استضاف المنتدى الثقافي الجزائري يوم 01 فيفري 2021 الدكتور عبد القادر رابحي من أجل أن يقاسم المنتدى الثقافي تجربته المميزة، ولقد حاوره في هذه الجلسة الدكتور عبد الله العشي، الذي افتتح الجلسة بالإشارة إلى أن الذي يبحث عن الشعر الجزائري المعاصر، وعلى كتابات تجمع الأشعار الجزائرية المعاصرة فلن يجد إلا قليلا، وأضاف بأنه من بين الكتب القليلة التي وجدها كتاب للأستاذ العراقي عبود جراد الذي جمع الأشعار الجزائرية المعاصرة، وكان عنوانه الشعر الحر في الجزائر، والكتاب الثاني كان للأستاذ محمد ناصر حول الشعر الجزائري المعاصر.
دعا الأستاذ العشي إلى ضرورة تأليف كتب تؤرخ لشعرنا من أوله إلى اليوم،باعتبار أن الشعر الجزائري يمثل تجربة مميزة جدا وجديرة بالبحث والمتابعة، ومن ثم انتقل لتقديم سيرة ذاتية موجزة عن الدكتور عبد القادر رابحي الذي يشتغل كأستاذ جامعي بجامعة سعيدة، ولقد انشغل كثيرا بالشعر الجزائري، وأنجز مجموعة من الأبحاث المتعلقة بهذا الشعر، إضافة إلى تأليفه لمجموعة من الكتب مثل كتاب النص والتقعيد -دراسة في البنية الشكلية-، الشعر الجزائري المعاصر والذي أخرجه في جزأين، الأول يتناول إيديولوجية النص الشعري، والثاني يتناول إسنادية النص الشعري، كما ألّف كتاب المقولة والعراف -دراسات في الشعر الجزائري المعاصر-، إيديولوجية الرواية و الكسر التاريخي-مقاربة سجالية للروائي متقنعا ببطله، وله أيضا كتاب عن الهوية والتاريخ والحداثة، شعرية التحولات -مقالات في القصيدة الجزائرية الجديدة- وأعمال أخرى.
وبعد هذا التقديم قدمت الكلمة للأستاذ عبد القادر رابحي الذي شكر المنتدى الثقافي على استضافته، قبل أن يتوقف على مصطلح الشعرية الجزائرية، واعتبره يخضع إلى جملة من التغيرات التي أنتجتها مختلف المراحل التاريخية، وأضاف بأنه لا وجود لتطور في النص بمعزل عن تطور المرحلة التاريخية، كما رأى أنه ليس هناك رؤية نقدية جديدة للنص الشعري دون أن تكون مستمدة من روح المرحلة التي أنجبتها، وهذا أمر مفصول فيه من طرف النقاد والمؤرخين حسبه، بحيث لا يمكن أن ننظر إلى الشعرية الجزائرية بمعزل عن ما انتسبت إليه في بداياتها -وهي الشعرية العربية، لغة، حضارة ، انتماء- ولهذا فإننا نجد جزء من السياق التاريخي مرتبط بما تطرحه آليات المراحل وأفكارها وإيديولوجياتها المختلفة من نماذج ثقافية، تؤثر عموما على الشاعر، كما أن الدكتور رابحي ربط الشعرية الجزائرية بالواقع الثقافي العام السائد منذ نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدا منذ تبلور فكرة الإحيائية عند الأمير عبد القادر، ومنذ ذلك الوقت لا تزال الشعرية الجزائرية تساير عن كثب ما يجري من تطورات في النص الشعري المكتوب باللغة العربية، وهذا الأمر حسبه يعتبر عاملا مهما في رصد التحولات التي أحدثها سياق البدايات، وفي رصد الإحداثيات التي حاولت أن تؤثر للممارسة الشعرية .
رأى الأستاذ عبد القادر رابحي أنه من أجل فهم متغيرات هذه المرحلة لابد لنا من البحث في أعمال علماء الاجتماع والمؤرخين، وعدم الاكتفاء بالأعمال الأدبية، كما اعتبر أن مختلف التغيرات ساهمت بشكل واضح في إحداث تشكلات جديدة للنص الشعري، وأن الشعرية الجزائرية لم تتأخر عن ما كان يجري في المشرق من تغيرات جذرية.
