم تعني أن النخلة كانت مادة حياة دخلت في العديد من خطوط الإنتاج في المجتمع، في العراق وغير العراق. وهناك تعبير آخر انطبق على علاقة الإنسان العربي بالنخلة هو أنها كانت رفيقته “من المهد إلى اللحد”، حيث أمّنت احتياجاته من المأكل والملبس والمسكن، وشاركته حتى قبره بعد موته..!

من المهد..!
بعد أن يغفو الرضيع في حجر أمه؛ فإن المكان الملائم لنومه عادةً ما يكون سريراً مصنوعاً من عصيّ السعف. وحين يحتاج إلى طعام غير حليب أمه فإن تمرة ملفوفة في منديل، أو خرقة، على هيئة حلمة قنينة الرضاعة هي أول ما يُلقم به في حال غياب الأم، أو انشغالها.

ينمو الصغير، وتنمو معه احتياجاته، فتوفر له النخلة بيئة صالحة للعب والمرح، فضلاً عن قائمة طويلة من الألعاب التي تحفّز النشاط الحركي والذهني.

قد يختار إحدى ألعاب “الاختباء” و”التنكر”؛ فيوفّر بستان النخيل مواقعَ وفيرة تستوعب جميع مراحل اللعبة. أو يحلم بالفروسية فيعتلي صهوة جريدة ويركض، حاملاً سيفاً من عصا، أو رمحاً من جريدة أخرى، أو قوساً من عرجون قديم..! وكلّ ذلك يُصنع يدوياً وبواسطة الطفل اللاعب نفسه..!

وقد يفضّل “الأرجوحة”، فيوصل نخلتين متجاورتين بحبل مصنوع من ليف النخيل. وقد يتوق إلى لعبة صوتية، فيعمد إلى عرجون أخضر ويقتطع منه قطعة لا تتجاوز طولها 30 سم، ثم يفلقها حتى المنتصف إلى ثلاث شرائح متعادلة، ويثني شريحتين منها. ولم يبق عليه إلا أن يهزها يميناً ويساراً لتصدر أصواتاً رتيبة..!

وقد يطلبُ لعبة أكثر تركيباً، فيصنع عصيين: قصيرة (20 سم) وطويلة (60 – 70 سم)، ويشترك مع آخرين في لعبة يسميها بعض سكان الخليج “قـبّ وقلينْ”. هذه اللعبة تتكون من طرفين متنافسين أحدهما يضرب العصا الصغيرة بالكبيرة لتنطلق بعيداً، وعلى الطرف الآخر تلقفها ومن ثم رميها إلى الطرف الأول، ويجب في هذه الحالة أن تسقط في دائرة الطرف الأول المرسومة سلفاً، فإن لم تسقط؛ فإن الطرف الأول سيلحق بالثاني جهداً جهيداً في الركض وفق حساب خاص..!

الألعاب الطفولية كثيرة، بعضها بسيط، وبعضها مركب. وما يجمع بينها هو أن للنخلة، فيها، عصاً، أو عرجوناً، أو شمروخاً، أو سعفة، أو حتى جذعاً.. وأحياناً تكون النخلة برمتها لعبة، وبالذات في رياضة سباق التسلق..!

وفي “الكتّاب”، أيضاً، بعض أجزاء النخلة حاضرة للتعليم. وفي مرحلة تعلّم القرآن الكريم يحتاج الصغير إلى “خوصة” صلبة ليتتبع كلمات السور بواسطتها بدلاً من استخدام إصبعه، حيث لا يُسمح له بمسّ كلمات المصحف مباشرة، ما لم يكن على طهارة. وحين ينتقل إلى مرحلة تعلّم الكتابة؛ فإن قلمه “شوكة” نخيل يغمسها في حبر من الطين. ودفتره “كرَبة” عريضة..!

الطفل الذي يلعب في أجواء النخلة، ويعاقب بجزء منها، ويتناول إنتاجها، لا تنحصر صلته بها عبر هذه الوسائل الثلاث، فهناك أيضاً المزيد. لا بدّ أنه سيكون فرداً من أسرة تتحلق، في كل وجبة، حول “سفرة” مصنوعة من “خوص”. هذه السفرة جزءٌ من “مفروشات” المنزل المصنوعة من النخيل: فهناك الأسرّة، والكراسي، والحُصُر، و “الخصاف”، وهناك “القفف” و”الزنابيل” و “السلال” لحفظ الأطعمة والأواني والملابس. وفي مطبخ المنزل تحترق مخلفات النخيل وقوداً للطهي والشواء، ويصلح الليف والسعف، أيضاً، للتدفئة في مشهد شتائي تجلس فيه الأسرة حول “سجْرة ضوْ” يتطاير منها الدخان..!

