50 - المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم في النصف الأول من القرن التاسع عشر تأليف المستشرق الإنجليزي ادورد وليم لين للأستاذ عدلي طاهر نور

تابع الفصل الرابع عشر - الصناعات

تعتبر الزراعة أهم أعمال المصريين، ويباشرها كما سبق أن ذكرت جميع السكان ما عدا القليل منهم. ويخصب النيل الجزء الأكبر من الأراضي القابلة للزراعة بفيضانه السنوي. ولكن الحقول التي تجاور النهر والقنوات الكبيرة يحفر فيها جور للماء وتروي بآلات مختلفة الأنواع. والشادوف أكثر هذه الآلات شبواً، وهو يتكون من عمودين من الخشب، أو من الطين والعصي، أو من الطين والبردي، يرتفعان إلى خمس أقدام تقريباً، ويبلغ ما بينهما أقل من ثلاث أقدام، ويعلوها قطعة خشبية أفقية تمتد من قمة إلى أخرى، ويعلق بها عتلة رفيعة تتكون من فرع شجرة، وينتهي أحد طرفيها بثقالة من الطين، والطرف الآخر بوعاء يعلق بواسطة قضيبين طويلين من النخيل، ويصنع الوعاء على شكل طاس من السلال أو من طوق ونسيج من الصوف أو الجلد. ويرفع الماء في هذا الوعاء إلى علو ثماني أقدام تقريباً ويقذف به في حوض معد لذلك. ويلزم لرفع المياه إلى الحقول في أعالي الصعيد عندما ينخفض النيل أربعة شواديف أو خمسة. وهناك شواديف كثيرة ذات عتلتين يحركها رجلان. ويعتبر الري بالشادوف عملاً شاقاً للغاية. وتوجد آلة أخرى للري وهي (الساقية) وتكاد تكون وحدها المستعملة لري الحدائق في مصر. وتتكون الساقية خاصة من عجلة عمودية ترفع المياه في مجموعة متتابعة من أوعية فخارية مشدودة بحبال، وعجلة عمودية ثابتة ذات ضروس مثبتة إلى المحور ذاته، وعجلة كبيرة أفقية ذات ضروس يديرها ثوران أو بقرتان أو حيوان واحد فتحرك العجلتين السابقتين. وتصنع الآلة صناعة غليظة ويحدث تحريكها طقطقة كريهة. وهناك آلة ثالثة تسمى (تابوت) يستعمله المصريون لري الأراضي شمال مصر حيث لا يلزم رفع المياه إلا لارتفاع قليل. ويشبه التابوت الساقية نوعاً، والفرق الرئيسي بينهما أن للتابوت، بدلاً من عجلة الساقية ذات الأوعية، عجلة كبيرة مجوفة الدائرة ترفع فيها المياه. وتستعمل (القطوة) في الأقاليم نفسها. وهي وعاء مثل وعاء الشادوف يشد إلى حبال أربعة، ويستعمل كثيراً لرفع المياه إلى جرة التابوت. ويحرك القطوة رجلان يمسك كل منهما بحبلين. وتقسم الأرض في نظام الري الصناعي إلى مربعات صغيرة يحدها ارتفاع من التراب أو الأخاديد، فيسيل الماء من الآلة في قناة ضيقة إلى المربعات أو الأخاديد الواحد تلو الآخر

لا تزرع الأراضي (الري) أي التي يغمرها الفيضان، ما عدا القليل منها، إلا مرة واحدة في السنة فيبذر القمح والشعير والعدس والفول والترمس والحمص الخ بفد انسحاب المياه في آخر أكتوبر أو وابتداء نوفمبر تقريباً. ويسمي هذا الموسم (الشتوي). أما الأراضي (الشراقى) وهي التي لا يصل إليها الفيضان لعلوها وبعض الأراضي (الري) فتنتج ثلاث غلات سنوياً بفضل الري الصناعي، وإن لم تكن الأراضي الشراقى جميعها تزرع هكذا. وتنتج الأراضي التي تروى صناعياً أولاً المحصول الشتوي، إذ هي تبذر مع الأراضي الري في وقت واحد، بالقمح والشعير على العموم. وعقب ذلك تبدأ زراعته الصيفي أو ما يسمونه في الصعيد القيضي أو (الجيضي) وتكون عند الاعتدال الربيعي تقريباً أو بعد ذلك فيزرع (الذرة الصيفي) أو النيلج أو القطن الخ. وأخيراً تأتي الزراعة (الدميري) مدة ارتفاع النيل وتبدأ عند الانقلاب الصيفي أو بعده بقليل، فتبذر (الذرة الصيفي) مرة أخرى أو (الذرة الشامي) الخ. وهكذا تجود الأرض بمحصول ثالث. ويزرع القصب على مساحة كبيرة في الصعيد. ويزرع الأرز في الأراضي المنخفضة قرب البحر الأبيض المتوسط

يستعمل المصريون (النورج) لفصل حبوب القمح والشعير وقطع القش للعلف. والنورج آلة على هيئة مقعد تسير على عجلات حديدية صغيرة، أو صفائح مستديرة دقيقة، عددها على العموم إحدى عشرة عجلة مثبتة إلى ثلاثة محاور، أربع عجلات في المحور الأوسط. ويجر النورج بقرتان، أو ثوران يدوران في حلقة فوق الحبوب. أما المحراث وآلات الفلاحة الأخرى، فهي ذات نوع بدائي.

تشغل الملاحة النيلية عدداً كبيراً من المصريين. وأغلب نوتية النيل أقوياء بارزون العضلات. وهم يقاسون مشقة في التجديف وسحب المراكب ودفعها (بالمدرة)، ولكنهم كثيرو الجذل؛ ويزيد سرورهم كلما كثر عملهم، إذ هم يسلون أنفسهم بالغناء. ويتعرض أكثر الربابنة خبرة إلى جنوح سفنهم نتيجة للتغيرات المتواصلة التي تحدث في مجرى النيل، ويلزم حينئذ أن ينزل البحارة إلى الماء لدفع المركب بظهورهم وأكتافهم، وتصنع المراكب النيلية بطريقة تمنعها من الاصطدام بحيث تغوص مقدمها في الماء عن مؤخرها، ومن ثم يلزم أن تكون الدفة كبيرة جداً. وتكون أحسن أنواع المراكب النيلية، وهي كثيرة العدد، بسيطة الشكل رشيقة. وتكون غالباً على طول بين ثلاثين وأربعين قدماً. ويكون لها ساريتان وشراعان مثلثان كبيران، وقمرة تتلو المؤخرة وترتفع إلى أربع أقدام تقريباً، وتشغل القمرة ربع المركب أو ثلثها طولاً؛ وكثيراً ما تشغل الثلثين أو أكثر. ويستخدم عادة ملاح ليمسك حبل الشراع الرئيسي، إذ أن يترك الشراع يخفق عند أقل إشارة. ويجب أن يكون المسافر حذراً بصفة خاصة مهما اعتدل الجو.

عدلي طاهر نور





مجلة الرسالة - العدد 504
بتاريخ: 01 - 03 - 1943


تعليقات

لا توجد تعليقات.
ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) مطلوبة لاستخدام هذا الموقع. يجب عليك قبولها للاستمرار في استخدام الموقع. معرفة المزيد...