حسب الدكتور رابحي فإن الشعرية الجزائرية ولدت في ظرف عسير منذ بدايتها على يد الأمير عبد القادر، الذي كتب الشعر تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، ومن تلك الفترة لم يغادر الشعر حالة النضال السياسي والتاريخي الذي حمله المثقفون، فصار التجديد بمثابة عبأ، ولكن رغم ذلك حاول الشعراء تحقيق نوع من الحرية في ممارسة اللحظة الإبداعية.
لعب الظرف التاريخي دورا مهما في خلق نوع من الازدواجية، حول إشكاليات عديدة منها القديم والحديث، الأصالة والمعاصرة، التجديد والتقليد، وغيرها من الثنائيات التي صورت الصراع الثقافي بين مختلف الأطر الثقافية، ورأى الدكتور أن هذه الخطابات المتوازية حاولت تقديم حركة التجديد الشعري وذلك وفق خطين، الأول يتمثل في خط الكتابة الشعرية العمودية بالمنظور الذي يمثله شعراء الأنطولوجيا مثل سعيد الزاهري وأتباعه، فالشعراء الذين ساندوا انطولوجيا سعيد الزاهري اتبعوا صورة لشعرية معينة تطمح إلى التقدم نحو المستقبل، كما وازى هذه الشعرية خط تجديدي آخر تبلور مع ما كان ينادي به الناقد رمضان حمود ، أما الاتجاه الثاني فتمثل في الخط الذي انتهجته الشعرية الجزائرية المكتوبة بالعربية وباللغة الفرنسية أو بلغة الآخر، هذه الشعرية التي كانت ترسم الواقع، وهي الشعرية التي سعى إلى تحقيقها الواقع الكولونيالي حسب الدكتور.
إن هذين الخطين بما يحملانه من تناقضات في الرؤى الفكرية وفي التصورات الإبداعية، قد لعبا دورا مفصليا في تلقف المعطى الحداثي بين مختلف الثنائيات، وذلك من خلال ترسيخ استمرارية صراعها في واقع (ما بعد كولونيالي) مفعم بالأطروحات الثقافية وما يناقضها .
رأى الأستاذ رابحى أن التناقض الموجود بين هذين الطرفين (العربي-الفرنسي) هو نفسه التناقض الذي وجد مابين النخب الجزائرية الذي مثلته الحركة الوطنية في بداية عصر النهضة، ونوه أيضا هنا إلى أن الشعر قد اكتشف واقع الكولونيالية الاستعمارية في عشرينيات القرن الماضي وهذا ما أشار إليه الناقد عبد القادر جغلول في كتاباته عن الحركة الثقافية الجزائرية.
إضافة إلى هذا فقد تحدث الدكتور عن مجهودات الزاهري وعن كتاباته الشعرية التي برزت تحت الوقع الاستعماري، ورأى رابحي أنه يمكن أن نميز في موسوعة الزاهري ثلاثة صور، الأولى تجسد شكل الشعر في وضعه التقليدي، وهي صورة تعكس تلك الخطية الإبداعية التي مازلت إلى اليوم رهينة الشك، بوصفه جوهرا في عملية الإبداع، والشكل الثاني الذي نجده في موسوعة سعيد الزاهري وضعها ليصور النص بشكله العمودي وبموضوعاته المختلفة والمرتبطة بواقع المجتمع الجزائري، أما الصورة الثالثة التي نجدها في عمله فتتمثل في وضعه السياق التاريخي لكل شاعر، وذلك عبر حرصه على وضع سيرة ذاتية للشعراء مكتوبة بأقلامهم.
يعتبر الدكتور رابحي أنه بسبب الظروف التاريخية، ترسخت فكرتان، الأولى هي فكرة المبدع المعرب، المرتبط بالريف، وبالبداوة وبالعمود، هذا الذي يشير إلى الوتد وإلى الخيمة، وفي المقابل ترسخت الصورة المناقضة لهذا المسار، وهي فكرة المبدع المفرنس المتعلق بالمدينة، وبالتطور وبحرية الخروج عن الأنساق التقليدية، وبإتباع الثقافة الفرنسية في طرحها لنموذج التحليل الكولونيالي .