منازل ريفية
وماذا عن المنزل نفسه..؟
البيوت الريفية هي بيوت نخلية خالصة مائة في المائة. وكثيراً ما يكون البيت في زاوية من زوايا البستان، أو وسطه. وتتكون هذه النوعية من البيوت، عادة، من وحدات صغيرة لوظائف محددة:

- 
فهناك سور المنزل القائم على تجاور السعف وتراصه، أو الجريد. وهو يحيط بالمنزل محدّداً مساحته، وموقعه من منازل الجيران.

- 
وهناك العشة: التي تتخذ شكل الكوخ، وتُبنى من “الجذوع” و”السعف” اليابس، و”الجريد”، و”السِمـّة” التي تشبه الحصير في حياكته، لكنها أكبر منه بكثير. وتؤدي العشة وظيفة غرفة النوم، أو مجلس الضيوف، أو حتى مخزن المؤونة.

- 
وهناك العريش: الذي قد يتصل بالعشة، وهو مظلة منزلية تطل على باحة المنزل، وتقوم مقام الصالة، أو مجلس الضيوف، أو مكان تنفيذ الأعمال اليدوية، مثل الحياكة، و “السف”،وغير ذلك. وقد يكون مطبخاً. ولكنه، في الغالب، يُستخدم للنوم في ليالي الصيف القائظة.

- 
وهناك البـَرَسْتَجْ أو البرستي: وهو كوخٌ كبير، يُصنع من جريد النخل، ويُعدّ لأغراض الضيافة، وتجتمع فيه الأسر الكبيرة.

ولا تخلو البيوت الطينية، في القرى والحواضر، من مخلفات النخيل. فهناك الأعمدة والأسقف، على الأقل. ناهيك عن المفروشات وملحقات المنازل، وسراج الإضاءة الذي تُحاط فتيلته بكرة شمعية من التمر..!

خطوط إنتاج متشابكة..!
ومثلما أمّنت النخلة المأكل والمسكن؛ أمّنت الوظائف والحرف والأعمال التجارية، وهذا كله جعل من النخلة سلعة في جميع الاتجاهات. وبما أنها شجرة متطلبة في العناية؛ فقد أوجدت لنفسها عمالة ماهرة تختص بشؤون ريّها وتغذيتها، وتنظيفها، وتلقيحها، وجنْي ثمارها وبيعه، ثم صرام المتبقي منه. وبعد الصرام تحتاج إلى من يعتني بالتمر بنثره في الهواء الطلق أياماً، ثم جمعه، وتعبئته في “قلال”، وتخزينه، ثم أخيراً تسويقه..!

وأوجدت مخلّفات النخلة، أيضاً، حرفيين يقومون بأعمال “إعادة التدوير”؛ فظهر “القفّاصون” الذين يصنعون الأسرّة والكراسي وكُوَش العرائس وأقفاص الطيور وغير ذلك من الصناعات القائمة على العصيّ. وظهر “المُسجّـنون” المهرة المختصون بإعداد الجذوع إعداداً دقيقاً لاستخدامها في أسقف المنازل والقبور والجسور.

وظهر صانعو الحبال، والقفف والزنابيل والسلال والمراوح اليدوية، وغيرهم من خطوط الإنتاج التي أوجدت طبقة من التجار والمسوّقين، والوسطاء، فضلاً عن طبقة المالكين المتصلين بعلاقات عمل متشابكة ومستمرة مع مستأجرين وحرفيين، وكلهم من أبناء المجتمع.

إنها بيئة نخيل مشبعة بالعمل والإنتاج، وما إن يشتدّ عود الصغير، حتى يجد نفسه جزءاً من أسرة كلها تعمل لصالح النخلة بشكل خاص والزراعة بشكل عام، بمن فيها النساء اللاتي ينهضن بمسئوليات المنزل كوظيفة رئيسة تُضاف إليها أعمال إنتاجية أخرى في الحقل وفي البيت. وكثيراً ما توكل إلى المرأة أعمال التي يغلب عليها طابع الحياكة.

