[SIZE=22px]كان جليا أنَّ تعلقه بها كان تعلقا ملحوظا ، أحبها وأخلص لها ، وتعاهدا منذ الصغر على ألا يكون كل منهما لغير صاحبه ، وعاشا أيام الطفولة والصبا والشباب على حد وصفه " أحلى أيام العمر " وفجأة يتخذ قراراً مباغتاً خطيرا ً، الانسحاب التام بغير رجعة ، والابتعاد نهائياً إلى الأبد .[/SIZE]
ورغم انقضاء ما يربو على عشر سنوات على فراقهما ، إلا أنه لم يزل يبثها على الورق أحاسيس قلبه ، يناجيها ، يحادثها ، يحاورها ، يشكو لها ، يأنس بها .
وعبَّر عن كل هذا وذاك بعبارات رقيقات ، وكلمات متناسقات ، ومعانٍ راقية جميلة ، يبهرك سحرها وجمال تركيبها وحلو عبيرها ، وتخال نفسك إنْ استحضرت معانيها كأنك تحلق فوق السحاب .
كانت إحدى قضايا الفكر ، توصلت فيها تحريات الشرطة إلى أن ذلك المتهم ينتمى إلى جماعة تدعو إلى أفعال تمس أمن الدولة ، وأنه يعتنق فكرها ويروج له ، فصدر أمر بضبطه وبتفتيشه شخصا ومسكنا لضبط ما يحوز أو يحرز من أشياء تتعلق بالجريمة .
وجىء به وبدليل جرمه إلى ساحة الاتهام ، لقد عثروا بمسكنه على أشياء كثيرة ، كتب ، منشورات ، أشرطة سمعية وبصرية ، مجلات ، مذكرات .. إلخ .
وما أن وقعَت عينى على تلك المذكرات ، حتى نحيت ما عداها من أحراز أخرى ، وانتزعتها من بينها انتزاعاً كى أبدأ بها الاطلاع ، لقد أعطى لها المتهم عنوانا لافتاً يثير الفضول " أحلى أيام العمر " !
وشغلنى العنوان ، تُرى ما هى هذه الأيام الحلوة ، وهل فى حياة هذا المتهم أيام بهذا الوصف وقد حرَّض على القتل والتخريب والتفريق وتدمير الممتلكات بل والعقول على نحو ما ورد بمحضر تحريات أمن الدولة ؟
ولم يكن العنوان وحده هو مرد هذا الاهتمام أو سبب للبدء بها قبل غيرها من المضبوطات الأخرى ، وإنما ذلك الفضول المهنى الذى طالما يدفعنا نحن المحققين إلى الغوص فى نفوس البشر والبحث عما يجول فيها وفى خواطرهم من انفعالات وطموحات أو ترسبات قد يكون لها أثر فى الكشف عن الحقيقة ، وهل من شىء أسرع فى البوح عن مكنونات النفس من مذكرات أو ذكريات صاحبها .
وبهرنى الأسلوب وراقت لى سلاسته ، وسرعان ما توغلتُ فى الصفحات ، إنها تحكى تاريخاً عاطفياً جميلاً ، وبدايات حالمة لقصة حب عذرى لم تكتمل فصولها ، فيها نبضات قلب ، وخلجات نفس ، وإقرار بحقائق فى لحظة سمو روحانى جميل ، وتعبير عن أسمى مشاعر الحب وأرقى معانيه ، ومثل رائع على أبهى آيات الإيثار وإنكار الذات ، وفى ذات الوقت فقد انطوت على ما يقطع بصحة ذلك الاتهام فى جانبه .
ولم يكن توغلى فيها بهذه السرعة لتقصى الدليل فحسب ، وإنما لاستقصاء دخيلة نفسه ، وما يحويه قلبه من كل هذه المتناقضات .
قال يناجيها :
- سأكتب إليك كل يوم ها هنا ، دون أدنى شك فى أن تصلك هذه السطور أو حتى تقع بين يديك مصادفة ، ولكنه العهد الذى قطعته على نفسى ألا أبتعد عنك يوما ، وها أنا أفى بالعهد ، فلا نوم يأتينى ما لم أكتب إليك هكذا فى كل ليلة ، أحكى ما حدث لى فى يومى ، وما أفكر فيه ، وما يشغلنى ، وأراك بجانبى تُصغين إلىَّ ، تهدئين من روعى ، تلوميننى ، ثم تبكين لخيبتى وضياعى .
