صدر الديوان عام 1991 عن دار الشروق في عمان. يحتوي الكتاب على قصائد شعرية كتبها الشاعر إبراهيم نصرالله بين عامي 1987 و 1991 وجاءت في 208 صفحات. يتكون الكتاب من ثلاث مجموعات شعرية، وهي حطب أخضر و مرايا ترابية و راية القلب.
عُنْوانُ الكتاب: حطبٌ أخضر يحمل العُنوان في طياته تناقضا وقلقا كبيرا. إذ أن من صفات الحطب هو الجفاف لكنه أخضرُ كما جاء في العُنوان فلا يصلح للاحتراق والتدفئة في الأيام القارسة. وهو أخضرُ لكنه لا يزهرُ وَلا يثمرُ لأنه مفصول عن أمه الشجرة|الوطن. حالةُ قلقٍ مستمرة وهي من أهم صفات الشعر. فالشعرُ يطير فوقَ كلِّ شيء ولا ويدرك أيَّ شيء. وهذا ما يشير له الشاعر حين يقول: لمْ نَصِلْ أيَ شَيْءٍ وصَلْنا إليهِ (ص. 144).
تأثير وأثر الانتفاضة في القصائد: كُتبت القصائد بين عامي 1987 و 1991 وهذه هي فترة انتفاضة الحجارة. لذلك لا بد أن تترك الانتفاضة التاريخية أثرها في قصائد الشاعر. وهنا بعض النماذج على ذلك.
في قصيدته (أغنية ص. 65) يقول الشاعر:
خارجَ الْقيْدِ أنْتْ
خارجَ اللّيْلِ
خارجَ ظِلِّ الْهِراوَةِ
حُرًّا كَأغْنيةٍ وَرصيفْ
.....
كمْ ستكونُ الشّوارعُ
وَالْفتياتُ الْجميلاتُ ..
أجْملَ
كمْ ستكونُ .. نكونْ
حينَما تخْتفي كُلُّ هذي السُّجون.
وفي قصيدة مهداة للشاعر سميح القاسم بِعُنوان (صَباحًا على بابِ فَدِريكو ص. 76) يقول:
ندقُّ على بابِ لوركا صباحًا
وَندْعوهُ أنْ يحْتسي شايَنا
جَمَعْنا لهُ مِنْ بساتينِ "عكّا"
ثلاثينَ أغْنيةً وَحَصادًا
.....
سندعوهُ أن يقْرأَ الشِّعْرَ
أغْصانَ ريحِ الْجنوبِ
عَصافيرَ حَيْفا
وَحِكْمةَ زيتونِنا
.....
ويقول في آخر القصيدة:
وَكُنّا سندْعوهُ للشّايِ
لا شَيْءَ أكْثرَ
كُنّا سنُلْقي على كَتِفَيهِ الْأغاني
وَنَصْدُقَ في كِذْبِنا:
في قِطارِ الْجنوبِ مساءً ستأتي فِلِسطينُنا
حينَ أَشْرعَ أضلاعَهُ فَزِعًا
وَهوى كظِلالٍ "جَليليَّةٍ"
ثُمَّ صاحَ:
أُدْخُلوا أيُّها الشُّهداءُ
وَخَبَّأنا
الأرض وجذورها في قصائد الشاعر: تبدو الأرض واضحةً جدًا في مجموعة مرايا ترابية. ففي كل قصائد هذه المجموعة تحضر الأرض بصيغة التراب حضورا قويا. فيقول بأول قصائد المجموعة:
قد يكونُ لنا في التُّرابِ ظلالٌ (ص. 95).
وفي القصائد التالية لهذه المجموعة يبدأ الشاعر بالتراب فيقول:
في الترابِ خزائنُ للوقتِ مكسورةٌ ... (ص. 99). ويقول:
في الترابِ أبٌ صوتُهُ راعِشٌ بالصلاةِ ... (ص. 101 ) ويكمل:
في الترابِ صَحارى هي الحزنُ حينَ تهبُّ المنافي ... ويضيف:
في التُّرابِ أخٌ يترقّبُ ألعابَهُ أنْ تجيءَ هنا مِنْ ثلاثينَ عامًا ... (ص. 105 ).
وفي ص. 107 يزيد:
في الترابِ ملامحُ سريّةٌ لا تُحبُّ المكانَ وَتَعْبُدُ ريحًا توَزّعُها فوْقَ سهْلِ الصّباح ... ويجدّدُ حين يقول:
في الترابِ أصابعُ مِنْ قصبٍ تتحسّسُ قلْبَ الأناشيدِ فينا ... (ص. 111).
ثم يُكْملُ قائلًا:
في الترابِ ذِراعٌ وَخَصْرٌ من الطينِ لم يكْتملْ ...
ويضيف:
في الترابِ كلامٌ كثيرٌ عنِ البيْتِ والبحْرِ والشُّرُفاتِ الْبَعيدة ... (ص. 117).