وكانت ثروة النخيل تقاس بوحدة مبتكرة من النخلة أيضاً. فالبستان لا تُحدد مساحته بالأمتار أو الياردات، بل بـ “المغارس”. فيقال: “البستان الفلاني فيه 500 مغرس”، أو يقال ينتج “300 قلة من الخلاص، و 150 أخرى من الخنيزي”. وقد انسحبت وحدة المغارس على قياس مساحات المنازل أيضاً، فيقال مساحة البيت الفلاني “تسع مغارس عرضاً، وخمس طولاً”..!

إلى اللحد..!
والمعنى: كل شيء يشير إلى النخلة..!! فعلى مدى العمر هناك نخيل، وهناك أعمال، وهناك احتياجات. وحين يُصاب المرء بجرح ما؛ فإن العلاج الشعبي سينثر رماد “الخوص” على جرحه لإيقاف النزيف وتعجيل الشفاء. وقد يُلزم بنثر نشارة تُستخرج من عصا منخورة..! وفي حال تعرضه لكسر أو رضٍّ؛ فإن التمر المعجون بالزبدة الساخنة سيكون مرهماً مسكّناً لألامه، وهو الدواء نفسه الذي سيستخدمه الذي يعاني من آلام المفاصل..!

وقد يكون من المبالغة أن نقول: إنه سيحتاج إلى عصا يتوكأ عليها حين يشيخ، فعصيّ النخيل ليست نموذجاً جيداً لهذه المهمة.. ولكن، بالتأكيد، ستكون النخلة إلى جانبه بعد أن يتوفّاه الله. ففي بعض مناطق الخليج، يُلفّ الميْت في حصيرٍ بعد تكفينه، أثناء حمله على النعش إلى قبره. وبعد أن يُسجّى الميت في القبر يُسقف بفلقٍ من جذوع النخل، ثم يُفرش عليها الحصير الذي لُفّ فيه، ثم يُهال عليه التراب، ويوضع، عند رأسه وقدميه، جذوع تقوم مقام الشاهد على قبره..!

نشأتِ بأرض.. الشعر
ليس غريباً أن تملاً النخلة نصوص الشاعر العربيّ بعد أن ملأت حياته، ودخلت في ثقافة يومه، وتغلغلت في وعيه. وفضلاً عن الوصفيات التي اعتنى بها الشعراء العرب في شأن النخلة، والحديث عنها؛ فإن قيمتها في الشعر القديم، تميزت بالتفرد والخصوصية.

لقد كان الشاعر العربيّ يستعير من ثقافته الخاصة بالنخل صورة أو مشهداً أو حالة، ويشبه بها ما يريد ومن يريد.

وإذا كان امرؤ القيس، وهو أهم الشعراء الجاهليين، قد شبه شعر حبيبته بفرع النخلة المتداخل؛ فإن غيره ذهب إلى ما هو أبعد.. يقول امرؤ القيس:
وفرع يزين المتن أسود فاحم
أثيث كقنو النخلة المتعثكلِ

كانت النخلة صنو الإنسان العربيّ والصورة المقابلة له في الطبيعة، وهذا ما نلمسه في شعر عبدالرحمن الداخل (صقر قريش) الذي وجد في نخلة غريبة في بلاد الأندلس شبيهاً له في الغربة والنأي عن الأهل، حيث قال:
تبدّت لنا بين الرصافة نخلة = تناءت بأرض الغرب عن بلد النخلِ
فقلت: شبيهي في التغرب والنوى = وطول التنائي عن بنيّ وعن أهلـي
نشأتِ بأرض أنت فيها غريبةٌ = فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي

تشابه وتناظر
وصور التشابه بين ما يراه الإنسان في حياته وتجاربه ومشاعره وبين النخلة وثمارها وأجزائها قد انعكس في الصورة الشعرية منذ القدم. والحطيئة، هذا الهجّاء المشهور، وجد في حلاوة التمر جزئية من جزئيات الصورة حين أراد المدح فقال:
وأحلى من التمر الجنيّ وعنده = بسالة نفس إن أريد بسالها

أما ابن الروميّ فقد التفت إلى ما تمثله النخلة من عطاء وكرم، وإلى ما تبدو عليه من علوّ وشموخ، فمزج هاتين السمتين في مدح إحدى شخصيات شعره:
سما فوق من يسمو وجاد بسيبه = فزايل والمعروف منه مخالطُ
هو النخلة الطولى أبت أن تنالها = يدان ولكنْ ينْعها متساقطُ