لقد كانت الحداثة الغربية بالنظر إلى المثقف المعرب مناقضة لواقعه التاريخي الذي كان يفرضه عليه الاستعمار، وذلك من خلال إقصائه من المعرفة الكونية و محاولة جعله يتخلى عن الثقافة المحلية، كما حاول الاستعمار أن يرغم المثقف المبدع في الجزائر –منذ بداية القرن 19- على أن يستبدل ثقافته المحلية بثقافة محلية أخرى جديدة، كون أن هذه الثقافة حسب المستعمر الفرنسي هي التي ستخرجه من تصوره المتخلف، كما أن المستعمر اعتقد أن هؤلاء المعربين لن يتقدموا خارج النسق الثقافي الكولونيالي، وأن تقدمهم لن يتم إلا من خلال الكتابة الكولونيالية والتي تجزم على ضرورة التخلي عن الثقافة العربية، ولكن المثقف الجزائري أخذ هذه اللغة وطعن بها المستعمر، بحيث اعتبر أن الكتابة بلغة الآخر لا تمثل سوى غنيمة حرب، وهذا ما صرح به مالك حداد وكاتب ياسين وآخرون.
اعتبر الدكتور عبد القادر رابحي أن النقاد نظروا إلى الشعر انطلاقا من القيم المرجعية المحافظة، عكس الرواية التي نظروا إليها على أنها الوحيدة التي تملك القيم التقدمية الطلائعية الثورية، كما عاتب الدكتور الذين راحوا يبحثون عن الحداثة في المشرق باعتبارها بعيدة عنهم جغرافيا واجتماعيا، كما اعتبر أن الثقافة الجزائرية لم يعطها مثقفيها حقها من الدرس، وهذا إما تناسيا وإما تجاوزا.
وفي الأخير تحدث الأستاذ رابحي عن القيود الشعرية، حيث اعتبر أن الكثير من الشعراء في فترة ما بعد السبعينيات قد وقعوا في فخ الشكل، هذا الذي يؤسر أفق التجديد الشعري، وذلك من خلال حرص الشعراء على تجسيد عنصر الشك بوصفه غلافا لتسويق رؤية حديثة للنص، هذه الرؤية التي لا تتجاوز المظهر الخارجي، كما اعتبر أن السياق العام للشعر هو سياق متجدد، وأن الشاعر أدونيس (النموذج الموضة) كان يغلق على أتباعه الكثر ويتجاوزهم، ثم يتركهم يتخاصمون حوله، وأما هو فكان يذهب إلى آفاق كتابات أخرى، ومثلت كتاباته حسب الدكتور أفق لا يمكن إدراكه، وهذا الأفق تحول فيما بعد إلى سقف أسر الكثير من الشعراء، حتى أنهم كرروا الفكرة التي كان يقولها أدونيس عن المتنبي من أنه أسر جميع الشعراء ولم يتحرروا منه -إلا البعض مثل المعري- واعتبر هنا الدكتور رابحي أن هذه الفكرة تنطبق على العديد من التجارب العربية.
بعد هذا العرض القيم فتح الباب للنقاش حيث رأى الدكتور عبد الله العشي أنه من الضروري النظر في الأعمال التي كتبت سابقا مثل أعمال الأمير عبد القادر، وأن نسعى إلى كتابة تاريخ واحد يمتد من هناك إلى اليوم، أما الأستاذ فهيم الشيباني والأستاذة بلخامسة كريمة فقد تحدثا عن العزوف والانقطاع عن الشعر، حيث أشارت الأستاذة إلى ظاهرة عدم تذوق الشعر في المحيط الثقافي وخاصة الجامعي، وألحت على ضرورة العودة إلى الأصول، أما الدكتور عمر بوقرورة فقد تحدث عن قضية التحولات وتحديدا تحولات الفعل الثقافي في الوطن، وتمنى أن يكون هناك مزج بين النقد الأكاديمي والهم الثقافي الذي يجسد هم الإنسان بأكمله، ومن جهة أخرى عرج الأستاذ رضوان شيخي للحديث عن واقع الشعر في الجزائر