ورحتُ أنتقل من صفحة إلى أخرى وكأنى دون أن أدرى أبحث عن أسباب ذلك القرار الخطير ، لماذا بعد كل هذا الحب قرر أن يبتعد عنها تماما وإلى الأبد .
وسعَت إلىَّ الإجابة فى غير عناء ، فقد وجدته فى صفحات تاليات يقول لها :
- لقد أحببتك بحق ، ولم يزل قلبى ينبض بحبك رغم البعاد وطول السنين ، واعلمى أنى حين انسحبتُ من ساحة هذا الحب عامداً لم أكن خائناً أو كذاباً ، ولكن لأنى أردتُ لك الحياة ، وستعلمين ذلك يوما ما ، ليس من خلال هذه السطور ، ولكن ربما من بعض الصحف أو الإذاعات ، فإننا نتساقط فى كل يوم كأوراق التوت فى الخريف ، وكيف لا والباطل لابد زائل لا محالة .
ولم يكن قرارى هذا بالأمر الهين أو اليسير ، بل كان كطعنة خنجر مسموم بين الضلوع ، وجعلنى كملاح تائه فى بحر من الضباب ، وإنى لأذكر حيرتك فى آخر لقاء كأنه رغم انقضاء كل هذه السنين بالأمس القريب ، ولعلك قد لمحتِ فى عينى هذا العذاب حين ألححتِ يومها فى السؤال " ما بكَ ، أراكَ مهموماً مكدودا ، شارداً حزينا " وشعرتُ ساعتها بقلبك وهو يعتصر ألماً ، ولكنى أشفقتُ عليك فلم أستطع أن أقول لك الحقيقة حتى لا تُفجعى فى تقديرك ولا تحزنى لسوء اختيارك .
ثم بلغ فى صفاء النفس مع الحبيبة ذروته فاستمر يقول :
- لقد انزلقَت قدماى وهويتُ فى هُوة سحيقة مظلمة ، وكانت بدايات هذا الضياع دون أن تدرى - أنت - فى سنى حياتى الجامعية الأولى ، نفذوا إلى عقولنا ، سمموا أفكارنا ، أوهمونا أن الأرض فسدت ، وأن الناس فسدوا ، والأمهات فسدن ، والآباء ضلوا ، وصرنا فى أيديهم كالدمى يحركونها كيف شاءوا وأنى شاءوا ، وبعد هذه الورطة لم يكن هناك مفر من الاستمرار ، فقد جعلوا من أنفسهم خصوما وحكاما ، فقلوبهم قاسية ، وعقولهم جامدة ، وفظاعتهم عاتية ، وأنيابهم مسممة ، وانتقامهم جبار ، ولم أفِق إلى هذه الحقيقة إلا بعد أن تلطخت يداى بالدماء ، فقد اشتركتُ فى القتل والحرق والتدمير والخراب ، قُتل أبرياء ، ويُتمت أطفال ، وترملت نساء ، وحُطمت ممتلكات ، أما كيف كان ذلك ولماذا ، فليس هذا موضوعنا الآن ، ومن هنا كان القرار ، قرارى الذى اتخذته قانعا مختارا فى أول لحظة صدق مع نفسى " لم أعد أصلح لحبيبتى " إنها حالمة ، رقيقة طيبة ، أما أنا فأجوف وجاف ، وقبيح وإمعة ، أتدرين حبيبتى لماذا تركتك ، لأنى أردتُ لك الحياة .
تلك كانت خلاصة مشاعره ، أحسستُ بها ، تفاعلتُ معها ، تذوقتها بعقلى وفكرى ومشاعرى ، ويبدو أنها صادقة ، لأنها تصل إلى القلوب صادقة ، لم أنقلها حرفيا من مذكراته ولا ينبغى لى ، وإنما ما خططتُ كان هو ذلك المعنى تقريبا ، وراحت تعتمل بداخلى حتى وجدتها تندفع اندفاعاً إلى الورق لأسجلها فى يومياتى .