ولدى دعبل الخزاعيّ صورة مأساوية لنكبة البرامكة عبّر عنها مستفيداً من النخلة، كقيمة من القيم، إنه يقول:
ألم تر صرف الدهر في آل برمكٍ = وفي ابن نهيكٍ والقرون التي تخلو
لقد غرسوا غرس النخيل تمكّنا = وما حصدوا إلا كما حُصد البقلُ

وفي معنى مشابه يقول الأبيوردي:
وأطمعْتَ في أعراضنا كلّ كاشحٍ = يجرّعه الغيظ السمام المثمّلا
وراءك إني لست أغرس نخلةً = لأجنيَ منها حين تثمر حنظلا

وجاء الفرزدق بمعنى قريب من هذا كثيراً، حين عاتب فقال:
فهل أنت إلا نخلة غير أنني = أراها لغيري ظلّها وصرامُها

وفي بعض تفاصيل تكوين النخلة ما أغرى الشعراء بالاستخدام، مثل إحاطة الليف والسعف برأس النخلة، يقول النابغة الشيباني في وصف معركة:
وقد أحاطت بها أبطال ذي لجب = كما أحاط برأس النخلة الليفُ

ويقول، أيضاً، مادحاً وهاجياً:
ألست أبينَ منهم غير أنهمُ = هم اللئام إذا ما استشرفوا عرفوا
وقد تكنّفهم لؤمٌ أحاط بهم = كما أحاط برأس النخلة السعفُ

واهتم شاعر آخر هو العشاري بمشهد الطول في النخيل، لكنه ـ حين يصف ممدوحيه ـ فإن ينعطف نحو معنى آخر.. يقول:
بواسقُ جادت بالثمار فأينعت = ثمار الهدى والعلم والفضل لا التمرِ

أما الصنوبري؛ فيقارن بين “التمر” و “الحشَف” اللذين تنتجهما النخلة، وهي مقارنة بين الجيد والرديء، حيث يقول:
تصفو خلائق أيام الزمان بكمْ = إذ الخلائق فيها التمرُ والحشفُ

حكم ومفاخر
وظهرت الحكمة والفخر في الشعر عبر النخلة، إذ يقول ابن رشيق القيرواني:
وطالب حاجة بعيداً = منالها من يدي مرامِهْ
عرّض بالاقتضاء فيها = وما انقضى منتهى كلامِهْ
كغارسٍ في الثرى نواةً = ليأكل التمر في مقامِهْ

ويقول صفي الدين الحلي:
لديّ تصحّ ثمار الوفاء = لصبريَ عند انقلاب الهوى
وينبت عندي نخيل الوداد = لأنك عندي دفنت النوى

ويقول أبو العلاء المعري:
كم غُرست نخلة بأرض = فلم يقدرْ لها بسوقْ
لا يفرحنْ بالحياة غرٌّ = فإنها مَهلكاً تسوق

المعري استخدم المثل العربي الشهير في موضوع التمر “كجالب التمر إلى هجر”، فقال:
ومن أهمّ بظلم فهو عندهمُ = كجالب التمر مغترّاً إلى هجـَرِ

الشاعر الحديث
ومثلما استلهم الشاعر العربي القديم من النخلة العديد من الصور والإيحاءات، فإن الشاعر في العصر الحديث حاول تقليده أيضاً، فكتب الوصف والحكمة والمدح والهجاء، وسائر الموضوعات الشعرية مستخدماً إيحاءات وإشارات النخلة. لكن وجود النخلة في الشعر الحديث اشبه ما يكون بانفجار رمزي لا يمكن احتواء مداليله بسهولة وتصنيف إشاراته.. ولذلك سنقتصر على نماذج يسيرة ذات إشارات جمالية من الشعر الحديث..

أما الرصافي فيستلهم من ثقافته الريفية ما يناسب مضامينه، وفي هذا السياق يقول:
إذا النخلة العيطاء أصبح طلعها = ضعيفاً فليس اللوم عندي على الطلع
ولكن على الجذع الذي هو نابتٌ = بمنبت سوء فالنقيصة في الجذع

أما عبدالرزاق عبدالوحد فيؤاخي نخيل بغداد:
كبير على بغداد أني أعافها = وأني على أمني لديها أخافها
كبير عليها بعد ما شاب مفرقي = وجفت عروق القلب حتى شغافها
تتبعت للسبعين شطآن نهرها = وأمواجه في الليل كيف ارتجافها
وآخيت فيها النخل طلعاً فمُبْسراً = إلى التمر والأغذاق زاهٍ قطافها