وتمنى أن يتطور الشعر الجزائري عبر الاهتمام به أكثر في الأواسط الأكاديمية والمجلات الأدبية وغيرها من المنابر، ليتدخل بعدها الدكتور محمد كاديك الذي رأى بأننا نخادع أنفسنا باعتبارنا أن الرواية هو الجنس المهمين حاليا على الفكر العربي وذكر هنا أن سبب هذه الهيمنة يعود إلى أن الرواية تطبع ملايين النسخ حيث هيئ لها الجو المناسب، عكس الشعر، وكما طالب بإعادة النظر في الشعر منذ بدايته إلى غاية تدوينه ورقيا، ليضيف بأنه لابد من توفير المناخ المناسب للمتلقي، فالمتلقي حين يجد ضالته سيكون حاضرا في الأمسيات الشعرية، ومن ثم ختم تدخله بمقولة لجبران خليل جبران الذي قال كيف لرأس دائرية أن تتربع، أما الأستاذ محمد حصباية فقد قال أن الشعر الكلاسيكي في الجزائر مازال يملك جمهورا ودليله على هذا أن أشعار مفدي زكرياء ما تزال موجودة إلى يومنا هذا، أما الأستاذ وليد حضور فقد تطرق إلى الجنايات التي تعرض إليها الشعر من خلال ربطه بالايدولوجيا، وأشار هنا إلى جنايتين الأولى لجمعية العلماء المسلمين التي قيدته، والجناية الثانية وقعت في التسعينيات حيث غيب الشعر، وأما الدكتورة سليمة مسعودي فقد تطرقت إلى بعض كتب الدكتور عبد القادر رابحي وكما عبرت عن اتفاقها معه بخصوص ما قاله عن الشاعر الحقيقي، ليتدخل بعدها الباحث أمين لعلاونة الذي تحدث عن توجه القراء إلى جنس الرواية، وأعتبر أن مرد هذا هو إصرار النقاد على مخاطبة مختلف المناهج وإسقاطها على الشعر.
وبعد هذا النقاش أعلم الدكتور عبد الله العشي جمهور المنتدى الثفافي عن افتتاح مجلة خاصة بالمنتدى الثقافي، تهتم بالثقافة الجزائرية وستكون فصلية، وعرض غلاف المجلة وأتبعه بنداء لجميع المهتمين بالثقافة بأن يشاركوا فيها ويساهموا في مواضيعها عبر بريد المجلة التالي : athaqafi2021@gmail.com
وفي الأخير ردت الكلمة للأستاذ عبد القادر رابحي الذي حاول أن يرد على مختلف القضايا المطروحة، ليكون اللقاء الافتراضي مميزا، فالمزيد من النجاحات للمنتدى الثقافي الجزائري وللأستاذ عبد القادر رابحي.
حسين بوسوفة.
www.facebook.com
دعا الأستاذ العشي إلى ضرورة تأليف كتب تؤرخ لشعرنا من أوله إلى اليوم،باعتبار أن الشعر الجزائري يمثل تجربة مميزة جدا وجديرة بالبحث والمتابعة، ومن ثم انتقل لتقديم سيرة ذاتية موجزة عن الدكتور عبد القادر رابحي الذي يشتغل كأستاذ جامعي بجامعة سعيدة، ولقد انشغل كثيرا بالشعر الجزائري، وأنجز مجموعة من الأبحاث المتعلقة بهذا الشعر، إضافة إلى تأليفه لمجموعة من الكتب مثل كتاب النص والتقعيد -دراسة في البنية الشكلية-، الشعر الجزائري المعاصر والذي أخرجه في جزأين، الأول يتناول إيديولوجية النص الشعري، والثاني يتناول إسنادية النص الشعري، كما ألّف كتاب المقولة والعراف -دراسات في الشعر الجزائري المعاصر-، إيديولوجية الرواية و الكسر التاريخي-مقاربة سجالية للروائي متقنعا ببطله، وله أيضا كتاب عن الهوية والتاريخ والحداثة، شعرية التحولات -مقالات في القصيدة الجزائرية الجديدة- وأعمال أخرى.