ورُحتُ أسائل نفسى ، هل من حقى أن أسجل فى يومياتى خلاصة ما قرأتُ ، وهل لى العذر فى أن أنشرها على الملأ ، ولكنى فى النهاية وجدتُ أن التعبير الصادق عن المشاعر الراقية ، وكلمة الحب الصادقة ليس حكرا على صاحبها متى قالها ، وأن من حق من يتذوقها أن يتأملها ويستمتع بمعانيها فهى ملك لكل الناس طالما أنها لن تجرح أحداً أو تنال من خصوصية صاحبها .
أما هى فلم تنبئ الأوراق عما آلت إليه أحوالها ، ولم يشأ حتى أن يذكر اسمها أو ثمة تفاصيل عنها ، ربما أحجم عن ذلك عامداً حرصاً عليها.
ولكن تُرى كيف تعاملَت هى مع واقعة انسحابه بهذا الشكل الغامض المفاجئ من حياتها ، هل اعتبرته خائناً أو رفيق سفر تخلى عنها وسط الطريق ، فغضَّت الطرف عن كل ما كان ، ومن ثم لم تعره اهتماما ، أم أن قلبها حدثها بغير ذلك وكان لها موقفاً آخر ، وهل صدَق حدْس هذا الشاب ، هل من الممكن أن تقرأ حبيبته هذه اليوميات يوما ما مصادفة كما قال لها ، وهل إذا قرأتها ستجد نفسها فيها ، وهل ستعرف أنه هو حبيبها ، من المؤكد أن حسها الصافى وحبها الصادق سيهديانها إلى كل ذلك .
وهكذا اختلطت ترانيم الحب بالإقرار بالجرم ، وأحسستُ بالصدق فى كل ما قال ، حبه وجُرمه ، ناره ونوره !
وطرَحت حكايته أمامى كماً هائلاً من علامات الاستفهام والاستغراب ، أيمكن أن يصل الصدق فى الحب إلى حدِّ الإقرار بالجرم ، وهل يسع القلب المتناقضات ، أيكون مستودعاً للظلمة وطلقات الرصاص ، وفى ذات الوقت سراجاً يومض بالنور ، هل يمكن أن يحوى قواعد لصواريخ ٍ من الشر ، وإلى جوارها غرفٌ متجاورات من دفءٍ ووجدٍ وهيام وحنين ، أبركان نار وطاقة نور ؟!
بهاء المرى
الإسكندرية فى يناير 1995 .
www.facebook.com
ورغم انقضاء ما يربو على عشر سنوات على فراقهما ، إلا أنه لم يزل يبثها على الورق أحاسيس قلبه ، يناجيها ، يحادثها ، يحاورها ، يشكو لها ، يأنس بها .
وعبَّر عن كل هذا وذاك بعبارات رقيقات ، وكلمات متناسقات ، ومعانٍ راقية جميلة ، يبهرك سحرها وجمال تركيبها وحلو عبيرها ، وتخال نفسك إنْ استحضرت معانيها كأنك تحلق فوق السحاب .
كانت إحدى قضايا الفكر ، توصلت فيها تحريات الشرطة إلى أن ذلك المتهم ينتمى إلى جماعة تدعو إلى أفعال تمس أمن الدولة ، وأنه يعتنق فكرها ويروج له ، فصدر أمر بضبطه وبتفتيشه شخصا ومسكنا لضبط ما يحوز أو يحرز من أشياء تتعلق بالجريمة .
وجىء به وبدليل جرمه إلى ساحة الاتهام ، لقد عثروا بمسكنه على أشياء كثيرة ، كتب ، منشورات ، أشرطة سمعية وبصرية ، مجلات ، مذكرات .. إلخ .
وما أن وقعَت عينى على تلك المذكرات ، حتى نحيت ما عداها من أحراز أخرى ، وانتزعتها من بينها انتزاعاً كى أبدأ بها الاطلاع ، لقد أعطى لها المتهم عنوانا لافتاً يثير الفضول " أحلى أيام العمر " !
وشغلنى العنوان ، تُرى ما هى هذه الأيام الحلوة ، وهل فى حياة هذا المتهم أيام بهذا الوصف وقد حرَّض على القتل والتخريب والتفريق وتدمير الممتلكات بل والعقول على نحو ما ورد بمحضر تحريات أمن الدولة ؟
ولم يكن العنوان وحده هو مرد هذا الاهتمام أو سبب للبدء بها قبل غيرها من المضبوطات الأخرى ، وإنما ذلك الفضول المهنى الذى طالما يدفعنا نحن المحققين إلى الغوص فى نفوس البشر والبحث عما يجول فيها وفى خواطرهم من انفعالات وطموحات أو ترسبات قد يكون لها أثر فى الكشف عن الحقيقة ، وهل من شىء أسرع فى البوح عن مكنونات النفس من مذكرات أو ذكريات صاحبها .