ويستمر مبتدئا باقي قصائد المجموعة بالتراب فيقول:
في الترابِ طيورٌ
في الترابِ نوافذُ
في الترابِ قُرًى ومدائنُ
حتى يصل القصيدة الأخيرة (جياد) لمجموعة مرايا ترابية فيخْتِم الشاعر قائلا (ص. 144):
قدْ يكونُ لنا في الترابِ جِيادٌ ...
فَتَصْهَلُ: لا لم نَصِلْ
لمْ نَصِلْ أيَ شَيْءٍ وصَلْنا إليهِ
وبهذا يكونُ كلُّ خيالٍ وشعرٍ وكلُّ ثمرٍ وزهرٍ نِتاجًا للتراب. للتراب الذي يُداسُ عليهِ كلَّ يَوْمٍ دونَ اكْتراث. للتراب والوطن الذي تختبئ فيه الطيور والقرى والأشجار والكلام والصدى. في ثَرى الشاعر كَنْزٌ وَثرْوة. ما أوسعَ خيالَ الشاعرِ وَأثراه.
أمّا المجموعة الثالثة (راية القلب) فهي قصيدة مطولة رمزية يمكن تصنيفُها ضِمْنَ الشعرِ الملحمي. فيها كثير من الرمزية والخيال. فيها شخصيات من الواقع (مثل الشهيدتين دلال المغربي ولينا النابلسي والثائر عز الدين القسام) كما فيها إشاراتٌ من الخيال مثل جلجامش والأفعى. قصيدة يتعانق فيها المكان والزمان. سفر بين الواقع والخيال. اختلاط بين البطل الشهيد في فلسطين والرمزِ الخالد في الأسطورة. ملحمة شعرية قيمة تستحق قراءة نقدية منفردة.
وأخيرًا أتطرق للإيقاع في القصائد: يمكن تصنيف قصائد ديوان حطب أخضر إيقاعيًا ضمن قصائد الشعر الحديث. وهي ملتزمة في موسيقاها الخارجية بإيقاع التفعيلة. جاءت غالبية القصائد على إيقاع تفعيلة "فعولن من بحر المتقارب" أو تفعيلة "فاعلن من بحر المتدارك". ومن يتقن التدوير في الشعر مثل الشاعر إبراهيم نصرالله يمكنه التنقل بين التفعيلتين المتقاربتين بكل رشاقة. هناك تنوع كبير في عدد التفعيلات في كل سطر مما يعطي للموسيقى مجالاتٍ للتّعدّدِ، تطولُ وتقْصرُ وفق ما يحتاجه اكتمال الفكرة والصورة.
خالد شوملي
www.facebook.com
عُنْوانُ الكتاب: حطبٌ أخضر يحمل العُنوان في طياته تناقضا وقلقا كبيرا. إذ أن من صفات الحطب هو الجفاف لكنه أخضرُ كما جاء في العُنوان فلا يصلح للاحتراق والتدفئة في الأيام القارسة. وهو أخضرُ لكنه لا يزهرُ وَلا يثمرُ لأنه مفصول عن أمه الشجرة|الوطن. حالةُ قلقٍ مستمرة وهي من أهم صفات الشعر. فالشعرُ يطير فوقَ كلِّ شيء ولا ويدرك أيَّ شيء. وهذا ما يشير له الشاعر حين يقول: لمْ نَصِلْ أيَ شَيْءٍ وصَلْنا إليهِ (ص. 144).
تأثير وأثر الانتفاضة في القصائد: كُتبت القصائد بين عامي 1987 و 1991 وهذه هي فترة انتفاضة الحجارة. لذلك لا بد أن تترك الانتفاضة التاريخية أثرها في قصائد الشاعر. وهنا بعض النماذج على ذلك.
في قصيدته (أغنية ص. 65) يقول الشاعر:
خارجَ الْقيْدِ أنْتْ
خارجَ اللّيْلِ
خارجَ ظِلِّ الْهِراوَةِ
حُرًّا كَأغْنيةٍ وَرصيفْ
.....
كمْ ستكونُ الشّوارعُ
وَالْفتياتُ الْجميلاتُ ..
أجْملَ
كمْ ستكونُ .. نكونْ
حينَما تخْتفي كُلُّ هذي السُّجون.
وفي قصيدة مهداة للشاعر سميح القاسم بِعُنوان (صَباحًا على بابِ فَدِريكو ص. 76) يقول:
ندقُّ على بابِ لوركا صباحًا
وَندْعوهُ أنْ يحْتسي شايَنا
جَمَعْنا لهُ مِنْ بساتينِ "عكّا"
ثلاثينَ أغْنيةً وَحَصادًا
.....
سندعوهُ أن يقْرأَ الشِّعْرَ
أغْصانَ ريحِ الْجنوبِ
عَصافيرَ حَيْفا
وَحِكْمةَ زيتونِنا
.....