وبعد هذا التقديم قدمت الكلمة للأستاذ عبد القادر رابحي الذي شكر المنتدى الثقافي على استضافته، قبل أن يتوقف على مصطلح الشعرية الجزائرية، واعتبره يخضع إلى جملة من التغيرات التي أنتجتها مختلف المراحل التاريخية، وأضاف بأنه لا وجود لتطور في النص بمعزل عن تطور المرحلة التاريخية، كما رأى أنه ليس هناك رؤية نقدية جديدة للنص الشعري دون أن تكون مستمدة من روح المرحلة التي أنجبتها، وهذا أمر مفصول فيه من طرف النقاد والمؤرخين حسبه، بحيث لا يمكن أن ننظر إلى الشعرية الجزائرية بمعزل عن ما انتسبت إليه في بداياتها -وهي الشعرية العربية، لغة، حضارة ، انتماء- ولهذا فإننا نجد جزء من السياق التاريخي مرتبط بما تطرحه آليات المراحل وأفكارها وإيديولوجياتها المختلفة من نماذج ثقافية، تؤثر عموما على الشاعر، كما أن الدكتور رابحي ربط الشعرية الجزائرية بالواقع الثقافي العام السائد منذ نهاية القرن التاسع عشر، وتحديدا منذ تبلور فكرة الإحيائية عند الأمير عبد القادر، ومنذ ذلك الوقت لا تزال الشعرية الجزائرية تساير عن كثب ما يجري من تطورات في النص الشعري المكتوب باللغة العربية، وهذا الأمر حسبه يعتبر عاملا مهما في رصد التحولات التي أحدثها سياق البدايات، وفي رصد الإحداثيات التي حاولت أن تؤثر للممارسة الشعرية .
رأى الأستاذ عبد القادر رابحي أنه من أجل فهم متغيرات هذه المرحلة لابد لنا من البحث في أعمال علماء الاجتماع والمؤرخين، وعدم الاكتفاء بالأعمال الأدبية، كما اعتبر أن مختلف التغيرات ساهمت بشكل واضح في إحداث تشكلات جديدة للنص الشعري، وأن الشعرية الجزائرية لم تتأخر عن ما كان يجري في المشرق من تغيرات جذرية.
حسب الدكتور رابحي فإن الشعرية الجزائرية ولدت في ظرف عسير منذ بدايتها على يد الأمير عبد القادر، الذي كتب الشعر تحت وطأة الاستعمار الفرنسي، ومن تلك الفترة لم يغادر الشعر حالة النضال السياسي والتاريخي الذي حمله المثقفون، فصار التجديد بمثابة عبأ، ولكن رغم ذلك حاول الشعراء تحقيق نوع من الحرية في ممارسة اللحظة الإبداعية.
لعب الظرف التاريخي دورا مهما في خلق نوع من الازدواجية، حول إشكاليات عديدة منها القديم والحديث، الأصالة والمعاصرة، التجديد والتقليد، وغيرها من الثنائيات التي صورت الصراع الثقافي بين مختلف الأطر الثقافية، ورأى الدكتور أن هذه الخطابات المتوازية حاولت تقديم حركة التجديد الشعري وذلك وفق خطين، الأول يتمثل في خط الكتابة الشعرية العمودية بالمنظور الذي يمثله شعراء الأنطولوجيا مثل سعيد الزاهري وأتباعه، فالشعراء الذين ساندوا انطولوجيا سعيد الزاهري اتبعوا صورة لشعرية معينة تطمح إلى التقدم نحو المستقبل، كما وازى هذه الشعرية خط تجديدي آخر تبلور مع ما كان ينادي به الناقد رمضان حمود ، أما الاتجاه الثاني فتمثل في الخط الذي انتهجته الشعرية الجزائرية المكتوبة بالعربية وباللغة الفرنسية أو بلغة الآخر، هذه الشعرية التي كانت ترسم الواقع، وهي الشعرية التي سعى إلى تحقيقها الواقع الكولونيالي حسب الدكتور.
إن هذين الخطين بما يحملانه من تناقضات في الرؤى الفكرية وفي التصورات الإبداعية، قد لعبا دورا مفصليا في تلقف المعطى الحداثي بين مختلف الثنائيات، وذلك من خلال ترسيخ استمرارية صراعها في واقع (ما بعد كولونيالي) مفعم بالأطروحات الثقافية وما يناقضها .
رأى الأستاذ رابحى أن التناقض الموجود بين هذين الطرفين (العربي-الفرنسي) هو نفسه التناقض الذي وجد مابين النخب الجزائرية الذي مثلته الحركة الوطنية في بداية عصر النهضة، ونوه أيضا هنا إلى أن الشعر قد اكتشف واقع الكولونيالية الاستعمارية في عشرينيات القرن الماضي وهذا ما أشار إليه الناقد عبد القادر جغلول في كتاباته عن الحركة الثقافية الجزائرية.