انقلبت الصورة في موضوع النخيل، في الشعر العربي الحديث، ولم تعد وصفية حسية، بل تطورت إلى رمز يشير بإيحاءاته إلى العديد من المضامين الشعرية.. إنها أحياناً وطنٌ، وأحياناً أخرى حياة، وغير هذا وذاك من الإشارات الرمزية.. يقول مظفر النوّاب:
فقد كنت عند نخيل العراق
وإن كان حلماً
وكان العراق على مهره عارياً
مثلما ولدته السماءْ
وكان على عتبات العراق الفضاء
وبين ضلوعي فضاء به نجمة
لست أدري بماذا تُضاء..!

أما الشاعر السعودي محمد الثبيتي؛ فإنه يؤنسن النخيل في صورة شعرية مدهشة:
يوشك الماء أن يتخثر في رئة النهر:
هذا التراب يمزق وجهي
وهذا النخيل يمدّ إليّ يدهْ
يوشك النهر أن يتقيأ أجوبة الماء
من قال إن النهار له ضفتان
وأن الرمال لها أوردهْ

النخيل في المكتبة
اهتم العربُ بالتأليف في موضوعات النخيل ومنتجاتها. وهذا الاهتمام يُردّ إلى كون النخلة مادة اقتصادية رئيسة، وهو ما أهّلها لأن تصنع، في المجتمع العربي، ثقافة اقتصادية اعترف بها أدباء ولغويون منذ القدم. وأبو عمرو الشيباني ربما سبق غيره حين وضع كتاباً في النخلة. ثم تبعه الأصمعي بكتاب مماثل، وانضمّ إليهما ابن الأعرابي عبر كتاب (صفة النخل)، ثم أبو حاتم السجستاني، والزبير بن بكّار، وأمية المدني، وغيرهم. وفي العصر الحديث تعدّدت المصنفات المعنية بالنخيل ومنتجاتها، وأغلب ما ألّف حديثاً يندرج ضمن الأبحاث العلمية، والدراسات الاقتصادية، أو الأعمال التوثيقية.

كتاب النخل
وضعه أبو حاتم سهل بن عثمان السجستاني

معجم النخيل
تأليف عبدالهادي الفكيكي. صدر في بيروت عام 1998م، في 121 صفحة.

النخيل والتمور وآفاتهما
يقع في 576 صفحة تأليف الدكتور علي عبدالحسين. صدر عام 1985م.

النخيل وأشباه النخيل
يقع في 340 صفحة، تأليف مصطفى بدر.

النخيل في المملكة العربية السعودية
صدر عن كلية الزراعة بجامعة الملك فيصل.

نخيل المنطقة الشرقية
يقع في 238 صفحة من القطع الكبير، تأليف الدكتور جاسم الأنصاري.

سوسة النخيل الحمراء
صدر عن وزارة الزراعة السعودية عام 1423هـ/2002م، ويقع في 174 صفحة ملونة.

نخيل التمر في الإنترنت
إصدار صغير في 20 صفحة أصدرته جامعة الملك سعود، ضمن مطبوعات اللقاء الدولي لنخيل التمر الذي نظمته في القصيم قبل شهرين.

———————-

واحات النخيل.. حيوية الحياة..!

مثلما كان العرب لا يقبلون وصف بستان بـ “الجنة” ما لم يكن النخل أحد أهم مزروعاته؛ فإن الواحة لا تكون واحة ما لم يعلُ النخل أفقها..! تلك هي الصورة التي تصنعها شجرة النخيل السامقة. فالواحة أرض خصبة حية معطاءة وهي في قلب الصحراء.
وفي البلاد العربية الواحات هي ملاذ التائهين في الرمال، إنها الأمل في إحساس أي مغامر تلفظه المخاطرة إلى فضاء الجفاف. وكأن تناثر الواحات في الصحراء كان أشبه بمحطات سفر طبيعية غنية بالماء والثمر والحياة.
وإذا كانت الزراعة هي أم الحضارات؛ فإن الواحة جسدت هذه الحقيقة؛ فحين تنبت نخلات في بقعة ما؛ فإن الحضارة تنمو معها بدءاً من الزراعة وانتهاءً بالصناعات. وربما هذا ما حدث مع الفينيقيين الذين بدأوا بالنخيل، ومع تدمر في الشام، ومع غيرها من بلاد العرب القديمة.
واحة الأحساء هي أكبر واحة نخيل عربية، إنها مساحات هائلة من النخيل، ويربو عدد نخيلها على ثلاثة ملايين، وهي مترامية الأطراف تحيط بها الرمال من جهاتها الأربع، وكأنها ـ بهذا التكوين الطبيعي ـ قد صنعتْ حضناً للحياة وسط الموت الصحراوي القاحل.
وفي الشمال الإفريقي تتوزع واحات النخيل، صانعة نقاط عبور بين الشرق العربي وغربه، ومؤكدة على أن الحياة توجد لنفسها أسباباً، وتكون النخيل أكثر العلامات وضوحاً على حيوية الحياة.