ويقول في آخر القصيدة:
وَكُنّا سندْعوهُ للشّايِ
لا شَيْءَ أكْثرَ
كُنّا سنُلْقي على كَتِفَيهِ الْأغاني
وَنَصْدُقَ في كِذْبِنا:
في قِطارِ الْجنوبِ مساءً ستأتي فِلِسطينُنا
حينَ أَشْرعَ أضلاعَهُ فَزِعًا
وَهوى كظِلالٍ "جَليليَّةٍ"
ثُمَّ صاحَ:
أُدْخُلوا أيُّها الشُّهداءُ
وَخَبَّأنا
الأرض وجذورها في قصائد الشاعر: تبدو الأرض واضحةً جدًا في مجموعة مرايا ترابية. ففي كل قصائد هذه المجموعة تحضر الأرض بصيغة التراب حضورا قويا. فيقول بأول قصائد المجموعة:
قد يكونُ لنا في التُّرابِ ظلالٌ (ص. 95).
وفي القصائد التالية لهذه المجموعة يبدأ الشاعر بالتراب فيقول:
في الترابِ خزائنُ للوقتِ مكسورةٌ ... (ص. 99). ويقول:
في الترابِ أبٌ صوتُهُ راعِشٌ بالصلاةِ ... (ص. 101 ) ويكمل:
في الترابِ صَحارى هي الحزنُ حينَ تهبُّ المنافي ... ويضيف:
في التُّرابِ أخٌ يترقّبُ ألعابَهُ أنْ تجيءَ هنا مِنْ ثلاثينَ عامًا ... (ص. 105 ).
وفي ص. 107 يزيد:
في الترابِ ملامحُ سريّةٌ لا تُحبُّ المكانَ وَتَعْبُدُ ريحًا توَزّعُها فوْقَ سهْلِ الصّباح ... ويجدّدُ حين يقول:
في الترابِ أصابعُ مِنْ قصبٍ تتحسّسُ قلْبَ الأناشيدِ فينا ... (ص. 111).
ثم يُكْملُ قائلًا:
في الترابِ ذِراعٌ وَخَصْرٌ من الطينِ لم يكْتملْ ...
ويضيف:
في الترابِ كلامٌ كثيرٌ عنِ البيْتِ والبحْرِ والشُّرُفاتِ الْبَعيدة ... (ص. 117).
ويستمر مبتدئا باقي قصائد المجموعة بالتراب فيقول:
في الترابِ طيورٌ
في الترابِ نوافذُ
في الترابِ قُرًى ومدائنُ
حتى يصل القصيدة الأخيرة (جياد) لمجموعة مرايا ترابية فيخْتِم الشاعر قائلا (ص. 144):
قدْ يكونُ لنا في الترابِ جِيادٌ ...
فَتَصْهَلُ: لا لم نَصِلْ
لمْ نَصِلْ أيَ شَيْءٍ وصَلْنا إليهِ
وبهذا يكونُ كلُّ خيالٍ وشعرٍ وكلُّ ثمرٍ وزهرٍ نِتاجًا للتراب. للتراب الذي يُداسُ عليهِ كلَّ يَوْمٍ دونَ اكْتراث. للتراب والوطن الذي تختبئ فيه الطيور والقرى والأشجار والكلام والصدى. في ثَرى الشاعر كَنْزٌ وَثرْوة. ما أوسعَ خيالَ الشاعرِ وَأثراه.
أمّا المجموعة الثالثة (راية القلب) فهي قصيدة مطولة رمزية يمكن تصنيفُها ضِمْنَ الشعرِ الملحمي. فيها كثير من الرمزية والخيال. فيها شخصيات من الواقع (مثل الشهيدتين دلال المغربي ولينا النابلسي والثائر عز الدين القسام) كما فيها إشاراتٌ من الخيال مثل جلجامش والأفعى. قصيدة يتعانق فيها المكان والزمان. سفر بين الواقع والخيال. اختلاط بين البطل الشهيد في فلسطين والرمزِ الخالد في الأسطورة. ملحمة شعرية قيمة تستحق قراءة نقدية منفردة.
وأخيرًا أتطرق للإيقاع في القصائد: يمكن تصنيف قصائد ديوان حطب أخضر إيقاعيًا ضمن قصائد الشعر الحديث. وهي ملتزمة في موسيقاها الخارجية بإيقاع التفعيلة. جاءت غالبية القصائد على إيقاع تفعيلة "فعولن من بحر المتقارب" أو تفعيلة "فاعلن من بحر المتدارك". ومن يتقن التدوير في الشعر مثل الشاعر إبراهيم نصرالله يمكنه التنقل بين التفعيلتين المتقاربتين بكل رشاقة. هناك تنوع كبير في عدد التفعيلات في كل سطر مما يعطي للموسيقى مجالاتٍ للتّعدّدِ، تطولُ وتقْصرُ وفق ما يحتاجه اكتمال الفكرة والصورة.
خالد شوملي
Khaled Shomali
Khaled Shomali ist bei Facebook. Tritt Facebook bei, um dich mit Khaled Shomali und anderen Nutzern, die du kennst, zu vernetzen. Facebook gibt Menschen die Möglichkeit, Inhalte zu teilen und die...