إضافة إلى هذا فقد تحدث الدكتور عن مجهودات الزاهري وعن كتاباته الشعرية التي برزت تحت الوقع الاستعماري، ورأى رابحي أنه يمكن أن نميز في موسوعة الزاهري ثلاثة صور، الأولى تجسد شكل الشعر في وضعه التقليدي، وهي صورة تعكس تلك الخطية الإبداعية التي مازلت إلى اليوم رهينة الشك، بوصفه جوهرا في عملية الإبداع، والشكل الثاني الذي نجده في موسوعة سعيد الزاهري وضعها ليصور النص بشكله العمودي وبموضوعاته المختلفة والمرتبطة بواقع المجتمع الجزائري، أما الصورة الثالثة التي نجدها في عمله فتتمثل في وضعه السياق التاريخي لكل شاعر، وذلك عبر حرصه على وضع سيرة ذاتية للشعراء مكتوبة بأقلامهم.
يعتبر الدكتور رابحي أنه بسبب الظروف التاريخية، ترسخت فكرتان، الأولى هي فكرة المبدع المعرب، المرتبط بالريف، وبالبداوة وبالعمود، هذا الذي يشير إلى الوتد وإلى الخيمة، وفي المقابل ترسخت الصورة المناقضة لهذا المسار، وهي فكرة المبدع المفرنس المتعلق بالمدينة، وبالتطور وبحرية الخروج عن الأنساق التقليدية، وبإتباع الثقافة الفرنسية في طرحها لنموذج التحليل الكولونيالي .
لقد كانت الحداثة الغربية بالنظر إلى المثقف المعرب مناقضة لواقعه التاريخي الذي كان يفرضه عليه الاستعمار، وذلك من خلال إقصائه من المعرفة الكونية و محاولة جعله يتخلى عن الثقافة المحلية، كما حاول الاستعمار أن يرغم المثقف المبدع في الجزائر –منذ بداية القرن 19- على أن يستبدل ثقافته المحلية بثقافة محلية أخرى جديدة، كون أن هذه الثقافة حسب المستعمر الفرنسي هي التي ستخرجه من تصوره المتخلف، كما أن المستعمر اعتقد أن هؤلاء المعربين لن يتقدموا خارج النسق الثقافي الكولونيالي، وأن تقدمهم لن يتم إلا من خلال الكتابة الكولونيالية والتي تجزم على ضرورة التخلي عن الثقافة العربية، ولكن المثقف الجزائري أخذ هذه اللغة وطعن بها المستعمر، بحيث اعتبر أن الكتابة بلغة الآخر لا تمثل سوى غنيمة حرب، وهذا ما صرح به مالك حداد وكاتب ياسين وآخرون.
اعتبر الدكتور عبد القادر رابحي أن النقاد نظروا إلى الشعر انطلاقا من القيم المرجعية المحافظة، عكس الرواية التي نظروا إليها على أنها الوحيدة التي تملك القيم التقدمية الطلائعية الثورية، كما عاتب الدكتور الذين راحوا يبحثون عن الحداثة في المشرق باعتبارها بعيدة عنهم جغرافيا واجتماعيا، كما اعتبر أن الثقافة الجزائرية لم يعطها مثقفيها حقها من الدرس، وهذا إما تناسيا وإما تجاوزا.
وفي الأخير تحدث الأستاذ رابحي عن القيود الشعرية، حيث اعتبر أن الكثير من الشعراء في فترة ما بعد السبعينيات قد وقعوا في فخ الشكل، هذا الذي يؤسر أفق التجديد الشعري، وذلك من خلال حرص الشعراء على تجسيد عنصر الشك بوصفه غلافا لتسويق رؤية حديثة للنص، هذه الرؤية التي لا تتجاوز المظهر الخارجي، كما اعتبر أن السياق العام للشعر هو سياق متجدد، وأن الشاعر أدونيس (النموذج الموضة) كان يغلق على أتباعه الكثر ويتجاوزهم، ثم يتركهم يتخاصمون حوله، وأما هو فكان يذهب إلى آفاق كتابات أخرى، ومثلت كتاباته حسب الدكتور أفق لا يمكن إدراكه، وهذا الأفق تحول فيما بعد إلى سقف أسر الكثير من الشعراء، حتى أنهم كرروا الفكرة التي كان يقولها أدونيس عن المتنبي من أنه أسر جميع الشعراء ولم يتحرروا منه -إلا البعض مثل المعري- واعتبر هنا الدكتور رابحي أن هذه الفكرة تنطبق على العديد من التجارب العربية.