———————————

شعار المملكة العربية السعودية
اختارت المملكة العربية السعودية النخلة بين سيفين في تصميم شعارها الوطني، منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- وترمز النخلة، في الشعار السعودي، إلى الخير والنماء في حين يرمز السيفان إلى القوة والمنعة.
وتتميز المملكة بوجود النخلة في جميع مناطقها الإدارية، كما أن إنتاجها يمثّل قيمة عربية، حيث يعتبر التمر أول طعام الضيف، وعادة ما تكون القهوة رديفاً لهذا الكرم.

وحتى ما قبل اكتشاف النفط كانت التمور أهم منتج اقتصادي إبان نشأة الدولة السعودية وتوحيدها، وبعدما تدفق النفط وشملت خيراته جميع جوانب التنمية؛ احتفظت المملكة بالنخلة في شعارها وأكّدت احترام هذه الشجرة المباركة.

وقد اختارت الكثير من المؤسسات الحكومية النخلة في شعارها أيضاً، كالخطوط الجوية العربية السعوية، وجامعة الملك سعود، وغيرهما من مؤسسات الدولة.

——————————–

شاي النخيل.. قهوة التمر..!!
يُعدّ شاي النخيل من قطع من أغلفة اللقاح، حيث تُغلى القطع بالماء، وحين يتحول لونه إلى البنيّ المائل للحمرة يُضاف إليه السكر، ويُحتسى كما يُحتسى الشاي العادي.

وفي مملكة البحرين لا تزال صناعة ماء “القروف” مستمرة، وهي عملية استخلاص عصارة غلاف اللقاح عن طريق التبخير. وتحتفظ هذه العصارة بنكهة عَطِرة تُضاف إلى الشاي العادي، أو حتى إلى ماء الشرب، كما يُعدّ منه عصير لذيذ، يشبه عصير الهيل المغلي المحلّى.

أما قهوة التمر فتُعدّ من نوى التمر الغني بالأحماض بعد غسله وتجفيفه في الشمس، ثم حمسه وطحنه، كما تُحمّس وتُطحن القهوة. ويتم إعدادها، تماماً، كطريقة إعداد القهوة العربية، وقد يُضاف إليها الهيل من أجل النكهة.

—————————-

أول الإفطار تمر..!
لا تخلو مائدة رمضانية عربية من وجبات يكون التمر، أو أحد مشتقاته، ضمن مكوّناتها الرئيسة.وقد أكد العلم الحديث أهمية وجود التمر في مائدة الإفطار. ففي نهاية الصوم يهبط مستوى تركيز الجلوكوز والأنسولين من دم الوريد البابي الكبدي، وهذا بدوره يضطر الجسم إلى تعويض الناقص عن طريق خلايا الكبد والأنسجة الطرفية كخلايا العضلات، وخلايا الأعصاب.

لذلك فإمداد الجسم السريع بالجلوكوز في هذا الوقت – عبر التمر مثلاً – له فوائد كثيرة؛ إذ يرتفع تركيزه بسرعة في دم الوريد البابي الكبدي فور امتصاصه، ويدخل إلى خلايا الكبد أولاً ثم خلايا المخ، والدم، والجهاز العصبي والعضلي، وجميع الأنسجة الأخرى المهيأة لتكون السكريات غذاءها الأمثل والأيْسَر للحصول على الطاقة. وبذلك يتوقف تأكسد الأحماض الدهنية، وتزول أعراض الضعف العام والاضطراب البسيط في الجهاز العصبي، لتأكسد كميات كبيرة من الدهون، كما يُوقف تناول الجلوكوز عملية تصنيع الجلوكوز في الكبد، فيتوقف هدم الأحماض الأمينية وبالتالي يحفظ بروتين الجسم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...