وبهرنى الأسلوب وراقت لى سلاسته ، وسرعان ما توغلتُ فى الصفحات ، إنها تحكى تاريخاً عاطفياً جميلاً ، وبدايات حالمة لقصة حب عذرى لم تكتمل فصولها ، فيها نبضات قلب ، وخلجات نفس ، وإقرار بحقائق فى لحظة سمو روحانى جميل ، وتعبير عن أسمى مشاعر الحب وأرقى معانيه ، ومثل رائع على أبهى آيات الإيثار وإنكار الذات ، وفى ذات الوقت فقد انطوت على ما يقطع بصحة ذلك الاتهام فى جانبه .
ولم يكن توغلى فيها بهذه السرعة لتقصى الدليل فحسب ، وإنما لاستقصاء دخيلة نفسه ، وما يحويه قلبه من كل هذه المتناقضات .
قال يناجيها :
- سأكتب إليك كل يوم ها هنا ، دون أدنى شك فى أن تصلك هذه السطور أو حتى تقع بين يديك مصادفة ، ولكنه العهد الذى قطعته على نفسى ألا أبتعد عنك يوما ، وها أنا أفى بالعهد ، فلا نوم يأتينى ما لم أكتب إليك هكذا فى كل ليلة ، أحكى ما حدث لى فى يومى ، وما أفكر فيه ، وما يشغلنى ، وأراك بجانبى تُصغين إلىَّ ، تهدئين من روعى ، تلوميننى ، ثم تبكين لخيبتى وضياعى .
ورحتُ أنتقل من صفحة إلى أخرى وكأنى دون أن أدرى أبحث عن أسباب ذلك القرار الخطير ، لماذا بعد كل هذا الحب قرر أن يبتعد عنها تماما وإلى الأبد .
وسعَت إلىَّ الإجابة فى غير عناء ، فقد وجدته فى صفحات تاليات يقول لها :
- لقد أحببتك بحق ، ولم يزل قلبى ينبض بحبك رغم البعاد وطول السنين ، واعلمى أنى حين انسحبتُ من ساحة هذا الحب عامداً لم أكن خائناً أو كذاباً ، ولكن لأنى أردتُ لك الحياة ، وستعلمين ذلك يوما ما ، ليس من خلال هذه السطور ، ولكن ربما من بعض الصحف أو الإذاعات ، فإننا نتساقط فى كل يوم كأوراق التوت فى الخريف ، وكيف لا والباطل لابد زائل لا محالة .
ولم يكن قرارى هذا بالأمر الهين أو اليسير ، بل كان كطعنة خنجر مسموم بين الضلوع ، وجعلنى كملاح تائه فى بحر من الضباب ، وإنى لأذكر حيرتك فى آخر لقاء كأنه رغم انقضاء كل هذه السنين بالأمس القريب ، ولعلك قد لمحتِ فى عينى هذا العذاب حين ألححتِ يومها فى السؤال " ما بكَ ، أراكَ مهموماً مكدودا ، شارداً حزينا " وشعرتُ ساعتها بقلبك وهو يعتصر ألماً ، ولكنى أشفقتُ عليك فلم أستطع أن أقول لك الحقيقة حتى لا تُفجعى فى تقديرك ولا تحزنى لسوء اختيارك .