بعد هذا العرض القيم فتح الباب للنقاش حيث رأى الدكتور عبد الله العشي أنه من الضروري النظر في الأعمال التي كتبت سابقا مثل أعمال الأمير عبد القادر، وأن نسعى إلى كتابة تاريخ واحد يمتد من هناك إلى اليوم، أما الأستاذ فهيم الشيباني والأستاذة بلخامسة كريمة فقد تحدثا عن العزوف والانقطاع عن الشعر، حيث أشارت الأستاذة إلى ظاهرة عدم تذوق الشعر في المحيط الثقافي وخاصة الجامعي، وألحت على ضرورة العودة إلى الأصول، أما الدكتور عمر بوقرورة فقد تحدث عن قضية التحولات وتحديدا تحولات الفعل الثقافي في الوطن، وتمنى أن يكون هناك مزج بين النقد الأكاديمي والهم الثقافي الذي يجسد هم الإنسان بأكمله، ومن جهة أخرى عرج الأستاذ رضوان شيخي للحديث عن واقع الشعر في الجزائر وتمنى أن يتطور الشعر الجزائري عبر الاهتمام به أكثر في الأواسط الأكاديمية والمجلات الأدبية وغيرها من المنابر، ليتدخل بعدها الدكتور محمد كاديك الذي رأى بأننا نخادع أنفسنا باعتبارنا أن الرواية هو الجنس المهمين حاليا على الفكر العربي وذكر هنا أن سبب هذه الهيمنة يعود إلى أن الرواية تطبع ملايين النسخ حيث هيئ لها الجو المناسب، عكس الشعر، وكما طالب بإعادة النظر في الشعر منذ بدايته إلى غاية تدوينه ورقيا، ليضيف بأنه لابد من توفير المناخ المناسب للمتلقي، فالمتلقي حين يجد ضالته سيكون حاضرا في الأمسيات الشعرية، ومن ثم ختم تدخله بمقولة لجبران خليل جبران الذي قال كيف لرأس دائرية أن تتربع، أما الأستاذ محمد حصباية فقد قال أن الشعر الكلاسيكي في الجزائر مازال يملك جمهورا ودليله على هذا أن أشعار مفدي زكرياء ما تزال موجودة إلى يومنا هذا، أما الأستاذ وليد حضور فقد تطرق إلى الجنايات التي تعرض إليها الشعر من خلال ربطه بالايدولوجيا، وأشار هنا إلى جنايتين الأولى لجمعية العلماء المسلمين التي قيدته، والجناية الثانية وقعت في التسعينيات حيث غيب الشعر، وأما الدكتورة سليمة مسعودي فقد تطرقت إلى بعض كتب الدكتور عبد القادر رابحي وكما عبرت عن اتفاقها معه بخصوص ما قاله عن الشاعر الحقيقي، ليتدخل بعدها الباحث أمين لعلاونة الذي تحدث عن توجه القراء إلى جنس الرواية، وأعتبر أن مرد هذا هو إصرار النقاد على مخاطبة مختلف المناهج وإسقاطها على الشعر.
وبعد هذا النقاش أعلم الدكتور عبد الله العشي جمهور المنتدى الثفافي عن افتتاح مجلة خاصة بالمنتدى الثقافي، تهتم بالثقافة الجزائرية وستكون فصلية، وعرض غلاف المجلة وأتبعه بنداء لجميع المهتمين بالثقافة بأن يشاركوا فيها ويساهموا في مواضيعها عبر بريد المجلة التالي : athaqafi2021@gmail.com
وفي الأخير ردت الكلمة للأستاذ عبد القادر رابحي الذي حاول أن يرد على مختلف القضايا المطروحة، ليكون اللقاء الافتراضي مميزا، فالمزيد من النجاحات للمنتدى الثقافي الجزائري وللأستاذ عبد القادر رابحي.
حسين بوسوفة.
Abdelkader Rabhi
Abdelkader Rabhi ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit Abdelkader Rabhi und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die...