ثم بلغ فى صفاء النفس مع الحبيبة ذروته فاستمر يقول :
- لقد انزلقَت قدماى وهويتُ فى هُوة سحيقة مظلمة ، وكانت بدايات هذا الضياع دون أن تدرى - أنت - فى سنى حياتى الجامعية الأولى ، نفذوا إلى عقولنا ، سمموا أفكارنا ، أوهمونا أن الأرض فسدت ، وأن الناس فسدوا ، والأمهات فسدن ، والآباء ضلوا ، وصرنا فى أيديهم كالدمى يحركونها كيف شاءوا وأنى شاءوا ، وبعد هذه الورطة لم يكن هناك مفر من الاستمرار ، فقد جعلوا من أنفسهم خصوما وحكاما ، فقلوبهم قاسية ، وعقولهم جامدة ، وفظاعتهم عاتية ، وأنيابهم مسممة ، وانتقامهم جبار ، ولم أفِق إلى هذه الحقيقة إلا بعد أن تلطخت يداى بالدماء ، فقد اشتركتُ فى القتل والحرق والتدمير والخراب ، قُتل أبرياء ، ويُتمت أطفال ، وترملت نساء ، وحُطمت ممتلكات ، أما كيف كان ذلك ولماذا ، فليس هذا موضوعنا الآن ، ومن هنا كان القرار ، قرارى الذى اتخذته قانعا مختارا فى أول لحظة صدق مع نفسى " لم أعد أصلح لحبيبتى " إنها حالمة ، رقيقة طيبة ، أما أنا فأجوف وجاف ، وقبيح وإمعة ، أتدرين حبيبتى لماذا تركتك ، لأنى أردتُ لك الحياة .
تلك كانت خلاصة مشاعره ، أحسستُ بها ، تفاعلتُ معها ، تذوقتها بعقلى وفكرى ومشاعرى ، ويبدو أنها صادقة ، لأنها تصل إلى القلوب صادقة ، لم أنقلها حرفيا من مذكراته ولا ينبغى لى ، وإنما ما خططتُ كان هو ذلك المعنى تقريبا ، وراحت تعتمل بداخلى حتى وجدتها تندفع اندفاعاً إلى الورق لأسجلها فى يومياتى .
ورُحتُ أسائل نفسى ، هل من حقى أن أسجل فى يومياتى خلاصة ما قرأتُ ، وهل لى العذر فى أن أنشرها على الملأ ، ولكنى فى النهاية وجدتُ أن التعبير الصادق عن المشاعر الراقية ، وكلمة الحب الصادقة ليس حكرا على صاحبها متى قالها ، وأن من حق من يتذوقها أن يتأملها ويستمتع بمعانيها فهى ملك لكل الناس طالما أنها لن تجرح أحداً أو تنال من خصوصية صاحبها .
أما هى فلم تنبئ الأوراق عما آلت إليه أحوالها ، ولم يشأ حتى أن يذكر اسمها أو ثمة تفاصيل عنها ، ربما أحجم عن ذلك عامداً حرصاً عليها.
ولكن تُرى كيف تعاملَت هى مع واقعة انسحابه بهذا الشكل الغامض المفاجئ من حياتها ، هل اعتبرته خائناً أو رفيق سفر تخلى عنها وسط الطريق ، فغضَّت الطرف عن كل ما كان ، ومن ثم لم تعره اهتماما ، أم أن قلبها حدثها بغير ذلك وكان لها موقفاً آخر ، وهل صدَق حدْس هذا الشاب ، هل من الممكن أن تقرأ حبيبته هذه اليوميات يوما ما مصادفة كما قال لها ، وهل إذا قرأتها ستجد نفسها فيها ، وهل ستعرف أنه هو حبيبها ، من المؤكد أن حسها الصافى وحبها الصادق سيهديانها إلى كل ذلك .
وهكذا اختلطت ترانيم الحب بالإقرار بالجرم ، وأحسستُ بالصدق فى كل ما قال ، حبه وجُرمه ، ناره ونوره !
وطرَحت حكايته أمامى كماً هائلاً من علامات الاستفهام والاستغراب ، أيمكن أن يصل الصدق فى الحب إلى حدِّ الإقرار بالجرم ، وهل يسع القلب المتناقضات ، أيكون مستودعاً للظلمة وطلقات الرصاص ، وفى ذات الوقت سراجاً يومض بالنور ، هل يمكن أن يحوى قواعد لصواريخ ٍ من الشر ، وإلى جوارها غرفٌ متجاورات من دفءٍ ووجدٍ وهيام وحنين ، أبركان نار وطاقة نور ؟!
بهاء المرى
الإسكندرية فى يناير 1995 .
محبي المستشار بهاء المري
محبي المستشار بهاء المري. Gefällt 2.646 Mal · 6 Personen sprechen darüber. صفحه لتقديم كل المعومات القانونية لطلاب الحقوق والساده المحامين